الرئيس السيسي قال خلال افتتاحه مشروعات التنمية في الصعيد يوم الأحد إن »مصر مش طابونة»، قالها منفعلاً تعليقاً علي الحالات الصارخة لواضعي اليد علي أراضي الدولة، ولم يكتف الرئيس بالانفعال بل كلّف القوات المسلحة والشرطة والمحافظين والرقابة الإدارية، بإنهاء حالات وضع اليد واسترداد أراضي الدولة في كل ربوع مصر في موعد أقصاه آخر الشهر الحالي. وستظهر حالات صارخة للتعدي علي أملاك الدولة التي هي في حقيقة الأمر أملاك الشعب، ثروات منهوبة، اغتصبها محترفون، وعاملوها معاملة المال السايب، وأعتقد أن أغلب هذه الحالات تم في فترة ما بعد ثورة يناير، عندما كانت أجهزة الدولة مشغولة وقتها بالحفاظ علي ما تبقي من أمن واستقرار، وستظهر حالات لمسئولين سابقين استولوا علي هذه الأراضي تحت بصر وبعلم من أجهزة الدولة قبل ثورة يناير. ولا يجب أن تكتفي الدولة باسترداد الأراضي فقط، بل يجب أن تتم محاسبة كل من تكسّب من وراء هذه الأراضي طوال فترة وضع اليد، وأن تسترد الدولة كل ما تم جنيه من أرباح خلال فترة الاستيلاء. وأن يتم الكشف عن كل الأسماء التي بحوزتها أراضٍ أو أملاك أخري تم الاستيلاء عليها بدون وجه حق. كما يجب الكشف أيضا عن أسماء المسئولين الذين سهّلوا عمليات الاستيلاء أو سكتوا وغضوا البصر عن هذه الأراضي المستولي عليها، وأن يطبق عليهم أقصد المسئولين حاليين كانوا أو سابقين مبدأ علم ولم يبلِّغ. وقد يكون فتح هذا الملف هو المدخل الرئيسي لكشف فساد المحليات الذي يتسبب دائما في كل الكوارث التي تحدث. وهذا التكليف الرئاسي يجب أن ينفذه المحافظون ليس فقط علي الذين وضعوا أيديهم علي الأراضي الزراعية أو الصحراوية أو أراضي البناء، لكنه من وجهة نظري يجب أن يمتد إلي المقاهي والمحلات ومعارض السيارات التي وضعت أيديها علي الأرصفة في كل شوارع مصر، وحرموا المشاة من السير آمنين علي الرصيف وأجبروهم علي السير وسط السيارات وعرّضوهم للخطر، ويطبق كذلك علي أصحاب السيارات الذين زرعوا أعمدة حديدية في الشارع مربوطة بسلاسل ليحجزوا أماكن لانتظار سياراتهم. وعلي أصحاب المراكب الذين احتلوا الكورنيش في كل المحافظات وحظروا علي المواطنين الغلابة والأسر البسيطة أن تستمتع بالنيل.
وأتمني ألا يبدأ نواب البرلمان في التدخل لدي الحكومة وبطريقة مباشرة عن طريق الاتصال بالوزراء، أو بطريق غير مباشر بتقديم أسئلة أو طلبات إحاطة عن أن هناك من سيتضرر من سحب الأراضي منه، كما كانوا يفعلون أثناء كل انتخابات مع المخالفين في البناء علي الأراضي الزراعية، وتستجيب لهم الحكومة وتوافق علي توصيل المرافق لهم وتقنين أوضاعهم. لا يجب أن تتم المصالحة مع أي مغتصب أرض أو حق للدولة، ولابد أن تتم المحاسبة وسحب الأرض، ثم بعد ذلك تنظر الدولة في أمر المصالحة إذا ما عرض طالب المصالحة سعراً للأرض التي وضع يده عليها مساوياً للسعر الحالي لها، ولا تكون له أي شفاعة في الحصول علي الأرض. فلا شفاعة لحرامي ومغتصب لأملاك الشعب، ولا أحد مفوض للتصالح مع سارقي الشعب، ولا حتي نواب البرلمان.
تكليف الرئيس باسترداد أملاك الدولة هو جزء من بناء مصر، فلا يمكن أن يري المواطن البسيط أملاك الدولة ينهبها الحرامية، والدولة عاجزة عن استرداد أملاكها، لأنه سيشعر وقتها أن الدولة لن تستطيع أن ترد له حقه الشخصي المسلوب إذا عجزت عن استرداد حقوقها. هيبة الدولة لابد أن تكتمل، بعد أن نجحت في بناء مؤسساتها، ونجحت في تحقيق الأمن والاستقرار. وعندما تحكم قبضتها علي أملاكها، ويحجّم كل من تسوِّل له نفسه المساس بأراضي وأملاك الدولة، نكون قد استكملنا بناء مصر الحديثة، وقضينا علي فكرة أن كل من يملك مالاً أو قوة يستطيع أن يفعل ما يشاء.. لابد أن نضرب بيد من حديد علي كل فاسد وحرامي دون هوادة. الرئيس معه حق.. مصر مش طابونة. آخر كلمة التعامل بأخلاق الفرسان مع قطاع الطرق »خطيئة»