هيلارى كلينتون الوقت المناسب لقرار صعب جديد بات وشيكاً.. بهذه العبارة أنهت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون مذكراتها المنشورة عام 2014 بعنوان Hard Choices أو «خيارات صعبة»، ويبدو أن الوقت قد جاء بالفعل، حيث أضفت كلينتون طابعاً رسمياً علي ترشحها لانتخابات الرئاسة في 2016، بتكوين فريق حملتها للماراثون الرئاسي والذي أعلنت عن تدشينه من مدينة بروكلين، ولم يكن أحد يشك في نية سيدة أمريكا الأولي سابقا في الترشح مرة أخري بعد خسارتها المؤلمة عام 2008 في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي أمام باراك أوباما. بعد مرور 8 سنوات وبعد بلوغها العام السابع بعد الستين، تندفع الوزيرة السابقة نحو الاستحقاق الرئاسي ولكن بشكل مختلف تماما، فهي بلا أي منصب رسمي منذ 3 سنوات، وتشير استطلاعات الرأي إلي تفوق كاسح في شعبيتها داخل الحزب الديموقراطي بشكل يفوق ما كانت عليه في 2008، حيث تظهر المؤشرات نية أعضاء الحزب في التصويت لها بنسبة تفوق 40% أكثر من أي مرشح أخر، علماً بأنه حتي الآن لم يجرؤ أي من أعضاء الحزب إعلان نيته للترشح. وكان الجدل أثير حول هيلاري في الثاني من مارس الماضي حينما كشفت صحيفة النيويورك تايمز أن السيدة كلينتون استخدمت طوال السنوات الأربع التي أمضتها وزيرة للخارجية في المقر الرسمي للوزارة ب Foggy Bottom، بريدها الإلكتروني الخاص وسيرفر خاص أيضاً، وذلك علي عكس ما يفترض أن تفعل باستخدام بريد الوزارة، لتعاود وسائل الإعلام الأمريكية الحديث عنها باعتبارها زوجة متسلطة ومريضة بهوس السرية، وهو نفس ما كان يُقال عنها إبان تولي زوجها للرئاسة في الفترة من 1992-2000. الصعود القوي لهيلاري كلينتون يكشف عن أزمة انعدام الكفاءات الكاريزمية في الحزب الديموقراطي، فبعد جون إدوارد الذي خسر انتخابات الرئاسة في 2004 أمام الجمهوري جورج بوش الابن، ظهر باراك أوباما الذي جمد حركة ظهور قيادات جديدة داخل الحزب علي مدار السنوات الثماني السابقة، ففي انتخابات 2012 حصل الرئيس أوباما تلقائياً علي مساندة الحزب لعدم وجود من يستطيع منافسته في التأثير والحضور وقوة الشخصية، ولكن الوقت نفسه شهد ظهور قيادات جمهورية بفعل نجاحهم في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس عامي 2012 و2014، وكذلك في انتخابات محافظي الولايات، فبات الجمهوريون يملكون الأغلبية في الكونجرس بغرفتيه الشيوخ والنواب، كما يستحوذون علي ثلثي الولايات كحكام.. اختفاء القيادات الكاريزيمة في الحزب الديموقراطي يتضح أكثر في الحديث عن الشخصيات التي يدور الحديث عنها باعتبارها يمكنها منافسة هيلاري علي بطاقة الترشح للماراثون الرئاسي، ومنها مارتن أومالي المولود عام 1963 وترك منصبه في يناير الماضي كحاكم لولاية ميريلاند تلك الولاية «الزرقاء» اللون التقليدي للحزب الديموقراطي، بعدما خسر أمام مرشح الحزب الجمهوري، كما يحاول كثيرون إقناع نائب الرئيس جو بايدن الذي خسر في الانتخابات التمهيدية بالحزب عام 2008 ويبلغ من العمر 72 عاماً، ويبدو أن بايدن نفسه غير مقتنع، وهناك أيضاً بيرني ساندرز السناتور المستقل عن ولاية فيرمونت الذي عادةً ما يصوت للديموقراطيين ويبلغ من العمر 73 عاماً. وتبدو هيلاري غير بعيدة عن سياسات أوباما الداخلية علي وجه الخصوص، ولا تنتقده سوي علي صعيد سياساته الخارجية، وهو ما ظهر صراحةً في حوار أجرته مع مجلة The Atlantic، ومن المتوقع أن تستفيد هيلاري من التقدم الذي حققه أوباما علي الصعيد الاقتصادي، كما يمكنها الاستفادة من حديثه عن (مصير الطبقة المتوسطة) وعن «المنسيين» في أزمة 2008 الاقتصادية، كما يمكن لهيلاري أن تربح من التطور الذي طرأ علي أفكار المجتمع الأمريكي المحافظ بطبعه، حيث أصبح أمر كزواج الشواذ يلقي قبولاً لدي العديد من الشرائح، وهو ما لا يمكن أن يقبل به الحزب الجمهوري المحسوب علي اليمين، وصاحب الآراء المتحجرة في مسألة الهجرة وهو ما يعزله عن جالية إسبانو-أمريكية (مواطنون منحدرون من المكسيك وبلدان أمريكا الجنوبية المتحدثة بالإسبانية) ضخمة لها ثقل تصويتي لا يُستهان به. رؤية سيدة في منصب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية هو جزء كبير من حلم أمريكا المستقبلية كما تتمناها هيلاري كلينتون في مذكراتها، ولهذا السبب كرست وقتاً كبيراً لإعطاء محاضرات عن أهمية وقيمة المرأة في المجتمع، وسافرت للعديد من الولايات لمساندة مرشحات ديموقراطيات في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، ولكن دون أي نجاح يُذكر. الحزب الجمهوري الذي يحاول توريط هيلاري في الهجوم علي قرار أوباما بإرسال بعثة دبلوماسية إلي مدينة بني غازي الليبية، الأمر الذي كلف السفير جون كريستوفر ستيفنز حياته في سبتمبر 2012، لن يستطيع مهاجمة سيدة أمريكا الأولي سابقاً باعتبارها تحاول الحصول علي الإرث السياسي لزوجها بيل كلينتون، ذلك لأن التوقعات تشير إلي أن خصمها سيكون المرشح الجمهوري جيب بوش حاكم ولاية فلوريدا سابقاً.