الاقتصاد الأمريكي تعرض خلال قرنين من الزمن لأزمات عصفت بأركانه كان أخطرها الكساد الكبير أو الثلاثاء الأسود عام 1929 حينما انهارت بورصة وول ستريت واستمرت الآثار والتداعيات لعشر سنوات لاحقة ثم توالت الأزمات التي امتدت تأثيراتها إلي الاقتصاد العالمي من أزمة وقف إمدادات البترول العربي للغرب خلال حرب أكتوبر 73 إلي انهيار البورصات الآسيوية عام 1987 ثم شركات الإنترنت إلي أزمة الرهن العقاري وغيرها ، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية طفت علي السطح مشكلة تهدد الاقتصاد الأمريكي تتمثل في زيادة حجم الديون علي الحكومة الفيدرالية وتجاوزها الناتج المحلي الإجمالي وهو مايعني اقتراب الاقتصاد الأمريكي من حافة الهاوية المالية وبمعني آخر إعلان أو إشهار الإفلاس ! الرقم الرسمي المعلن للديون الأمريكية هو أكثر من 17تريليون دولار (التريليون ألف مليار) وإن كانت هناك تقديرات أكاديمية تشير إلي أن الرقم الحقيقي هو 86 تريليون دولار بل ويذهب آخرون إلي مدي أبعد (200تريليون) لأن الرقم الرسمي لايشمل التزامات الحكومة الفيدرالية الخاصة ببرامج الضمان الاجتماعي والصحي والصناديق الائتمانية ، ومتوسط نصيب كل أسرة أمريكية من الديون 615 ألف دولار في حين أن متوسط دخلها لايتجاوز 51 ألف دولار سنويا ، وقد زاد حجم الديون بمقدار 7 تريليونات في السنوات الخمس الماضية لحكم أوباما ، والرقم القياسي للديون يقفز بأمريكا لتكون أكبر دولة مدينة علي مستوي العالم ، بل إن الرقم يزيد علي حجم ديونها خلال 227 عاما (من جورج واشنطن وحتي بيل كلينتون) التحذيرات من تكرار أزمة الكساد الكبير جاءت من أحد أبرز خبراء البورصة والمستشار المالي في المخابرات الامريكية( CIA ) جيم ريكاردز الذي حدد منتصف مارس المقبل كموعد لحدوث انهيار في سوق الأسهم بنسبة 70% يقود لانهيار مالي يقدر حجمه ب100 تريليون دولار لتدخل أمريكا أسوأ مرحلة في تاريخها وأشار إلي خمس مناطق ساخنة قد تحدث منها الكارثة ، والانهيار لن يكون مفاجئا بل منهجيا لأن المؤسسات المالية تتجاهل الخطر القادم ومؤشراته ومن أهمها مؤشر البؤس الذي أنشئ لتحديد مدي الاقتراب من الانهيار الاجتماعي إضافة لاستمرار البنك الفيدرالي في طبع أوراق البنكنوت دون سقف أو حدود والكساد الكبير الذي حدث في نهاية العشرينيات من القرن الماضي ضرب بعنف كافة صور الحياة في أمريكا كانت له مقدماته التي تمثلت في موجات من النشاط الاقتصادي والإقراض والمضاربات المحمومة في أسواق المال الامريكية ، لكن فجأة كانت البداية والصدمة بالخميس الأسود في 24 أكتوبر1929بالهبوط الحاد في وول ستريت تبعه الثلاثاء التالي المماثل عندما طرح 13مليون سهم للبيع لم تجد من يشتريها لتنهار السوق ووصلت الخسائر إلي أكثر من عشر مرات من الميزانية الفيدرالية وانهيار اقتصادي واجتماعي شامل استمر لعشر سنوات تمثل في ارتفاع معدلات البطالة (وصلت في العام التالي إلي 58% ووصل عدد العاطلين في عام 1932 إلي 15 مليونا) وإغلاق آلاف المصانع والبنوك وانخفاض إنتاج وأسعار السلع والمحاصيل الزراعية ودخل الفرد وإيرادات الضرائب وانهيار قيمة الدولار وامتداد الأزمة لاقتصاديات البلدان الصناعية ، ورغم محاولات الرئيس فرانكلين روزفلت تصحيح المسار عبر برنامج اقتصادي إلا أن الانتعاش لم يظهر إلا مع قيام الحرب العالمية الثانية ، والغريب أن الكساد الكبير كان من نتائج الحرب الأولي لكنه قاد لاشتعال الثانية ، أما أسباب الانتعاش بسبب الحرب فيرجع تاريخيا إلي إجبار المصانع علي انتاج مستلزمات الحرب التي خلفت دمارا واسعا أتاح لأمريكا الفرصة لإعادة إعمار أوربا مما خفض من معدلات البطالة وانتعاش الشركات والبنوك الأمريكية ، وهذا يفسر أن الفترات التالية شهدت خوض أمريكا الحروب في كوريا وفيتنام ويوغوسلافيا والصومال وأفغانستان والعراق التي أنعشت الاقتصاد الأمريكي وخروجه من أزماته نتيجة زيادة مبيعات السلاح لمناطق الصراعات وبرامج الإعمار. وهكذا فإن الاقتصاد الأمريكي علي حافة هاوية مالية وأجواء كساد كبير سيمتد إلي فضاء الاقتصاد العالمي ودخوله مرحلة الانكماش والركود بسبب أزمة الديون وتداعياتها من فقدان الثقة بالنظام الرأسمالي وبالمؤسسات المالية العالمية والانهيار بكافة صوره في الداخل الأمريكي !