قد تتفق أو تختلف الشعوب في تحديد موعد أول أيام عيد الفطر.. لكنه يمثل فرحة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. وصحيح أن الفرحة تختلف أشكالها وألوانها مع تباين اللغات والثقافات.. لكنها تعكس في الوقت نفسه فرحة قلوب موحدة.. ولا شك أن الاحتفال بعيد الفطر المبارك له مذاق خاص لدي شعوب القارة الأفريقية.. حيث يتم نسج هذه الاحتفالات من خلال طقوس وتقاليد وعادات هذه الشعوب.. والتي كانت أيضا أحد الأسباب لتماسك هذه الشعوب في مواجهة المشاكل والنزاعات التي تعاني منها أفريقيا.. تعالوا نتجول في عدد من العواصم الأفريقية لنتعرف علي مظاهر احتفالات القارة السوداء بعيد الفطر المبارك.. ومن البديهي أن مثل هذه الظروف تجعل من الاحتفال بعيد الفطر السعيد مذاقا خاصا لأكثر من مليون مسلم ينتشرون في مدن جنوب أفريقيا المختلفة مثل »بريتوريا« و»جوهانسبرج« و»درين«.. وهم يشكلون ما يشبه »الموزاييك« عرقي يمنح لطقوس الاحتفالات هناك مزيدا من الإثارة والخصوصية فالمسلمون هناك ينتمون إلي الهنود والماليزيين والأفارقة والأندونيسيين.. وعادة ما يحرص الجميع علي الحضور مبكرا للمساجد والساحات صبيحة يوم العيد لأداء صلاة العيد وهم يرتدون الجلباب الأبيض.. وبعد الفراغ من الصلاة يحرص الكبار علي توزيع »العيدية« علي الصغار ويطلق عليها هناك اسم »هدية المال«.. الباسطة.. وجبة أساسية أما فيما يتصل بالحلوي الخاصة بهذه المناسبة فإنها تعكس طبيعة »الموزاييك العرقي« فالذين أصولهم هندية يقدمون وجبات ومشروبات خاصة مثل »الجانجوي« و»الحريرة« بينما يتناول »الملايو« مشاريب خاصة بشرق آسيا ويحرص الأفارقة علي تناول العصائر والفواكه التقليدية مثل الأناناس.. أما الوجبة الرئيسية والمشتركة بين الجميع فهي »الباسطة« وهي عبارة عن الشعرية وبعض المكونات الأخري. هدنة للبارود في العيد وقد يبدو الأمر مفاجئا لكثيرين منا أن يعلم أن أهل الصومال (حتي في ظروف الحرب الراهنة) ينتظرون »عيد الفطر« بفارغ الصبر ليتذكروا أن لهم وطنا واحدا وأنهم أبناؤه.. هذه الحقيقة يدركها كل من زار هذه البلاد.. حيث تتفق كل الطوائف المتناحرة علي الهدنة وتختفي رائحة »البارود« طيلة أيام العيد.. ويحرص الصوماليون علي شراء الحاجيات وبعض المواد الغذائية مثل الدقيق والسكر لعمل »الكعك« ويتم التزاور بعد صلاة العيد في أماكن مفتوحة.. ويأخذ الأولاد من آبائهم »العيدية« ويطلق عليها هناك اسم »حق العيد« وتبقي النساء في المنازل.. وتعقد احتفالات شعبية عصر يوم عيد الفطر حيث يؤدي الشباب الأغاني والرقصات الشعبية بمشاركة جمع كبير من الناس فرحا بهذه الأيام السعيدة التي لا تعوض.. وللأسف الشديد ينتهي كل شيء بعد انتهاء أيام العيد وتعود »رائحة البارود« ويتقاتل أبناء الوطن من جديد.. أما جيرانهم من مسلمي »أثيوبيا« فيبدأ احتفالهم بتناول الفطور المسمي »كينكي« وهو من الحبوب قبل أن يتوجهوا إلي الملعب الكبير في »أديس أبابا« لأداء صلاة العيد.. ويجتمع الناس في مجالس خاصة ويعطون الصغار »العيدية« ويقدمون للضيوف أكلة خاصة هي »ديفودابو« وهي رغيف كبير يصل وزنه إلي خمسة كيلوجرامات ومغطي بورق الموز الكبير وتقدم منه قطع لضيوف العيد.. زيارة المقابر واجبة ويبارك أهل »جيبوتي« بحلول العيد عقب أداء الصلاة.. ويجتمعون في بيت أحد الأصدقاء.. ويتناولون الحلويات الشبيهة بالبسبوسة والبقلاوة التي تصنعها النساء في البيوت ويشربون القهوة والشاي.. أما الأطفال فيرتدون ملابسهم الجديدة ويصافحون الأقارب ليحصلوا منهم علي »العطية« وهي العيدية حيث يشرعون علي شكل جماعات لقضاء أوقات من الفرح في زيارة