تحتفل مجلة «آخر ساعة» هذا الأسبوع بمرور 119 عاماً علي ميلاد مؤسسها الكاتب الكبير محمد التابعي أمير الصحافة الذي رحل عن الحياة عام 1976.. أسس التابعي المجلة عام 1934 واشتراها الأخوين علي ومصطفي أمين لتصدر عن دار أخبار اليوم سنة 1946. ارتبط اسم «آخر ساعة» باسم محمد التابعي.. فهو الذي أنشأها عام 1934، وبذل جهدا كبيرا في سبيل تأسيسها.. وقد شاركه مصطفي أمين في هذا الجهد الجبار حتي خرجت المجلة إلي الوجود أيام وزارة عبدالفتاح يحيي «باشا». لقد ذهب التابعي ومصطفي أمين وقتها يجسان النبض هنا وهناك حتي ترخص وزارة عبدالفتاح يحيي للأستاذ التابعي بإصدار مجلة سياسية.. ولكن الابتسامة التي قابلتهما من موظف وزارة الداخلية كانت أفصح من ألف رفض صريح. وفي يوم الخميس 21 يونية سنة 1934 عقد التابعي اتفاقا مع صاحب مجلة الطيارة (محمد عفيفي شاهين) لكي يصدر معه مجلته المذكورة. لم يعجب ذلك الاسم التابعي ومصطفي أمين وبدأ كل محرر يختار اسما للمجلة بدلا من الطيارة.. وتتابعت الاقتراحات بالأسماء وكان التابعي يرفضها جميعا.. وبعد تفكير طويل صاح مصطفي أمين: «آخر ساعة».. وقال للتابعي: ما قولك في آخر ساعة؟ وسكت التابعي لحظة ثم أخذ مصطفي أمين إلي حجرة مكتبه وتناول من أحد الأدراج «قرش تعريفة» وناوله لمصطفي أمين مكافأة.. وثمنا لاسم «آخر ساعة» التي أصبحت كبري المجلات العربية المصرية!! وهذه هي قصة «محمد التابعي» الأستاذ الكبير للكلمة والصحافة المصرية الحديثة.. وترويها «آخر ساعة» عبر شريط الصور النادرة لرحلة حياته العريضة الحافلة. مع روزاليوسف كان التابعي معجبا بالسيدة روز اليوسف باعتبارها الممثلة الأولي علي مسرح رمسيس وكان يشيد في مقالاته بفنها الرائع وبأدائها الساحر، وعندما اختلف مع يوسف وهبي صاحب المسرح والممثل الأول لأنه أراد أن يعطي دور شابة في العشرين لأمينة رزق، وكانت روز اليوسف جاوزت الأربعين غضبت واستقالت من المسرح وقررت إنشاء مجلة اسمها روز اليوسف، واختارت التابعي محررا بها. وهذه صورتها بين محمد التابعي ومحمد عبدالمجيد حلمي صاحب مجلة المسرح وناقد جريدة كوكب الشرق، وصاحب أحد قلم في الهجوم في تاريخ المسرح المصري. زوزو .. حبه الكبير كانت زوزو حمدي الحكيم الطالبة في معهد التمثيل عام 1930 من أكبر قصص الحب في حياة التابعي، وكانت الأولي علي بنات المعهد، وكانت فاتنة الجمال، وتزوج التابعي من زوزو حمدي الحكيم وكان في ذلك الوقت أشهر صحفي في مصر. وحدثت أزمة في مجلة روز اليوسف، السيدة روز اليوسف والمحررون يعارضون في هذا الزواج.. ومصطفي أمين وحده يؤيده. وانتصرت الأغلبية واضطر التابعي إلي طلاق زوزو وكانت صدمة تكاد تقتلها وبقيت زوزو علي وفائها للتابعي، حتي أنه عندما أراد إصدار مجلة آخر ساعة سنة 1934 واحتاج إلي رأس مال، قدمت مصاغها وكل مجوهراتها للتابعي ليكون رأس مال المجلة الجديدة، واعتذر التابعي عن عدم قبول هذا العرض السخي وقدم طلعت حرب قرضا للتابعي من بنك مصر. خدعة مصطفي أمين كان مصطفي أمين يعمل مع التابعي لمدة 3 سنوات وهو متنكر تحت اسم آخر! كان صديق له هو الذي يسلم التابعي المقالات وكان التابعي يعتبر الصديق صحفيا عظيما، وحدد له مرتبا كبيرا.. ثم فوجئ بعد ثلاث سنوات بظهور مصطفي باسمه الحقيقي، وادعائه أنه يكتب لأول مرة، وتصور التابعي أنه أمام عبقري، بينما الواقع أن مصطفي كان يعمل معه ليل نهار طوال السنوات الثلاث، وفوجئ التابعي بأن إنتاج الصديق الذي استخدمه تضاءل، فأعتقد أنه أدمن علي الحشيش أو وقع في الحب، وعبثا حاول مصطفي الإبقاء علي صاحبه الذي مكث 3 سنوات يقوم بدور «الاسم المستعار»! وعندما كان عمر مصطفي أمين 17 سنة أصبح نائبا لرئيس تحرير روز اليوسف وكان عمر التابعي وقتئذ 36 سنة. حندس كان التابعي يكتب النقد المسرحي في جريدة الأهرام بإمضاء (حندس). وكان مضطرا أن يكتب بتوقيع مستعار لأنه كان موظفا بمجلس النواب وكان القانون يمنع الموظف من الكتابة في الصحف. وكان يهاجم يوسف وهبي هجوما عنيفا، وكان يسخر منه ويسميه (مبعوث العناية الإلهية لانقاذ فن التمثيل في مصر). ومع ذلك كان بينهما صداقة! المصري اتفق