«أبو سنة» يكشف تفاصيل إنشاء أكبر مجمع إعادة تدوير للمخلفات في مصر    "وضع سقف للدين العام".. أبرز تصريحات معيط بشأن الموازنة العامة أمام النواب    «الخارجية الأمريكية»: نرفض قيام إسرائيل بعملية عسكرية كبيرة في رفح الفلسطينية    تشكيل باريس سان جيرمان وبوروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    تحرير 50 محضرا متنوعا للمخابز خلال 4 حملات تموينية مكبرة بالفيوم    إبراهيم السمان يخوض أول بطولة سينمائية مطلقة ب«مخ في التلاجة» (صور)    شارك صحافة من وإلى المواطن    "جلب السيطرة والقيادة والقوة لنا".. سام مرسي يحصد جائزة أفضل لاعب في إبسويتش    فرسان العلم والعمل والإنتاج مع أحمد إبراهيم في قناة مصر الزراعية يومي الاثنين والأربعاء    السفير المصري ببوليڤيا يهنئ الأقباط بعيد القيامة    وزير الصحة يشهد تدريب العاملين بالوزارة على توحيد مفاهيم الجودة (تفاصيل)    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    رئيس وزراء فرنسا يعرب مجددًا عن "قلق" بلاده إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    خالد الجندي يوضح مفهوم الحكمة من القرآن الكريم (فيديو)    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الأقباط بعيد القيامة المجيد    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    خطة الزمالك لتأمين شبابه من «كباري» الأهلي (خاص)    كيف يمكنك ترشيد استهلاك المياه في المنزل؟.. 8 نصائح ضرورية احرص عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    «الأعلى للطرق الصوفية» يدين هجمات الاحتلال الإسرائيلي على رفح الفلسطينية    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    إيرادات «السرب» تتجاوز 16 مليون جنيه خلال 6 أيام في دور العرض    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اخر اخبار مصر اليوم : التجسس على الرئيس مرسى فى القصر الجمهورى
نشر في أخبار النهاردة يوم 30 - 10 - 2012

■ الرئيس لا يجرى مكالماته من تليفون محمول حتى لا يتم اختراقه ويكتفى بالتليفون الأرضى فى كل اتصالاته ■ الرئاسة تتلقى تقريرا أمنيا يوميا يعتمد فى تفاصيله على التجسس على تليفونات المواطنين ■ قد تكون الرئاسة صادقة فى التأكيد على عدم تسجيل مكالمات النائب العام مع الغريانى ومكى.. لكن هل تضمن ألا تكون هناك جهات أخرى قامت بالتسجيل؟
«إذا كثر كلام الرجل.. كثر خطأه».. جرى هذا الحال على القيادى الإخوانى عصام العريان، الذى حاول فى معركته مع النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، أن يرهب الرجل بتلميحه إلى أن المكالمات التى جرت خلال أزمة الرئاسة والنائب العام - التى انتهت بانتصار القضاة ببقاء المستشار عبدالمجيد محمود فى منصبه – تم تسجيلها، فى إشارة إلى أن النائب العام لا يقول الحقيقة، وأنه مدان فى الأزمة.
العريان الذى يترفع الآن عن الحديث مع الإعلام، ويكتفى بتغريداته – تحول بعضها إلى نواح مكتمل – عبر حسابه على تويتر، غرد فى البداية بأن الرئاسة توثق قراراتها ولقاءاتها عن طريق تسجيل ما يدار خلال هذه اللقاءات، وعندما وجد أن الأمور ستنقلب عليه، وسيجرى التحقيق معه بتهمة إدعائه تسجيل المكالمات، عاد ليغرد من جديد قائلا: «إلى الكذابين الذين يتنفسون كذبًا، لم أقل إن الرئاسة تتنصت على مكالمات النائب العام، بل طالبتها بتوثيق كل مكالماتها الرسمية التى يصدر عنها قرارات.
