قضية حج الأقباط إلي بيت المقدس الواجهة أخيراً، فعلي الرغم من الحظر الكنسي، سافر عدد من الأقباط الأرثوذكس منذ أيام إلي مدينة القدس، لإحياء أسبوع الآلام وتأدية مراسم الحج، الذي يتمثل في زيارة الأماكن المقدسة التي قضي فيها المسيح أيامه الأخيرة علي الأرض، غير مُبالين بالعقوبات التي ستطبقها عليهم الكنيسة القبطية، مثل الحرمان من التناول (طقس كنسي وسر من الأسرار)، بينما ذهبت آراء إلي استبدال بيت المقدس ب"دير المحرق" في أسيوط، في وقت لا ينشغل مسيحيو الطوائف الأخري بأية عقوبة، لأن كنائسهم تعتبر الحج مسألة شخصية. رمسيس النجار: يحق للبابا تطبيق عقوبات علي الحجاج الأرثوذكس حظر الحج في الأرثوذكسية ليس نابعاً من اختلافها عن باقي الطوائف، لكن من نهج اتخذته منذ أن قال البابا الراحل شنودة الثالث "لن نسافر إلي القدس إلا مع إخواننا المسلمين"، وهو قرار سياسي وليس دينياً، خصوصاً أن الحج المسيحي من الطقوس المستحدثة، وفق ما جاء في كتاب "حركة الحج إلي مملكة بيت المقدس الصليبية في القرنين 12 و13 ميلادي" للدكتورة هنادي السيد محمود، حيث تقول: "الحج المسيحي ليس من صلب الديانة المسيحية، ومبعثه مزيج من ارتباط تاريخي فيما يتعلق بحياة المسيح، والمكان الذي بُعث فيه، مع ارتباط روحاني في قدسية هذه المناطق، خصوصاً بعد انتشار الكتب الدينية التي أخذت تفيض في وصف المسيح وولادته وأقواله، ثم اضطهاده وصلبه من قبل اليهود، كل ذلك خلق تشوقاً لدي المسيحيين لزيارة فلسطين التي شهدت بزوغ فجر المسيحية الأولي". تواصل: "لقيت فكرة الحج صراعاً منذ فجر العصور الوسطي، فلم يكن آباء الكنيسة يؤيدون هذا الاتجاه بما يصاحبه من وجهة نظرهم من تعرض الحجاج للأخطار، وأن الارتحال إلي بيت المقدس لا جدوي منه. ورغم إنكارهم قيمة الحج في بادئ الأمر، إلا أنهم أقروها منذ القرن الرابع الميلادي أو القرن الخامس، وانتهي الأمر بأن أصبحت الكنيسة تطلب من أتباعها أن يكفروا عن خطاياهم بالحج إلي فلسطين". اختلاف مواقف الآباء وقيادات الكنائس لا يزال موجوداً حتي الآن، إذ يري البعض أن هناك أماكن مقدسة بديلة في مصر زارتها العائلة المقدسة يُمكن الحج إليها. يقول رمسيس النجار، المستشار القانوني السابق للبابا شنودة والمتخصص في مجال حرية الأديان: "عندما أصدرت الكنيسة الأرثوذكسية في عهد شنودة قرارا بمنع سفر الأقباط إلي القدس، كان قرارا وطنيا يراعي مصالحنا جميعاً، وهو ملزم للشعب المسيحي، وليس هناك مجال لمخالفته خصوصا أن البابا تواضروس أكد عليه، فطاعة البابا وآباء المجمع المقدس واجبة علي الرعية.. ويلتزم غالبية المسيحيين الأرثوذكس بالقرار، أما المخالفون فقلة، وتملك الكنيسة حق معاقبتهم كأن تحرمهم من التناول لمدة تُقدر من 40 إلي 60 يوماً". يري رمسيس أن هناك جوانب إيجابية لقرار منع السفر، وهو