تحت عنوان "الأغنية المصرية .. الواقع والمأمول" عقدت ندوة في مخيم الفنون وكان ضيفها الملحن الكبير حلمي بكر وأدارها الشاعر محمد العسيري، وبدأ اللقاء بالحديث حول برامج المواهب والغناء التي انتشرت خلال الفترة الماضية في العديد من القنوات الفضائية. وأكد الموسيقار حلمي بكر في البداية أن الموسيقي والغناء جزء من الفطرة الإنسانية منذ أقدم العصور ومنذ ما قبل العصر الجاهلي وما بعد العصر الجاهلي خاصة أن العديد من الفتاوي تحدثت عن حرمة الموسيقي والغناء، ولكن الحقيقة أن الغناء حلاله حلال وحرامه حرام، فالعرب قد عرفوا الغناء عن طريق بلاد فارس واشتهر العديد من المعنيات خلال العصر الجاهلي، ثم بعد ذلك في العصر الإسلامي الأول منهن علي سبيل المثال جارية حسان بن ثابت شاعر الرسول([)، ثم تطور الغناء بعد ذلك حتي وصلنا إلي العصر الحديث وأصبح معروفا أن ما يميز الشعوب هو الغناء والموسيقي. وعندنا في مصر كانت لدينا نهضة غنائية منذ بداية القرن العشرين ومع مرور الوقت تراكمت الأصول الغنائية والأغاني المتنوعة من أغانٍ وطنية وعاطفية وشعبية، وكانت لدينا قاعدة عريضة من المبدعين من سيد درويش إلي عبدالوهاب ورياض السنباطي والشريف ومحمد فوزي والقصبجي وغيرهم كثيرون صنعوا تراثا غنائيا وموسيقيا هائلا وضع الموسيقي المصرية علي قمة الإبداع، ومن أم كلثوم إلي عبدالحليم حافظ الذي جدد في شكل الأغنية وتميز في الأغنية الوطنية بشكل كبير في فترة ثورة 23 يوليو، حتي وصلنا إلي مرحلة الانهيار التي بدأت مع هزيمة 76 حتي وصلنا بعدها إلي العصر الحالي والأغنية "الشباشيبية" وليست الشبابية. وأضاف بكر: لابد من القول إن هناك أصواتا كانت واعدة في هذه الفترة مثل علي الحجار ومدحت صالح ومحمد ثروت ومحمد الحلو، ولكن كل هذه الأصوات خفتت لصالح الأغنية المصنعة عن طريق أجهزة الكمبيوتر، وهو الأمر الذي حوّل الاغنية المصرية من الريادة إلي التبعية، لأن ما يصنعه الكمبيوتر مستورد من الخارج، إلي جانب أنه جعل كل الأصوات متشابهة حتي وصلنا إلي أروتيجا وخلافه هذا المنحدر الذي وصلت إليه الأغنية المصرية الآن!! ويضرب حلمي بكر مثالا بألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية حيث ساد فيها الأغنية "الكباريه"، وانحدرت الأغنية إلي ما يشبه الوضع السائد الآن عندنا، ولكنهم أدركوا ذلك سريعا وتخلصوا من هذا الشكل الغنائي، ولكننا حتي الآن لا نملك الإرادة الكافية للتخلص من الأغنية "الكباريه". وردا علي سؤال بمقارنة أورتيجا بعدوية أجاب الموسيقار حلمي بكر أن عدوية جاء في مرحلة أواخر السبعينات كانت الأغنية المصرية قد فقدت كل كبريائها وكان آخرهم عبد الحليم حافظ، وكان عدويه رغم طبيعة الكلمات التي تغني بها التي تعبر عن فئة من المجتمع بدأت تظهر في ذلك الوقت وهذه الطبقة العشوائية هي التي ساندت عدوية وهي التي تضخمت الآن حتي وصلت إلي ما لا يقل عن 25 مليون عشوائي يدعمون الأغنية التي يسمونها خطأ بالشعبية، وهي لا علاقة لها بالشعبية، والأصح أن نسميها بالعشوائية. ثم تطورت المسألة وبعد عدوية جاء شعبان عبدالرحيم ومن بعده أصوات عجيبة لا تعرف الطرب إلي جانب كلمات من أمثلة "صباعي مش عارف إيه" و"الشبشب ضاع" إلي آخر الكلمات العشوائية، والعيب للأسف فينا نحن لأننا تركنا تراثنا الكبير يضيع من أيدينا بل وقمنا ببيع هذه الأصول لجهات خارجية، وبقي لدينا هذا الغثاء العشوائي يتراكم حتي يصبح هو التراث الذي يستند إليه الجيل الصاعد وهذه بالفعل هي نهاية الريادة المصرية إذا لم نتدارك هذا الأمر ونصحح الأوضاع، خاصة أن لدينا من المواهب الحقيقية الكثير والكثير ولكنها دائما ما تخبو سريعا نتيجة هذا الإقبال الكبير من جانب المنتجين علي إنتاج الأغنية الشباشيبية العشوائية باعتبار أنها المطلب الجماهيري. وكما قلت إن المطلب الجماهيري ما هو إلا طبقة عشوائية تدعم هذا الاتجاه أما الكتلة الكبيرة من الشعب المصري فهي تنظر إلي هذه الأمور نظرتين مختلفتين، النظرة الأولي وهي خاصة بالطبقة العليا التي نظرت لهذه الأغاني نظرة ترفيهية وأصبحوا يقبلون عليها من باب الجديد الأورجينال فظهرت مثلا مع بداية شهرة عدوية ما أطلقوا عليه "عدوية بارتي" مثل "جلابية بارتي" وغيرها من الجلاليب، وهو ما استمر بعد ذلك مع شعبان عبد الرحيم وسعد الصغير وغيرهما إذ أصبحوا نجوم حفلات هذه الطبقة من أجل الجديد والتقاليع، أما الطبقة الوسطي حامية الأصالة فهي في المنتصف لا إلي هؤلاء ولا هؤلاء إنما لا تزال تحتفظ بمعني الكلمة الراقية واللحن الشجي وتحن إلي الزمن الجميل وهؤلاء هم عماد النهضة والخروج من العشوائية التي تسود بيننا اليوم. وعلي ذكر الغناء الشعبي، يقول حلمي بكر إن الغناء الشعبي الأصيل هو جزء لا يتجزأ من تراثنا الغنائي الجميل، فعبد الوهاب غني غناء شعبيا فيقول مثلا "علشان الشوك اللي في الورد بحب الورد" و"تراعيني قيراط أراعيك قيراطين" إلي غير ذلك من الأغاني الشعبية الحقيقية!!.. وإيمانا من جانب الموسيقار حلمي بكر بالغناء الأصيل واكتشاف ودعم المواهب الحقيقية قدم في الندوة أحد الأصوات الواعدة وهو أحمد الجراح وقام بالغناء في الندوة بادئا بأغنية "بعيد عنك" لسيدة الغناء العربي أم كلثوم ثم أعقب ذلك بأغنية "يا وابور قولي رايح علي فين" للموسيقار محمد عبد الوهاب وقد لاقي أحمد استحسان الجمهور الذي صفق له كثيرا ..