الخشت: فتح باب تقدم أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة للحصول على مكافآت النشر العلمي    نصائح لشراء الأضاحي ولحوم عيد الأضحى 2024    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مباراة الزمالك وفيوتشر    انكسار الموجة الحارة وانخفاض درجات الحرارة في مصر    السعودية: إيقاف تصاريح العمرة.. ومنع دخول مكة لحاملي تأشيرات الزيارة    مجلس الحرب بإسرائيل يوجه فريق التفاوض باستئناف العمل على صفقة الأسرى    مسيرة حاشدة تندد بإعدام الاحتلال طفل فلسطيني في جنين    أستاذ في العلوم السياسية: تباعيات داخلية كبرى على إيران بعد حادث رئيسي    أزمة بين الحكومة الإيطالية ومجموعة ستيلانتس بسبب علم إيطاليا    "محاط بالحمقى".. رسالة غامضة من محمد صلاح تثير الجدل    وزيرة التخطيط تبحث مع محمود محي الدين تطورات الدورة الثالثة من المبادرة الخضراء الذكية    إصابة 3 أشخاص فى حادث تصادم على دائرى الفيوم    طلاب الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ يؤدون آخر أيام الامتحانات اليوم    حبس شاب تخلص من زميله بسبب خلاف مالي بطوخ    فيلم بنقدر ظروفك ل أحمد الفيشاوي يحقق 70 ألف جنيه خلال 24 ساعة    ماذا يعني اعتراف ثلاث دول أوروبية جديدة بفلسطين كدولة؟    العثور على ملفات حساسة في غرفة نوم ترامب بعد تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي    أخبار مصر: منع دخول الزائرين مكة، قصة مقال مشبوه ل CNN ضد مصر، لبيب يتحدث عن إمام عاشور، أسعار الشقق بعد بيع أراض للأجانب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 23 مايو 2024    رحيل نجم الزمالك عن الفريق: يتقاضى 900 ألف دولار سنويا    نشرة «المصري اليوم» الصباحية..قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة الترجي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم قبل ساعات من اجتماع البنك المركزي.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    اللعب للزمالك.. تريزيجيه يحسم الجدل: لن ألعب في مصر إلا للأهلي (فيديو)    ناقد رياضي: الأهلي قادر على تجاوز الترجي لهذا السبب    أول دولة أوروبية تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو.. ما هي؟    والد إحدى ضحايا «معدية أبو غالب»: «روان كانت أحن قلب وعمرها ما قالت لي لأ» (فيديو)    سيارة الشعب.. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيها    سر اللعنة في المقبرة.. أبرز أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "البيت بيتي 2"    وأذن في الناس بالحج، رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادا للركن الأعظم (صور)    أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الخميس 23 مايو 2024    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    محافظ بورسعيد يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 85.1%    4 أعمال تعادل ثواب الحج والعمرة.. بينها بر الوالدين وجلسة الضحى    أمين الفتوى: هذا ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    بالأرقام.. ننشر أسماء الفائزين بعضوية اتحاد الغرف السياحية | صور    سي إن إن: تغيير مصر شروط وقف إطلاق النار في غزة فاجأ المفاوضين    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23 مايو في محافظات مصر    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    محمد الغباري: مصر فرضت إرادتها على إسرائيل في حرب أكتوبر    عاجل.. حسين لبيب يتحدث عن حق رعاية إمام عاشور ومفاوضات ضم حجازي    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    محمد الغباري ل"الشاهد": اليهود زاحموا العرب في أرضهم    بسبب التجاعيد.. هيفاء وهبي تتصدر التريند بعد صورها في "كان" (صور)    جهاد جريشة: نمر بأسوأ نسخة للتحكيم المصري    22 فنانًا من 11 دولة يلتقون على ضفاف النيل بالأقصر.. فيديو وصور    مراسم تتويج أتالانتا بلقب الدوري الأوروبي لأول مرة فى تاريخه.. فيديو    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    احذر التعرض للحرارة الشديدة ليلا.. تهدد صحة قلبك    «الصحة» تكشف عن 7 خطوات تساعدك في الوقاية من الإمساك.. اتبعها    أستاذ طب نفسي: لو عندك اضطراب في النوم لا تشرب حاجة بني    هيئة الدواء: نراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عند رفع أسعار الأدوية    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    حظك اليوم| برج الأسد الخميس 23 مايو.. «تحقق ما تريد من أمنيات»    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اخر اخبار مصر اليوم : المائدة المستديرة: مصر وقضية مياه النيل‮ .. ‬ما العمل؟
نشر في أخبار النهاردة يوم 07 - 06 - 2013

