التنمر الإلكتروني، جريمة جنائية في ألمانيا.. ما القصة؟    دليلك الكامل للالتحاق ب مدارس التمريض 2024.. شروط التسجيل والأوراق المطلوبة والمزايا    تنظيف الطريق السريع ورفع التراكمات والإشغالات بنجع حمادي    زعيم المعارضة الإسرائيلية: لا حدود ل فساد وإهمال نتنياهو وعليه الخروج من حياتنا    كهربا يتقدم بهدف الأهلي الأول في شباك الاتحاد السكندري    حالة الطقس غدًا الأربعاء 19-6-2024 بوادي النطرون    قتل 4 مصريين وقطع أجسادهم.. القبض على مصري في العراق    إقبال كثيف على سينمات وسط البلد في ثالث أيام عيد الأضحى (صور)    لسهرة مميزة في العيد، حلويات سريعة التحضير قدميها لأسرتك    تنسيق الجامعات 2024.. قائمة المعاهد الخاصة العليا للهندسة المعتمدة    وزير الخارجية الإسرائيلي يتوعد حزب الله بالدمار الشامل    خبير علاقات دولية: الناتو وروسيا يعودان لتبادل الاتهامات والتهديدات بلغة السلاح النووي    التشكيل الرسمي لمباراة تركيا ضد جورجيا في يورو 2024    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إنتاج وتكنولوجيا القطن بزراعة سابا باشا جامعة الإسكندرية    أخبار الأهلي : تصنيف "فيفا" الجديد ل منتخب مصر يفاجئ حسام حسن    مطران مطاي يهنئ رئيس مدينة سمالوط بعيد الأضحى    زراعة 609 آلاف شجرة بالطرق العامة والرئيسية بالشرقية خلال الأيام الماضية    اتهام عامل بالتسبب فى سقوط ابن زوجته من الطابق الرابع بمدينة 6 أكتوبر    سعر متر التصالح في مخالفات البناء بالمدن والقرى 2024    غارة إسرائيلية بصاروخين "جو - أرض" تستهدف بلدة عيتا الشعب جنوبي لبنان    سامح حسين عن مسرحية عامل قلق : أعلى إيرادات إفتتاحية فى تاريخ مسرح الدولة    «دعم اجتماعي ومبادرات خيرية» كيف غيّرت قصة بائع غزل البنات من حياته؟    عودة الاقتصاد المصرى إلى مسار أكثر استقرارا فى عدد اليوم السابع غدا    لمتبعي الريجيم.. ما الحد المسموح به لتناول اللحوم يوميًا؟    إسماعيل فرغلي يكشف عن تفاصيل إصابته بالسرطان    تامر عبدالمنعم يقدم روائع الثمانينات والتسعينات في نوستالجيا 90/80 على مسرح السامر    خروجة عيد الأضحى.. المتحف المصري بالقاهرة يواصل استقبال زواره    «البيئة» توضح تفاصيل العثور على حوت نافق بالساحل الشمالي    "تخاذل من التحكيم".. نبيل الحلفاوي يعلق على أزمة ركلة جزاء الزمالك أمام المصري    شرطة الاحتلال تفض مظاهرة معارضة للحكومة بعد إغلاق أحد شوارع القدس الغربية    جدول مباريات ريال مدريد بالكامل فى الدورى الإسبانى 2024-2025    مصرع 13 شخصا بسبب الفيضانات فى السلفادور وجواتيمالا    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    محافظ الجيزة يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بعرب أبو ساعد بمركز الصف    ميدو: طالبت بانضمام نجم المصري ل الزمالك و«اتريقوا عليا»    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    الجثمان مفقود.. غرق شاب في مياه البحر بالكيلو 21 بالإسكندرية    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    في ثالث أيام عيد الأضحى.. المجازر الحكومية بالمنيا تواصل ذبح أضاحي الأهالي بالمجان    الصحة: فحص 14 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    يورو 2024، التشكيل المتوقع لمباراة البرتغال والتشيك    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    وزارة التخطيط: 21 مليون مواطن مستفيد من المرحلة الثانية لمبادرة حياة كريمة    دعاء ثالث أيام عيد الأضحى.. اللهم إني أسألك إيمانا دائما وعلما نافعا    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    انقطاع الكهرباء عن قرى جنوبية في لبنان جراء قصف إسرائيلي    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    تعرف على حكام مباراة الاتحاد والأهلي    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرمة البؤس

البؤس هو ذروة الألم.. هو العذاب المقترن بالعجز.. أي الوصول لليأس بفعل قلة الحيلة.. قد يظن البعض أن البؤس يعني فقط الفقر والعوز الممتزج بالقهر.. لكن البؤس يداهم النفس، الروح والبدن، يباغت الأغنياء والفقراء، يسكن ويكمن في العجز العاطفي.. الجسدي.. الاجتماعي والوجودي.. البؤساء هم الواقفون دوما علي حافة التيه في غياهب الحزن، القنوط، المرض، اليتم، الوحدة والغربة الإنسانية الموحشة، وللبؤس حُرمة.. رهبة وهيبة تم انتهاكها في مجتمعنا الذي صدر لنا المشهد المشوه عبر وسائل الإعلام.. فبينما ينشد المصري الجديد حمال الآسية شيئا من البهجة في قلب سنوات عجاف داهمه الأسي علي المتاجرة بتلك الأجساد العليلة الرقيقة الهزيلة والوجوه المتغضنة، الشاحبة، والمعذبة بالرغم من طفولتها، وهكذا عربد الإعلان وهو يقتات علي آلام البشر، يتاجر بكسرة النفس، ووجع البدن، فيخرج النجم من بلاتوه المستشفي حيث محنة الصراخ والألم إلي بلاتوه المحمول والكومباوند إلي الانقضاض علي منتخب الكرة حيث وجب العزل لحصد صفاء النفس وراحة البدن فكان الإنهاك والتشتت وتحولنا كلنا إلي بؤساء نكابد اختراق حرمات القيم.. الحق.. الخير والجمال.
