يهتم الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، باستطلاع موقف المثقفين والمفكرين في الأمور التي ترتبط بالحياة اليومية، وما تجره من تداعيات علي المجتمع كله، وبعد إصدار الأزهر بمعاونة المثقفين العديد من الوثائق المهمة في إطار الحياة السياسية وإرساء مبدأ الحوار بين القوي السياسية والحفاظ علي الدولة الوطنية في وثائق خرجت تباعا بعد ثورة 25 يناير 2011، وكانت محل قبول مختلف القوي السياسية، الآن يسعي الأزهر مجددًا لاستطلاع آراء المثقفين لاستصدار وثيقة جديدة حول آليات تجديد الخطاب الديني. وقال الأزهر في بيان رسمي إن اللقاءات بين الأزهر والمثقفين والمفكرين والعلماء من أجل المشاركة في صياغة وثيقة تَصدر من الأزهر الشريف وتتناول آليات وضوابط تجديد الفكر والخطاب الديني، لكي تساهم الوثيقة فور صدورها في وضع أسس حقيقية وخطط جادة ورؤي عملية تحمي المجتمع من الفكر المتطرف الذي بات يهدد الاستقرار والأمن المجتمعي. ويشارك بجوار علماء الأزهر في صياغة هذه الوثيقة الوطنية، عدد كبير من الباحثين والمفكرين والمثقفين والكتاب من جميع الاتجاهات الفكرية والسياسية والثقافية؛ لعرض رؤاهم ومقترحاتهم حول آليات وضوابط تجديد الفكر والخطاب الديني خلال الحلقات النقاشية التي سيتبناها الأزهر. علي أرض الواقع، بدأ الإمام الأكبر سلسلة لقاءات مع كبار المثقفين والمفكرين في مختلف المجالات، الأسبوع الماضي، لمناقشة آليات وضوابط تجديد الفكر الديني، وقال الإمام الأكبر إن الأزهر علي مدار 1060 عامًا يحمل علي عاتقه نشر سماحة الإسلام ورحمته ويسره، مضيفًا أن قضية تجديد الفكر والخطاب الديني رغم كل هذه الضوضاء إلا أنه لم تجد تحركا جماعيًّا علي كافة مستويات الخطاب الإعلامي والثقافي والتعليمي والديني، موضحًا أن اجتماع الأزهر بالمثقفين يأتي في إطار التشاور والاستماع إلي ما يمكن أن يقدم لمصر والعالم الإسلامي، مشددا علي أن مصر تستحق الكثير ونحن مسؤولون عن هذا الشعب الذي ينتظر منا الكثير. وأوضح الطيب أن مسألة تجديد الخطاب الديني أمرها محسوم في الإسلام، من خلال قول النبي ([): "إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها"، فالتجديد أمر ثابت في الإسلام بنص صريح، علي أن تعقد لقاءات أسبوعية لتباحث هذه الأفكار وصولا إلي صياغة نهائية لوثيقة تجديد الخطاب، حيث طلب الطيب من المثقفين التقدم بأفكارهم ورؤيتهم حول تجديد الخطاب الديني. فيما أكد المشاركون في الاجتماع من المثقفين والمفكرين والعلماء أن هذه الدعوة ثرية في شقيها الفكري والديني، مشيرين إلي أن هناك أمورا استجدت تستوجب تجديد الخطاب، وأن ثقافة وتكوين الإنسان المصري علي وجه صحيح ليست وظيفة الأزهر وحده، بل يسأل عنه الخطاب الإعلامي والتربوي والثقافي، وأضاف المشاركون أن الأزهر ليس في دائرة الاتهام؛ لأنه طرح قضية التجديد ويعمل عليها منذ عشرات السنين، وأن الجنوح والتطرف والعنف الذي نراه غير مستمد من الإسلام، بل من الخروج علي الإسلام. وحرص الأزهر علي أن يكون اللقاء الأول مع المثقفين شاملا مختلف التيارات الثقافية والفكرية، فشارك في اللقاء كل من السيد يسين، الكاتب وباحث الاجتماع المصري، وسكينة فؤاد، مستشار رئيس الجمهورية السابق، وصلاح منتصر، الكاتب الصحفي، ورامي جلال، الكاتب الصحفي، وسناء البيسي، الكاتبة الصحفية، والدكتور مصطفي الفقي، المفكر السياسي، والدكتور عمرو عبدالسميع، الباحث السياسي، والدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، ومدحت العدل الإعلامي والمنتج الفني، بالإضافة إلي الروائيين يوسف القعيد، وجمال الغيطاني، والدكتور معتز عبدالفتاح، أستاذ العلوم السياسية، والدكتور ناجح إبراهيم، المفكر الإسلامي، كما شارك في اللقاء يحيي قلاش، نقيب الصحفيين. كما شارك في اللقاء من المؤسسة الدينية، الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، والدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، والدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، والدكتور أحمد كمال أبوالمجد، عضو مجمع البحوث الإسلامية.. وغيرهم. من جهته، وصف يوسف القعيد، اللقاء بين الأزهر والمثقفين بالجيد، والمبشر، مؤكدا ل"آخر ساعة" أن اللقاء كان الهدف منه استطلاع الرؤي وتحديد محاور النقاش فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني وآلياته وضوابطه، علي أن تستمر هذه اللقاءات في الفترة المقبلة حتي الوصول إلي معالم لتجديد الخطاب تعني بتجديد الخطاب لا تجديد الدين نفسه لأن هذا مرفوض من قبل الجميع، داعيا للاستمرار في جهود تطوير الخطاب في إطار الحرب علي الإرهاب ومحاربة الأفكار المتشددة بأفكار الاستنارة. في السياق، أكد الدكتور محيي الدين عفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الأزهر عازم بكل جد علي مواجهة الأفكار المتطرفة والعمل علي نشر المنهج الوسطي، وأن المؤسسة العريقة تريد أن تمضي قدمًا في هذا المجال من خلال استطلاع رأي المجتمع ممثلا في المثقفين وكبار العلماء، من أجل التوصل إلي تجديد الخطاب الديني عبر مسارات علمية وتربوية متعددة، مشددًا علي أن التجديد يبدأ من تطوير المناهج التعليمية لكي تلبي التطور الذي يشهده المجتمع حاليًا. وتأتي فكرة إطلاق وثيقة الأزهر حول آليات وضوابط تجديد الفكر والخطاب الديني ضمن جهود الأزهر الشريف المتواصلة لمكافحة الإرهاب والأفكار المتطرفة، واستلهامًا لتجارب ناجحة تبناها الأزهر، ومن بينها الوثيقة التي أصدرها الأزهر في يونيو 2011 كاقتراح لتنظيم مستقبل مصر، وكذلك وثيقة الأزهر لنبذ العنف والتي أُطلقت في يناير 2013، وقد ساهمت كلتا الوثيقتين في تحقيق الأهداف المرجوة منهما، وتهدف الوثيقة الجديدة حال صدورها إلي وضع ضوابط حول آليات تجديد الفكر والخطاب الديني، وأن تشارك في حماية مجتمعنا من خطر الأفكار المتطرفة، علي أن يكون ذلك من خلال التنسيق مع جميع الجهات المعنية في الدولة لتنفيذ توصياتها علي أرض الواقع.