ومحمد عودة هو الكاتب اليساري الراحل.. الكاتب الذي كان يعرف جيداً لو كان القمح تم ريه جيدا أم لا وذلك من سنابله، فلو كانت فارغة عرف عودة أنها أغرقت بالماء ولو كانت ممتلئة عرف عودة أنها رويت رياً صحيحاً وكان عودة رحمة الله عليه يحكي أن الري فيه سلامة أي زرع لو تم ريه جيداً. كان عودة إذا تكلم في السياسة، يفهمه الجميع، من أول أستاذ الجامعة الحاصل علي الدكتوراه إلي الفلاح المصري البسيط الجالس علي مصطبته أمام الدار و»ماركس ولينين». وإذا تكلم في الفن استمع إليه عبدالوهاب وكأنه يستمع إلي أكبر ناقد فني، أما صغار الفنانين الذين كانوا يخطون أولي خطواتهم في عالم الفن فقد اعتبروا آراءه الفنية دستوراً لهم. وحتي في الفن التشكيلي فقد كانت آراؤه تؤخذ من قبل أكبر الفنانين التشكيليين باهتمام بالغ. كان محمد عودة صديقاً للجميع، حتي خصومه في السياسة الذين كانوا يحبونه رغم كل شيء لأنه كان يعرف مداخلهم وحدودهم ويعرف حجم أفكارهم وعقولهم ويحترم آراءهم رغم كل شيء فقد كان عودة متسامحاً مع الجميع كانت علاقة الأستاذ عودة بجمال عبدالناصر، علاقة فريدة من نوعها فقد كان يري أن كل كلمات عبدالناصر هي دستور للمصري البسيط الذي »لا يفك الخط»، وكان يعتبر وجود عبدالناصر في الشارع المصري، في تلك المرحلة، أقوي دعامة تساعد الشباب علي التمسك بالقيم والمبادئ الوطنية وألا يتزعزع إيمانه بتلك القيم. وقد كان الأستاذ محمد عودة يتميز بالاعتدال في كل مناحي حياته إلا أنه كان متطرفاً في جانب واحد من شخصيته ألا وهو حبه وإيمانه بالزعيم جمال عبدالناصر. وقد كان يعتبر هذا التطرف طبيعياً جداً وأنه يجب علي كل المصريين أن يكونوا مثله لأنه كان يري أنه الزعيم الأول في تاريخ مصر الذي كان يعبر عن الشعب أكثر من تعبيره عن نفسه. كان محمد عودة صديقاً ورفيقاً وأستاذاً ومعلماً في كل المواقف، ولا أنسي موقفه حين توفي والدي فقد قال لي: لا تنهاري، قفي علي قدميك وامسكي بالراية وأكملي مسيرته ليعيش فيك وفي إخوتك. رحم الله الأستاذ محمد عودة الذي كان عظيماً حاضراً وغائباً.