ماذا لو كان الفنان الذي يرسم اللوحة هو نفسه الشاعر الذي اختار من قبل الكلمات لتكون تعبيره عما يريد؟!.. وهل يكون انتقاله إلي وسيلة التعبير الجديدة باستخدام الفرشاة بدلا من القلم اعترافا بأنها الأكثر ثراء خاصة حين يشاهد اللوحة التي انتهي منها وقد انفجرت بالكثير من المعاني حتي التي لم تكن في ذهنه لحظة الإبداع؟.. أم أن المسألة هي علاقة تكاملية بين النص والشكل يعطي كل منهما الآخر ما يحتاج إليه في حالة خاصة من الاندماج بين الكلمة الخفية والشكل الظاهر؟.. والآن هل نستطيع أن نقول إن أحمد الشهاوي الذي يقيم حاليا معرضه التشكيلي الأول بقاعة "إبداع للفنون التشكيلية" بالزمالك استطاع أن يرسم قصائده التي قدمها من قبل في دواوينه المنشورة في 70 لوحة هي كل ما ضمها المعرض والذي أنجزه الشاعر الفنان خلال هذا العام 2010 . "مقام الأسرار" هو الاسم الذي أطلقه الشهاوي علي معرضه الذي بدأ في الثامن عشر من أكتوبر الجاري ويستمر حتي الخامس عشر من نوفمبر القادم واستخدم فيه الألوان المائية والأكريلك إضافة إلي خامات أخري متنوّعة. فقدم لوحات تجريدية رمزية تارة وتعبيرية طوراً، بغموضها الدائم المتجدّد وبألوانها النحاسية البنية المائلة الي الحمرة ذات النقوش والرموز الدقيقة، والتي تشبه رسوم الفراعنة القدماء في المعابد، من دون أن تشبهها في شيء من محتواها. ويبدو أن الشهاوي المغرم بالحالة الصوفية في شعره قرر أن ينقلها إلي رسوماته التي وصفها الناقد أسامة عفيفي بأنها تمخر في بحار الصوفية وتجلياتها " شعرا ونثرا " ويضيف: حاول أن يبحر في هذه الشعرية عبر اللون الأسود بالتحديد وهو لون " آل البيت من أحفاد الرسول الكريم " في عالم " الرؤية " بصريا ويترجم ما ذاقه وامتلأ به قلبه بصريا أيضا أي عبر ما رآه وتذوقه في رحلته الوجدانية باللون وتحتاج هذه التجربة إلي " تأمل صاف " لتكتشف كمتلق رويدا رويدا " رؤيتك " أنت ... إذا ما جاهدت نفسك، وخلصتها من قوانين الجاذبية .. فكرا وذوقا وروحا . ويعترف الفنان التشكيلي الدكتور أحمد عبد الكريم وكيل كلية التربية الفنية بأنه عندما قرأ منذ زمنٍ قريبٍ شعر أحمد الشّهاوي وجد أن الَّلونينَ الأبيضَ والأسودَ هما العامل المشترك المتوفر في أشعاره ولوحاته، كما أن كثيرًا من اللوحات ذات بريق ينمُّ عن ثقافةٍ متأصلةٍ في عالم الألوان والتكوينات الشعرية جماليًا وأصبح بذلك الشاعر لونا من الألوان وترك للقارئ أن يبحث عنه في عالم الألوان، والأشكال. ويتحدث الفنان التشكيلي الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن عن البعد الصوفي عند أحمد الشهاوي فيقول إنه يجعله مشغولا بجزيئات اللون وتفاعله علي سطح الورق في حالة استغراق تأملي بعيد عن مسميات الأشياء المتعارف عليها للأشكال . وأن حالة الاستغراق والتأمل هذه تجعله ينتشي بفعل اللون علي سطح الورق يُحدث فعله بنفسه ويخلق أشكاله بتلقائية ويملك قرار انتشاره علي السطح كيفما تتشكل الأشكال في الذاكرة، وتتجلي كثافته وعمقه حسب رغبة اللون واستقبال الورق له ، أما أحمد الشهاوي فيتأمل متعة هذا الحوار، ولا يفسده .وهذا هو مانراه في هذا المعرض حالة من الوجد من خلال الاستغراق في لعب فطري له عمق الكتابة التي قرأناها له في تجربته الشعرية المعروفة أما الفنانة التشكيلية والناقدة فدوي رمضان فتري أن تجربة الشهاوي الفنية تعد واحدة من أصدق التجارب الجديدة المطروحة بالمعرض العام 2010خصوصا ما يتعلق منها بحميمية التجريب والعزم علي المتابعة، ورغم وليديتها الراهنة واستمراريتها المحتملة فإن بشائر التجربة تستبعد التشكيك في عرضيتها، فما بين المبدع وأدواته تتوحد العلاقة الإبداعية علي اختلاف تصنيفها، ومهما كان الناتج في النهاية يتحدد المعيار وفقا لقيمته. بينما يذكر الشاعر والناقد التشكيلي الدكتور السيد رشاد أن لوحات الشهاوي تنتمي إلي ما يمكن تسميته (التجريد التعبيري )حيث تحول فيها اللون إلي صوت، والتكوين البصري إلي بصيرة ..أسهم في ذلك هذا التوظيف الفني المتفرد لمساقط الضوء والظل الذي تجاوز التركيبة الأحادية لكليهما ليصبحا أكثر تمثيلا، وأوسع أداء لمعني التشكيل الجمالي – الدلالي، ودالة تقودنا عبر مسارات ودوافع وتشابكات التكوين إلي النفاذ داخل جوهره بعمق، وهو ما أضفي توهجا آخر علي جغرافية اللوحة حيث لعب البعد الثالث المتعلق بالعمق الدور المحوري، الأهم لتستمد اللوحة اتزانها الفني لا من خط القاعدة كعامل اتزان تقليدي مشترك بين الفنان والتكوين والمشاهد لكن من هذا الخط الوهمي الذي يشكله امتداد العمق غير المرئي داخل فراغات اللوحة، فيما اختزل أحمد الشهاوي الضجيج اللوني إلي أدني حدوده الممكنة لحساب الشفافية البصرية الاعمق دلاليا.