دع عنك أن ما يقوله عصام ليس صحيحًا، فهو لم يطالب الرئاسة بشىء، بل أقر بأنها توثق بالفعل، فى إشارة إلى أن ما جرى فى أزمة النائب العام مسجل، فالأهم من ذلك أن النائب العام لم يترك تصريح العريان يمضى كما تمضى تصريحات أخرى له، لأنها بلا عقل ولا منطق.
أرسل النائب العام إلى الرئاسة خطابا رسميا، يطلب فيه من رئيس ديوان رئيس الجمهورية موافاته بما إذا كان العريان يشغل وظيفة برئاسة الجمهورية، تتصل اختصاصاتها بإجراء هذه التسجيلات من عدمه، لم تكذب الرئاسة خبرا، غسلت يديها من تقولات العريان على الفور عبر متحدثها الرسمى الدكتور ياسر على، الذى نفى قيام رئاسة الجمهورية بتسجيل الاتصالات الهاتفية التى تتم بينها وبين المسئولين والأفراد، وأضاف: ربما مكايدة للعريان وتأديبا له على جرأته: إن الكلام الذى تردد فى هذا الشأن غير صحيح تماما، وإن رئاسة الجمهورية لا يمثلها فى الحديث للرأى العام إلا رئيس الجمهورية أو نائبه أو المتحدث الرسمى».
قد تكون الأزمة انتهت عند هذا الحد، لأن هناك من يريد لها أن تنتهى ولا تتسع لأكثر من ذلك، لكن ما اقترفه العريان فى حق الرئاسة والنائب العام معا، يفتح لنا بابا واسعا للسؤال عن تأمين اتصالات الرئاسة، أو بالأدق يجعلنا نطرح سؤالا هل هناك من يتنصت على الرئيس؟ أو لنكن أكثر وضوحا، هل هناك من يتجسس على رئيس الجمهورية؟
أعتقد أن الإجابة تستحق مزيدا من البحث.. والبحث يبدأ من أزمة الرئيس – النائب العام أيضا.
من سجل مكالمات النائب العام؟
سنستسلم لفرضية أن الرئاسة بالفعل لم تقم بتسجيل مكالماتها مع النائب العام، لكن هذا لا يعنى أن المكالمات نفسها لم يتم تسجيلها، لا يمكن أن نتعامل باستهانة مع ما قاله عصام العريان، فقد يكون تم تسريب أمر تسجيل المكالمات إليه، حتى تكون هذه هى ورقته الأخيرة فى الدفاع عن نفسه فى معركة النائب العام، لكنه تعجل الأمور وكشف عنها مبكرا.
ما جرى أن من قاموا بالمكالمات مع النائب العام هما المستشار أحمد مكى وزير العدل، والمستشار حسام الغريانى رئيس الهيئة التأسيسية ورئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، وهى المكالمات التى قيل إن لبسا كبيرا وحادا حدث فيها، فكل طرف يتبنى وجهة نظر فيما جرى خلال هذه المكالمات، ولا يمكن التأكد مما جرى إلا بعد سماع المكالمات، وإذا كانت الرئاسة تجزم بأنها لم تسجل إلا أنها موجودة.
لكن السؤال هو: كيف تجرى الرئاسة مكالماتها؟
من مصادر عملت لفترات طويلة فى رئاسة الجمهورية يتم التأكيد على أن الرئيس تحديدا لا يجرى أى مكالمات عامة أو خاصة إلا من خلال التليفون الأرضى، حيث تسهل حمايته من الاختراق أو التجسس، وكان المعتاد من الرئيس مبارك أنه – أكد لى ذلك الدكتور مصطفى الفقى – عندما كان يتحدث من التليفون الأرضى من الرئاسة إلى مسئول ما على تليفونه المحمول، يطلب منه أن يتوجه إلى أقرب تليفون أرضى حتى يبدأ معه مبارك فى الحديث عما يريده، ولم يقم مبارك أبدا فى الحديث مع أحد فى شأن عام أو خاص من خلال المحمول، ولا يقتصر الأمر على وجوده فى قصر الرئاسة، بل حتى وهو موجود خارج مصر فإنه يتحدث إلى من يريده عبر تليفون أرضى.