يشير مشهد التفاعلات بين دول حوض النيل، وفي القلب منها قضية المياه،‮ ‬إلي الكثير من الآمال،‮ ‬والكثير من التحديات التي تعكسها مفارقة تحسن العلاقات علي المستوي العام،‮ ‬وتعثرها على مستوي التعاون المائي، فلا يزال هدف الوصول إلى اتفاق قانوني ومؤسسي ينظم عملية إدارة المياه بين دول الحوض بعيد المنال‮.‬
انطلاقا من هذه المفارقة،‮ ‬وبحثا عن سبل مواجهة التحديات المرتبطة بتهديد مصالح مصر التاريخية والقانونية في مياه النيل، بدأت أعمال المائدة المستديرة‮ "‬مصر وقضية مياه النيل‮ .. ‬ما العمل؟‮"‬ بكلمة ترحيب من أ‮. ‬أبو بكر الدسوقي‮ (‬رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية‮)‬، الذي أكد أهمية التوقيت الذي تعقد فيه أعمال المائدة المستديرة بالنسبة لقضية المياه‮. ‬فالمشهد الداخلي يعكس الكثير من التفاعلات‮ ‬بالغة الحساسية والخطورة، نظرا لحالة الاحتقان السياسي التي تسود البلاد الآن،‮ ‬ في الوقت نفسه الذي تتعدد فيه التحديات الخارجية،‮ ‬وفي مقدمتها ملف مياه النيل‮.‬
كما أكد حرص واهتمام أسرة التحرير بأن تكون مجلة السياسة الدولية مركزا للتفكير يضع الحقائق كاملة أمام صانع القرار المصري في مجال السياسة الخارجية،‮ ‬وقضايا الأمن القومي المصري، وأن هذه المائدة المستديرة هي استكمال لدائرة أخري عقدت، تحت عنوان‮ "‬السياسة الخارجية المصرية‮ .. ‬الواقع والمستقبل‮".‬ واليوم،‮ ‬تستضيف المجلة نخبة متميزة‮ ‬من المسئولين والخبراء، هم‮: ‬د‮. ‬نصر علام،‮ ‬وزير الري والموارد المائية الأسبق، ود‮. ‬السيد فليفل،‮ ‬الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية، والسفير رفيق خليل،‮ ‬مستشار وزير الموارد المائية، وأ‮. ‬حلمي شعراوي،‮ ‬المدير السابق لمركز البحوث العربية والإفريقية، ‮ ‬ولواء د.أحمد عبدالحليم،‮ ‬عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، والسفير مجدي عامر،‮ ‬مساعد وزير الخارجية والمنسق العام لدول حوض النيل، ود‮. ‬أيمن السيد عبدالوهاب،‮ ‬خبير المياه والقضايا الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وأ‮. ‬هانئ رسلان،‮ ‬رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية،‮ ‬ ود‮. ‬محمد سالمان طايع،‮ ‬أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة‮.‬
واتساقا مع الحرص على تحديد القضية وتقديم إجابات محددة، فقد استهدفت المناقشات التركيز على محورين أو تساؤلين اثنين، هما‮.‬
أولا‮- ‬ما هو توصيفكم لأزمة مياه النيل حاليا؟،‮ ‬هل هي أزمة سياسية أم فنية؟، وكيف يمكن التعامل معها؟
ثانيا‮- ‬ما هي الخيارات المتاحة أمام صانع القرار المصري وآليات تنفيذها؟
المحور الأول‮: ‬أزمة مياه النيل‮ .. ‬ما بين البعد الفني والسياسي والاستراتيجي‮:‬
بدأ السفير رفيق خليل توصيفه لأزمة مياه النيل بأنها ترتكن إلى محاور ثلاثة،‮ ‬لا يمكن انفصال أحدها عن الآخر، وهي الأبعاد السياسية،‮ ‬والاقتصادية، والفنية، فضلا عن البعد القانوني الذي يظهر في عدم اعتراف دول الحوض بالاتفاقيات القائمة، وهي التي تستند إليها مصر في حصتها من مياه النيل وحقوقها التاريخية‮.‬ في المقابل،‮ ‬أقدم عدد من دول حوض النيل على توقيع الاتفاقية الإطارية‮ (‬المعروفة باتفاق عنتيبي‮)‬،‮ ‬على الرغم من اعتراض مصر والسودان‮.‬
وقد انعكس هذا التشابك نفسه بين الأبعاد المختلفة على الرؤية المصرية في تناولها لمسألة مياه النيل من عدة جوانب تمثلت في الأفكار الفنية، وطرح بعض الصياغات القانونية، والرسائل السياسية لرؤساء دول حوض النيل، حتى اتخذت مسألة مياه النيل البعد السياسي منذ عام‮ ‬2007، تسليما من وزراء الموارد المائية والري بأن معالجة وتجاوز الصعوبات القائمة تتطلب معالجة سياسية‮. ‬وقد استمر الوضع على هذا النحو حتى قيام ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير، حيث أصبح التقارب المصري‮ - ‬الإفريقي،‮ ‬خاصة مع دول المنابع،‮ ‬عاملا داعما ومساهما في معالجة سلبيات المرحلة السابقة، وتحديد ما سيترتب على توقيع دول الحوض اتفاقية عنتيبي، في ضوء المقترحات المصرية، أو مبادرات من كينيا، أو أوغندا، فضلا عن التنسيق الكامل مع السودان لإيجاد مخرج من الأزمة‮.‬
