كان المواطن المصري حينما يتقدم للتعيين لإحدي الوظائف العامة للدولة أيام مصر الفرعونية لابد أن يقسم يمين الولاء أمام الفرعون أو نائبه قائلا: (أقسم بالفرعون العظيم أنني لم أسرق، ولم أقتل، ولم أزن، ولم ألوث النيل مصدر حياتي).. هذا القسم كان يماثل تماما اليمين الدستورية في هذا العصر الحديث، ولو تأملنا الفقرة الرابعة من القسم لوجدنا أنه منذ فجر التاريخ يعتبرون جريمة التعدي علي نهر النيل بتلويث مياهه لا تقل أهمية عن الجرائم الثلاثة الأخري وهي السرقة والقتل والزني. ومصر كما تعلمنا في مراحل تعليمنا الأولي هي هبة النيل، فلولا هذا النهر العظيم لكانت بلادنا صحراء جرداء لا زرع فيها ولا خير ولا ماء، وبدلا من أن نحمي نيلنا من التلوث ظلمناه، واعتدينا عليه، ونلنا من قدسيته، وسمحنا بإنشاء مراكب وعوامات عليه بالمخالفة للقانون، ولا يحصل علي تصاريح إقامتها في قلب النيل ألا أصحاب النفوذ والمال والحظوة، وهذه المراكب (للأسف الشديد) تلقي بمخلفاتها الصلبة والسائلة في قلب هذا النيل المظلوم والذي من المفروض أن يكون نقيا نظيفا، وأخطر ما في الأمر أن هذه المخلفات القذرة والسامة يتم رميها بمجري النيل في وضح النهار علي مشهد من تقاعس السلطات المختصة عن واجبها بعدم معالجة أعمال الصرف طبقا للقانون المعمول به في هذا الشأن، والمضحك فعلا أن مدير شرطة المسطحات المائية يجري حملات بتمثيلية أمام كاميرات التليفزيون ليضبط المأكولات المنتهية صلاحياتها بمطابخ هذه المراكب النيلية والتي سرعان ما تعود إلي عادتها القديمة بعد انصراف هذه الحملات، ويتغاضي عما هو أخطر من ذلك وهو إلقاء هذه الملوثات والمخلفات الكيماوية بآثارها المدمرة للإنسان، وللأسماك والنباتات التي تروي بمياه نيلنا الملوث.