الشاهد أنه وفى أزمة النائب العام، أن المستشار أحمد مكى والمستشار حسام الغريانى تحدثا إلى النائب العام عبر تليفوناتهما المحمولة، وهو ما يجعل من الجائز جدا التنصت على المكالمات وتسجيلها.
وهنا يأتى السؤال الثانى: فإذا كانت مؤسسة الرئاسة نفت تماما أن تكون قامت بتسجيل مكالمات النائب العام، وهى صادقة فى ذلك – على الأرجح – فهل يمكن أن تكون هناك جهة أخرى قامت بالتسجيل، وهو ما يعنى أن هذه المكالمات لديها الآن؟
هذا تقريبا ما قد حدث، فهناك بالفعل حوالى 8 جهات فى مصر تقوم بتسجيل المكالمات، من بينها على سبيل المثال، الرقابة الإدارية، ومباحث التليفونات، والمخابرات العامة، والمخابرات الحربية، ومباحث أمن الدولة سابقا – وأعتقد أن الأمن الوطنى حاليا لا يزال يقوم بهذه المهمة – وسلاح الإشارة.
ليس ضروريا أن تكون هذه الجهات جميعها قامت بركوب تليفون الرئاسة – ركوب هو المصطلح الأمنى لمراقبة تليفون ما وتسجيل المكالمات التى تجرى عبره إرسالا أو استقبالا – ولكن قد تكون هناك جهة معينة منها التقطت المكالمات وقامت بتسجيلها، وتحتفظ بها لوقت الضرورة، ويمكن للرئيس محمد مرسى أن يراجع أيًا من هذه الجهات ليعرف هل تم تسجيل مكالمات النائب العام أم لا؟
صراع أجهزة التنصت فى مصر؟
يمكن أن ينفى البعض أن تكون هذه الأجهزة تقوم بتسجيل المكالمات، ربما من باب نفى شبهة التجسس على حياة المواطنين، لكن هناك من الأحداث والوقائع ما يشير إلى أن من بين المهام الأساسية لهذه الجهات التسجيل تقريبا لكل المكالمات التى تجرى فى مصر.
فى مبنى جهاز الرقابة الإدارية بشارع النزهة على سبيل المثال وفى الطابق الحادى عشر سنترال بالغ الدقة سعته مليون خط على الأقل وفى إمكانه رصد اتصالات مليون مواطن دفعة واحدة، ولا فرق فى ذلك بين تليفون أرضى أو محمول، الأرضى يمكن تعليقه عن طريق السنترالات الأرضية، والمحمول عن طريق تقنية خاصة متصلة بمحطات التقوية التى تديرها شبكات المحمول الثلاث، وهذه القدرات التكنولوجية العالية ليس لها سوى معنى واحد وهو أن مصر كلها كانت – ولا تزال – تحت المراقبة المباشرة من هيئة الرقابة الإدارية.
ومن بين ما يروى فى هذا السياق، وعلى خلفية الصراع بين حبيب العادلى وعمر سليمان على من يكون هو الرجل الأول لدى مبارك، وفى إطار محاولات تكسير بعضهما البعض، كان حبيب العادلى قد قام بتسجيل بعض المكالمات الخاصة والحفلات لبعض أقارب عمر سليمان، وأرسله إليه، فما كان من عمر سليمان إلا أن أرسل إلى حبيب العادلى مكالمات خاصة جدا لمقربين منه، وهى المكالمات التى كانت سببا مباشرا فى انتقام حبيب العادلى من أحد الصحفيين الذى لا يزال مصيره مجهولا حتى الآن.
بل إن عمر سليمان كان عنصرا حاسما فى قضية المشير أبو غزالة ولوسى آرتين، حيث كان هو من حمل إلى الرئيس مبارك التسجيلات التى دارت بين المشير وفاتنة بيانكى، وبعد مقابلة سليمان مع مبارك، صدرت إشارة البدء لتصفية المشير أبو غزالة.