لم ينج من تلك الصورة القبيحة، المشوشة إلا الإنسان العظيم د.مجدي يعقوب فبزغ للتنويه عن الصرح الطبي الخاص به بالرقي المنشود، الإنسانية والرحمة في أروع صورها والنأي عن الابتزاز الرخيص وانتهاك حرمة المرض المعذب فتظهر الأجساد الصغيرة القريبة من عالم الملائكة جميلة ، ويظهر هو د.يعقوب العالم المهيب بتلك الروح المحلقة، الطيبة، والسكينة البشوشة المرسومة علي هذا الوجه الأصيل.
لم أشهد منذ طفولتي أسوأ من هذا العام في الدراما، الإعلان وهزيمة بطعم الهزيمة والسقوط والفضيحة من نصيب المنتخب، والكل مدان باستثناء محمد صلاح البطل العصامي ، فقوته في قدمه، عقله، وخلقه، ولكن لامفر من عمل الواجب معه علي الطريقة المصرية، أي تكديره، إحباطه ولا مانع ببعض الاجتهاد من تحطيمه، ولم لا؟ وهنا أيضا انتهاك حرمة مشاعر 100 مليون مصري، حتي لحظات البهجة والفرح الشحيحة غير مسموح بها، فهي أقرب إلي ومضة خارقة مسرعة خارج منظومة النكد المزمن، أشعر بالأسي الجارف عندما أسمع وأري الكليشيهات النافقة، القاسية، منزوعة المنطق: »المصريون أكلوا فسيخ بمليار جنيه.. أكلوا كحك باثنين مليار جنيه»‬، وتنطلق الآلة الجهنمية في المعايرة إذن أنتم أغنياء! ومفاجيع! وعندما تسعي المعايرة فتحاكي أفعي رقطاء تبث سمومها يغيب العقل، فشم النسيم يوم واحد في السنة، بضع ساعات ينتظرها حمال الأسية الذي أحني ظهره من أجل لملمة وستر أشلاء بؤسه.. ينتظر لحظات العيد ليخطفها من زمن وناس وعيون وألسنة لا ترحم، يتوق بشغف المكلوم يقتفي أثر رشفة، قضمة، ضحكة ملتبسة تقربه من حلم البهجة القصية، والسعادة المستحيلة، أتأمل البذخ، والبهرجة والضجيج، وأجواء احتفالات منزوعة الفرحة الحقيقية ،الزيف في جوهرها مقيم، نجم يستجدي قطرة دواء، ثم هاهو يروج بملايين الجنيهات لرنة محمول ثم يغطس في حمام سباحة الكومباوند، ثم في قاعة المطار تفترشها حلوي مهولة في سفه واستعراض مقيت لسفرة مجموعة فنانين افتقدت رشد ووعي ماهو مناسب.. القوة الناعمة هي التي تنهض، تغير وترتقي بالأوطان ، أما ما نكابده في مصر الآن هي قوة عاجزة حبلي بالردة، فالفن رسالة، التزام وضمير قلق، حراكه الدءوب من أجل التغيير الإيجابي والارتقاء، أما عن البذخ والسفه والاستعراض في بلد به المهمش، المعدم، والفقير.. أذكر في البرنامج الصباحي للقناة الأولي في فرنسا عندما قدمت المذيعة في طبق اليوم سمك السلمون؛ فوبخها المذيع متهكما أنها ورثت ثروة مؤخرا!
