لم يفزعنى اقتحام الألتراس اتحاد الكرة بقدر ما أزعجنى قرار محمد أبو تريكة بالامتناع عن المشاركة فى مباراة الأهلى وإنبى بكأس السوبر تضامنا مع الألتراس ومطالبهم بعدم استئناف النشاط المحلى إلى حين القصاص لشهداء مذبحة بورسعيد، وإذا كنت قد أجد مبررات للألتراس للتخفيف من حدة تصرفهم العنيف باقتحام الاتحاد والاستيلاء على بعض الكؤوس من منطلق أنهم شباب متحمس ومندفع ومتشدد فى انتمائه للأهلى ولأصدقائه الشهداء وظروف أخرى، إلا أننى لا أجد مبررا مقنعا لما فعلة أبو تريكة أو سببًا موضوعيًّا لهذا القرار المتطرف، بل إن موقفه المفاجئ تجاه عدم اللعب يدفعنى إلى أن أراجع نفسى ومعى كثيرون فى حقيقة نيات أبو تريكة وتوافق ما يُظهره مع ما يُبطنه، وهنا أضع أمامكم مجموعة نقاط لفتح ملف هذا اللاعب الذى قد يقود المجتمع بتصرفه إلى مواجهة وعنف بين الحكومة والألتراس، وبين الألتراس وفئات أضيرت من وقف النشاط الرياضى: أولاً: قبل ما يزيد على ثلاثة أسابيع أعلنت حكومة حزب الحرية والعدالة على لسان وزيرها الأهلاوى العامرى فاروق أن القيادة السياسية (يقصد الرئيس محمد مرسى) مصممة على عودة الحياة الرياضية -والكروية بالأخص- إلى مجراها الطبيعى وعودة الناس إلى أرزاقهم، وبعدها أعلن اتحاد الكرة موعد مباراة السوبر وانطلاق مسابقة الدورى الممتاز. وطوال هذه الفترة لم نسمع للكابتن أبو تريكة صوتا أو تصريحا أو تلميحا، وكان منتظما فى التدريبات دون إبداء اعتراض أو امتعاض أو حتى تحفظ، حتى كان يوم اقتحام ألتراس أهلاوى لتدريب فريق الكرة وهتافهم ضد الإدارة والجهاز الفنى واللاعبين وأولهم أبو تريكة، وهى المرة الأولى منذ أن انضم تريكة إلى الأهلى عام (2003) التى تهتف الجماهير ضده، وهو معبودهم ومعشوقهم الذى لا تفوته فرصة للتقرب منهم والتودد إليهم، وفى صباح اليوم الثانى للاقتحام يصدر الألتراس تصريحا مقتضبا لم نفهم مبرره، يقول إن الجماعة لم تهتف ضد تريكة فى واقعة غزوة تدريب الأهلى، وإن الناس سمعت بالخطأ هتافها ضد هانى أبو ريدة على أنه لتريكة، ورغم أن الكلام يتنافى مع ما أكده الحاضرون والسامعون فإن اليوم الثالث جاء مفسرا وموضحا وكاشفا بإعلان أبو تريكة عدم لعب مباراة السوبر أو المشاركة فى بطولة الدورى، إلى حين تحقيق القصاص من قتلة شهداء بورسعيد، وهو كلام لم يُقل، وفعل مفاجئ لا يمكن أن نفسره بعيدا عن هتافات الألتراس ضد اللاعب الذى خاف على شعبيته ونجوميته، وراح يخطب ودهم بتصرف لم ينبع من إرادة شخصية أو قناعة عقلية، بل من حرص وخوف على مصالح شخصية ونجومية ذاتية، هكذا أفهم وأتمنى أن أكون مخطئا. ثانيًا: لم يدر الكابتن أبو تريكة وهو يتخذ القرار أنه كان من الأولى -إذا كان صادقًا ومؤمنًا أن الدولة لا تسعى جديا للقصاص لشهداء استاد بورسعيد- أن يتوجه بالنقد والهجوم للرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، التى ينتمى إليها، والتى تمسك مقاليد الحكم، والتى قال وزيرها العامرى فاروق إن الرئيس أوصى بسرعة عودة النشاط الرياضى، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الرجل الذى طالبنا تريكة بانتخابه ووصفه بأنه المنقذ للبلاد والعباد وحامل العدل، هو الذى يطالب بعودة الدورى ويتلكأ فى القصاص للشهداء، ولو كان أبو تريكة أمينًا مع نفسه ومع جمهوره ولم يسع من وراء موقفه لمكسب خاص، لكان توجه بالطلب والنداء أو الانتقاد والهجوم للرئيس مرسى. أمَا وإنه يخشى خسارة الجماعة ورئيسها فقرر أن يلقى بالمسؤولية على الحيطة الضعيفة وهى إدارة الأهلى، فهذا أمر لا يليق برجل يحدثنا بالإسلام أو ربما ما فعله تريكة هو حركة متفق عليها مع الجماعة أن يخرج أحد رجالها المخلصين الأوفياء يعلن تعاطفه مع مطالب الألتراس لتغسل يديها، وبالتالى تظل على علاقة مع هذه المجموعة وتضمن عدم انقلابها عليهم، إذا ما اتخذت أجهزة دولة مرسى أى إجراء عنيف فى مواجهة الألتراس وإصراره على فرض