التابعي مع محمود أبوالفتح علي إصدار جريدة المصري، وبقي مترددا في إصدار الجريدة! عرض علي فكري أباظة الاشتراك معه فأعتذر، عرض علي إميل وشكري زيدان فترددا.. عرض علي كريم ثابت فقبل.. صدرت المصري سنة 1936 ومن اليوم الأول بدأ الخلاف بين الشركاء الثلاثة لاختلاف الأمزجة بينهم! وكان علي أمين هو حمامة السلام الذي يقوم بينهم.. فقد قرر التابعي انسحابه من الجريدة ليلة صدورها، وأراد نشر البيان، وتدخل علي أمين ومنع النشر. وبعد عامين باع التابعي نصيبه في آخر ساعة لرئيس الوفد مصطفي النحاس بحوالي ثلاثة آلاف جنيه! وأنفقها في شهرين في رحلة إلي سان مورتس! وكان الجنيه في ذلك الوقت يساوي أكثر من عشرة جنيهات الآن! التضحية بأسمهان أحب التابعي أسمهان، وأحبت المطربة أسمهان التابعي وكان حبا عنيفا مليئا بالعتاب والخصام، واللقاء والفراق، والآلام والدموع. واتفق التابعي وأسمهان علي الزواج.. واشتري التابعي دبلة الخطبة.. وفوجئ بمصطفي أمين رئيس تحرير آخر ساعة يقول له إنه سيستقيل من رياسة التحرير إذا تزوج أسمهان! وبعده دخل علي أمين وقال إنه سيستقيل من منصب نائب رئيس التحرير.. وكانت وجهة نظرهما أن هذا الزواج يسيء إلي سمعة المجلة وأن التابعي سوف يصبح أولا زوج أسمهان وبعد ذلك صاحب مجلة آخر ساعة. ثم فوجئ التابعي بأن جميع محرري آخر ساعة يؤيدون مصطفي أمين، ويقولون: إن لأسمهان علاقات أخري، وأن هذه العلاقات تؤثر علي المجلة. واضطر التابعي أن يضحي بحبه من أجل آخر ساعة. وفسخت الخطبة! علاقته برئيس الديوان وكان التابعي علي علاقة وثيقة بأحمد حسنين رائد الملك فاروق ورئيس ديوان الملك. وكان يتوسط في الخلاف بين الملك والنحاس عقب توليه العرش. وكان التابعي صديقا لمكرم عبيد، وكان مكرم معجبا بأسلوب التابعي. ولكن عندما وقع الخلاف بين النحاس ومكرم عبيد في عام 1942 انضم التابعي إلي النحاس، وكتب سلسلة من المقالات العنيفة ضد مكرم عبيد. وكان التابعي كاتبا سياسيا لايرحم! يهاجم ولايتوقف، يحارب ولايهادن.. قادرا أن يجعل من الوزير أضحوكة، ومن رئيس الوزراء نكتة، ومن الزعيم السياسي نادرة تروي! صديق شخصي للنقراشي وكان التابعي كذلك صديقا شخصيا للنقراشي.. وكان يذهب كل يوم أحد إلي النادي السعدي أيام كان النقراشي أحد أقطاب الوفد، ويلعب معه الطاولة.. وكان التابعي لايحب التحدث في السياسة مع الزعماء والأقطاب، فكان يحرص علي ألا يقابلهم، وكان يختار موقفه السياسي وهو بعيد عنهم.. وهذه صورته مع النقراشي (بالعباءة) وعبدالحميد البنان النائب الوفدي وتوفيق دياب صاحب جريدة الجهاد ومحسن العيسوي في إحدي رحلاتهم خارج القاهرة (علي طريق الفيوم). الزوجة الثانية في أوائل الخمسينات تزوج التابعي زواجه الثاني من السيدة هدي.. وأنجب منها محمد.. الذي كان يدلله باسم «كوكي» وهو الآن طالب بالجامعة الأمريكية.. وأنجب منها أيضا شريفة وهي طالبة بالسنة الثالثة بكلية الإعلام.. والصورة للتابعي ومعه ابنه محمد «كوكي» في رأس البر مصيفه المفضل في صيف سنة 1955.. والصورة الثانية للتابعي وهو يدلي بصوته في انتخابات سنة 1962 في لجنة «أخبار اليوم». وشاية كاذبة في صباح يوم 23 يوليو اجتمع في أخبار اليوم التابعي ومصطفي أمين وعلي أمين وكامل الشناوي وقرروا أن تقف أخبار اليوم وجميع صحفها بجوار الثورة. وأن يطالبوا الثورة بأن تسارع بعزل الملك، لأنه «إذا لم يتغدوا به فسوف يتعشي بهم»! واتفقوا أن يبلغ التابعي ومصطفي أمين هذا الموقف للقيادة!. وفي نفس اليوم قبضت الثورة علي مصطفي أمين وعلي أمين بناء علي وشاية كاذبة. وذهب التابعي وقابل أعضاء مجلس الثورة، وطالبهم بالإسراع في عزل الملك فاروق.. وتظاهروا بأنهم لايفكرون في ذلك! وأرسل مصطفي وعلي أمين من المعتقل خطابا يبلغان قيادة الثورة قرار أخبار اليوم وصدر قرار قيادة الثورة بالإفراج عنهما والاعتذار لهما.. وكان الرئيس عبدالناصر يشيد دائما بموقف التابعي وموقف أخبار اليوم في أيام الثورة الأولي. ويري في الصورة الرئيس عبدالناصر يسلم التابعي وسام الآداب والفنون في أول عيد من أعياد العلم سنة 1960. نشر في العدد 2201 بتاريخ 29/12/1976