مصر هى كل شئ وأى شئ تريد، وعمق شعورك ونظرتك إلى الحياة كثير جدا من الذين زاروا مصر على مر العصور وفهموها وأحبوها واستقروا فيها واندرجوا مع أهلها وأصبحوا شيئا من كيانها، مصر عاشت تاريخها كله على القليل من الذين فهموها وأحبوها بعمق، سواء كانوا عباقرة أو ناس بسطاء، مصر هى ثمرة جهد وعقول كبيرة وقلوب ذات عمق وأرواح تتلاقى وتعمل معا، فى تاريخ مصر عقول كبيرة كثيرة، ولكن الكثير منها لم يكن كبيرا قبل أن يدخل مصر، مصر هى التى أعطتها حجمها. مثلا على ذلك الاسكندر دخل مصر قائدا صغيرا، وخرج منها إلها معبودا، وعمرو بن العاص دخل مصر قائدا عاديا، وخرج منها من بناة الدول، وصلاح الدين، كان قبل أن يدخل مصر، مجرد ضابط صغير، لكن مصر جعلت منه صانعا من صناع التاريخ، بانتصاره على الصليبيين فى موقعة حطين.. أما نابليون دخلها مغامرا، وخرج منها وقدمه على عتبة امتلاك الدنيا، مصر صنعت لهم جميعا أكثر مما صنعوا لها.. هؤلاء الذين أتوا من الخارج لم يصنعوا تاريخ مصر، بل مصر صنعت لهم جميعا أكثر مما صنعوها، مصر صنعت تاريخها وصنعتهم هم أيضا.. كانوا يقولون أن مصر هبة النيل، ولكن المؤرخ المصرى واستاذ بجامعة القاهرة شفيق غربال يقول: ان مصر هبة أبناء مصر.. ماذا صنع هؤلاء احمد بن طولون وبيبرس وقلاوون ومحمد الأخشيد لمصر؟ لقد صنعتهم مصر، إن تاريخها لم يكتب بعد، وعندما يكتب سوف تتلاشى أسماء كثيرة، وستسقط كما يسقط أوراق الشجر بعد عاصفة خريفية انما العقول الكبيرة التى صنعت تاريخ مصر هم «الزراع والصناع» كل هؤلاء الذين يملأون الخلية المصرية نشاطا وعملا، هم ذخائر الأوطان من عاشت تاريخها على العلم وأهله، عالم مصر الأول هو «أمحوتب» هذا المهندس العظيم الذى وضع تصميم مدينة سقارة ذات الأسوار وبناها كان طبيبا أيضا، وهى أيام «أمحوتب»، لم تتوقف شعلة العلم فى مصر أبدا، لم يحل عصر من عصورنا من علماء كبار، فى يوم من الأيام جمعت الفسطاط عاصمة مصر علم الدنيا كله فى كل نواحى عالم الإسلام، ذلك العصر الذى عاش فيه أمثال السخاوى والسيوطى وابن حجر العسقلانى والمقريزى وغيرهم من علماء كبار القامة والقيمة، حتى اتصلت سلسلة العلماء بالعصر الحديث من أهل العلم والأدب، ومازالت السلسلة متصلة حتى الآن، عظيمة يامصر.
