التنمر الإلكتروني، جريمة جنائية في ألمانيا.. ما القصة؟    دليلك الكامل للالتحاق ب مدارس التمريض 2024.. شروط التسجيل والأوراق المطلوبة والمزايا    «حماية الأراضي» تتابع إزالة التعديات على الزراعات في ثالث أيام العيد    بيت الزكاة والصدقات يستعد لتوزيع 300 طن لحوم على المستحقين غدا    «ري كفر الشيخ»: متابعة مناسيب المياه بالترع والمصارف على مدار الساعة    صفقة أسلحة جديدة.. خطوة أمريكية لضمان أمن إسرائيل    بلينكن: نعمل على تعزيز قدرة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها أمام روسيا    إعلام عبري: حزب الله عرض مقاطع مصورة لأماكن عسكرية إسرائيلية بالجليل    يبدأ بمواجهة التشيك.. منتخب البرتغال يسعى لحصد لقب اليورو من جديد    الملاهي الشعبية تتحدى «الحرارة والأسعار» بالمحافظات خلال العيد.. «خُدلك لفة»    راح يتنزه رجع جثة.. غرق شاب ببحيرة وادي الريان بالفيوم    قتل 4 مصريين وقطع أجسادهم.. القبض على مصري في العراق    سامح حسين: «عامل قلق» أعلى إيرادات افتتاحية في تاريخ مسرح الدولة    نوستالجيا 90/80 عرض كامل العدد على مسرح السامر من إخراج تامر عبدالمنعم    لسهرة مميزة في العيد، حلويات سريعة التحضير قدميها لأسرتك    أخبار الأهلي : تصنيف "فيفا" الجديد ل منتخب مصر يفاجئ حسام حسن    عودة الاقتصاد المصرى إلى مسار أكثر استقرارا فى عدد اليوم السابع غدا    مطران مطاي يهنئ رئيس مدينة سمالوط بعيد الأضحى    تنسيق الجامعات 2024.. قائمة المعاهد الخاصة العليا للهندسة المعتمدة    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إنتاج وتكنولوجيا القطن بزراعة سابا باشا جامعة الإسكندرية    التشكيل الرسمي لمباراة تركيا ضد جورجيا في يورو 2024    غارة إسرائيلية بصاروخين "جو - أرض" تستهدف بلدة عيتا الشعب جنوبي لبنان    سامح حسين عن مسرحية عامل قلق : أعلى إيرادات إفتتاحية فى تاريخ مسرح الدولة    «دعم اجتماعي ومبادرات خيرية» كيف غيّرت قصة بائع غزل البنات من حياته؟    زراعة 609 آلاف شجرة بالطرق العامة والرئيسية بالشرقية خلال الأيام الماضية    لمتبعي الريجيم.. ما الحد المسموح به لتناول اللحوم يوميًا؟    إسماعيل فرغلي يكشف عن تفاصيل إصابته بالسرطان    خروجة عيد الأضحى.. المتحف المصري بالقاهرة يواصل استقبال زواره    جدول مباريات ريال مدريد بالكامل فى الدورى الإسبانى 2024-2025    مصرع 13 شخصا بسبب الفيضانات فى السلفادور وجواتيمالا    «البيئة» توضح تفاصيل العثور على حوت نافق بالساحل الشمالي    شرطة الاحتلال تفض مظاهرة معارضة للحكومة بعد إغلاق أحد شوارع القدس الغربية    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    محافظ الجيزة يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بعرب أبو ساعد بمركز الصف    ميدو: طالبت بانضمام نجم المصري ل الزمالك و«اتريقوا عليا»    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    الجثمان مفقود.. غرق شاب في مياه البحر بالكيلو 21 بالإسكندرية    في ثالث أيام عيد الأضحى.. المجازر الحكومية بالمنيا تواصل ذبح أضاحي الأهالي بالمجان    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    الزاوية الخادعة في اللعبة الأكثر جدلاً في الدوري .. لماذا أثارت ضربة جزاء الزمالك الانقسام؟    الصحة: فحص 14 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    يورو 2024، التشكيل المتوقع لمباراة البرتغال والتشيك    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    دعاء ثالث أيام عيد الأضحى.. اللهم إني أسألك إيمانا دائما وعلما نافعا    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    انقطاع الكهرباء عن قرى جنوبية في لبنان جراء قصف إسرائيلي    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    تعرف على حكام مباراة الاتحاد والأهلي    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لحظة وعي

