نموذج لبالون القمامة تعاني شوارع مصر من تكدس أكوام القمامة التي تصل لآلاف الأطنان وسط غياب وتجاهل الجهات الرسمية التي اكتفت بالتعاقد مع العديد من شركات النظافة الأجنبية دون متابعة لأعمالها أو الإشراف عليها فما كان من تلك الشركات سوي التقاعس عن أداء مهامها لتتفاقم المشكلة يوما بعد يوم علي الرغم من كونها ثروة لاتقدر بثمن والغريب أن هناك عشرات المصانع التي تم إنشاؤها لإعادة تدوير القمامة والاستفادة منها إلا أنها لم تأت بثمار مشهودة ولم تحل مشكلة التكدس تلك لتخرج علينا بعض المبادرات الشبابية وغير الرسمية لأجل حل تلك المشكلة وخلق وطن نظيف في أحد شوارع مدينة الفسطاط بمصر القديمة تلك المنطقة التي شهدت بزوغ نجم الإسلام في مصر وخطا علي رمالها أعاظم الرجال من عمرو بن العاص وغيره الذين قرروا أن يتخذوها عاصمة لهم فحولوها إلي مركز للإشعاع الحضاري واحتضنت بين جنباتها مجمع الأديان ومركز الحرف التقليدية تلك القلعة التي تحاول جاهدة الحفاظ علي تراث مصر وتواجه الغزو الصيني لتلك المنتجات بخلاف أطنان النفايات الصلبة الملقاة يمينا ويسارا في شوارعها لتشوه وتقتل تلك المعالم البارزة. علي مقربة من تلك النفايات يوجد درب 1718 وهو مركز ثقافي يدار بالجهود الذاتية لشباب وفتيات عشقوا تراث بلادهم فقرروا إحياءه بشتي الطرق وتبني مبادرات قد تكون نواة لمشروعات قومية فيما بعد ونظرا لاختلاطهم بسكان منطقة الفسطاط التي تعاني من تلال القمامة بأنواعها المختلفة راودتهم فكرة إعادة تدوير القمامة خاصة أكياس البلاستيك التي تتناثر يمينا وشمالا ليتم تحويلها إلي منتجات ذات قيمة جمالية وتصبح أيضا مصدرا من مصادر الدخل للكثير من السيدات وذوي الاحتياجات الخاصة وقد أطلقوا عليها اسم"كنوز الزبالة" كما قاموا بتنظيم خمس ورش عمل لإنتاج منتجات للبيع وأخري للتواصل بين أهالي المنطقة من خلال أنشطة متنوعة، علي أن تنتهي هذه الورش بعمل معرض لمنتجات المشاركين في المشروع لبيع منتجاتهم المصنعة من المخلفات بدعم من مؤسستي «آرتس كولابتوري» و«آنا ليند». ولم تنته جهودهم عند هذا الحد بل قرروا صنع بالون هوائي كبير من تلك الأكياس يجوب أنحاء العالم ليحكي قصص أهل المنطقة ويسرد خبراتهم وتجاربهم وبالفعل تم فتح الباب للأهالي الذين آمنوا بالفكرة وبدأوا في جمع تلك الأكياس ليتم تصنيع البالون الذي تم إطلاقه في سماء القاهرة ليذهب بعيدا محملا بأمنيات أهل الفسطاط . "آخرساعة" سلطت الضوء علي تلك التجربة واقتربت أكثر من أصحابها لتتجول داخل عقولهم وتتعرف علي أهم أنشطتهم والصعوبات التي واجهوها؟ وكيفية تحويل هذا المشروع إلي مبادرة قومية تساهم فيها العديد من الجهات الرسمية. عندما تتجول داخل مدينة الفسطاط سرعان ماتنفذ إلي أنفك رائحة عبق التاريخ الذي يرفرف بين شوارعها وحاراتها فهاهو مجمع الأديان يقف شامخا كأنه يتحدي أطماع الحاقدين ومروجي الفتنة ويثبت أن مصر هي بلد السلام والأمان تتذكر علي الفور من دفنوا في أرضها وقد أفنوا حياتهم لإعلاء كلمة الحق، الغريب أن هناك تباينا بين ماضيها وحاضرها فسكانها الحاليون قتلهم الفقر