يعد شهر رمضان هو موسم عرض «الخيامية»، إذ تتنشر ألوانها الزاهية، في كل ربوع المحروسة ابتهاجا بالشهر الفضيل. الخيامية فن ذو طابع مصري خاص، واحدة من الحرف النادرة التي لم يقتحمها المستورد، رغم انجرافها في طريق الاندثار، والخيامية كلمة مشتقة من خيام، أي صناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم لعمل السرادقات «الخيام»، وكانت ترتبط قديما بكسوة الكعبة المزينة بخيوط من الذهب والفضة، والتي كانت تصنع في مصر وتخرج للأراضي الحجازية في موكب مهيب يعرف باسم المحمل حتى ستينيات القرن الماضي. قامت «بوابة أخبار اليوم» بجولة فى منطقة تحت الربع، التي تعد أصل صناعة الخيامية، وبها من بقى من شيوخ المهنة، حالة من الهدوء تسيطر على المكان، العديد من المحال كانت ورش تُشغى بالعمالة والصنايعية، إلا أن الحال تبدل، وتحولت لمحال تجارية، وبقى القليل يحافظ على الصنعة ويعمل بها. أحمد عبد العظيم الشهير بأحمد كتكت 69 عام، جلس على أريكة داخل محله منكبا على قطعة من القماش، وبجواره مجموعة من قصاصات القماش الملون بأحجام وألوان متباينة، وبيده إبرة وخيط، يلتقط كل قصاصة ليضعها بحرفية متناهية فى مكانها المخصص لها على اللوحة المرسومة على قطعة القماش التى تحت يديه، ليكون فى النهاية لوحة فنية غاية فى الإتقان والجمال. منذ 50 عام وعم أحمد يعمل بالخيامية، ومن القلائل الذين مازالو يتمسكو بالحرفة، "منذ طفولتي وأنا عشقت شغل الإبرة، وتعلمتها وورثتها عن خالى، الذى كنت أعمل معه حتى بعد أن أصبحت موظف، كنت انهى الدوام واخرج بعدها لاكمل يومي في الورشة". متحدثا عن الصنعة منذ البداية، وأن الخيامية كانت هى صناعة الأقمشة المستخدمة سرادقات العزاء والأفراح، ولكن بعد اختراع الطبع على الأقمشة المستخدمة فى هذا لم يكن لهم دور فى صناعتها، متابعا أنهم بدأوا في تجديد أنفسهم، قائلا "أصبحنا نعمل فى المفارش وأكياس الخداديات والستائر والشنط وغيرها من هذه المنتجات التى نزينها بشغل اليد، فنقوم بقص قطع من الأقمشة بأحجام وأشكال وألوان مختلفة، ونقوم بحياكتها حسب الرسمة". وأشار كتكت أنهم يعملون على أقمشة "تيل" وبعدها بطانة "كتان" ثم بعد ذلك تثبيت القطع الصغيرة من الأقمشة بالشكل المطلوب حسب الرسمة، مؤكدا ان الصنعة اختلفت كثيرا، ولم يعد أحد لديه الشغف لتعلمها، قائلا "انا ابنى مش غاويها ومارضيش يتعلمها، هى صنعة حلوة بس متعبة، وماحدش من جيل دلوقتي يستحمل يقعد 12 ساعة ماسك الإبرة والخيط، مبقاش عندهم صبر". اقرأ أيضا: صانع الجلود .. إرث يحارب من أجل البقاء منوها أن هناك نسبة قليلة جدا تقوم بتعليم أولادها أو أحفادها الصنعة، وممكن أن يعملو فى البيوت، قائلا " كنا مئات، واليوم نعد على أصابع اليد، فأغلب الكبار توفو، ولم يعد هناك أجيال تتوراث المهنة لان الغالبية لم تعلم ابناءها، وهناك البعض ممن يعملون فى الحرفة من البيوت، وأغلبهم من النساء". وعن حركة البيع والشراء فقال " لما الموسم بيمشى الشغل بيكون كويس وبيكون فى بيع"، موضحا أن أفضل المواسم لهم هو أشهر الشتاء، نظرا لتزايد عدد السياح فى هذه الفترة، خاصة وأن من يقدر هذا الشغل ويعطيه قيمته الأجانب أكثر من المصريين، الذين قد يروه مرتفع السعر. "الحرفة تدهورت جدا مع تدهور السياحة، وأغلب الناس تركوها، وأصبح الصنايعية بها يعدو على الأصابع" هذا أول ما بدأ به مصطفى ذكي حسن واحد من القليل الذين مازلو يعملون بالخيامية عندما سألناه عن حال الصنعة وما آلت إليه. عم مصطفى ورث الصنعة أبا عن جد، يعمل بها منذ أن كان عمره 6 سنوات، إلا أنه لم يسعى لتعليم أبنائه الحرفة، وتركهم يلتحقو بمجالات اخرى بعيدا عن عالم الصنايعية والحرف الذى لم يعد له مكان، ففهو يرى أنها لم تعد كما كانت فى سابق عهدها عندما تعلمها هو، وأصبحت تتأثر بكل شئ يمر على المجتمع من أزمات وأحداث. وتابع "تعبت منها وخلاص مابقتش جايبة همها، مكلفة تستنزف الوقت، وفي مصر لايوجد الكثير ممن لديهم ثقافة الفن، بس مابقاش ينفع اشتغل حاجة تانية، مااعرفش أصلا اشتغل حاجة غير الخيامية ، ورغم انى أُمي، إلا أننى من رسم كل قطعة من هذه الأعمال، فهذه ملكة من الله". وأوضح عم مصطفى أن هذه الصنعة لم يدخل لها المستورد، فلا يوجد اى مكان يستطيع ان يقدم هذا الشغل، لافتا الى ان مشاكلها فى مطالبها الكثيرة والمكلفة، قائلا "لدى شغل بالاف شبه باظ من الركنة والتراب، والشغل لابد أن يعرض مفرود بهذا الشكل، وهذا يجعله أكثر عرضة للاتربة والعوامل الجوية"، لافتا إلى أن الأسعار تختلف حسب حجم القطعة، وما بها من شغل. اقرأ أيضا: المرأة البدوية عمود الخيمة فى «بيت العرب»