وتطرق أ‮. ‬حلمي شعراوي إلى توصيف الأزمة بأنها استراتيجية وسياسية ترتبط بمصير الشعوب ومستقبلها، في حين أنها تمثل لمصر مسألة مصيرية،‮ ‬يصعب معها اختزالها في أبعاد سياسية أو‮ ‬غيرها‮.‬ كما أكد أهمية النظرة الشاملة، وتغيير المفهوم من وادي النيل إلى حوض النيل‮.‬ وذكر أن الاضطرابات الكثيرة التي تشهدها المنطقة تظهر كبر حجم التحديات،‮ ‬وخطورة الخيارات للجميع، خاصة بالنسبة للسودان ومصر،‮ ‬التي تشهد تراجعا في دورها في حوض النيل، في وقت تعددت فيه الأدوار الخارجية، وظهرت قوي أخري مثل الصين،‮ ‬إيطاليا،‮ ‬وقطر،‮ ‬والهند،‮ ‬وماليزيا، حتى أصبح من الضروري دراسة جدول استثمارات المنطقة بكاملها،‮ ‬حتى يمكن الوقوف على نمط المصالح القائم حاليا في حوض النيل‮.‬ ومن الناحية الاستراتيجية،‮ ‬اتخذت مصر موقفا استراتيجيا في بناء السد العالي،‮ ‬تعددت فيه الأدوات والوسائل حتى حققت بناء السد، حينها كان التدخل من الولايات المتحدة الأمريكية‮.‬ أما في حالة إثيوبيا الآن، فإن الوصول إلى المنطقة أصبح‮ ‬غاية الكثير من الدول التي حركت الاستثمارات في إثيوبيا‮ (‬التي لم ينقل منها حجر منذ‮ ‬1962‮ ‬وحتى‮ ‬2003‮)‬، تزامنا مع‮ ‬غياب مصري كامل عن العلاقات المصرية‮ - ‬الإفريقية‮.‬
وانتقل د‮. ‬أيمن عبدالوهاب ليوضح أن التوصيف الاستراتيجي للقضية هو التوصيف الدقيق، فالقضية أبعد من مجرد خلاف سياسي،‮ ‬أو مجرد توظيف لمياه النيل،‮ ‬اتبعته مصر أو إثيوبيا في فترات معينة، وأن المشكلة الفنية أصبحت ذات أبعاد سياسية،‮ ‬تمثلت في عدم قدرة البدائل التنموية في حوض نهر النيل على توفير الطاقة،‮ ‬أو تلبية الاحتياجات من المياه، أو بناء السدود، وذلك لعدم توافر الموارد والقدرات التي يمكن أن توفر بناء تصور كامل لمسألة التنمية، وبالتالي يظل العجز الفني عاجزا عن تلبية هذه الاحتياجات‮.‬
وفي البعد الاستراتيجي، أوضح د‮. ‬عبدالوهاب أنه يجب التركيز على العلاقة الثلاثية المتمثلة في مفهوم الأمن المائي،‮ ‬وعلاقته بالأمن الغذائي والأمن الإنساني ثلاثية الأمن تلك من الممكن أن توضع في خطة مشروعات متكاملة مستقبلية لمدة‮ ‬50‮ ‬عاما لمنطقة حوض النيل،‮ ‬ويمكن من خلالها‮ ‬تعزيز مشروعات‮ "‬التكامل بين توفير المياه وتوليد الطاقة‮"‬، وأن تستند هذه الخطة أو المبادرة على رؤية كاملة لطبيعة المشروعات التكاملية التي يمكن تنفيذها،‮ ‬والجداول الزمنية الخاص بها،‮ ‬ومصادر تمويلها، وهو ما يساعد على إعادة الربط بين ما هو استراتيجي وما هو فني‮.‬
وفي البعد السياسي المتمثل في تفعيل الدور المصري،‮ ‬في إطار التنافس الموجود في المنطقة التي تشهد الكثير من الاضطرابات، ذكر د‮. ‬عبد الوهاب أن الحاجز النفسي بين مصر ودول حوض النيل هو لب المشكلة‮.‬ فهناك رغبة في تجاوز الميراث التاريخي،‮ ‬ورؤية تسعي فيها دول حوض النيل إلى الانفصال عن أي تصورات مصرية يمكن أن توفر دورا قياديا لمصر‮.‬ يضاف إلى ذلك الطموح في لعب أدوار على المستوي الإقليمي للعديد من دول الحوض، حتى تلك التي كانت توصف بالهامشية، مما يطرح فكرة الاصطدام بين المصالح وزيادة درجة التنافس في حوض النيل‮.‬ وبالتالي،‮ ‬تبرز هنا أهمية الرؤية الاستراتيجية لمصر واتساعها لتشمل القوي العربية أو الأوروبية أو الآسيوية المتنافسة في منطقة الحوض، بما يضع تحدي الأمن القومي المصري على المحك‮.‬
وقد تحدث د‮. ‬لواء أحمد عبدالحليم عن أن المقصود بأزمة مياه النيل هي أزمة محتملة الوقوع بين دول النهر أو بعض منها،‮ ‬نتيجة الخلافات على توزيع المياه،‮ ‬أو رغبة هذه الدول في زيادة مواردها،‮ ‬فضلا عن المشروعات التي تقام على مجري النهر في بلدان حوض النيل،‮ ‬وتقلل من كمية المياه التي تصل إلى مصر،‮ ‬في الوقت الذي تحاول فيه الحفاظ على حصتها من المياه لحسابات مستقبلية متصورة ومتوقعة‮.‬
وضمن قضايا التوصيف،‮ ‬ذكر د‮. ‬عبدالحليم أن هناك إطارا قانونيا لعلاقات مصر النيلية يشمل المصدر الرئيسي للمياه وروافده موزعة،‮ ‬كما ينظم الانتفاع المشترك من المياه‮.‬ ولفت إلى أنه توجد ثلاث نظريات هي‮: ‬الإرتسام العادي للمياه، واحترام الحقوق التاريخية، ثم الامتناع عن أي عمل من شأنه الإضرار بالمصالح المقررة لبعض الدول تجاه الدول الأخري‮. ‬وأشار إلى أن الدراسات السابقة لاستخدام المياه أكدت ضرورة التعاون في استغلال مياه النهر، ومراعاة الإنصاف في توزيع مياهه،‮ ‬والتعاون والتشاور في إنشاء كافة المشروعات المشتركة، والتعويض العادل للدول المتضررة من إقامة أي من المشروعات لدولة أخري‮.‬
وأوضح د‮. ‬عبدالحليم أن الناحية الأمنية أصبحت بالغة الخطورة لمصر،‮ ‬حيث تتركز بها مناطق،‮ ‬هي محك الأمن القومي بمرور النهر في السودان بدولتيه،‮ ‬وعمق الامتداد الاستراتيجي لمصر عبر دول حوض النيل، بالتالي فإن الصراعات التي تشهدها المنطقة من شأنها أن تؤثر في مصالح مصر النيلية، وهو ما يتطلب جهدا قانونيا مصريا لإدخال مالم يتم إدخاله من قبل،‮ ‬وبما يمكن الاعتماد عليه في العملية التفاوضية،‮ ‬والتفاهم مع دول الحوض‮.‬ كذلك،‮ ‬يبرز تجاهل بعض الدول إنشاء مشروعات الري وتوليد الطاقة،‮ ‬وعدم إعطاء عناية كافية لتنفيذ مشروعات مخططة لضبط مياه النهر، بالإضافة إلى تعرض بعض المشروعات المقامة على مجري النيل للعرقلة والتخريب لأسباب متعددة‮ ‬، فضلا عن الانفجار السكاني للعديد من دول النهر،‮ ‬مما يؤدي لزياده‮ ‬غير محسوبة في الاستهلاك للمياه، وهو ما يتطلب ضرورة التفاهم على مشروعات استقطاب الفواقد،‮ ‬ومنها‮: ‬مشروع قناة جونجلي التي ستوفر كميات كبيرة من المياه التي تحتاج إليها مصر في المرحلة المقبلة‮.‬
