تحذيرات من أوباما لأردوغان بسبب مواقفه مع إسرائيل توتر في العلاقات التركية الأمريكية بدت ملامحه تطفو علي السطح مؤخرا.. كشفت عنه تحذيرات نسبت للرئيس الأمريكي باراك أوباما لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من أن مواقف انقرة تجاه كل من إيران وإسرائيل ستقلل من فرص تركيا في الحصول علي صفقات أسلحة أمريكية. وبالرغم من نفي البيت الأبيض مانسب إلي أوباما وبالرغم من تأكيد الخارجية التركية علي هذا النفي إلا أن ذلك لم يمنع المراقبين من التعامل بجدية مع هذه التحذيرات باعتبارها مؤشرا لما يمكن أن تخفيه حقيقة العلاقة بين أنقرةوواشنطن.. بينما رأي آخرون أن النفي ماهو إلا دليل علي إثبات صحة هذه التهديدات التي أطلقتها واشنطن في وجه أنقرة.. وذهب فريق ثالث لمد أصابع الاتهام لإسرائيل باعتبارها صاحبة المصلحة في إذكاء التوتر بين تركيا والولاياتالمتحدة في محاولة للضغط علي أنقرة لتغيير مواقفها الآخذة في الجنوح بعيدا عن مصالح تل أبيب. علامات استفهام كثيرة لم يفلح التقرير الذي أوردته صحيفة ذي فايننشيال تايمز اللندنية التي سربت هذه التهديدات أهمها يتعلق بتوقيت النشر فطبقا لما أوردته الصحيفة أن تحذيرات أوباما لأردوغان جاءت علي هامش لقاء جمعهما في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في تورنتو يونيو الماضي. وهو مادفع بعض المحللين للربط بين توقيت تسريب التهديدات وبين بعض التحركات الإقليمية أهمها قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة لليونان التي يربطها بتركيا ميراث تاريخي عدائي وهو مادفع البعض لاعتبار الزيارة بداية لاتجاه إسرائيل للبحث عن بديل للحليف التركي. مجموعة من الضغوط إذن تحاول تل أبيب ممارستها ضد تركيا وتأتي التهديدات المنسوبة للرئيس أوباما لتصب في اتجاه داعم لهذه الضغوط خاصة ما تضمنته من إدانة لأنقرة واعتبرت أن المواقف التي اتخذتها مؤخرا بدأت تثير التساؤلات داخل الكونجرس الأمريكي حول إمكانية الوثوق بتركيا كحليف للولايات المتحدة، وأن ذلك سيؤدي إلي صعوبة تحقيق المطالب التركية الخاصة بشراء أسلحة أمريكية. رفض صفقة الأسلحة من شأنها بالطبع أن تضيف عاملا آخر من عوامل التوتر الذي بدت ملامحه تطفو علي السطح بين أنقرةوواشنطن والذي بدأت إرهاصاته مع رفض أنقرة السماح للقوات الأمريكية بالمرور عبر أراضيها لغزو العراق عام 2003. إلي جانب ذلك هناك العديد من الملفات الشائكة التي تدفع في اتجاه هذا التوتر علي رأسها الموقف التركي إزاء الملف النووي الإيراني والذي دفع الولاياتالمتحدة للإعراب عن خيبة أملها بعد تصويت تركيا في مجلس الأمن ضد فرض رزمة رابعة من العقوبات علي إيران في يونيو الماضي. هذا إضافة إلي قيام تركيا في الاشتراك في المفاوضات لتبادل الوقود النووي إلي جانب البرازيل وتم توقيع اتفاقية لم تحظ بالطبع بالمباركة الأمريكية. الملف العراقي أيضا يحمل عددا آخر من نقاط الخلاف فهناك التخوف التركي من الدعم الأمريكي للأكراد من ناحية وقلقهم علي الأقلية التركمانية من ناحية أخري وهو ماعبرت عنه أنقرة صراحة مؤكدة علي استيائها وغضبها