يقف مشدوها، بجسد هزيل، وشعر دب الشيب فيه، وسط عدد غفير من الجنود، يتحسس جسده بعدما ألقى عليه ما يكفى من اللكمات خلال حفلة الاستقبال الأولى بالسجن، يصيح فى الجموع، الواقف بجوارهم، وسط الظلمة القاتمة: «يا جماعة أنا ماليش دعوة باللى بيحصل، إحنا بتوع الأتوبيس». مشهد أحسن تجسيده الرائع عبدالمنعم مدبولى، وأبدع فى روايته الكاتب جلال الدين الحمامصى، لشخصية المواطن البسيط المنزوى بجوار الحائط دوماً، حتى يلقيه حظه العثر بين غيابات السجون، وعلى عاتقه وابل من التهم لم يقترفها.. يعبّر اليوم، وبعد 35 عاما على طرحه بدور العرض، عن حال عدد ممن طالتهم الأيدى الغاشمة لقوات الأمن فى طريقهم للتصدى لمظاهرات الإخوان، وأياً كان الاتفاق أو الاختلاف مع أطرف الصراع، فيبقى هناك وراء القضبان شخوص ليس لهم ناقة ولا جمل فى الأحداث، وربما هناك من يصيح الآن على طريقة المبدع «مدبولى» بهمهمات وجسد متوجع: «إحنا بتوع الأتوبيس». «محمد» و«عبدالله» و«بلال» و«أحمد».. بعض من كل، ممن بداخل السجون يصيحون، بل هناك الكثير جاء أدراجهم ضمن المعتقلين فى قضايا سياسية تتعلق بالصراع القائم، خلال تلك الفترة.. وجودهم كان على سبيل المصادفة، وليس لهم من الأمر شىء.