الإيمان كما عرفه حبيبنا محمد (صلي الله عليه وسلم) هو »أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». والإيمان بالله (عز وجل) يقتضي أن تؤمن بأنه واحد أحد » لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ»، وأنه هو الخالق القابض الباسط المعز المذل، »إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ». وأن تدرك إدراكا لا يخالجه أي شك بأن الأمر كله لله، و»أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت علي أن يضروك بشيء لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ». ومن أخص علامات الإيمان والثقة في الله : الصدق، حتي قال بعضهم : الإيمان الحقيقي هو الذي يحملك علي أن تقول الصدق مع ظنك أن الصدق قد يضرك ، وألا تقول الكذب مع ظنك أن الكذب قد ينفعك، لعلمك أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك. ومن أهم علامات الإيمان: الرضا بما قسم الله، وخشيته سبحانه في السر والعلن، والاطمئنان بذكر الله، وحب الله ورسوله، وحب الخير للناس وحبهم في الله ولله، حيث يقول الحق سبحانه : »الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّي يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه). علي أن الحب بلا طاعة حب أجوف لا طائل ولا غناء منه، فالحب الحقيقي هو الذي يؤدي إلي حسن الاتباع، حيث يقول سبحانه علي لسان نبينا (صلي الله عليه وسلم) : » قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ». ثم إن للإيمان وللمؤمنين علامات، من أهمها: ما ذكره الحق سبحانه وتعالي في كتابه العزيز في قوله تعالي : »إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَي رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » ، فالمؤمن تقي نقي يألف ويؤلف ليس بفظ ولا فاحش ولا غليظ ، خاشع لله ، مخبت إليه. أن المؤمن إنما هو مصدر أمن وأمان، يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : » الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، والمؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم» ، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ : مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ : »الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، قِيلَ: وَمَا بَوَائِقُهُ ؟ قَالَ : شَرُّهُ»، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم». فالإيمان يربي صاحبه علي الكف عن الأذي وعلي حب الخير للآخرين والإحساس بهم والعمل علي إسعادهم، فإذا كان الإيمان خيرًا كله، فينبغي أن يكون المؤمن خيِّرًا يتحرك علي الأرض لنفع الناس، لا لإيذائهم أو الاستعلاء عليهم أو الإضرار بهم. ومن أخص صفات المؤمنين الأمانة، حيث يقول سبحانه وتعالي : »وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ» فقد ربط بين الإيمان والأمانة، فالإيمان، والأمن، والأمان، والأمانة ألفاظ ترجع في أصل اشتقاقها إلي مادة لغوية واحدة: هي مادة: (أَمِنَ)، فحيث كان الإيمان كانت الأمانة وكان الأمن، ولا إيمان لمن لا أمانة له، يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) في ربط واضح بين الأمانة والإيمان: »لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له». فأداء الأمانة والوفاء بالعهد، هو أحد أهم جوانب التطبيق العملي لمفهوم الإيمان، ونلاحظ أن النص القرآني هنا لم يذكر مجرد أداء الأمانة أو الوفاء بالعهد، إنما تحدث عن رعاية ذلك وتعهده والعناية به كما يتعهد الوالد ولده أو الزارع زرعه، حيث يقول الحق سبحانه : »إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ»، ويقول سبحانه : »وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً»، فالتزام القيم والأخلاق هو التطبيق العملي لمفهوم الإيمان والدليل علي رسوخه وتمكنه من نفس صاحبه.