في الذكري الثانية لرحيل الكاتب الموسوعي أنيس منصور يتداعي إلي ذهني تلك الشخصية التي كانت له بصماته الواضحة في الثقافة المصرية المعاصرة، وكانت له أيضا بصماته الواضحة في عالم الصحافة.. فهو صاحب أسلوب جذاب، والصحافة كانت بالنسبة له البوابة الملكية لعالم الأدب والثقافة والفلسفة، وأيضا إلي عالم السياسة، فالسياسة هي أحد المضامين الهامة في الأدب في مختلف العصور. وقد كتب أنيس منصور دراسات مطولة، ومقالات كثيرة في مختلف فروع المعرفة، كما كتب المسرحية والقصة القصيرة وكان إنتاجه قريبا إلي قلوب القراء، ومن هنا كانت كتبه الأكثر توزيعا في مصر وعالمنا العربي. وفي آخر أيامه كتب عن رحلة عمره، وما تكبده من صعاب في حياته.. في طفولته وشبابه.. وحتي شيخوخته وكيف سبح ضد التيار أحيانا، حتي حقق ما كان يصبو إليه حينا وعجز عن تحقيق بعض أحلامه أحيانا.. وهذا الكتاب عنوانه (زي الفل أو أحزان هذا الكاتب).. وفي هذا الكتاب كتب مقدمة رائعة عن نهاية كبار وأدباء وفناني العالم.. وكيف واجهوا الموت، ولا نستطيع أن نستعرض كل ما كتبه عن هؤلاء الذين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس عن فلسفتهم إزاء الموت، لضيق المكان، ولكن نتوقف عن بعض هذه المواقف. إنها مجرد إشارة.. إشارة إصبع.. فعلي فراش الموت راح الفيلسوف الألماني هيجل يناقش الطبيب، ثم أدار ظهره إلي الطبيب يستقبل الموت وقال: لم يكن هناك إلا إنسان واحد يفهمني حتي هذا لم يفهمني تماما. والأديب الفرنسي الكبير »رابليه« أمسك ورقا وقلما ولم يشأ أن يكتب شيئا وإنما التفت إلي الطبيب وقال له: يمكنك أن تسدل الستار، فقد انتهت المهزلة. والعالم الكبير نيوتن نظر إلي الواقفين حول فراشه وقال بمنتهي الصراحة: لقد أمضيت العمر كله ألعب علي شاطئ المحيط.. وكنت أسعد الناس عندما أجد بعض الزلط والحجارة الملونة، بينما بقي محيط الموت واسعا عميقا لا أعرف عنه أي شيء.. وعن نفسه يتحدث عندما نصحه الطبيب أن يجلس وحده، فيقول: وجعلت أكتب (الآن) كما أراد الطبيب، وحشدت أفكاري.. وعصرت دماغي، وسددت قلمي إلي الورق، ثم جعلته شبكة أصيد بها أفكاري، وجعلت أفكاري فراشا أتفرج عليه، وأتمني لو سقط علي الورق حروفا ونقطا وعلامة استفهام وتعجب..« وما أروع كتابات أنيس منصور.. لقد فقدناه كاتبا موسوعيا، وشخصية ذكية، وإنسانا خفيف الظل.. سريع النكتة.. يلغي المسافة بينه وبين الآخرين في سهولة ويسر.. رحمه الله.