حبيب العادلى ومن باب تأكيده لنفوذه كان يراقب الوزراء ويسجل لهم، وهو ما أكده وزير الإسكان السابق والمسجون حاليا أحمد المغربى، كان هناك اتهام دائم للمغربى بأنه قريب من أحمد نظيف، بل إنه صاحب حظوة لديه، فصرح فى حديث صحفى بما نصه: ارجعوا لتقارير الأمن التى ترصد تليفوناتنا ستجدون أننى أقل الوزراء اتصالا برئيس الوزراء أحمد نظيف.
حبيب العادلى لم يكن يخفى أمر التسجيلات، بل ربما تفاخر بذلك أكثر من مرة، ولم يكن غريبا على رجل بغروره أن يقول: اللى يخاف ميتكلمش، فى إشارة إلى أن التنصت على المواطنين قائم ولن ينتهى.
تقارير الموساد والأمريكان عن مكالمات الرئيس
لم يكن غريبا أن يقع الرئيس مبارك ورغم حرصه الشديد على تأمين نفسه فريسة للتجسس عليه وتسجيل مكالماته، وقد حدث هذا مرتين – فيما نعرف على الأقل – الأولى فى أحداث اختطاف السفينة « اكيلى لاورو»، التى جرت بداية من 7 أكتوبر 1985، كان أربعة من مقاتلى جبهة التحرير الفلسطينية قد اختطفوا السفينة الإيطالية «أكيلى لورو» بعد انطلاقها من ميناء الإسكندرية.
طلب الخاطفون من إسرائيل إطلاق سراح 50 عنصرا من القوة 17 التابعة للجبهة، وبعد يومين فقط سلم الخاطفون أنفسهم للسلطات المصرية، وتم الاتفاق على سفر الخاطفين وإنهاء الأزمة بهدوء.
فى كتابه «الحجاب.. الحروب السرية للمخابرات الأمريكية» يروى الصحفى الأمريكى بوب وود وارد تفاصيل ما جرى، فالرئيس مبارك كان يكره نظام تأمين الاتصالات الذى أمدته به الولايات المتحدة، فقد كان جهاز التليفون مزودًا بزر، لابد من الضغط عليه أثناء الحديث بحيث لا يستطيع الشخص الذى على الطرف الآخر أن يتكلم وهو يستقبل المكالمة، كان ذلك يجعل من الصعب مقاطعة المتحدث على الطرف الآخر، ولهذا كان مبارك يستخدم أجهزة التليفون العادية، وكانت هناك أوامر بتشديد وزيادة العمليات الأمريكية لجمع معلومات المخابرات فى مصر خاصة بواسطة وكالة الأمن القومى والأقمار الصناعية.
فى صباح 10 أكتوبر، تم التقاط مكالمة أجراها الرئيس مبارك مع وزير الخارجية المصرى وكان وقتها عصمت عبدالمجيد، كانت المعلومات العلنية تشير إلى أن فريق الخاطفين غادر مصر، أما مكالمة مبارك فقد كانت تقول شيئا غير ذلك، قال مبارك فى اتصاله إن الخاطفين لا يزالون فى مصر، وأن جورج شولتز – وزير الخارجية الأمريكى – يكون مجنونا إذا اعتقد أن مصر يمكن أن تسلم الخاطفين إلى أمريكا كما تطلب واشنطن، وأضاف مبارك أن مصر فى النهاية بلد عربى ولا يمكن أن تدير ظهرها لأشقائها فى منظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد أقل من نصف الساعة كان نص المكالمة قد وصل إلى غرفة العمليات فى البيت الأبيض، فى رسالة مشفرة تحمل خاتم سرى للغاية، فقد عرفت أمريكا من خلال المكالمة التى جرت بين مبارك ووزير خارجيتها تفاصيل رحلة خروج الخاطفين من مصر، رقم الطائرة ونوعها ومكان الإقلاع.. عرفت أن الطائرة تابعة لشركة مصر للطيران ورقمها بوينج 737 وأنها ستقلع من مطار ألماظة.
