مظاهرات عمال المصنع منذ أكثر من عام، وتحديداً في 5 نوفمبر 2012 حذرنا علي صفحات "آخر ساعة" من تفاقم أزمة مصنع فحم الكوك، وأكدنا أن انهيار المصنع وتوقفه عن العمل يهدد بتدمير صناعات الحديد والصلب، بمصنع التبين، الذي يحصل علي مواده اللازمة للإنتاج بالكامل من مصنع فحم الكوك. عام كامل عانت خلاله شركة الكوك المصرية التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، إحدي شركات وزارة قطاع الأعمال العام، من تعطل 3 بطاريات من أصل 4 بطاريات يتم تجهيز الفحم فيها قبل توريده للشركات، وعلي رأسها شركة الحديد والصلب المصرية التابعة للشركة القابضة، حيث تستخدم شركة الكوك بطارية واحدة فقط لسد قرابة نصف احتياجات شركة الحديد والصلب المصرية، وتصدير باقي الإنتاج للخارج. كانت شركة "الكوك" تحتاج لسيولة مالية تقترب من المليار جنيه لعقد اتفاقية شراكة مع شركة هولندية لإعادة هيكلة الشركة، وصيانة البطاريات، وزيادة طاقتها الإنتاجية، وزيادة الصادرات، وأدي تعطل بطاريات الفحم بالشركة لتعطل عمليات الإنتاج داخل شركة الحديد والصلب، التي تعتمد علي فحم الكوك، حيث لم يتوافر سوي أقل من نصف الكمية يومياً لتشغيل مصنع الحديد والصلب، ورغم أن الكميات المخصصة للتصدير من فحم الكوك، عادت للسوق المحلي إلا أنها لم تكف سوي قرابة 28 يوماً فقط، مما دفع شركة الصلب المصرية للتوجه للاستيراد من الخارج. عاد العمل تدريجياً لمصنع فحم الكوك، لكن الأزمة داخل مصنع الحديد والصلب، اشتعلت في وجه حكومة الدكتور الببلاوي، فظهرت الأزمة في البداية علي أنها مطالب مالية، حيث يريد العمال الحصول علي أرباحهم المقدرة ب100 مليون جنيه، غير أن الأمور زادت وضوحاً بعد أن أعلن العمال أن مصنعهم مهدد بالانهيار حيث يعمل ب25٪ من إجمالي طاقته، نتيجة النقص الشديد في كميات فحم الكوك التي تصل للمصنع، مؤكدين أن ما يهمهم بالمقام الأول هو عودة المصنع للعمل بكامل طاقته حتي تتوافر أرباحهم ومرتباتهم بالكامل، دون اعتصامات أو إضرابات. تصريحات وردية التصريحات الأخيرة، عن التوصل لحلول لأزمة عمال مصنع الحديد والصلب، ما هي إلا مسكنات بسيطة، قد تنهي الأزمة خلال الأيام الحالية، لكنها بلا شك ستعود للاشتعال مجدداً، لنفس الأسباب سالفة الذكر، وأهمها نقص كميات فحم الكوك التي يعتمد عليها المصنع الأكبر في الشرق الأوسط في إنتاجه للحديد والصلب، حيث تعهدت الحكومة بصرف جميع مستحقات العمال مستقبلاً، بعد أن رصدت 100 مليون جنيه للعمال، رغم حالة العثرة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. الأمر الذي أكدته تصريحات كمال أبوعيطة، وزير القوي العاملة، الذي أشار إلي إن الحكومة وافقت علي ضخ مبلغ 100 مليون جنيه لعمال مصنع الحديد والصلب، مؤكداً تعهد الحكومة أيضاً بتوفير الفحم والكوك اللازمين لتشغيل المصنع بطاقة كاملة من أجل تعويض الفترة الماضية، فضلاً عن صرف كافة مستحقات العمال. وأكد أبوعيطة، أنه تم تنفيذ معظم مطالب العمال رغم حالة العثرة الاقتصادية التي تمر بها مصر، تقديراً لاعتصام