الهمس تحول إلي صخب.. الأنين إلي صرخات.. هتاف ونشيد زلزل أعتي الإمبراطوريات.. »قوم يامصري مصر دايما بتناديك.. خد بنصري نصري دين واجب عليك.. يوم ما سعدي راح هدر قدام عينيك»‬.. الأجساد المتفرقة صارت في لحظة الخطر.. لحظة الدفاع عن الاستقلال.. الثوابت.. الهوية.. الوحدة الوطنية.. التنوير والكرامة كتلة آدمية واحدة عملاقة يحركها هذا الكنز الدفين الخالد الساكن في الروح المصرية العظيمة.. فها هي ذات يوم شيدت المعجزة.. بناء الأهرامات وهاهي في قلب الأجواء الملبدة بثورة 1919 تتوحد تلك الروح المجوهرة لتردد بذات الصوت وذات النغم الصادح ألحان سيد درويش وكلمات بديع خيري فتنجح ثورة 19 في الاستقلال الجزئي.. وغرس ثمار التنوير والحرية.. لحظة التمرد علي غلائل الصبر الخادع والسبات المنطوي علي عزيمة الانتصار يتقنها المصريون عبر التاريخ فكانت أيضا حرب أكتوبر، 25 يناير و30 يونيو.. منذ 100عام ردد كل مصري: »‬يحيا الوفد ولو فيها رفد».. »‬يحيا الهلال مع الصليب» »‬الاستقلال التام أو الموت الزؤام» »‬نموت وتحيا مصر» وبينما يسعي المصريون الكل في واحد لترويض التاريخ وتغيير حركته كعادتهم هناك صرخات ميلاد رموز.. أبطال ونجوم ولدوا في 1919 ليزينوا جدارية هذا الوطن.. إحسان عبدالقدوس.. عبدالمنعم رياض.. عز الدين ذو الفقار.. تحية كاريوكا.. كمال الشيخ وحسن الإمام وأقلام أشعلت الجذوة الثورية الوطنية مثل المفكر سلامة موسي.
»‬عندما يصير الزمن إلي خلود».. »‬سوف نراك من جديد».. »‬لأنك سائر إلي هناك».. »‬حيث الكل في واحد».. »‬نشيد الموتي».. من خلال هذه الكلمات يفتتح أديبنا توفيق الحكيم »‬عودة الروح» وهي أروع نص خلد ثورة 19 كتبها عام 1933 وفي »‬لوبينيون» الفرنسية كتب عنها فرديير لوبلتييه: »‬كل شيء يسحرنا في هذه الرواية التي ترسم لنا من جديد عظمة روح شعب» من خلال أسرة مصرية بسيطة يطلق عليها الحكيم »‬الشعب» حيث ينام الجميع في حجرة واحدة الصبي اليافع محسن وأعمامه ومعهم الخادم مبروك فالكل في واحد.. يقول الأثري الفرنسي في عودة الروح: »‬حقيقة تجهلها أوروبا للأسف.. نعم إن هذا الشعب الذي تحسبه »‬جاهلا» يعلم أشياء كثيرة لكنه يعلمها بقلبه لا بعقله».. إن الحكمة العليا في دمه ولا يعلم.. والقوة في نفسه ولا يعلم.. هذا شعب قديم.. جئ بفلاح من هؤلاء وأخرج قلبه تجد فيه رواسب 10 آلاف سنة، من تجارب ومعرفة رسب بعضها فوق بعض وهو لا يدري.. نعم هو يجهل ذلك ولكن هناك لحظات حرجة تخرج فيها هذه المعرفة وهذه التجارب.. هذا ما يفسر لنا نحن الأوروبيين تلك اللحظات من التاريخ التي تري فيها مصر تطفر طفرة مدهشة في قليل من الوقت.. وتأتي بعمل عجاب في طرفة عين.. هي تجارب الماضي الراسبة قد صارت في نفسها مصير الغريزة تدفعها إلي الصواب.. »‬كل ما فعلناه نحن الأوروبيين حديثي النشأة أن سرقنا من تلك الشعوب القديمة هذا الرمز السطحي دون الكنز الدفين لذلك جئ بأوروبي وافتح قلبه تجده خاليا خاويا..