بعد ساعات قليلة وطبقا لما يرويه « بوب وود وارد» قدمت وكالة الأمن القومى الأمريكى نصوص عشر مكالمات تم التقاطها لمبارك وهو يناقش الخطة النهائية لنقل الخاطفين، ومنها عرفت الوكالة توقيت وصول الخاطفين الأربعة إلى الطائرة ورقم الرحلة الجوية ومسار الطائرة فى رحلتها إلى الجزائر، حيث كان مقررا أن تتسلمهم منظمة التحرير الفلسطينية.
التجسس على مكالمات مبارك كانت نتيجته اعتراض طائرات (اف – 14) أمريكية للطائرة المصرية، وإجبارها على الهبوط فى قاعدة سيجونيلا بصقلية، بمن فيها الخاطفون الأربعة مع أبو العباس الأمين العام للجبهة والذى كانت واشنطن وتل أبيب تعتقدان أنه العقل المدبر لعملية الخطف.
لم يتوقع مبارك أن تكون مكالماته التى أجراها خاضعة للتنصت بهذه الطريقة، وشك فى أن يكون المشير أبو غزالة هو من سرّب المعلومات إلى المخابرات الأمريكية، خاصة أن الرئيس الأمريكى وقتها رونالد ريجان هاجم مبارك ووصفه بالكاذب، لكن أبو غزالة كان بريئا تماما، وكل ما فى الأمر أن المخابرات الأمريكية كانت تتنصت على مبارك وتسمع كل ما يقوله وكأنها تعيش معه فى غرفة نومه.
المرة الثانية التى خضع فيها مبارك للتنصت كانت بعد محاولة اغتياله فى أديس أبابا فى العام 1993، أجرى اتصالا مع نجله علاء، وطلب منه أن يجرى اتصالا مع والدته التى كانت تتلقى العلاج وقتها من آلام فى العمود الفقرى بإحدى مصحات تشيكوسلوفاكيا، عندما علمت سوزان ما جرى عادت إلى القاهرة على الفور، وأجرت وهى فى الطائرة اتصالات قام بها رجال مكتب الرئيس والدكتور أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس، وكان صفوت الشريف من بين من تلقوا هذه المكالمات.
نتيجة التجسس على مكالمات الرئيس هذه المرة كانت هينة، فقد التقط المكالمة أحد الأقمار الصناعية الإسرائيلية، وهو ما جعل الإذاعة الإسرائيلية تسبق الإعلام المصرى فى إذاعة النبأ بدقائق.
كان مبارك حريصا جدا على تأمين اتصالاته، ومن بين ما ترويه مصادر مقربة من قصر الرئاسة أنه فى بداية عهد مبارك بالرئاسة كان هناك ضابط مخابرات مسئول عن الاتصالات داخل الرئاسة، واكتشف مبارك أنه يقوم بتسجيل المكالمات فأبعده على الفور.. لكنه لم يستطع أن ينجو من تنصت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية على مكالماته.
مرسى تحت قصف التجسس
ما حدث مع مبارك ليس بعيدا أن يتكرر مع الرئيس محمد مرسى، خاصة أن الرجل لا يزال فى طور التشكل، ولا أحد يعرف على وجه التحديد إلى أين يتجه، وقد يكون التجسس على الرئيس المصرى سهلا جدا، عندما نعرف أن هناك 12 قمرًا صناعيًا عسكريًا أمريكيًا فى منطقة الشرق الأوسط، يمكنهم من خلالها أن يرصدوا دبة النملة، وليس ما يجريه الرئيس المصرى من اتصالات.
مصادر أمنية تشير إلى أن المخابرات المركزية الأمريكية تقوم برصد كل المكالمات التى تتم عبر أرجاء الكرة الأرضية، وأنها استطاعت أن تستعيد 101 مكالمة لأسامة بن لادن منذ العام 2001، ساهمت بدور كبير فى التأكد من تورطه فى أحداث 11 سبتمبر.
