عائلة زاهية استقبلت وفد الداخلية بحفاوة بالغة في لفتة إنسانية تحسب لجهاز الشرطة، وجه وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار بترميم منزل ضحية الإرهاب بالفيوم علي نفقة الوزارة وكذلك تقديم بعض المساعدات المالية لأسرتها، وأرسل وفداً يضم ضباطا وضابطات من قطاع حقوق الإنسان في الوزارة إلي منزل الضحية مرتين، لتقديم واجب العزاء ومواساة أسرتها وتقديم المساعدات المالية، وكانت «آخرساعة» الجهة الإعلامية الوحيدة التي رافقت وفد الداخلية وقابلت أسرة الضحية للتعرف علي قصتها بالكامل. زاهية جمعة أحمد هو اسم ضحية العملية الإرهابية الخسيسة. تقيم بمركز إطسا بمحافظة الفيوم، وعلي الرغم من أنها كانت تعيش في حالها، إلا أنها لم تنج من الإرهاب الأسود الذي لم يفرّق بين رجل شرطة ومواطن عادي، حيث دفعت حياتها ثمناً للبحث عن لقمة العيش بعد أن انفجر جسم غريب في وجهها التقطته من قمامة الشارع التي تجمعها بغرض فرزها وبيعها للتجار لتنفق منها علي أسرتها المكونة من زوجها إبراهيم محمد حسين (72 عاماً) والمريض بالسكر، وابنتها نعمة (30 عاماً) التي أنجبتها من زوجها الأول، ورغم أن نعمة تزوجت ثلاث مرات وأنجبت أربعة أبناء إلا أنها الآن مطلقة. حين وصلنا إلي قرية الضحية كانت الشوارع هادئة، وتكاد تكون خالية من المارة وفجأة بمجرد رؤية الأهالي للضباط فور نزولهم من السيارة تحلّق عشرات الأهالي حول الضباط ورحبوا بهم، ثم اصطحبونا إلي منزل أسرة الضحية الذي أصبح أشهر منزل في القرية بعد الحادث، وفي طريقنا إلي المنزله أجمع جيران الضحية علي أنها كانت امرأة عجوزا طيبة لم تؤذ أحداً ورغم ذلك لم تسلم من الإرهاب، واتهموا الفقر بأنه السبب في موتها لأنها كانت تخرج للبحث عن رزقها في القمامة ليلاً خوفاً من نظرة المجتمع إليها، وبعد دخولنا في إحدي الحواري الضيقة وجدنا زوج الضحية يجلس علي الأرض وبجواره ابنتها وأربعة أطفال أمام منزل قديم مكون من طابقين بكل طابق غرفة واحدة وبه حمام ومطبخ مشترك. بعد تقديم الضباط عزاء وزير الداخلية قص العم إبراهيم «زوج الضحية» ل»آخرساعة» حكاية زوجته بصوت حزين والدموع تملأ عينيه، قائلاً: «تزوجت من زاهية عندما كنت موظفاً في وزارة الأوقاف حيث كنت أعمل عاملا في مسجد، وذلك بعد رحيل زوجها الأول الذي أنجبت منه بنتا فقط لكني لم أنجب منها، وقد خرجت علي المعاش منذ 12 سنة، لكن معاشي الذي لا يتجاوز الألف جنيه لا يكفيني، حيث أدفع منها 200 جنيه إيجار البيت وحده، وبعد تدهور حالتي الصحية، كانت زاهية تنفق علينا من خلال عملها في جمع العبوات البلاستيكية الفارغة وبيعها لتجار الخردة، حيث كانت تخرج يومياً بعد صلاة العشاء لتبحث عن رزقها وتعود قبل الفجر لتصليه في البيت وكنت أساعدها في فرز ما تجمعه». يتابع: ليلة الحادث خرجت معها لمساعدتها، والعبوات الفارغة التي جمعناها في هذه الليلة كان جزء منها بجوار أحد