وانتقل د‮. ‬نصر علام‮ ‬ليوضح أن المشكلة التي ترتكز على البعد الفني في حوض النيل تحمل أهدافا وآثارا سياسية واقتصادية، فهي مشكلة مصيرية، لأن مصر هي الدولة الوحيدة التي تعتمد على النهر اعتمادا كليا، مؤكدا أنه لا يوجد طرف في مصر يملك القدرة على أن يعبر عن وجود مصادر أخري يمكن استخدامها، وبالتالي لا نملك أي مرونة في التفاوض‮. ‬وذكر د‮. ‬علام أن أقل الآثار سلبية لاتفاقية عنتيبي سوف تقلل حصة مصر‮ ‬10‮ ‬مليارات م3،‮ ‬بالإضافة إلى أن سد النهضة سيقلل من‮ ‬6‮ ‬إلى‮ ‬9‮ ‬مليارات م3، مما يعني تبوير مليوني فدان، فضلا عن آثار ممتدة إلى المصانع،‮ ‬ومحطات الشرب،‮ ‬وكهرباء السد العالي،‮ ‬وخزان أسوان وانخفاض المخزون الجوفي‮.‬ هذا العجز في حصة المياه لن تستطيع الدولة تعويضه بأي موارد أخري‮.‬
وذكر د‮. ‬علام أنه منذ الاحتلال البريطاني،‮ ‬وهناك إدراك تام بما يمثله نهر النيل لمصر،‮ ‬ومن خلاله أيضا يمكن التحكم في مقادير الدولة المصرية، لأنه ليس أحد مواردها، بل هو حياة لأشخاص،‮ ‬ومستقبل دولة بأكملها‮. ‬وانتقل د‮. ‬علام إلى تفسير الهدف الإثيوبي من بناء سد النهضة لتوليد‮ ‬45‮ ‬ألف ميجا وات من الكهرباء،‮ ‬وتحويل إثيوبيا من موقعها ضمن أكثر إحدي عشرة دولة فقيرة إلى المرتبة‮ ‬20‮ ‬في الدول متوسطة النمو‮.‬ وأوضح أنه بالنظر إلى البعد السياسي،‮ ‬بدأ التراجع المصري لصالح التحرك الإثيوبي والأوغندي، وتنفيذ السياسة الأمريكية التي بدأت بانفصال جنوب السودان‮.‬
من جانبه، أوضح أ‮. ‬هانئ رسلان أن أزمة المياه ليست أزمة فنية،‮ ‬وإن كانت تبدو كذلك ولكنها أزمة ذات طابع استراتيجي، حيث‮ ‬يبلغ‮ ‬استخدام إثيوبيا من الطاقة الكهربائية‮ ‬5‮ ‬آلاف ميجا وات، لذا فهي تسعي للاستفادة من سد النهضة لتصدير الفائض من الكهرباء للدول التي حولها بأي حال لا تملك القدرة الاستيعابية الكبيرة لاستخدام كل الفائض الإثيوبي لعدم وجود درجة من النمو تسمح باستخدام الطاقة بشكل كبير‮.‬ ومن ثم،‮ ‬فإن الحجة الإثيوبية بأن بناء السد ضرورة ليست دقيقة، خاصة فيما ينعكس على سد النهضة الذي تم تغيير تصميمه ثلاث مرات متتالية من‮ ‬11‮ ‬مليار م3‮ ‬ليتسع إلى‮ ‬65‮ ‬مليارم3، أي ما يقرب من ست مرات أكبر من التصميم الأصلي‮.‬ وبالتالي،‮ ‬فإن الإصرار على بناء السد بهذه المواصفات لا يعود أبدا إلى أبعاد تنموية،‮ ‬وإنما أبعاد سياسية واستراتيجية‮.‬
ومن الناحية السياسية، أكد أ‮. ‬رسلان على أنه مع انفصال جنوب السودان،‮ ‬وتغير التوازنات الحدودية مع مصر،‮ ‬على حساب الأمن القومي المصري، تظهر إثيوبيا بمخطط كبير لدولة مؤثرة ومهيمنة في القرن الإفريقي والبحيرات العظمي يتسع ليشمل الدولة المصرية‮.‬ ويتضح الدور الإثيوبي النشط في الوساطة بين الشمال والجنوب السوداني، وإرسال قوات عسكرية إلى منطقة أبيي، في حين أن تفسير خروج القوات العسكرية خارج الحدود ليس فقط من أجل الوساطة، ولكنه سيشكل جزءا من مسارح العمليات المستقبلية،‮ ‬والخطط الاستراتيجية في المستقبل، وبالتالي لا توجد أزمة فنية، حيث يمكن الرجوع إلى التصميمات الأولي للسد،‮ ‬وتخفيض الأضرار السلبية على مصر،‮ ‬والتعاون من خلال استراتيجية أوسع وأشمل للبلدين‮.‬ ولكن ثمة إصرارا إثيوبيا على التحرك لبناء السد،‮ ‬واستغلال الأوضاع المرتبكة في مصر، في وقت تبدو فيه الدولة المصرية‮ ‬غير قادرة على حسم أي من تلك الأمور‮.‬ إذن،‮ ‬الأزمة ذات‮ ‬طابع استراتيجي حقيقي تهدف إلى تغيير القواعد الحاكمة لتوزيع حصة مياه النيل، في ظل سعي إثيوبي لتأكيد دورها المهيمن في المنطقة على حساب مصر، فضلا عن ممارسة الضغوط بنقل موقع التخزين القرني من خلف السد العالي إلى خلف سد النهضة‮.‬
أكد ذلك د‮. ‬السيد فليفل‮ ‬بأن مشكلة المياة ليست سياسية، ولكنها أزمة خطيرة على الأمن القومي المصري‮.‬ وأوضح أن مياه النيل تسير بإرادة ربانية‮. ‬وكان التخزين المائي في وقت السيادة البريطانية، يقوم على استراتيجية التخزين القرني، ثم أصبح التخزين من داخل الأراضي المصرية‮. ‬أوجد ذلك انطباعا مصريا بضمان وجود مياه النيل، وبالتالي تسبب في الأزمة مع الجنوب على النحو الذي نشهده حاليا‮.‬
ويشير د‮. ‬فليفل إلى أن خطة وزارة الموارد المائية والري التي تستمر لمده‮ ‬25‮ ‬عاما حتى‮ ‬2017‮ ‬بينت أن هناك عجزا مائيا يقدر ب‮ ‬23.‬2‮ ‬مليار م3، في حين تأتي التحركات المصرية والتصور الإعلامي ليركز على واقع مغاير تماما لما يعانيه الواقع المصري‮.‬ فيصور اجتماعات منعقدة في شرم الشيخ، ويغفل أن يشرح للأفارقة ما تعانيه مناطق،‮ ‬مثل البحيرة وكفر الشيخ، مما لا يتخيل أن هناك أراضي تروي بمثل هذه النوعية الرديئة من المياه‮.‬