احرم الأوروبي من المدرسة يصبح »‬أجهل من الجهل».. »‬ليس له تراث أو ماضٍ يسعفه بغير أن يعلم».. »‬ولهذا كان المصريون القدماء لا يملكون في لغتهم القديمة لفظة يميزون بها بين العقل والقلب.. العقل والقلب عندهم كان يعبر عنهما بكلمة واحدة هي: القلب».. »‬لا تظن يا مستر بلاك أن هذه الآلاف من السنين التي هي ماضي مصر قد انطوت كالحلم ولم تترك أثرا في هؤلاء الأحفاد.. أين إذن قانون الوراثة الذي يصدق حتي علي الجماد».. أما ثلاثية نجيب محفوظ الفذة فخلدت تلك الحقبة الذهبية وكان الأستاذ نجيب مولعا بالزعيم سعد باشا زغلول ومن الذي لم يكن يعشقه؟، والطريف أن المخرج حسن الإمام ولد في 1919 وأخرج للسينما »‬بين القصرين»، »‬قصر الشوق»، و»‬السكرية» وقدم المشهد المهيب تعانق الهلال مع الصليب في خضم الأجواء المشحونة بالثورة للثورة الشعبية التي اكتظت الأزقة، الحارات، القري، النجوع والميادين بهديرها البشري الشاهق، أيضا كتب الدكتور مشرفة »‬قنطرة الذي كفر» وكان المفكر سلامة موسي والأب الروحي للعظيم نجيب محفوظ يكتب آنذاك في جريدة المستقبل ثم في الهلال وكان علمانيا، اشتراكيا ليبراليا ولقد كتب فيما بعد مصطفي بك أمين الكتاب الممنوع »‬أسرار ثورة 1919» وكان يوسف بك وهبي يساند الثورة من خلال فرقته المسرحية »‬الشهرة» وأيضا نجيب الريحاني، أما مصطفي بك أمين الذي نشأ في بيت الأمة لأن سعد باشا كان خاله فنقشت في ذاكرة الطفل والصبي الذي كان الأحداث والتفاصيل التي اكتنزتها مخيلة رائد الصحافة العربية، وأعود للموسيقار السابق لعصره، الفذ سيد درويش والذي استبق مايسمي بالبوب آرت أو الفن الشعبي وهذا الثنائي الرائع الذي كونه مع الشاعر الشيخ محمد يونس القاضي فكان نشيد بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي مستلهما من كلمات الزعيم مصطفي كامل، وأنا هويت وانتهيت، زوروني كل سنة مرة، يمامة بيضا، أهو ده اللي صار، ثم كانت كلمات يونس القاضي خفيفة الظل، المناوشة للحواس مثل »‬ارخي الستارة اللي في ريحنا لحسن جيرانا تجرحنا»، »‬تعالي ياشاطر نروح القناطر»، »‬أبوها راضي وأنا راضي» وأصبحت ثورة 19 بمثابة البوابة الذهبية لازدهار الفنون والآداب فالهواء في المحروسة يرصعه الإبداع وأكسير الفن الخالد.
وفي ذات العام النفيس 1919 يعود د.طه حسين بالدكتوراه من باريس في علم الاجتماع أما جيل الستينيات بأكمله فكان نتاج الحقبة الملكية فقطف ألق الثمار اليانعة لثورة 19 التي حلقت في آفاق التنوير.