عمال الحديد والصلب السلمي والحضاري، والذي لم ينتج عنه قطع طريق أو تخريب ماكينات الشركة، نظراً لتاريخهم النضالي في الحركة النقابية العمالية المصرية منذ الستينيات. أصل الأزمة المستشار الفني لوزارة الدولة لشئون البيئة، الدكتور سمير موافي، أوضح ملابسات أزمة عمال مصنع الحديد والصلب بحلوان، خلال مشاركته بمؤتمر "مستقبل الطاقة في مصر"، لافتاً إلي أن الأزمة تكمن في مطالبة العمال بزيادة كمية فحم الكوك التي تصلهم، مشيراً إلي أن السبب الرئيسي في نقص هذه الكميات هو الإصلاحات التي تقوم بها شركة فحم الكوك، التي لا تعمل بكامل طاقتها فأصبحت كمية الكوك التي ينتجها قليلة، وبالتالي هذا يؤثر علي إنتاجها من الفحم الذي يتم إرساله لمصنع الحديد والصلب. وأشار موافي، إلي أن نقص فحم الكوك هو ما دفع العمال للمطالبة باستيراد فحم الكوك من الخارج، لأنه يدخل بشكل أساسي ضمن مكونات الصلب، مؤكداً أنه في حالة عمل شركة الكوك بكامل طاقتها فإن إنتاجها يكفي متطلبات مصنع الحديد والصلب. وقال، إن مصنع الحديد والصلب، ومصنع فحم الكوك، وحدة واحدة من الناحية الفنية، وهناك أنواع معينة من الفحم تأتي لشركة "الكوك"، وتقوم بتحويلها ل"كوك" وترسلها لمصنع الحديد والصلب لإنتاج الحديد والصلب. الكوك والحديد رئيس قطاع الكيمياء بمصنع النصر لفحم الكوك، المهندس شحاتة مخيمر، كشف لنا عن مدي ارتباط صناعة فحم الكوك وتأثيرها علي صناعة الحديد والصلب، فقال إن الصناعتين تعتمدان بشكل أساسي علي فحم الكوك، حيث يستخدم في صهر الحديد بالأفران العالية، ويتم نقل الفحم أولاً بأول وبشكل مباشر علي السيور وعلي عربات القطارات إلي شركة الحديد والصلب. أضاف، أن مصنع الكوك للكيماويات الأساسية بحلوان يقع بجوار مصنع الحديد والصلب، في تداخل بين خطوط الإنتاج بين المصنعين، وينتج المصنع أكثر من 119 نوعاً من المواد الكيماوية الأساسية، منها فحم الكوك، القطران، الميتازول، الصودا، الأمونيا، البليتس، النشادر، الصابون، السماد، إلخ، وبالتالي فإن أي توقف عن العمل يترتب عليه تعطل الإنتاج فوراً في مصنع الحديد والصلب.. وعن طريقة تجهيز فحم الكوك قال: إن الكوك عبارة عن خام صلب رمادي اللون، ويمكن الحصول عليه بتسخين الفحم الخفيف في فرن فحم الكوك المحكم الإغلاق، وهو فحم صلب، إلا أنه مسامي، مليء بالثّقوب الدقيقة جداً، ويحوي بين 87٪ و89٪ من الكربون، وعندما يحترق الكوك تنبعث منه حرارة شديدة دون دخان. وأضاف قائلاً: "نحصل علي فحم الكوك بتسخين الفحم المسحوق في فرن محكم الإغلاق، وأثناء تسخين هذا الفحم ينحل، لكنه لا يحترق كلياً نظراً لعدم وجود هواء، ويتبخر كل من قطران الفحم، وغاز فرن الكوك من هذا الفحم المنحل، ثم يسحبان من داخل الفرن للخارج، ويعمل القطران والغاز المنطلقان من الفرن علي تشكيل المسامات التي توجد في فحم الكوك، بعد ذلك يستخرج الكوك ويبرد بالماء في برج الإخماد حتي لا يحترق إذا تعرض للهواء، قبل أن يتم تحميله علي السيور والعربات الحديدية، لنقله إلي مصنع الحديد والصلب، لاستخراج وتصنيع