وبالتالي،‮ ‬فالدولة المصرية بصدد أزمة تتضاعف،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يتطلب النظر في العودة إلى مسألة التخزين القرني والمشروعات في أعالي النيل، والمدخل هنا جنوب السودان‮.‬ كما يجب الأخذ في الحسبان تأثيرات تراجع مصر في وقت دخلت قوي أخري،‮ ‬مثل الصين وإيطاليا،‮ ‬وتوافقت دول كبري مع دول حوض النيل، فيما يمكن تسميته‮ "‬إعادة إنتاج الأزمة‮"‬، حين كانت خطيئة‮ ‬النظام السابق هي تدمير العلاقات مع إفريقيا، وإهمال قضايا الأمن القومي الحقيقية، وهو ما يتطلب إعادة تحديد المفاهيم الأساسية للأمن القومي المصري، وتحديدا الأمن المائي، وبلورة‮ ‬فكرة المصلحة الوطنية كمحددات لعملية صنع القرار‮.‬
وتحدث السفير مجدي عامر عن أن مشكلة حوض النيل هي مشكلة متعددة الجوانب،‮ ‬بدأت فنية،‮ ‬وتوسعت إلى الأبعاد الاقتصادية،‮ ‬والاستراتيجية،‮ ‬والسياسية ذات الأبعاد الإقليمية والدولية، بل والبعد الداخلي‮.‬ وذكر أن الدولة المصرية لم تدخل مرحلة الأزمة بعد مع دول حوض النيل، وإن كانت دخلت إلى بوادر أزمة زادت بعد ثورة يناير، نظرا للوضع الداخلي المصري، وبإمكانها أن تتحول إلى أزمة حقيقية، إذا لم تتحرك القيادة المصرية بالشكل المناسب، مع الأخذ في الحسبان أن مصر بالفعل في أزمة داخلية مائية، فنحن نعاني من الفقر المائي‮.‬ وأكد أن الوقت الآن هو الوقت الأفضل للتحرك المصري، لتجنب وضع البلاد في أزمة حقيقية مع دول حوض النيل،‮ ‬تجد فيها مصر نفسها أمام واقع جديد يؤثر فعليا في حصتها من مياه النيل، وهو ما لم تشهده حتى الآن‮.‬
المحور الثاني‮- ‬الخيارات المتاحة أمام صانع القرار المصري وآليات تنفيذها‮:‬
في ضوء ما تقدم من توصيف لأبعاد وملامح الأزمة الحالية لمياه النيل،‮ ‬وارتباطها بالأمن القومي والمائي والغذائي المصري، بات من الضروري الإجابة على تساؤلات أساسية خاصة بسبل الخروج من الأزمة، نذكر منها‮: ‬ما هي الخيارات المتاحة أمام صانع القرار المصري،‮ ‬في حالة ما إذا كان تقرير اللجنة الثلاثية لتقييم سد النهضة‮ ‬المنتظر في فبراير القادم‮ ‬يحمل تقييمات سلبية تضر بمصر أم لا؟، وهل يمثل ذلك بداية أزمة جديدة في مسارات التعاون والتفاوض، أم بداية مرحلة الصراع حول قضايا المياه داخل حوض النيل؟،‮ ‬وما هي الأدوات التي يجب أن تتبناها السياسة الخارجية المصرية حاليا من أجل تجنب الأزمات في دول الحوض؟‮.‬
وفي هذا الصدد، قدم المشاركون عددا من الرؤي والحلول المقترحة كسبل للخروج من الأزمة،‮ ‬والجهات المنوطة بهذه المهام،‮ ‬وأدوات تنفيذها، وإن جاءت البداية من خلال تحذير أ‮. ‬حلمي شعراوي من المبالغة الكبيرة للمخاطر، وأهمية الوقوف على الواقع وتشخيصه،‮ ‬وفقا لمعلومات وبيانات دقيقة، وتجاوز حالة التضارب والضبابية،‮ ‬وتعدد البيانات والمعلومات الصادرة عن الجهات المعنية بالملف، وبالتالي لابد من حسم هذه المعلومات، حتى تستطيع الأجهزة تقدير الأمور،‮ ‬والتعامل مع الحقائق‮. ‬ولابد أن تأخذ الإدارة المصرية قرارا حول اتفاقية مياة النيل، وأن يكون الموقف واضحا قبل إعلان تقرير اللجنة، ومن المتصور أن نرتفع بالحوار لمستوي الرؤساء‮.‬
كما أكد أ‮. ‬شعراوي ضرورة تفعيل مصر لمكانتها ودورها في إفريقيا، وأن نحرص على الحصول على مقعد في مجلس الأمن، وخلق حضور عام اسمه مصر،‮ ‬فنحن نريد سياسة متكاملة في إفريقيا، حتى لا نلجأ لعمل خيارات محدودة وهنا،‮ ‬أشار د‮. ‬أحمد عبد الحليم إلى أن هناك قضايا استراتيجية رئيسية وإجراءات يجب اتباعها قبل الدخول في قضايا المياه لبناء القوة الرشيدة للدولة المصرية، الأمر الذي يدعم قدرة مصر على التأثير في المجالين الإقليمي والدولي‮. ‬وهذه الاستراتيجية مكونة من عنصرين رئيسيين،‮ ‬هما‮: ‬قوة الاقتصاد المصري، والقوة المسلحة،‮ ‬ويترتب على هذين العنصرين قوة سياسية،‮ ‬وتأثير في الأطراف الداخلة في الأزمة‮.‬
ويطرح تساؤلا هو‮: ‬هل مصر الآن في حالة تمكنها من التأثير في الخارج، أم يجب علينا أن نوجه اهتمامنا إلى بعض الأمور الداخلية الأخري التي يجب أن نضعها في الحسبان،‮ ‬حتى يمكن أن نؤثر في الخارج؟‮. ‬وفي محاولة لوضع حلول لهذا التساؤل، حدد د‮. ‬عبدالحليم عددا من الخطوات التي تقود إلى دور مصري مؤثر خارجيا،‮ ‬وهي‮:‬
أولا‮- ‬علينا أن ندرس مصادر المياه بأكملها، وإن نجري مسحا شاملا للموقف،‮ ‬حتى نضع القضية في مكانها الصحيح‮.‬
ثانيا‮- ‬الأمر الأكثر خطورة من ذلك ويحقق التأثير الخارجي هو الاستقرار السياسي الداخلي‮. ‬فإن لم تكن هناك استراتيجية ونظام ثابت للحكم ومجتمع راسخ، فلن نستطيع أن نؤدي أي شيء في هذا الأمر،‮ ‬مهما خرجنا باستنتاجات‮.‬
ثالثا‮- ‬الحرص على استمرار دعم العلاقات والتعاون مع دولتي السودان‮.‬
