من المتفق عليه أن بقاء الوالى أو الحاكم أو الملك أو الأمير أو الرئيس فى أى مملكة أو دولة أو مؤسسة لمدة طويلة على مقعده يؤدى إلى تفشى الفساد فى أركان حكمه ويقلبه إلى طاغية ويصم أذنه عن الاستماع إلى ناصحيه، ويحول من يخالفه الرأى إلى معارض ومن يراجعه إلى كاره ومن يشكوه إلى مرتد وعدو يجب بتره حتى لا يفسد الآخرين بشكواه، هذا هو ملخص لأهم الأسباب التى أسقطت أغلب أنظمة الحكم الديكتاتورية فى العالم وآخرها نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، لكن من يجلس على المقعد -أى مقعد فيه سلطة- لا يقرأ التاريخ وإن قرأه لا يصدقه وإن صدقه يستثنى نفسه من قواعده وأحكامه، حتى يقع مثل غيره، ليدفع الناس ثمن عناده وديكتاتوريته وظلمه، وتذهب معه كل حسناته ولا تبقى فى الذاكرة سوى سيّئاته. ومع الفارق، فإن النادى الأهلى يعيش الآن نفس ظروف نهايات الممالك والدول والمؤسسات الكبيرة والكيانات الضخمة التى يبقى رئيسها قابعا على رأسها لسنوات طويلة، فالكابتن حسن حمدى يقترب من 30 عاما حاكما لهذه المؤسسة، سواء أمينا للصندوق أو نائبا لصالح سليم، ثم وارثا للحكم من عام 2002 وحتى 2014 (نهاية المدة القانونية للدورة الانتخابية الحالية)، وهو مثل كل الحكام يريد أن يبقى لدورة أخرى تمتد حتى 2018 (أطال الله عمره)، لذلك يقاتل من أجل تغيير لوائح المؤسسة الرياضية التى عُدلت بعد سقوط مبارك وحددت مدة العضوية فى مجالس بثمانى سنوات فقط، استنفد حمدى أضعافها، ولكنه يريد أن يزيد، وهذا ليس خبرا جديدا، ولكن الجديد والمزعج والمحزن والذى أعطانى مؤشرا بأن دولته تدخل مرحلة الكهولة وإدارته تتجه إلى البطش والقهر والسحل لكل من يعارضها، هو الخبر الذى نُشر مؤخرا عن توصية للجنة القانونية بشطب ثلاثة أعضاء بتهمة الإساءة إلى النادى واستخدام حقهم القانونى والدستورى بإبلاغ الجهات الرقابية عن مخالفات ارتكبها مجلس الإدارة، وهو ما اعتبره حمدى ومجلسه إهانة للمؤسسة وتشويها لصورتها وتشهيرا بسمعتها أمام الرأى العام، وقد حصّن مجلس الإدارة ولجنته القانونية موقفهم الديكتاتورى بقرار لجمعية عمومية حضرها 3092 عضوا (من إجمالى 128 ألف عضو) من الموالين لرئيس الأهلى، اتخذت قرارا ليس من اختصاصاتها بتحويل الأعضاء الثلاثة إلى الشؤون القانونية التى أوصت بشطبهم بعد أن رفضوا المثول أمامها، وطالبوا بلجنة محايدة للتحقيق. وبغض النظر عن التفاصيل الدقيقة للقصة واستخدام الإدارة للسلطة القانونية فى تنفيذ رغباتها، فإن ما يهمنى هو الجوهر، فإدارة الأهلى لم تعد قادرة على سماع معارضيها أو ناصحيها أو المطالبين بتصفية جيوب الفساد داخلها، فالأعضاء الذين تم التوصية بإسقاط الجنسية «الأهلاوية» عنهم واعتبارهم مارقين ومفسدين فى دولة الرئيس، كل جريمتهم أنهم سلكوا الطرق الشرعية فى الإبلاغ عن المخالفات التى ظنوا -من وجهة نظرهم- أنها تضر بمصالح النادى وتعرقل مسيرته وتأكل موارده، ولكن الإدارة التى بلغت من العمر أرذله وتكلست على مقاعدها وتحكم النادى إرثًا لها صمَّت أذنها وأقصت أعضاءها باعتبار أن من يعارضها أو يختلف معها هو عدو للمؤسسة ومخرب لأركانها وهادم لإنجازاتها وجاحد بنعمة مجلسها وولى نعمتها، وتلك هى بداية الانهيار الذى أتمنى صادقا أن ينتبه إليه العقلاء، ويفرقون بين الكيان الأهلاوى كمؤسسة لها تاريخها ورموزها وحاضرها ومستقبلها لن يهزه شكوى أو معارض، وبين القائمين على إدارتها باعتبارهم بشرا يصيبون ويخطئون، فإن أصابوا فهذا واجبهم، لهم عليه الشكر، وإن أخطؤوا فعلينا النصيحة والتصويب، ولكن أن يصمُّوا آذانهم وينكِّلوا بالمعارضين والمختلفين مع شخوصهم، فهذه هى الديكتاتورية التى تسقِط الدول والممالك والمؤسسات. وبالمناسبة، أريد أن أسأل الكابتن حسن حمدى، ورجاله الأشاوس فى مجلس الإدارة: أين الاستاد الذى وعدتم به الأعضاء والجماهير فى برنامجكم الانتخابى؟ أين مقر النادى الجديد فى 6 أكتوبر؟ أين الإنجاز الحقيقى الذى سيذكره لكم التاريخ كما ذكر من سبقكم؟ أخشى أن لا تبقى من ذكرى عهدكم سوى مذبحة بورسعيد!