الحدائق وممارسة الألعاب المختلفة.. ويستعد »الكينيون« لعيد الفطر منذ العشر الأواخر من رمضان.. ويسمي العيد عندهم »أدي دوكوا« أي عيد الأولاد.. حيث تشتري لهم الملابس الجديدة وتقدم لهم العيدية ب »الشلن« وهي عملة محلية صغيرة .. ويقدمون الأغاني الشعبية وسط الساحات العامة في ثاني أيام العيد. العيد في الكونغو ❊تؤدي صلاة العيد في الكونغو متأخرة في التاسعة صباحا.. لأن المصلين يأتون مشيا علي الأقدام لمسافة تصل إلي عشرة كيلو مترات للاجتماع في الساحات المخصصة للصلاة. وعقب أداء الصلاة تظل أبواب البيوت مفتوحة.. فيدخل الشباب علي هيئة مجموعات ليسلموا علي أهل كل بيت في المنطقة.. ويقدم للضيوف أيام العيد »حلاوة الجزر« مع عصير الموز والعسل.. ولا يخلو يوم العيد من تقديم طبق الأرز.. أما الأطفال فيتلقون العيدية من والديهم وأقاربهم وهي »زوادي«.. ويرتدي أهل »توجو« الزي الشعبي.. ويتجمعون في الجوامع لأداء صلاة العيد وعندما يعودون إلي منازلهم يتم التزاور مابين الأهل والجيران والأصدقاء.. وهناك من يذبح الأغنام ليوزع لحومها علي المحتاجين.. وتقدم »العيدية« إلي الأطفال والنساء ويتلفظ بها الأهالي هنا ب »بركة داسلة« أي اعطني العيدية وهي عبارة عن نقود وهدايا عينية. هنا في السودان ❊ وصلاة العيد في السودان يعتبرونها واجبا علي كل شخص حتي الذين لا يصلون خلال العام كله.. فهم يحضرون للصلاة.. وعقب الصلاة يسير المصلون في مجموعات كثيرة ليقدموا التبريك بالعيد للجيران.. فيقفون للمصافحة .. وعند خروجهم يصطحبون صاحب الدار معهم لتهنئة الجار الآخر وهكذا حتي ينهوا جولتهم في الحي كله. ومن العادات المعروفة عند أهل السودان دعوة أحد الوجهاء للجميع لتناول طعام الإفطار صباح أول أيام العيد.. وفي هذا الإفطار يسرع كل الذين لهم خصومات ويصلحون بينهم ويقول المتخاصمون لبعضهم »اعفوا عنا« ويرد الآخرون »عافيناكم«.. وعقب ذلك تقدم وجبة الإفطار وهي عبارة عن »العصيدة« و»المشبك« و »السكسكانية« و»الشعيرية« و »اللقيمات« بالعسل الصافي مع شرب القهوة والشاي. وتقام الاحتفالات في »موريتانيا« عند ثبوت رؤية هلال شهر شوال وإعلان أول أيام عيد الفطر.. ويؤدي »الموريتانيون« صلاة العيد في الساحة الكبيرة أمام كل مسجد ويمنح الأطفال ممن هم أقل من »15« سنة العيدية وتعرف ب »العطية« ليلة العيد.. أما من هم أكبر عمرا فتعطي إليهم الهدايا العينية مثل الأقلام وهي بمثابة هدية غالية خاصة أن أهل موريتانيا يلقبون ببلد المليون شاعر وهم محبون للآداب والشعر بصفة خاصة ومن هنا تأتي أهمية مثل هذه الهدية. علي طريقة الطوارق أما قبائل » الطوارق« أو الرجال الزرق لكثرة استخدامهم للقماش الأزرق كلباس لهم ويعيشون مابين النيجر ومالي وموريتانيا.. فمازالوا يحتفظون بطقوسهم التي توارثوها عبر مختلف الأجيال للاحتفال بالعيد.. حيث يستخدم رجال الطوارق اللثام وهو من العادات المتوارثة المهمة وهو عبارة عن قطعة قماش طولها حوالي (10) أمتار يلف بها الرأس بطريقة خاصة ولا يظهر من وجهه سوي العين ويستطيع أهل الطوارق التعرف علي بعضهم عن طريق كيفية لبس اللثام والعيون.. ويحرص الطوارق علي تغطية الفم والأنف عند مقابلة كبار السن تعبيرا عن الاحترام وذلك لأن في ثقافتهم أن الفم مصدر العيب.. وعقب أداء صلاة العيد يتم استقبال الضيوف ويتم الاحتفاء بهم بشكل مبالغ فيه.. ويعتبر شرب الشاي دليلا علي شدة الكرم.. ويجب علي الضيوف شرب ثلاثة أكواب علي الأقل من الشاي الملئ بالرغوة حث يعده المضيف بنفسه.. بينما تختص النساء بإعداد أعداد كبيرة من الأطعمة.. وتعد أيام العيد فرصة مناسبة للتصالح وفض المنازعات.