والضيق يعمل معظمهم كبائع سريح أو حتي جامع قمامة يخرج منذ بزوغ النهار حتي غروب الشمس يفتش في صناديق القمامة ليجمع مايقدر عليه ليبيعه بعد ذلك إلي مصانع تدوير القمامة أما أبناؤهم فورثوا تلك المهنة هم الآخرون فيعملون علي جمع إطارات السيارات المتهالكة تمهيدا لبيعها كخردة أو الأكياس المستعملة التي تملأ سوق الفسطاط لتسير حياتهم علي هذا المنوال يوما تلو الآخر. وبرغم وجود درب 1718 قرب مناطق سكنهم إلا أن أحدا منهم لم يكن يعلم شيئا عن نشاطاته حتي تم تنظيم ورشة "كنوز الزبالة"لأجل مساعدتهم بتدوير القمامة بطريقة علمية ومسلية في آن واحد فأقبل الأطفال بشغف علي تلك الورش فتحولت النفايات المحيطة بهم إلي مصدر لبهجتهم ورزقهم ولم يكن هؤلاء الأطفال وحدهم بل إن أمهاتهم حاولن الاستفادة هن الآخريات. وقد كانت ورشة تصنيع البالون الهوائي أكثر الورش التي اجتذبت السكان خاصة أنها قامت بتجميع الأكياس المستعملة والورق الملون لتصنيع بالون يجوب أنحاء العالم ليحكي خبراتهم وحياتهم التي يقاسون فيها. تقول "ياسمين الدالي المتحدث الإعلامي لدرب 1718: تعتبر ورشة كنوز الزبالة نتاجا لما يعانيه أهالي مدينة الفسطاط من تكدس أطنان النفايات الصلبة والأكياس المستعملة في شوارعها وكذا إطارات السيارات المتهالكة وغيرها مما يسبب للأهالي العديد من الأمراض وبالرغم من كون الكثيرين منهم يعملون في جمع القمامة إلا أنهم لايعلمون شيئا عن إعادة تدويرها بطرق علمية وآمنة وقد كان هذا هدفنا الذي نسعي إليه في تلك الورش فكونا خمس ورش لتعليمهم كيفية تحويل الأكياس إلي منتجات تدر عائدا عليهم خاصة للسيدات اللاتي فقدن مصدر رزقهن كما نظمنا ورشة تعليم أطفال كوم غراب والدخيلة والخارطة كيفية تحويل إطارات السيارات المتهالكة إلي ألعاب ومراجيح تكون مصدر سعادة لهم وتنتهي تلك الورش بعمل معرض لمنتجاتهم ليتم بيعها. وتستكمل ياسمين: هناك أيضا ورشة البالون الهوائي وهي فكرة ليست بالجديدة فقد انتشر في الكثير من دول العالم كالإمارات وإيطاليا وفرنسا وغيرها من الدول وتعتمد تلك الفكرة علي بالون مصنوع من أكياس بلاستيك مستخدمة، تضاف أجزاء جديدة للبالون في كل زيارة للمشروع لدولة ما، مما يغير تقنية تكوين البالون والشكل واللون والحجم ليعد تجميعا لقصص وحكايات أناس من كل دول العالم وقد أقيم مشروع "متحف البالون الهوائي" في القاهرة كنشاط جماعي بسيط معتمد علي قص ولزق أكياس بلاستيك مستخدمة،و تم فتح الدعوة للاشتراك أمام أهالي منطقة الفسطاط والمهتمين من خارج المنطقة، حيث يأتي المشتركون بأكياس بلاستيك مستعملة، ويشاركون في صنع البالون الهوائي، يتشكل البالون من الأكياس المستخدمة التي تحمل الكثير من الحكايات والأفعال ثم يتم إطلاقه في سماء القاهرة وسط تهليل وتصفيق المشتركين. أما أحمد شعبان أحد أعضاء الدرب فيقول: كان أهم أهداف مشروعنا رسم البسمة والبهجة لأطفال مصر القديمة خاصة أنهم يعانون من مشكلات جمة مثل الفقر والتسرب من الدراسة ليعمل أغلبهم في جمع القمامة وغيرها من الأعمال الشاقة فجاءت فكرة تحويل القمامة إلي مصدر من مصادر بهجتهم.