إرادتها بالقوة الجبرية. ثالثًا: يقول أبو تريكة لهادى خشبة إن الجماهير ماتت من أجل الفريق، ولا يجب اللعب حتى يتحقق لهم القصاص ولا يجب أن نسهم بهذا الشكل من أجل مصالحنا، وهو كلام فيه لبس، فالجماهير لم تمت فى معركة حربية ولم تذهب للجهاد فى سبيل الأهلى، بل راحت ضحية واقعة شغب عنيفة وغبية وحقيرة لها ملابساتها ولا يجب النظر إليها بعيدًا عن السياق والظروف التى أحاطت بها، أما القول إنه يجب أن ننتظر أن يتحقق القصاص فهذا كلام فيه تهديد للقضاء وإرهاب للقضاة وتوجيه المحكمة للقصاص من المتهمين حتى لو أبرياء، فماذ سيفعل أبو تريكة لو برأت المحكمة المتهمين؟ أما القول إن عودة النشاط فيها تغليب لمصالحنا على مصلحة الشهداء، فهذا ليس عيبًا أو مذمّة أو انتقاصا من لاعبى الأهلى أو غيرهم، فالناس تريد أن تعيش وتأكل عيشا. أما إذا كان أبو تريكة الآن يأكل بقلاوة ورزقه الله من خزائن لا تنفد، فهناك آخرون شرفاء ومحترمون وفقراء ومساكين وطيبون وطيبات ومؤمنون ومؤمنات يسعون على أرزاقهم، وليس من الإسلام أن يقف أبو تريكة فى طريقهم إرضاء للألتراس، لأن رضا الله هو الأعز والأهم والأبقى. رابعًا: البطولة ليست أن تبتز الآخرين بقوتك أو ترهبهم بنجوميتك، أو تضع على رقابهم سيف شعبيتك، فالأهلى وإدارته ومدربوه وزملاؤه لم يؤذوا مشاعر أبو تريكة أو يجرحوها، بل كانوا سندًا وعونًا وداعمًا له حتى وقف على قدميه، وصار نجم النجوم، وكان عليه وهو الرجل الذى يدعى اتقاء الله فى أهله وعشيرته أن لا يصورهم بتصرفه هذا أمام الألتراس وأهالى الشهداء كأنهم الخونة الذين باعوا دم الشهداء من أجل مصالحهم وأرزاقهم وحبهم للمال، بينما هو وحده الشريف العفيف الوفى الصادق الذى سيضحى برزقه وقوت أولاده من أجلهم، ناسيًا أن أغلب أصدقائه فعلوا كل ما يستطيعونه من أجل الفقراء من أهالى الشهداء، وأنهم لم يقصروا فى رعاية تلك الأسر دون ضجيج أو إعلام أو شو إعلانى، والأمر الذى لم ينتبه إليه أبو تريكة أنه متعاقد مع النادى الأهلى الذى صنع اسمه وشهرته وليس مركز شباب الحوامدية، وكان عليه أن يحترم التزاماته تجاه النادى وواجباته تجاه المؤسسة، طالما أنها لم تدفعه للشرك بالله، بل تطلب منه أن يلتزم بالعقد المتفق عليه، وهو عقد لا يحرمه الشرع، ولم تصدر حتى الآن فتوى سلفية أو إخوانية بإبطاله، ناهيك بأن التصرف فيه تحريض على العنف من قبل الجماهير تجاه الأهلى، بعد أن حمل إدارتها مسؤولية التقاعس عن القصاص للشهداء والتواطؤ لنسيانهم بالمشاركة فى السوبر والدورى الممتاز، متجاهلا أن الفريق يشارك فى بطولة إفريقيا وأن الجمهور الذى مات كان يشجع الفريق فى هذه البطولة، وبالتالى كان على تريكة أن يمتنع عن المشاركة فيها. أما حكاية الفرز والتصنيف وعمل قائمة بالبطولات التى يشارك فيها الفريق والبطولات التى يمتنع عنها، فهذا كلام حوامدية وليس كلام ناس تحترم العقلية. وعن نفسى فإننى لو كنت رئيسًا للأهلى وتقمصت دور الراحل العظيم صالح سليم (المصدر الدستورى لقيم ومبادئ الأهلى) لكنت أصدرت أحد قرارين، إما الاستغناء عن اللاعب وإما غرامة مالية ضخمة وعرضه للبيع، ولكن أبو تريكة يعلم أن حسن حمدى أضعف وأهش من أن يتخذ هذا القرار، وللحق أيضًا فإن المايسترو لم يكن سيقع فى الأخطاء الكارثية التى وقع فيها حمدى حتى وصلنا إلى هذه اللغة العنيفة فى التعامل، وهذه التصرفات غير المسؤولة من اللاعبين والعلاقة المتوترة مع الجماهير (بالمناسبة.. ارحل يا حمدى). إن ما فعله أبو تريكة ينذر أن القادم أسوأ، وأن هذا التصرف الأحمق أعطى لجماهير الألتراس المبرر للتمادى فى العناد والإصرار على العنف، فإذا كان النجم الأهم والأشهر فى الرياضة وعضو جماعة الإخوان المسلمين يقف معهم، فمن سيقف أمامهم، وهذه قضية أخطر فنحن الآن أمام مواجهة بين دولة تريد أن تفرض إرادتها ومجموعة تريد أن تفرض أفكارها وقراراتها، فمن سيفوز، الدولة الجديدة أم الألتراس؟