المستشفيات والآخر بجوار محكمة الفيوم، وكانت سعيدة في هذه الليلة نظراً لعثورها علي عبوة كبيرة اعتقدت أنها بطارية موتوسيكل، وقالت إنها ستبيعها لوحدها بعيداً عن باقي العبوات لأنها ستحصل من المشتري علي مبلغ كبير، وبعد عودتنا إلي المنزل في الثانية صباحاً طلبت منها أن تحضر لي كوب شاي وبسبب التعب والمجهود الذي بذلته غلبني النوم لثوان قليلة حيث صحوت علي صوت انفجار زلزل البيت، فذهبت مسرعاً أبحث عن زوجتي وسط الدخان فلم أجد منها شيئا إلا بعض الأشلاء المتناثرة بين العبوات البلاستيكية الفارغة والهيكل العظمي للجمجمة». يضيف: زاهية كانت عيني وإيدي ورجلي وكل حاجة بالنسبة لي وبعدها خسرت الدنيا كلها وأتمني إن ربنا يجازيها عني خيرا وعاوزها تسامحني لأني تعبتها معايا، وبشكر وزير الداخلية لأنه قدم لي العزاء في التليفون وأرسل لنا ضباطا وضابطات أكثر من مرة وأعطوني مساعدة مالية وأقول له البلد كلها بتشكرك، والإرهابيون الخائنون للوطن ينتقم منهم الجبار، والرئيس السيسي ربنا يعينه وينصره علي الإرهاب». فيما قالت نعمة (بنت الضحية): أمي كانت بمائة راجل كانت عمار البيت، بتشقي عشنا وكانت بتحرم نفسها من كل حاجة عشان توفر لنا اللي عايزينه، ورغم الجهد اللي كانت بتعمله كل يوم مفيش في مرة اشتكت ورغم أنها بتتألم من صعوبة شغلها لكن كانت دايماً بتسعدنا، وفي ليلة الحادث عملت حفل عيد ميلاد لحفيدتها سعاد وكانت فرحانة، وبنتي إيمان (10 سنوات) نجت من الموت لأنها كانت تساعد جدتها ليلة الحادث، عاوزة أشكر وزارة الداخلية لاهتمامها بنا والوقوف بجانبنا وتقديمها مساعدات لنا». تدخلت فجأة سيدة في الحديث وهي تصرخ بصوت مرتفع «عاوزين شقة نعيش فيها»، فقامت العقيد منال بتهدئتها واستمعت إليها وسجلت بياناتها وشكواها وأخذت رقم تليفونها للتواصل معها، حيث قالت السيدة التي تدعي سرية صلاح مبروك إن أسرتها مكونة من ستة أفراد وشقتها التي تقيم فيها بالإيجار حدث بها شروخ نتيجة الانفجار وتخشي انهيارها. في نهاية الزيارة طبعت العديد من سيدات القرية القبلات علي وجه العقيد منال والتقطوا معها صوراً تذكارية وطلبوا من المقدم محمد الزغبي البقاء معهم في القرية وعدم المغادرة، فرد مبتسماً: «هنيجي تاني إن شاء الله وربنا معاكم». من جانبه، كشف مساعد أول وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان اللواء أبوبكر عبدالكريم ل»آخرساعة» أنه في تحرك سريع من الوزارة عقب وقوع الحادث أصدر وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار قراراً إنسانيا لمديرية أمن الفيوم بإعادة ترميم منزل الضحية علي نفقة الوزارة، موضحاً أن القطاع أرسل ضباطه إلي أسرة الشهيدة مرتين خلال أسبوع واحد، حيث كانت المرة الأولي بعد الحادث مباشرة لتقديم العزاء وتقديم مساعدة مالية عاجلة لهم، وضم الوفد العميد دكتور راضي عبدالمعطي والعقيد أحمد الدسوقي والعقيد منار مختار.