والفترات العظيمة للأوطان والحضارات تكون بفعل الاستنارة وليس الثقافة فحسب فهي دائما موجودة ولكن الأوطان تنتعش وتبعث بفعل أنوار سعة الأفق، التسامح والانفتاح علي الآخر ويكون المحرك لهذه العصور المضيئة أهل الفكر والإبداع حدث في فرنسا إبان عصر التنوير في القرن الثامن عشر فكان فولتير، ديدرو، روسو، ومونتيسكيو ثم في مصر إرهاصات 1919 بفعل رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، عباس العقاد، سلامة موسي، طه حسين، أحمد لطفي السيد، يقول العقاد: »‬حين يكون العمل بالعقل أمرا من أوامر الخالق يمتنع علي المخلوق أن يعطل مرضاة لمخلوق مثله أو خوفا منه ولو كان هذا المخلوق جمهرة من الخلق تحيط بالجماعات وتتعاقب مع الأجيال» وانتعش الفن التشكيلي بفعل نسائم التنوير فكانت روائع محمود سعيد، ناجي، محمود مختار، راغب عياد ولم تكن رياح الإظلام قد غزت المحروسة فكان الجمال سيد الموقف هو الآمر الناهي وكان شعب مصر يعرف الهوي ولا يعرف الابتذال فالجميع من أهل الهوي، والرقي المجدول بالحرية يتنفسه ويرتشفه كل مصري بكل طبقاته واختلافاته.
تثاءب جسدها الناعس.. اللدن.. ببطء وكسل الاستغناء.. تطل بقوامها اللين قادمة من مملكة الخدر.. بأقل حركة وأعمق أثر تتقن الشوق المباح.. بأقل حركة وأفدح إثارة تتقن الشبق المحتشم.. في خلوتها النائية والقريبة في آن عاشقة لذاتها، ربع متر مساحة سلطنة أعظم راقصة في تاريخ الرقص الشرقي تحية كاريوكا، في فبراير 1919 ولدت لتبقي.. رمزاً »‬لطرب الجسد» وطرب الحواس الراقي، رمزاً للأنثي الحرة صاحبة المواقف الإنسانية، الوطنية والسياسية، ممثلة فريدة في تلقائيتها.
رقصت في زفاف »‬الملك فاروق عام 1936 حيث غنت أم كلثوم: »‬أنتي بتغني بوسطك ياتحية»، قالت لها ضاحكة أم كلثوم، واجتمعتا مرة ثانية في حفل النادي الأهلي.
بجسدها الناعس اللين تهمس.. بنعومة نسمة تؤدي ارتعاشاتها الغارقة في العذوبة، تنثر هفيفا يترنح في منطقة وسطي بين الحلم واليقظة، إيروسية محلقة »‬أي شاعرية الجنس» بعيدة المنال لا تُطال فهي تترفع عن استجداء الشهوة وابتزاز الغريزة مثل الراقصات الغارقات في الحركات والاهتزازات الهستيرية.. تحية تعرف قيمة ذاتها، تثمن كل جزء من جسدها يكفي حضورها، يكفي أنها هنا متدثرة بغلالتها الوامضة الموشاة بالترتر واللآلئ، نجمة عالية، قصية ولكنها تشعل النشوة والمخيلة الثملة عن بعد، هي أذكي من الوصول إلي الذروة، جسدها مراود يتقن الانسحاب في اللحظة الحاسمة الفارقة.. تتقن.. تقتفي أثر النقصان، هي تحاكي شهرزاد في الفرار من النهاية، الاكتمال والذروة، هي آلهة الغواية المقطرة.. هي تارة كارمن، تاييس ورادوبيس، بقامتها المهيبة مكانها مملكتها الربع متر لا تذهب إلي أحد، لا تعربد بين الطاولات معتدة بذاتها، عيونها ضاحكة والثغر يترنح دوما بين الابتسامة والضحكة لايدري عن خطورة الجسد الموحي الماثل، المتمايل في ثمالة ساحرة، ترنيمة جسدية عجيبة.. وهي شفاعات الشبقة في »‬شباب امرأة» و »‬سمارة» المغرية، لا أنسي مقال المفكر الفلسطيني الأشهر إدوارد سعيد عن تحية كاريوكا فإلي جانب غزله في تلك الراقصة والأنثي الاستثنائية التي شاهدها في كازينو بديعة صبيا 1950 في بدلتها الزرقاء المضوية، رآها تحاكي العالمة التي وصفها المستشرقون إدوارد لين، فلوبير ونيرفال تتمتع بالذكاء والمواهب المتعددة والرمز الوطني وأخيرا بعد 100 عام من التجليات ندعو »‬فليحفظك الله يا مصر.. فليحفظك الرب».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.