رابعا‮- ‬وهو أمر به خيال يرتبط بصعوبات تنفيذه، ولكن هل يمكن أن نفعل شيئا في إطاره،‮ ‬من خلال عدد من الأدوات السياسية والاستراتيجية، وهو نهر الكونغو؟‮. ‬هذا النهر الذي يلقي في المحيط‮ ‬440‮ ‬مليون متر مكعب في الثانية،‮ ‬و1.‬58‮ ‬مليار متر مكعب في الساعة‮.‬ والسؤال هنا يبدو خياليا وهو‮: ‬هل يمكن ربط نهر الكونغو بمنطقة البحيرات الاستوائية بشكل أو بآخر؟‮.‬
خامسا‮- ‬الاشتراك المصري في قضايا حوض النيل على مستوي إقليمي يشمل كل دول الحوض في الاتفاقات الموجودة بسائر حساباتها‮. ‬لكن يجب أن نعلم أن الدول الاستوائية تغطي‮ ‬15٪‮ ‬فقط من احتياجات مصر من مياه النيل، بينما‮ ‬85٪‮ ‬من إيرادات المياه لمصر تأتي من إثيوبيا، لذا يجب عدم التعامل معها باستهانة‮.‬ وفي هذا المجال، طرح د‮. ‬عبدالحليم عددا من الوسائل المتاحة للتعامل مع إثيوبيا من خلال الاتفاقات الموقعة،‮ ‬سواء حديثا أو في عهد الاحتلال، بالإضافة إلى إيجاد نوع من الاتفاقات الجديدة مع إثيوبيا‮. ‬ولكن لابد من حساب عنصر التدخل الخارجي من جانب الدول الكبري،‮ ‬مثل الولايات المتحدة والصين، والدول الإقليمية،‮ ‬مثل إسرائيل، إضافة إلى بعض التجمعات الإقليمية مثل الدول الإفريقية‮.‬
وأوصي د‮. ‬عبدالحليم في نهاية كلمته بمجموعة من الأمور المهمة التي يجب اتباعها في معالجة الملف، وهي‮:‬
‮- ‬يجب ألا نستغرق في الثوابت‮ (‬التاريخ وغيره‮) ‬أو أي بيانات مكررة،‮ ‬على أن تكون نقطة البدء الحقيقية هي المسح الشامل للموقف الحالي‮.‬ فإذا تعاملنا مع الموقف الحالي بأدوات الماضي،‮ ‬فلن يؤدي ذلك إلى النتائج المرجوة‮.‬ ولكن إذا فكرنا في العمل بتوقعات المستقبل، فهذا يتطلب حسابات آنية يجب حسابها حسابا دقيقا،‮ ‬وتأثير كل ذلك في مختلف جوانب الأمن القومي‮.‬
‮- ‬لابد من إدراك تأثير العنصرين الدولي والإقليمي، لأن منطقة النيل لها علاقة بمنطقتين أخريين مرتبطتين بالصراع على هذه العملية، هما منطقة البحر الأحمر،‮ ‬ودول الخليج‮. ‬فمنطقة البحر الأحمر تعد بمثابة مجال للضغوط المختلفة من دول المنطقة للتأثير في دول الحوض في قضايا محددة،‮ ‬منها مياه النيل‮. ‬والخليج أيضا له تأثيراته في البحر الأحمر،‮ ‬وجزء كبير من السياسات الإفريقية‮.‬
‮- ‬مسح كامل للموقف الحالي، وكل أدوات القوة السياسية التي يمكن استخدامها‮.‬
‮- ‬سياسة المراحل التي يمكن أن نشترك فيها في أزمة مياة النيل، ثم نقر بأولويات هذه السياسة،‮ ‬والوعي بأن كلمة سياسة تساوي التكلفة‮ ‬(Cost)‮.‬ فلا يمكن اتباع سياسات مطلقة،‮ ‬في ظل‮ ‬غياب القدرة على دفع تكلفتها‮. ‬والتكلفة ليست مادية فقط بالضرورة، ولكنها معنوية و سياسية‮. ‬فحسب التكلفة،‮ ‬نضع مجموعة أولويات،‮ ‬والعمل على تحقيقها، ثم وضع مجموعة أولويات أخري،‮ ‬إذا ما توافرت تكلفة جديدة‮.‬
‮- ‬لابد من إدراك أن قوة الدولة الداخلية هي الركيزة الأساسية لقوتها الخارجية، وأن الاقتصاد هو البناء الاستراتيجي للقوة، وكل هذا يؤثر في قدرة الدولة على التأثير خارجيا‮.‬
وفي هذا السياق،‮ ‬أكد د‮. ‬أيمن عبدالوهاب أن أي سيناريوهات للحل لابد أن تتوافر لها موارد، وإرادة سياسية لإنجاحها،‮ ‬وأن فكرة التعاون هي الفكرة الحاكمة في الملف‮.‬ ولا يعني ذلك الاستسلام،‮ ‬أو افتقاد أوراق الضغط،‮ ‬أو عدم اللجوء للضغوط التصعيدية داخل إطار التعاون‮. ‬ويري د‮. ‬عبدالوهاب أن تقرير سد النهضة هو بداية لأزمة جديدة في ملف المياه، وأن الخيارات المطلوبة لحل الأزمة تتم وفقا لمستويين‮:‬
أولا‮- ‬خيارات مرتبطة بالداخل‮:‬
1- ‬لابد من إعادة النظر في الهيكل الحالي من حيث صنع القرار، والمؤسسات المختصة بملف المياه،‮ ‬وطبيعة التنسيق بينها، وتعميق وتزكية حجم المعلومات المتداولة، ودخول أطراف جديدة،‮ ‬مثل المجتمع المدني والقطاع الخاص،‮ ‬في الملف‮.‬
2- ‬أن يرأس اللجنة العليا للمياه رئيس الدولة، وأن يكون هناك مجلس قومي للمياه، يضم القطاع الخاص،‮ ‬والمجتمع المدني،‮ ‬وممثلين عن الجهات المعنية بالملف، بحيث يعمل الجميع على أرضية واحدة، فيما يتعلق بالتوجهات الاستراتيجية والمعلومات المطلوبة،‮ ‬وتحديد الأدوار والمسئوليات،‮ ‬والبعد عن السياسات العشوائية‮.‬
ثانيا‮- ‬خيارات على المستوي الخارجي‮:‬
1- ‬عدم اختزال قضية مياه النيل والتعاون المائي في قضية سد النهضة، وإنما لابد من تأكيد أن التعامل مع قضية السد يكون باعتبارها جزءا من الكل‮. ‬فعلى الرغم من التهديد الذي يمثله السد لمسار التعاون، فلابد من الانطلاق من مساحة أرحب، وهي أن القضية تتعلق بمستقبل التعاون المائي بين دول الحوض ككل‮.‬
2- ‬تأكيد فكرة التعاون، والربط بين قضايا الأمن المائي والغذائي والإنساني، لأن هذه الرسالة الرابطة يفهمها الغرب والجهات المانحة جيدا‮. ‬وبصيغة أخري،‮ ‬إضفاء رسالة أخلاقية على الخطاب والتحرك المصري في المرحلة القادمة‮.‬
3- ‬بداية التحرك الدبلوماسي تجاه الجهات المانحة والممولة للسد، بالتوازي مع الدور الإعلامي ومنظمات المجتمع المدني‮ -‬وهي أدوات قابلة للتحرك الآني‮- ‬في اتجاه جمع أوراق ضاغطة‮.‬