خامات الحديد والصلب". وأوضح مخيمر، أن إنتاج الحديد والصلب، يحتاج لفحم الكوك في عملية صهر خام الحديد، ويسمي النوع الذي يستخدم في هذه العملية الكوك المعدني، وينتج نحو 95٪ من هذا الفحم في محطات "التكويك". صرخات العمال من جانبه أكد القيادي العمالي بشركة الحديد والصلب، مصطفي نابض، أن استيراد الفحم من الخارج سيؤدي لتحمل الشركات تكلفة إضافية وكبيرة، مطالباً بإصلاح البطاريات الخاصة بشركة الكوك بدلاً من تحميل الشركتين المزيد من الخسائر. وقال عبدالرازق عبدالخالق، عامل ونش بمصنع الحديد والصلب، إن طاقة تشغيل المصنع أصبحت 20٪ فقط، مضيفاً أن الحكومة تحاول تسييس قضية عمال الحديد والصلب لدفع الشركة للخصخصة، وهو ما نرفضه نحن العمال بشكل قاطع. وأكد علي عرفات، عامل بقسم القطع بمصنع الحديد والصلب، أن انتهاء اعتصام العمال بعد حصولهم علي وعود بصرف كامل مستحقاتهم خلال 6 شهور، ومنع خصخصة الشركة حماية للصالح العام للدولة، قد يكون حلاً مؤقتاً، مطالباً بالبحث عن حلول جذرية لمشكلة نقص فحم الكوك الذي يعد المصدر الأساسي لإنتاج وتصنيع الحديد والصلب. بينما قال شعبان سيد محمد، فني أول غازات بمصنع الحديد والصلب، إن هناك مخططاً لتدمير الشركة، وبيعها بسعر أقل مما تستحق، مشيراً إلي أن الشركة تعاني من مشاكل مالية فادحة ناتجة عن بيع منتج الحديد بأسعار رخيصة جداً، موضحاً أن خسائر الشركة هذا العام بلغت 500 مليون جنيه، وهي خسارة متعمدة من قبل إدارة الشركة، مشدداً أنه والعمال لن يسمحوا ببيع شركة الحديد والصلب إلا علي جثثهم. وأوضح، أنه رغم قلة الوقود والفحم إلا أنهم يعملون بكل طاقتهم من أجل إنقاذ شركة الحديد والصلب، مؤكداً أن الدولة تعمل علي إهدار ممتلكات مصنع الحديد والصلب لصالح القطاع الخاص، حيث يوجد لدي الشركة خردة بملايين الجنيهات يمكن بيعها واستثمار أموالها لصالح الشركة. ليسوا بلطجية من جانبه، قال عمارة إبراهيم، أمين نقابة العاملين بمصنع الحديد والصلب، وعضو مجلس إدارة الشركة القابضة المعدنية، إن عمال الحديد والصلب ليسوا بلطجية، وليسوا أصحاب مطالب فئوية كما حاول البعض تشويه صورتهم، بدليل أنهم كانوا حريصين من البداية علي أن يكون اعتصامهم سلمياً، بلا أي سلاح أو أفعال تخريبية، علاوة علي استمرارهم في عملهم وحرصهم علي مصلحة المصنع، ومواصلة العمل والإنتاج رغم قلة الإمكانيات والموارد. ولفت عمارة، إلي اندساس مجموعات من جماعة الإخوان المسلمين في اعتصام عمال شركة الحديد والصلب لتكدير صفو الاعتصام والنيل من سلميته والترويج لشائعات لخروج العمال عن سلميتهم، مشيراً إلي أنه منذ عام 1976 لم يتم ضخ أي استثمارت في شركة الحديد والصلب حتي الآن، الأمر الذي كان له بالغ الأثر السلبي علي الإنتاج. أضاف قائلاً: "نحن نحتاج 300 مليون دولار لاستيراد خام الحديد وتطوير الوحدات الإنتاجية مثل الأفران، وطالبنا بعد ذلك بتوفير 80 مليون دولار في مارس 2012 ووعدتنا وزارة الاستثمار وقتها بذلك ولكن مع تغير الحكومة لم يتم تنفيذ تلك الخطة الخاصة بالتطوير".