ما أشبه الليلة بالبارحة.. اختلفت الأسماء، والمواقف لاتتغير والتوابع كارثية. في سبتمبر عام 2000 اقتحم آيريل شارون زعيم المعارضة في ذلك الوقت، وبموافقة رئيس الوزراء إيهود باراك المسجد الأقصي، فكانت النتيجة اندلاع الانتفاضة الثانية، والتي استمرت خمس سنوات كاملة ولم تنتهي سوى بتسوية سياسية واتفاق للهدنة بين محمود عباس الذي تم انتخابه خليفة لأبو عمار وشارون في قمة شرم الشيخ والتي تضمنت على وقف كافة الفصائل لعملياتها مقابل وقف إسرائيل لكل نشاطاتها ضد الفلسطينين وتم إطلاق جزء من الأسرى وانسحاب الجيش من مدن الضفة التي أعاد احتلالها. وفي فبراير 2024 يسعى ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي في إسرائيل، زعيم حزب القوة الصهيونية وهو الأكثر تطرفا ويمنية إلى منع الفلسطينين في الضفة وكذلك فلسطيني 48 من الوصول إلى المسجد الاقصي للصلاة طوال شهر رمضان المبارك في تحدي صارخ لمشاعر المسلمين في الأراضي الفلسطينية وفي كل دول العالم. بن غفير الذي يقدم نفسه على انه حامي حقوق اليهود في المسجد الأقصى وسبق له أن اقتحمه العام الماضي بشكل (استعراضي) مدنسا حرمته فالعملية يومها لم تستمر سوى أقل من الربع ساعة في وقت مبكر، وكان يلبس درعا واقيا من الرصاص وبعدها استمر في نفس السياسات المتطرفة. الأمور مختلفة كل المؤشرات تكشف عن أن الأسابيع القادمة قد تشهد الانتفاضة الثالثة والتي ستكون مختلفة تماما عن سابقتيها، ومنها الأولى التي بدات في الثامن من ديسمبر 1987 احتجاجا على الأوضاع المزرية في الأراضي الفلسطينية وارتفاع معدلات البطالة والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال وأشرف عليها القيادة الوطنية الموحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية وكانت شرارتها مخيم جباليا في قطاع غزة بعد دهس سائق إسرائيلي لمجموعة من العمال الفلسطينين عند حاجز اريز الذي يفصل القطاع عن اسرائيل وعمت كل المدن والقرى الفلسطينية وهدأت عام 1991 وتوقفت نهائيا بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 وكنت حصيلة المواجهات التي استخدم فيها الفلسطينين الحجارة استشهاد 1300 ووصل القتلي الإسرائيليين إلى 160. كما انها تختلف عن ماجرى خلال الانتفاضة الثانية في نفس عام 2000 والتي كانت نتاج شعور عام بالاحباط لدي قطاعات الشعب الفلسطيني نتيجة مرور المرحلة الانتقالية ومدتها خمس سنوات وفقا لاتفاق اوسلو دون تنفيذ إسرائيل لايا من التزاماتها وجمود المفاوضات بين الطرفين بعد قمة كامب ديفيد والاستمرار في سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاحتجاجات ورفض الافراج عن الاسري واستمرار عمليات الاستيطان واستبعاد مناقشة عودة اللاجئين او الانسحاب الي حدود 1967 كما ينص الاتفاق وتميزت بالمواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة الاعمال العسكرية وكان من الطبيعي ارتفاع عدد الشهداء الي قرب اربعة الالاف شهيد وحوالي 48 الف جريح وتعدي قتلي الجيش 334 ودخل المستوطنين الاسرائيلين طرفا في الصراع حيث سقط منهم 735 وشهدت عدة اجتياحات وعناوين الهجمات الاسرائيلية عملية الدرع الواقي وأمطار الصيف والرصاص المصبوب. اعتراف إسرائيلي الحديث عن توقعات بحدوث انتفاضة ثالثة ليس من قبيل التهويل او التمني كمشاركة من أهل الضفة للمأساة الانسانية التي يعيشها الفلسطينين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي والتي تتفاقم بصورة غير مسبوقة في التاريخ البشري الحديث ولكن جاء على لسان وزير الأمن القومي الاسرائيلي بن غفير عندما رد على الغموض الذي أحاط بمكان وجود المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي بعد نقله إلى العزل الانفرادي في معتقل الرملة الاسرائيلي نتيجة لكشف هيئة شئون الاسري والمحررين الفلسطينة في ديسمبر الماضي عن نقله من سجن عوفر وعزلته أسبوع في ظل غموض شديد حول مصيره وسط مخاوف من اغتياله داخل السجن. ومنذ أيام كشف بن غفير عن سبب العزل وقال (هناك معلومات عن انتفاضة مخطط لها في الضفة) وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية ان البرغوثي يعمل على الدفع باتجاه تصعيد عمليات المقاومة في الضفة. وأشارت الي ان المعلومات التي وصلت لسلطات تل ابيب إن البرغوثي يعمل عبر قنوات على إثارة الاوضاع في الضفة الغربية في محاولة لتفجير انتفاضة فلسطينية ثالثة على خلفية استمرار العدوان في غزة في انتظار الشهر الكريم وتتعدد المؤشرات على أن الأمور تسير باتجاه التصعيد اندلاع انتفاضة جديدة ستكون أكثر ضراوة من سابقتها وتوسيع شكل المواجهات مع الفلسطينين وامتدادها الي كامل الضفة الغربيةوالقدس وحتي المدن ذات الكثافة الفلسطينية داخل إسرائيل ونتوقف عند ثلاث مؤشرات: الأول : عدم حسم الموقف الاسرائيلي من ترتيبات رمضان القادم وتنظيم عمليات الصلاة داخل المسجد الاقصي علي الرغم من حرص الفلسطينين علي الصلاة هناك علي الاقل في ايام الجمع الجمعة قبل الماضيه تمكن حوالي 25 الف من الوصول والصلاة هناك رغم الحواجز وقطع الطرقات ولكن التقارير الواردة من اسرائيل تكشف عن وجود خلاف شديد بين مكونات الحكومة وان كان التوجه العام يسير باتجاه فرض قيود صارمة علي الدخول مع خطط نشر قوات الشرطة لعناصرها بصفة دائمة في ساحات الاقصي للتعامل الفوري مع ماوصفته (بحملات التحريض او رفع اعلام المقاومة) صحيح ان هناك المنع او الحد من الاعداد سياسة اسرائيلية دائمة ولكن الامور اشد تعقيدا هذه المره في ظل الاوضاع التي تشهدها الاراضي الفلسطينية فتيار التصعيد يتزعمه بن غفير وزير الامن القومي الاسرائيلي والي حد ما نتنياهو والحديث حول منع الاقل من 45 عاما من الصلاة هناك حيث طالب بن غفير بحظر دخول اهالي الضفة والجديد هو الحديث حول اعداد من سيسمح لهم بالدخول من فلسطيني الداخل المحتل عام 1948 هل سيكون مابين 40 الي 50 الف من بين 120 الي 150 من الذين طلبوا الصلاة كما يقترح نتنياهو او بن غفير ويسعي الي خفض الرقم الي خمسة الاف خلال صلاة الجمعة فقط علي الرغم من تحذيرات المؤسسة الامنية من ان سياسات بن غفير ستؤدي الي اثارة قطاعات هي بالاساس تحت السيطرة واوصي جهاز الامن الداخلي الشاباك بالدخول دون قيود خوفا من التصعيد رافضا كل تلك المقترحات احتجاجات الداخل وأثار هذا الجدل فلسطيني الداخل فالكتلة العربية للتغيير اعتبرته إعلان حرب شاملة و مقدمة لتفريغ الحرم من أجل سيطرة المتطرفين عليه لهدمه ولجنة المتابعة للجماهير العربية في اسرائيل عبر عنها محمد بركة قال (ان القرار لن يمر) ووصف احمد الطيبي عضو الكنيست المشهد قال(بن غفير مشعل حرائق ولكن فوقه رجل مسئول يسلمه قنينة بنزين) يتوازي ذلك مع اقتحامات باحات المسجد الاقصى من المستوطنين والمتطرفين بحراسة شديدة من قوات الاحتلال وزيادة معدلات البناء في القدس والاستعداد لبناء 4 احياء استيطانية مع تقليص عدد نسبة الفلسطينيين المقيمين فيها من 40 بالمائة منذ اكثر من نصف قرن الي 12 بالمائة الآن وساعد ذلك علي زيادة التوتر في المدينة وآخرها مقتل جندي اسرائيلي وإصابة 8 آخرين عند حاجز قرب مستوطنة معاليه علي يد ثلاث شبان من بيت لحم وهي العملية العاشرة في القدس ومحيطها منذ بدء طوفان الاقصي الثاني: استمرار العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة ودخول عامل جديد علي المعادلة وهي الخاصة بالهجوم علي مدينة رفح وقد تعددت التقارير والتصريحات علي لسان المسئولين الاسرائيلين عن خطط الاجتياح والهجوم ومنهم الوزير بيني غانتس الذي قال (اذا لم تفرج حماس عن كل المحتجزين لديها فان الجيش سيشن هجومًا بريا علي رفح في جنوبغزة ) متوقعًا باستمرار الحرب مابين سته الي ثمانية اسابيع وذلك لتفكيك كتائب حماس المتبقية في المدينة باعتبارها مركز ثقل حماس ويبدو ان التهديدات الاخيرة من نتنياهو وشريكه في الائتلاف باحتلال رفح جدية علي عكس ماتشير اليه بعض التقارير من انها محاولة للضغط علي حماس وتليين موقفها من الصفقة الخاصة بالافراج عن المعتقلين وقد كشفت اسرائيل عن كيفية التعامل مع مليون و400 الف من النازحين في ظل استحالة سيناريوهات نقلهم الي اماكن آمنه والكشف عن خطط غربلة اللاجئين لمعرفة المخربين ومقاتلي حماس والمقاومة واقامة منطقة عازلة على البحر. يتوازي ذلك مع الأرقام المفزعة لنتائج حرب الإبادة الجماعية بعد أكثر من 140 يوما من العدوان حيث تصل إلى أكثر من الفين ونصف من المجازر التي اصبحت يومية سقط فيها اكثر من 36 الف شهيد ومفقود منهم حوالي 30 الف وصلوا المستشفيات منهم 13 الف طفل واقل من تسعة الالاف من السيدات وسبعة الالاف مفقود مع تهجير 2 مليون نسمة وتدمير اكثر من 300 الف وحدة سكنية كليا او جزئيا. إجرام المستوطنين الثالث: زيادة خطر المستوطنين الاسرائيلين على الضفة الغربية فوفقا لبيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في تقريرها السنوي فان المستوطنين نفذوا 2410 اعتداء ضد الفلسطينين خلال العام الماضي وتم تهجير 25 تجمع بدوي بينهما 22 بعد بدء اعمال طوفان الاقصي في اكتوبر الماضي وصل عدد الاعتداءات الي 186 مع اطلاق العنان لاجرام المستوطنين بعد التشجيع الرسمي لهم والسماح بتسليحهم حيث تعددت هجماتهم علي التجمعات الفلسطينية عدة محافظات واعتدوا علي ممتلكات السكان واحرقوا منازل تحت رعاية واحيانا مشاركة الجيش الإسرائيلي الذي يقوم هو الآخر باقتحامات للعديد من المدن والقري الفلسطينية وتم استهداف مدينة جنين والخليل ونابلس وحتي رام الله وبعضها علي مقربة من مقرات تابعة للسلطة الفلسطينية وكان رد الفعل الفلسطيني واضحا في التصدي للقوات الاسرائيلية والقيام بالعديد من العمليات الاستشهادية كما وصل عدد المعتقلين في الضفة منذ طوفان الاقصي حوالي 7 الالاف فلسطيني وتطبيق سياسية( الباب الدوار) بعضهم سبق ان تم الافراج عنهم مع فرض قيود علي تنقل المواطنين الفلسطينين ومن ذلك ما اشار اليه وزير الامن القومي الاسرائيلي بن غفير الذي دعي الي مزيد من الحواجز العسكرية واغلاق الطرق في الضفة وقال ان (حياة الإسرائيلين تعلو علي حق تنقل الفلسطينيين) . وبعد فعلينا ان نشير الي حقيقة قد تغيب عن الكثيرين بان اندلاع الانتفاضة في الضفة لن يتأثر بالاتفاق الذي يتم البحث بشانه في عواصم متعددة لوقف اطلاق النار فحقيقة الامر ان اي شطط من الحكومه في المسجد الاقصى في شهر رمضان يعني انهيار الهدنة وتأزيم الموقف والوصول الي انتفاضة ثالثة ستكون اشد واقوي من سابقيها في عام 1987 او 2000 باختلاف الظروف والاحوال وتغيير موازين القوة والقدرات الامور تسير باتجاه التصعيد طالما استمر الائتلاف الحكومي علي حاله ويكفي توصيف صحيفة هارتس الإسرائيلية لهذا الائتلاف في تقرير تقرير لها عنونته بانها (الحكومة الاسوا علي الاطلاق وتريد احراق البلاد ويسيطر عليها ناشط جبل الهيكل ايتمار بن غفير ويراسها رجل دولة فاشل اشارة الى نتنياهو). والسؤال المطروح هل تتحمل المنطقة كل ذلك العبث بامنها واستقرارها؟