4- ‬التعامل مع القضايا الداخلية لدول الحوض من خلال مجلس الأمن والسلم الإفريقي الذي أصبح لنا دور فيه الآن، والتركيز الإعلامي على الدور المصري في هذا السياق‮.‬ والتحرك هنا يكون على مستويين،‮ ‬الأول‮: ‬من خلال تعاون متكامل مع دول الحوض،‮ ‬عن طريق مشروعات تتكامل فيها المياه والطاقة، والآخر‮: ‬التعامل مع كل دولة على حدة‮.‬
5- ‬بناء شراكة حقيقية بين القطاع الحكومي،‮ ‬والمجتمع المدني،‮ ‬والقطاع الخاص،‮ ‬من خلال إنشاء وكالة مصرية لتنمية حوض النيل، لتكون بمثابة أداة داعمة للتوجهات المصرية الجديدة،‮ ‬والداعية للربط بين الدبلوماسية والتنمية‮.‬
6- ‬دعم إنشاء شركات أمن مصرية خاصة في دول الحوض، وتعزيز التعاون العسكري، كما تجلي في زيارة رئيس الأركان المصري لإثيوبيا،‮ ‬والتي كان لها مردود قوي على العلاقات الثنائية،‮ ‬وملف حفظ الأمن والسلم في إفريقيا‮.‬
7- ‬فكرة الصفقة الكاملة،‮ ‬من خلال المشروعات،‮ ‬هي الحل الأساسي للقضية، وذلك على مستويين،‮ ‬المستوي الأول مع دول الحوض، والمستوي الآخر مع الولايات المتحدة وعدد من القوي الفاعلة في المنطقة لتعزيز فكرة الاستقرار،‮ ‬من خلال‮ ‬حوار استراتيجي مصري مع هذه القوي‮.‬
8- ‬الاهتمام بالجانب الإجرائي،‮ ‬من خلال رفع مستوي التمثيل الرئاسي للمفاوضات لتوفير الإرادة السياسية‮.‬
وفي محاولة لتوصيف أسباب الأزمة، نوه د‮. ‬السيد فليفل إلى أننا تنقصنا الرؤية، ولا نعرف ماذا نريد وماذا سنفعل، وذلك لأن النخبة السياسية المصرية القائمة على العمل التنموي والثقافي لم تجلس حتى الآن لتضع مشروعا للقرن الحادي والعشرين،‮ ‬وبالتالي فنحن لا نزال نسير حضاريا في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الحادي والعشرين‮.‬
كما أكد أن الإطار العام للحل موجود، وكل الوسائل والأدوات متاحة،‮ ‬لكنها تفتقد إلى التنسيق‮. ‬ومن هنا،‮ ‬دعا إلى أننا يمكن أن نستثمر فترة ما بعد الثورة كفرصة للانطلاق نحو القرن الحادي والعشرين،‮ ‬من خلال تكوين لجنة خاصة بإفريقيا في مجلس الأمن القومي المنصوص عليه في الدستور، تضم كل الجهات المعنية بالملف،‮ ‬وتضع خطة تحرك للدولة،‮ ‬على أن تضم الوزارات المختلفة مكتبا للشئون الإفريقية،‮ ‬ووضع برامج للعمل في إفريقيا، بما يضمن تنسيق العمل في إطار مجلس موحد،‮ ‬مع الحرص على تأهيل القيادات العاملة بالملف،‮ ‬وتدعيم انتمائهم وإحساسهم الأخلاقي نحو المشاكل القائمة‮.‬
وفيما يتعلق برؤيته للخيارات المتاحة لمواجهة مخاطر سد النهضة، رصد د‮. ‬فليفل عددا من السيناريوهات المقترحة والمباشرة، هي‮:‬
1- ‬الدخول كشريك في مشروع سد النهضة‮ -‬علما بأن إثيوبيا لديها أزمة مالية فيما يتعلق بتمويل السد‮- ‬وهو حل موجود في التاريخ القديم‮.‬
2- ‬تأكيد الآثار ومخاطر بناء السد، ليس على مستوي التأثير في حصة مصر فقط، ولكن في امتداد آثاره إلى البيئة،‮ ‬وعلاقة ذلك بطبيعة التربة الإثيوبية، وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه تحت ضغط كبير‮.‬ ومن ثم،‮ ‬فإن احتمال انهيار السد جائز،‮ ‬مثل عدد من السدود القديمة، وبالتالي لا بد من تجسيد هذا الخطر أمام المفاوض الإثيوبي، والمواطن المصري،‮ ‬حتى يستجيب لمسألة الترشيد‮.‬
3- ‬المحافظة على المشروعات الكهربية التي تطرحها ألمانيا والاتحاد الأوروبي‮.‬ وفي هذه الحالة،‮ ‬سيكون هناك فائض كهرباء في إثيوبيا، مع العلم بأن مصر أكبر مستهلك للطاقة مستهدف من السد‮. ‬وفي هذه الحالة،‮ ‬ستكون إثيوبيا مضطرة للتفاوض‮.‬
4- ‬عمل مخطط مائي مع جنوب السودان،‮ ‬والصرف عليه، مع تدعيم أواصر العلاقات مع السودان، حتى لا تعرقل كل منهما أي مشروعات مائية مصرية مثل، البديل الكونغولي،‮ ‬وقناة جونجلي‮.‬
5- ‬توطيد العلاقات بين مصر وإثيوبيا، فإثيوبيا اليوم‮ ‬غير إثيوبيا زيناوي‮.‬
وفي سياق متصل، نوه د‮. ‬محمد سلمان،‮ ‬أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية،‮ ‬إلى أن المشكلة بالأساس هي أن مدرسة الري المصرية عكفت على التعامل مع القضية من مطلق فني هندسي، والبعد عن تسييس القضية، على الرغم من أنها سياسية في المقام الأول،‮ ‬واصفا المشكلة بأنها سياسة ثم اقتصاد‮. ‬وفي هذا الصدد،‮ ‬أكد سلمان أن التحرك يسير وفق عدد من المداخل الاقتصادية،‮ ‬والاستراتيجية،‮ ‬والقانونية،‮ ‬والثقافية،‮ ‬والإدارية، والأهم من ذلك كله المدخل السياسي الذي يتطلب عددا من الخطوات،‮ ‬أوضحها في النقاط التالية‮:‬
1- ‬فهم الواقع الإقليمي والدولي،‮ ‬الذي كان‮ ‬غائبا، وذلك بالاعتماد على نخبة من الخبراء والمتخصصين،‮ ‬إلى جانب السياسيين في إطار عمل تشاركي‮.‬
2- ‬استخدام المساومات والمناورات السياسية بواسطة الجهاز الدبلوماسي، وهي مسألة تحتاج إلى أداء تفاوضي عالي المستوي‮.‬