من الممارسات الأمريكية ضد التركمان في العراق واعتبرت مايحدث جزءا من حملة تطهير عرقي ضدهم تهدف لتدعيم السيطرة الكردية علي المناطق التي يقطنها التركمان. وبالرغم من التأكيدات الأمريكية علي دعم تركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني والذي تمثل بشكل واضح في تصنيفه علي أنه منظمة إرهابية فضلا عن مساعدات لوجستية أمريكية قدمتها لتركيا لإلقاء القبض علي زعيم الحزب عبدالله أوجلان المعتقل حاليا في تركيا إلا أن أنقرة ترجع قيام الولاياتالمتحدة بذلك جاء مقابل تعهد تركيا بالتوقف عن التدخل في الجمهوريات الآسيوية الناطقة بالتركية في الاتحاد السوفيتي السابق وهو التدخل الذي أثار إزعاج الإدارة الأمريكية. إلي جانب ذلك يأتي أيضا ملف الأرمن كأحد الملفات الشائكة في العلاقات التركية الأمريكية خاصة بعد قرار مجلس النواب الأمريكي باعتبار المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن عام 1915 في عهد العثمانيين هي حرب إبادة وهو ما أثار غضب الأتراك ودفع البعض لاعتبار العلاقات التركية الأمريكية تقف في مهب الريح، خاصة بعدما هددت أنقرة بأغلاق قاعدة إنجرليك الأمريكية احتجاجا علي هذا القرار. وبالرغم من هذه الملفات الساخنة التي من شأنها أن تزيد من حالة التوتر بين أنقرةوواشنطن إلا أن بعض الخبراء السياسيين يرون أن الولاياتالمتحدة لاتملك أدوات كافية للضغط علي تركيا لتغيير موافقها وأنها في أمس الحاجة لتركيا كحليف استراتيجي. علي الجانب الآخر يري البعض أيضا أن مصلحة تركيا تقتضي المحافظة علي العلاقات القوية مع الولاياتالمتحدة خاصة لحاجتها للدعم العسكري اللازم لتحديث الجيش التركي. يميل الدكتور فخري الطهطاوي أستاذ العلوم السياسية وخبير إدارة الأزمات والتفاوض الدولي بجامعة القاهرة إلي هذا الرأي مؤكدا أن السياسة تقوم علي المصالح وأن الدولة التركية من مصلحتها تحسين علاقاتها بواشنطن. وأن هناك سقفا معينا لن تتخطاه أنقرة فيما يتعلق بعلاقتها مع إسرائيل وأيضا فيما يتعلق بعلاقتها مع إيران. ويري أن تهديد أوباما لأردوغان جاء ليضع حدا للمواقف التركية المتصاعدة ضد إسرائيل كما يضع حدا للتقارب التركي الإيراني، وبالرغم من نفي البيت الأبيض والخارجية التركية لهذه التهديدات إلا أن الطهطاوي يعتبر أن النفي هو دليل إثبات خاصة مع السرعة التي تعامل بها الطرفان مع الحدث. وقناعته هذه يبررها بأن تركيا كأي لاعب دولي لابد أن تحسب جيدا تكلفة وعائد سلوكها السياسي، ومن المؤكد أنها أدركت أن مواقفها الأخيرة التي بدت فيها حادة ومعارضة للمصالح الأمريكية الإسرائيلية لها بالطبع ثمن لابد أن يدفع، هذا الثمن لن يدفعه بالطبع حزب العدالة والتنمية المتبني لهذه السياسات وإنما ستتحملها الدولة التركية برمتها. وهو مايدفع للمراهنة علي قيام تركيا بإعادة النظر في هذه السياسة خاصة إذا ما تبين لها أن الثمن المضطرة لدفعه سيحملها الكثير وسيصب في غير صالحها وهو ما ظهرت مؤشراته في تلك التهديدات التي وجهها الرئيس الأمريكي لأردوغان وحذره فيها من عدم حصول تركيا علي صفقة سلاح أمريكية إذا ما استمرت في سياستها