القانون الأمريكى نفسه يسمح بتسجيل مكالمات رجال الأعمال من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى فى ذلك حماية للأمن القومى الأمريكى. هنا فى مصر أمور قد تبدو غريبة، فالقانون يسمح للزوج أن يتنصت على مكالمات زوجته، كما يتقبل تسجيل التليفونات إذا كان من شأنها أن تقدم دليل نفى وليس إدانة فى جريمة ما. فيما سبق كانت المادة 45 من الدستور المصرى تنص على أنه لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وصيانتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها، ورقابتها إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون.
لكن وكالعادة فالقانون شىء والواقع شىء مختلف تماما، فالقانون المصرى يعطى جهات معينة الحق فى مراقبة أى تليفون بشرط الحصول على إذن نيابى مسبق، وتم تحديد هذه الجهات فى الرقابة الإدارية والمخابرات بشقيها العامة والعسكرية، ووزارة الداخلية بأجهزتها المختلفة، وأكثرها عملا فى هذا المجال مباحث أمن الدولة ومباحث الأموال العامة ومباحث الآداب، وحتى سنوات قليلة كان القانون يشترط للمراقبة الحصول على إذن من قاضٍ جزئى، لكن وجد أن ذلك يعوق عمل هذه الجهات، فتم الاكتفاء بالحصول على الإذن من النيابة.
لابد أن الرئيس محمد مرسى يعرف ذلك جيدا، ويعرف أيضا بحكم منصبه الآن على الأقل، أن الرئاسة تتلقى تقريرا يوميا عن حالة الأمن، وأن أكثر مصادر هذا التقرير الأمنى الاتصالات التى تقوم الجهات المختلفة بتسجيلها، عبر التنصت على تليفونات المواطنين.
لقد نشرنا قبل ذلك نصوص مكالمات سجلتها أجهزة أمنية سيادية أثناء الثورة، توفر من خلالها معلومات كثيرة عن خطط وصفقات واتفاقات وتنظيم مظاهرات وخروج مسيرات وتبليغ معلومات، واعتقد لو أن الثورة فشلت لكان من وردت أسماؤهم فى هذه المكالمات يحاكمون الآن بتهمة الخيانة العظمى. بعد ذلك كله، يمكن أن نتفهم نفى الرئاسة القاطع لأن تكون هناك تسجيلات من ناحيتها لمكالمات النائب العام معها، لكن هذا لا ينفى أن الأجهزة التى تسجل المكالمات لصالح الرئاسة فعلت ذلك، وهو أمر لا يتم بدون علم الرئاسة بالمناسبة.
الأخطر من ذلك أن هذه الأجهزة وفى ظل حالة التفلت الأمنى الكبيرة التى تعيشها مصر، يمكن ألا تكون قادرة على إحكام السيطرة على تسجيل المكالمات، وهو ما يشكل خطرا داهما على الأمن القومى فى مصر، فكما يتم التنصت لصالح الرئاسة، يمكن أن يتم التنصت عليها، وكما يتم تقديم ضحايا لها، يمكن التضحية بها شخصيا.
ثم يظل فى النهاية سؤال: ألم تكن تشكو جماعة الإخوان المسلمين من التنصت عليهم وتسجيل مكالماتهم التليفونية داخليا وخارجيا، وهناك تقرير فى نيابة أمن الدولة العليا إلى الآن به نصوص مكالمات أجراها الرئيس مرسى نفسه يوم 26 و27 يناير 2011 مع قيادات إخوانية فى الخارج بعد تسجيلها عبر الجهات الأمنية؟.. فما الذى يجعل الرئيس مرسى يبقى على حالة التجسس على المصريين هذه كما كانت.. أم أن الرئيس الذى قدم إلينا من جماعة الإخوان نسى ما كان يشكو منه هو وجماعته؟!.. هذا والله مجرد سؤال.
نقلا عن بوابة الفجر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.