3- ‬استراتيجية الالتفاف والتطويق السياسي بمحاصرة دول الحوض سياسيا، وليس من خلال سناريوهات صدامية‮. ‬ويكون التطويق على المستوي الداخلي بإقامة علاقات متوازنة مع كل دول الحوض، وتطوير العلاقات مع دول القارة الإفريقية‮.‬
4- ‬إنشاء مجلس للأمن المائي يضم في إطاره مجالس فرعية، نظرا لغياب هذا المفهوم حتى الآن،‮ ‬واقتصار مفهومنا للأمن على الأمن الكمي فقط‮.‬
ومن جانبه،‮ ‬شدد السفير مجدي عامر على أهمية عامل الوقت والاستعداد،‮ ‬وتجاوز المرحلة الانتقالية‮. ‬مؤكدا أن كل ما طرح من مساعدات ومبادرات كسبل للحل قد زادت أضعاف ما كانت عليه،‮ ‬على الرغم من الظروف والأعباء الحالية التي تمر بها مصر‮.‬ لكن المشكلة الكبري الآن‮ -‬من وجهة نظره‮- ‬هي أن سد النهضة، الذي ينذر ببوادر أزمة جديدة، قد يدخل حيز التنفيذ خلال أشهر معدودة، ووقتها نكون أمام مشكلة حقيقية‮. ‬وبالتالي،‮ ‬فإن الوقت ليس في صالحنا، فينبغي التحرك على مستوي‮ (‬الدولة‮) ‬من خلال القيادة السياسية للتفاوض،‮ ‬وهو ما كان‮ ‬غائبا في الملف طيلة السنوات الماضية‮.‬
بينما لفت أ‮. ‬هانئ رسلان‮ ‬الانتباه إلى اتفاقية عنتيبي، وشكل التعامل معها‮. ‬مؤكدا أنه ليس من المنطقي توقيع مصر اتفاقية تهدد مركزها القانوني،‮ ‬وتضعف موقفها، وتجعلها في موقف المتفرج العاجز، مما يضعها أمام أمرين، هما فتح الباب لتداول قضايا بيع المياه، ونقل المياه من حوض النيل،‮ ‬وهذا يمثل ضررا كبيرا على مصر،‮ ‬لأنه تنازل بدون مقابل‮.‬
ويؤكد أنه بالرغم من أن الوضع الحالي‮ ‬غير مريح، فإنه لا يمثل خطرا بالنسبة للاتفاقية،‮ ‬خاصة لو نشأت عنها مفوضية لا تمثل دول الحوض،‮ ‬وإنما عدد منها، وبالتالي فإن هذا الانقسام سيعوق أي مشروعات هناك‮. ‬كما أن خمسا من الدول الموقعة على الاتفاقية،‮ ‬والتي تمد مصر ب‮ ‬15٪‮ ‬من احتياجاتها من المياه،‮ ‬لا تمثل تهديدا على موارد مصر المائية‮. ‬وأوصي بضرورة التعامل الإعلامي الحذر مع القضية، لأن فكرة النظام السابق واللاحق تشكل خطرا على المصالح الثابتة للدولة المصرية،‮ ‬والتي لا تتغير بتغير النظم‮.‬
بينما ذهب د‮. ‬نصر علام‮ ‬إلى رصد عدد من المفاهيم المرتبطة بمدرسة الري القديمة،‮ ‬والتي أسهمت بشكل كبير في الموقف الحالي،‮ ‬منها الحديث عن الوفرة المائية، وأن إثيوبيا لا تستطيع بناء السدود، والحديث عن تحلية مياه البحر، وأن التقصير في التنمية والاستثمار مع دول الحوض هو السبب الرئيسي للأزمة، على الرغم من أنه تم عمل استثمارات بتكلفة ملياري دولار في إثيوبيا عام‮ ‬2010.‬‮ ‬وبعدها بأربعة أشهر،‮ ‬تم وضع حجر الأساس لسد النهضة‮.‬
أيضا هناك إشكاليات مرتبطة بنقص الكوادر البشرية المؤهلة فيما يتعلق بملف حوض النيل على عكس باقي دول الحوض، وسياسة ردود الأفعال التي تتبعها الإدارة المصرية في حل الملف، بالإضافة إلى انفصال جنوب السودان عن شماله، والذي يمثل خزان المياه بالنسبة لمصر،‮ ‬وأمل المستقبل‮. ‬وأوضح الوزير السابق أن الحلول تكون من خلال عدد من الخطوات،‮ ‬أهمها‮:‬
‮- ‬تقديم دراسة مصرية خاصة للجنة الثلاثية عن مخاطر السدود على دول المصب،‮ ‬وعلى جيرانها، ودراسة أخري عن آثار السدود بصفة عامة‮.‬
‮- ‬إيقاف بناء السد حتى الانتهاء من أعمال اللجنة الثلاثية‮.‬
‮- ‬التحول إلى سياسات الأفعال الرشيدة،‮ ‬بدلا من سياسة ردود الأفعال‮.‬
‮- ‬زيادة إيراد النهر،‮ ‬وتعويض النقص الناتج عن المشاريع الإثيوبية، هما الحل الأمثل،‮ ‬لأن مصر لا تملك ما تقدمه لإثيوبيا للتنازل عن أحلامها‮.‬
‮- ‬استمرار الجهود البناءة مع الجهات المانحة لمنع تمويل مثل هذه السدود‮.‬
‮- ‬عدم مشاركة مصر في شراء الكهرباء،‮ ‬والتنسيق مع السودان في هذا الأمر، مما يبطل الجدوى المالية للسدود،‮ ‬ويحجم جهات التمويل، مع الاجتهاد في إيجاد بدائل مناسبة لإثيوبيا في توليد الطاقة،‮ ‬بما لا يعوق التنمية فيها،‮ ‬ولا يضر بالمصالح المصرية‮.‬
وقد أوصي السفير رفيق خليل،‮ ‬من خلاله كلمته،‮ ‬بأهمية أن يأخذ العامل الداخلي مساحته من الاهتمام، استنادا إلى أنه أيا كانت المخرجات من الطرح السابق، فإنه لا ينجح أي تحرك سياسي خارجي بدون الاستقرار‮.‬
وقداختتمت أعمال الندوة بكلمة أ‮. ‬ابوبكر الدسوقي الذي أكد أن البدائل والخيارات اللازمة لحل قضية المياه متنوعة،‮ ‬ومتاحة،‮ ‬ومتفق عليها، كما أن الوسائل والآليات اللازمة للتنفيذ متوافرة إلى حد كبير‮.‬ لكن هناك عاملين مشتركين وراء أزمة مياه النيل،‮ ‬هما‮: ‬غياب الإرادة السياسية من جانب‮ ‬غالبية دول الحوض، وهو ما أدي إلى‮ ‬غلبة علاقات الصراع في معالجة الملف على علاقات التعاون‮. ‬والعامل الآخر يتمثل في أهمية وأولوية تعطي قدرا أكبر من الجهد لزيادة درجة التنسيق بين الجهات المصرية المعنية بملف المياه،‮ ‬وبلورة استراتيجية حاكمة لاطار التعاون‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.