تجاه إيران وإسرائيل. هذه التهديدات من المتوقع أن تتبعها أيضا حزمة من الخطوات التي تدفع أنقرة لتغير سلوكها المفاجئ وأن تضع حدا وسقا لهذا التحرك الجديد الذي يصب بعيدا عن المصالح الإسرائيلية / الأمريكية. ويري أن اختيار توقيت إعلان هذه التهديدات جاء ليتزامن مع أحداث هامة من المتوقع أن تشهدها المنطقة، أهما قرب الخروج الأمريكي من العراق، وتخفيف الوضع في أفغانستان، والأهم قرب انتهاء روسيا من بناء القضبان الحديدية للمفاعل النووي الإيراني والمتوقع أن تنتهي منه في 21 أغسطس الحالي وهو مايدفع لتوقع ضربة إسرائيلية مفردة أو بمساعدة أمريكية لإيران. كل هذه الأمور دفعت الولاياتالمتحدة لشن تهديداتها الصريحة لتركيا لوضع حد وسقف لمواقفها المتعارضة مع المصالح الأمريكية، وحتي تتوقف عن لعب هذا الدور المزعج لها خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني. وبالرغم من أن أنقرة نفت هذه التهديدات إلا أن ذلك لايمنع توقع استجابتها، فالنفي من وجهة نظر الطهطاوي هدفه إعلامي فقط فهناك دائما خلف الكواليس أمور أخري من الصعب الإفصاح عنها صراحة خاصة مع إدراك تركيا أن سلوكها ومواقفها لن يمر مرور الكرام دون محاسبة من إسرائيل وحلفائها وهو مابدت إرهاصاته من إثارة تل أبيب للعديد من الملفات الشائكة التي ندرك جيدا أنها تؤرق أنقرة وتدفعها لإعادة التفكير في سياستها الحالية المناهضة للمصالح الإسرائيلية. مؤشرات عديدة تؤكد أن رسالة التهديد وصلت إلي تركيا أهمها تلك التفجيرات التي بدأت تشهدها تركيا والتي تكررت لأسابيع متواصلة، فضلا عن الهجوم علي قاعدة إسكندرون التركية الذي تزامن مع الهجوم الإسرائيلي علي أسطول الحرية، إضافة إلي ملفات أخري عديدة منها العلاقات الخاصة مع قبرض والاتحاد السوفيتي وأرمينيا والصرب وشبكة المصالح التي تربط أنقرةبواشنطن كل ذلك من شأنه أن يدفع الأتراك لإعادة النظر في مواقفهم. قناعة أستاذ العلوم السياسية تتعارض مع قناعة آخرين يرون أن حاجة الولاياتالمتحدة لتركيا كحليف استراتيجي لايقل عن حاجة أنقرة إليها وأن تركيا أدركت أن مصدر قوتها الحقيقي يكمن في تلك المواقف الصلبة التي جعلتها تفرض نفسها كلاعب سياسي ماهر ومؤثر في المنطقة ومن غير المنطقي أن تتخلي عن هذه السياسة بسهولة التي تصب في اتجاه مصالحها وليس العكس. هذه الرؤية التي يراها الدكتور الطهطاوي تعكس نوعا من المراهقة السياسية لأولئك الذين يرون في السلوك التركي حلا لمشاكلهم دون أن يلزموا أنفسهم بحل قضاياهم والاكتفاء بانتظار المخلص من خارج المنطقة للقيام بالدور الذي تخلو هم عنه وللأسف لن تستطيع تركيا القيام به ومواقفها التي تبدو متشددة لاتخرج عن كونها مجرد حرب بالحروف وطرح الأفكار التي تغازل بها الشارع العربي، والمعروف أن السياسة لاتعترف إلا بالقدرة علي الفعل الذي تغذيه المصالح وهو مايدركه جيدا العثمانيون الجدد ويعرفون أن لهم سقفا يحدده قدراتهم ومصالحهم ولا يمكن أن يتعداه .. وهو لايعد عيبا فيهم أما العيب الحقيقي فيكمن وراء من تعلق عليهم الآمال كبطل مخلص دون أن يكلف نفسه أي جهد للدفاع عن قضيته وحقوقه.