عدم ذهاب أموال الأقباط إلي الخارج، وبالأخص إلي جيوب الإسرائيليين الذين يمنحونهم التأشيرة ومن ثم قد يُتهمون بالتطبيع، وأنه من الأولي أن تستفيد مصر بهذه الأموال من خلال الحج إلي الأماكن المقدسة التي مر عليها المسيح، خصوصاً أن الحج إلي القدس ليس فرضاً، متابعاً: "لدينا قدس آخر في دير المحرق بأسيوط، الذي عاش فيه المسيح وهو طفل قرابة الثلاث سنوات.. من الممكن أن يزور المسيحيون هذا الدير، ويحيون أسبوع الآلام فيه، وتحسب لهم حجة؛ لأن هذا المكان لا يقل قدسية عن مكان صلب المسيح". لم يختلف الأب عبدالمسيح بسيط، كاهن كنيسة العذراء بمسطرد، مع اقتراح الحج إلي دير المحرق، لكنه يعتقد أن المسيحيين علي اختلاف طوائفهم يقدسون الأماكن التي عاش فيها المسيح خصوصاً بعد إعلانه عن دعوته، عن الأماكن التي زارها في مصر وهو طفل، لذلك يسافر نحو ستة آلاف مسيحي بينهم 200 أرثوذكسي إلي القدس - وفق الأرقام التي أعلنت عنها الشركات السياحية - للحج الذي يبدأ 4 أبريل المقبل وينتهي يوم 12 من نفس الشهر. قائلاً: "يحاول الأقباط في هذه الزيارة أن يعيشوا الآلام التي تعرض لها المسيح، من خلال قضائهم الأيام وهم يتنقلون سيراً علي الأقدام بين الأماكن المقدسة، وإنشاد الترانيم والاستماع إلي الخطب والمواعظ، ويختمون زيارتهم برؤية قبر المسيح وظهور نوره يوم عيد القيامة". بعد إتمام هذه الطقوس، يشعر الحاج المسيحي بروحانية وبهدوء نفسي. ورغم أنه لا يوجد نص مقدس للحج، إلا أن الآباء الأوائل قالوا إن الحج يمكن أن يكفر خطايا سنة واحدة أو سبع سنوات أو خطايا العمر كله.. في هذا الشأن، اعترض الأب يوحنا قلتة، راعي الكنيسة الكاثوليكية، قائلاً: "رغم أن الطائفة الكاثوليكية لا تحظر سفر رعاياها إلي القدس، لأنه مسألة شخصية وليس فرضاً دينياَ، إلا أن الحاج يجب أن يضع في اعتباره أنه يسافر لأجل التأمل والصلاة، ولطلب التقوي، ليس لأجل تكفير الذنوب لأن الترويج لهذا الهدف، جعل من الحج تجارة أكثر منه عبادة، إذ تصل تكاليف رحلة القدس أكثر من 13 ألف جنيه"، مضيفاً أن عقيدتهم لا تحصر الله في مكان واحد، وأن كل الأراضي بالنسبة لهم مقدسة، وبالأخص أرض سيناء التي تجلي فيها صوت الخالق لسيدنا موسي. اختلاف موقف الطوائف المسيحية بشأن الحج، لم يجعل الدولة تتدخل في شئونهم لحسم هذه القضية، ولم يُذكر أنه تم اتهام أي حاج مسيحي بالتطبيع من قبل الدولة، بل يتم تسهيل عمليات السفر إلي القدس. يقول أشرف عمر، وكيل أول وزارة السياحة ورئيس قطاع الشركات السياحية، إن أكثر من ستة آلاف مسيحي تقدموا للسفر إلي القدس، وقد انطلق الفوج الأول الأسبوع الماضي، وأن الوزارة تتعامل مع هذا السفر علي اعتبار أنه رحلات لا تملك منعها، مضيفاً أن المسيحيين يخطرون الشركات السياحية بطوائفهم وبأعمارهم، وأي إجراءات أخري لا تخصهم.