ذات يوم قال المفكر والأديب ألبير كامو لجان بول سارتر فيلسوف الوجودية الأشهر: »‬أنا في خدمة الحقيقة أينما كانت فإذا كانت في اليمين سأكون هناك.. هي أهم من الخير والفضيلة».
نعم هي كذلك لأنها بمثابة المصباح الذي يضيء لك الطريق الصحيح المؤدي إلي الخير الحقيقي والفضيلة كما يجب أن تكون ، فأحيانا الخير والفضيلة صنوان قد ينال منهما الباطل والالتباس فوجب نزع الشوائب فتبدو الصورة الشفافة، الجلية فتكون الحركة والسعي في الطريق المنشود.
وهكذا تبدو معركة الأستاذ وحيد حامد الذي أحترمه، فهو الكاتب المبدع، الملهم، القلم الشارد دوما عن منظومة القطيع، الصارخ بالحقيقة في أزمنة الصمت، فالحقيقة معشوقته الأبدية أينما كانت وكيفما كانت، ولايهم حجم المعركة أو الثمن في سبيلها، فعرفنا معاركه النبيلة ضد كل تيارات الإظلام الخبيثة التي عصفت بالعقل المصري فاغتصبت وعيه وضميره لعشرات السنين، وعندما عرض الجزء الثاني من »‬الجماعة» فهتك »‬الأوميرتا» - أي كود الصمت- أن عددا كبيرا من ضباط 52 كانوا من جماعة الإخوان قامت الدنيا ولم تقعد، وبكل الشجاعة خاض وحيد حامد معركته مثلما فعل في معركة التنوير، واليوم هو يخوض معركة الضمير، الشرف، بل وأيضا حرمة البؤس، وحق المعذب، البائس، الفقير والمريض في ستر عورات عوزه وخصوصية لحظات انكساره الإنساني، ولكن يبدو إن اللي اختشوا ماتوا أوي، وحمرة الخجل ذهبت بلا رجعة، والرحمة صارت ضربا من الخيال، يذكرني وحيد حامد بالفيلسوف الأغريقي ديوچين، كان يحمل مصباحه يبحث عن رجل شريف في أتون مجتمع يلتهم البشر بعضهم البعض.. قنديل ينير عتمة القلب، الظلم والإظلام، وفي سلسلة مقالات مكتظة بالأرقام والوثائق يعرض وحيد حامد حجم الإنفاق الشاهق، علي الإعلانات والمرتبات والدعاية، بل حتي إنتاج المسلسلات الفاشلة علي نفقة كل متبرع سواء من الفقراء أو الأثرياء، والمشهد شديد الخطورة فنحن نحتاج لهذه الصروح الطبية بمساعدة كل فرد في المجتمع، ولكن علي أساس من الشفافية، الضمير اليقظ وفقه الأولويات والتقشف والبعد عن المتاجرة بآلام ومعاناة المرض والمعذبين والشاشات المكتظة بابتزاز المشاعر والمؤدية بالتأكيد إلي نتيجة عكسية، بل قاسية وهي الاستفزاز والتبلد إزاء البؤس الإنساني المفجع.
الدولة والمجتمع بأفراده ومنظماته مطالبون بواجب الالتزام بمساندة كل محتاج سواء في مجال العوز المادي، المرض أو العلم، المعرفة والتنوير ولكن علي أساس من الشفافية ومراعاة حرمة الإنسان، كرامته وعزة نفسه.. وهنا أتذكر في 1941 عندما قرر الملك فاروق القيام بحملة مكافحة الحفاء الذي كان منتشرا بين تلاميذ المدارس والفلاحين.. ولقد تبرع الملك آنذاك من ماله الخاص وأيضا عبود باشا، طلعت باشا حرب، 100 من العاملين في محلات صيدناوي، جروبي والقائمة شاهقة، والحفاة كانوا معرضين للعديد من الأمراض بل كان المظهر لا يليق بمصر الأولي في كل شيء منذ فجر التاريخ، مصدرة الحضارة التي اقتات علي حضارتها العالم حتي اليوم وبكل الأسي صارت الأخيرة، ولكنها محنة لن تدوم إذا أراد ناسها ذلك.. وعن ملحوظة انتشار وتفشي الحفاء في مصر الملكية- وربما هو أقرب لسؤال يمتلكني: ألم يكن هذا هو المرادف الغريب لندرة الفساد آنذاك، فالفاسد كان حالة استثنائية، زمن بائع الجرائد ينادي ويروج لصحيفة ب»‬اقرا الحادثة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.