الأخطاء التى يرتكبها الإعلامى؛ ربما تضع لمشواره المهنى أو تألقه نقطة نهاية، أو تكون جسراً لبداية جديدة بعد درس قاسٍ أحياناً.. الأخطاء بالتأكيد أمر وارد، وتصحيحها ضرورة، وإنكارها جريمة، والاعتذار عنها فضيلة تعلمناها فى أدبيات هذه المهنة ومن شيوخها وأساتذتها. انزعج الكثيرون، وانفعل البعض وتساءل عدد غير قليل عن سبب أو أسباب ما جرى مع الإعلامى خيرى رمضان من مساءلة واحتجاز بقرار من النيابة، فى سابقة هى الأولى من نوعها مع مذيع ومقدم البرنامج الرئيسى لتليفزيون الدولة؛ وربما تكون هذه الضجة تتناسب تمامًا مع قيمة وأهمية تليفزيون بلدنا وما ينتظره منه الجمهور؛ خاصة بعد الإعلان عن تطوير القناة الأولى لتعود إلى مكانها الطبيعي. أخطأ «خيرى» واعتذر وظن أن الصفحة قد طويت، ولكن القصة كان لها فصل آخر وتابعنا جميعًا ما حدث، ولم ينكر أغلب الإعلاميين دهشتهم، وعبر البعض عن صدمته الشخصية، وتساءلوا لماذا؟.. وهل يستحق ما فعله أن يتم مساءلته قضائيًا واحتجازه؟. وذهب المزايدون لأكثر من هذا وصبوا غضبهم على الدولة، وليس مؤسساتها الأمنية فقط، وذهب فصيل ما بعد المزايدين «المتربصون» إلى ممارسة مهامهم الانتقامية من البلد كلها، ليس لمناصرة زميل فى محنة ودعمه نفسياً وأدبياً وقانونياً، ومحاولة تجاوز الأزمة بالأطر القانونية، وإنما للثأر من دولة، كانت لغة التهديد بمفردات فجة حاضرة فى التعامل مع الأزمة، بل وسخر هذا الفصيل من «خيرى» نفسه لوقوفه مع الدولة كإعلامى يؤدى دوره، ووصل الأمر إلى مساحات من «المكايدة النسائية» فى تناول أمر خطير لا يتعلق فقط بالموقف القانونى لإعلامى كان قيّد التحقيق، وإنما يتعلق أيضًا بما هو أكثر خطورة وحساسية، حرية الصحافة ومسئوليتها، وهى تُمارس هذه الحرية وفق سقف القانون. وحسب معايير وتقاليد وكتالوج مهنة أساء لها الكثيرون من أبنائها، ولسمعتها، وتزداد الأمور تعقيدًا عندما يخرج التجاوز أو تقع الأخطاء من داخل ماسبيرو حصن الإعلام والمهنية «أو هكذا نتمناه الآن ونراه». الواجب أن ننحاز لزملائنا فى الشدة وأن نتبصّر موضع حروفنا قبل أن نكتبها أو كلماتنا قبل أن نطلقها؛ لتكون له نصرة، بدلاً من أن تكون وابلاً من رصاص، فهل نجحنا فى أن ننصر «خيرى» ظالما أو مظلومًا أم أنها كانت فرصة للمزايدة والانتقام، وكل حسب انتمائه وتوجهاته، فمنا من زايد على القانون ومنا من زايد على الزميل، وفريق تناسى- عمدًا- الحالة الاستثنائية التى تمر بها مصر التى تدافع من داخل حدودها لأول مرة فى تاريخها عن وجودها وليس فى مواجهة عدو خارجي. من السهل أن نقذف «خيرى» بالحجارة، ومن السهل أن نسب القانون إذا اقترب منا، للأسف الشديد نحن ننسى الحدود الفاصلة بين الإعلام ودوره والقانون وسلطته، وهنا يجب أن نسأل أنفسنا أولاً مع من نقف.. دولة الحسم أم الفوضى؟. سوف يبادر البعض بالقول، وأين المرونة والمواءمات السياسية وضرورة الإصطفاف الوطنى، ويخلطون- عمدًا- بين إعمال القانون وإغفاله، وبين مطالبة مؤسسات الدولة أن تغض الطرف أو تتسامح مع التجاوزات. نحن لدينا كتالوج المهنة، هو خط الدفاع عنا قبل القانون ذاته، صحيح أن المجتهد، «يصيب ويخطىء»، ولكن احتمالات الخطأ تتراجع عندما نسيطر على شهوة النجومية، فإذا ما سيطرت واستحوذت تلك الشهوة زلت قدم بعد ثبوتها. هل يمكن أن نطلب من مقدمى البرامج أن يؤدوا دورهم فقط، أن يكتفوا بدور المذيع، ليفسح المجال لرئيس التحرير أن يؤدى هو الآخر دوره فى توفير المعلومات ومصادرها، هل يمكن ألا يصبح المذيع هو البرنامج والقناة؟! هل آن الأوان أن نطوى صفحة «إعلام القعدة والمصطبة» لإعلام تقوده المعلومات الدقيقة والاحترافية، وأن تتراجع مساحات الخروج عن النص لصالح إعلام الحقائق وخبراء حقيقين للتحليل؟. عندما دخل على خط الأزمة عمرو أديب هو الآخر لم يكن موفقًا، وهو يدافع عن «خيرى» لدرجة «معايرة الدولة» بعبارات تتضمن كثيرًا من المنّ والأذى واستعراض للعضلات فى غير محله: «إنتوا نسيتوا إحنا عملنا إيه، ووقفنا ضد الإخوان». أعتقد أن اندفاع عمرو أديب جعله يخسر الرأى العام والقضية ذاتها، وهنا يجب أن نعقل الأمور، فنحن جميعًا كنّا ندافع لاستعادة وطن مختطف، والصياغة الأكثر دقة للسؤال أليس دورنا الانحياز لبلدنا بلا ثمن؟ ومن الذى يجب أن نشكره ونثمن موقفه: الإعلامى أم مؤسسة مثل القوات المسلحة؟!. هل كان يمكن أن يقضى برنامج لعمرو أديب مع كل الاحترام له، ولغيره من الإعلاميين ودورهم الذى لا ينكره أحد، على أوهام الإخوان، وسطوتهم وميليشياتهم، وهل مقبول أن نتعالى على الوطن، وكأننا نتفضل عليه، مَن المدين لمن إذًا؟!. أكثر المستفيدين من أزمة خيرى رمضان، هو «خيرى» نفسه، هو المستفيد الأول مهنيًا لأنه سيراجع نفسه كثيرًا بعد ما حدث، والمستفيد إعلاميًا وأدبيًا من هذا الجدل الدائر، وأيضًا ما جرى يَصْب فى الترويج والتسويق للبرنامج جماهيريًا، إذا ما تم الاستفادة جيدًا من هذه الحالة. الحدث أيضًا سيترك آثاره على برامج التوك شو وطريقة إعدادها، والقضايا التى يتم طرحها، وأعتقد أن التدقيق والتوثيق سيكون سيد الموقف، وستتراجع مساحات الارتجال على الهواء وهى آفة إعلامية مصرية، أُسىء استخدامها خلال الفترة الماضية. اعتقد أن شعارنا كإعلام فى هذه المرحلة يجب أن يكون: الانتصار للوطن قبل الحرية.