لم يكن كلام الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل يومين خلال كلمته في حفل تخرج عدد من الكليات والمعاهد العسكرية عن الشائعات سوي تشخيص لواقع مؤلم نعيشه حاليا بفعل شبكات التواصل الاجتماعي التي تبث سموما في شكل »شائعات علي ودنه». قال الرئيس إن »التدمير لبلادنا مش هيكون غير من جوانا، عاوز أقولكم سر، واجهنا 21 ألف شائعة في 3 شهور الهدف منها بلبلة وعدم استقرار وتضييع وإحباط». وأضاف أن الخطر الحقيقي اللي بيمر ببلادنا ومنطقتنا تفجير الدول من الداخل، عن طريق الضغط، والشائعات، والأعمال الإرهابية، وفقد الأمل، والإحساس بالإحباط، من أجل منظومة رهيبة جدا، الهدف منها تحريك الناس لتدمير بلدهم. والحقيقة أن الشائعات وسيلة قديمة لكنها بفعل عالم التكنولوجيا الرهيب الذي نعيشه أصبحت أحد أهم حروب الجيل الرابع التي يواجهها العالم بأكمله ونحن لسنا بمعزل عنه وهي آلية يعتمد عليها الإرهاب بشكل كبير.. وقد يظن أحد أن الشائعة تقارب فعل النكتة والحقيقة أن هناك فارقا كبيرا فالنكتة نكتة تستهدف استجلاب الضحك لكن الشائعة مثل القاتل بأجر فهي مدروسة بدقة ومعروف آثارها ونتائجها والأغرب من ذلك أن من يطلقها أناس مدربون جيدا علي الهدم والتدمير وتخريب العقول. الغريب المريب أن مطلقي الشائعات عادة ما يستغلون أحداثا آنية لإثارة البلبلة حولها وعلي سبيل المثال شائعة البيض المسموم وقبلها البيض الصيني. شائعة البيض المسموم انطلقت مع محاولات أجهزة الدولة السيطرة علي هجمة الثعابين والأفاعي علي قرية منية السعيد بالبحيرة حيث تداول أنهم يواجهون الثعابين عبر البيض المسموم الذي تسرب بكميات كبيرة للبقالات ومحلات السوبر ماركت.. الأمر قد يبدو بعيدا عن العقل والواقع لكن النفوس المريضة دائما ما تستغل كل ما يثير ويهز الثقة في البلد والناس. وعندما لم تفلح شائعة البيض المسموم أتبعوها بشائعة البيض الصيني الذي يغزو الأسواق، وحسنا فعلت الحكومة تجاه هذا الأمر بالتأكيد علي أن مصر لا تستورد بيضا بل لديها اكتفاء ذاتي من هذا المنتج المهم. ولأن الطعام مرتع خصب للشائعات كونه من أهم مصادر الحياة تتركز الشائعات علي هذا الجانب بإشاعة أن وزارة التموين وضعت إضافات علي رغيف الخبز للمساهمة في برامج تنظيم النسل الأمر الذي سارعت الحكومة أيضا بنفيه تماما مؤكدة أن ما أثير عار تماما من الصحة وما حدث أن هناك إضافات من الفيتامينات أوصت بها منظمة الغذاء العالمية. في اعتقادي أن القانون وحده أو حتي الحجب لا يكفي لردع مروجي الشائعات أو بالأدق صانعيها بل الأساس هو الشفافية والإفصاح عن كل شيء فمن حق الشعب أن يعرف الحقيقة حتي إذا كانت مرة أو تمثل له بعض الصعاب وتجربتنا في إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تحملها الشعب بصبر وثبات لأن رأس الدولة والحكومة لم يخفيا شيئا عن الشعب بل صارحاه بالمشاكل وكذلك الحلول. علينا ألا نكتفي تجاه الشائعات التي أصبحت مثل الأرز بكليشيه »هذا الكلام عار تماما من الصحة» بل علينا إدراك أن الشائعة لا تنطلق إلا من جزئية صغيرة قد تكون صحيحة ثم تتضخم مع مراحل الشائعة لتدمر بل وتقتل في بعض الأحيان.. وعلي مراكزنا البحثية بدلا من الانشغال في قضايا عفا عليها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب أن تنشغل بقضايانا الآنية وأن تخاطب الناس بأسلوب علمي يقبله العقل لا بالعواطف وأن تحللها وتحصن الناس من خطورتها. علماء الاجتماع يشيرون إلي أن الشائعة تمر بثلاث مراحل، الأولي الإبلاغ ثم مرحلة التلقي وتليها مرحلة الصياغة والتحريف وهي الأخطر ثم مرحلة إعادة التدوير والنشر.. وأضيف إليها مرحلة قد تكون الأساس وهي صناعة الشائعة التي أصبحت شديدة التعقيد وتسبقها دراسة وافية بما يمكن أن يثير المشاعر والمخاوف والقلق. ويشير العلماء أيضا إلي أن هناك ثلاثة طرق لتلقي الشائعة تبدأ بالتلقي النقدي ثم العاطفي ثم التلقي المحايد وتكمن المشكلة في التلقي العاطفي وهي الحالة التي يتلقي بها الشخص الشائعة تحت تأثير العاطفة وليس العقل، فهو يريد تصديق الشائعة حتي وإن لم تكن منطقية لأن موضوع الشائعة يشبع عاطفة أو رغبة لديه.. وهذا النوع من التلقي يحدث بكثرة وقت الأزمات. دعاء: اللهم اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.. اللهم ثبت قلوبنا علي حب بلدنا والتضحية بكل غال ونفيس لرفعة شأنه وحماية ترابه.. اللهم رد كيدهم إلي نحورهم.. آمين.