عندما ظهر الأتوبيس المكيف في شوارع القاهرة من سنوات استبشرنا خيرا. أخيرا أنعمت علينا الحكومة بوسيلة مواصلات آدمية.. حافلات فخمة يقودها سائق دمث الخلق بزي خاص حريص علي الاعتناء بمظهره مقارنة بزملائه قائدي سيارات النقل العام. ما إن تصعد للأتوبيس حتي تشعر بفارق كبير.. مقاعد أنيقة مريحة، ستائر تحجب الشمس. هواء بارد يتسلل من جهاز التكييف ينعشك ويفصلك تماما عن الجو الخانق ويقلل إحساسك بالملل من الزحام وخنقة الطريق وبشاعة الشوارع وقبحها خاصة عندما تصلك أصوات الموسيقي الهادئة والأغاني المحببة لتأخذك معها في جوها الساحر فتهدأ أعصابك اللاهثة دوما وراء اللاشيء. كان هذا حال ركاب الأتوبيس المكيف أو السيي تي إيه كما يطلقون عليه قبل أن يصيبه التغيير وينقلب الحال للأسوأ. ويبدو أن وزارة النقل استكثرت علينا هذه الراحة فأبت أن تتركنا ننعم بقليل من الآدمية في شوارع لاتعترف أصلا بالإنسانية. فكانت النهاية المأساوية للأتوبيس المكيف الذي أصبح ركابه يطلقون عليه السي تي إف عليه بعدما تحول إلي مقلب زبالة. ستائر مهلهلة قذرة ومقاعد متهالكة يعلوها أكوام من التراب تجبرك علي التفكير في حمل فوطة صفراء لزوم التنظيف بعدما تكتشف عجز المناديل الورقية علي القيام بالمهمة. أصبح من المألوف جدا أن يقوم الركاب بهمة نظافة المقاعد وإلا ظهرت آثار الأتربة واضحة علي ظهور القمصان وأرجل البنطلونات التي باتت العلامة المميزة لركاب الأتوبيس الذي كان يوما مكيفا. وأصبح اسمه الآن علي غير مسمي بعدما تعطلت أجهزته وأصبح أقرب لعلبة السردين .فتصميمه الذي لايسمح بفتح النوافذ جعل من الساعات التي نقضيها فيه هي الجحيم بعينه. لتجد نفسك مضطرا في النهاية للعودة للأتوبيس العادي مرددا كالعادة «يافرحة ماتمت خدها الإهمال وطار».