مصطفى الفقي: وزير التموين من أكفأ الوزراء في حكومة مدبولي    أسعار العملات اليوم الأربعاء 5 يونيو.. اعرف التحديث الجديد    أسعار الدواجن اليوم الأربعاء.. الفراخ البيضاء ب 103 جنيهات    وزير الإسكان يتابع سير العمل بمشروعات مدينة قنا الجديدة    قائمة أسعار الأضاحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024    أسعار الأسمنت اليوم الاربعاء 5-6-2024 في محافظة قنا    تعرف على أسعار التصالح في مخالفات البناء وفقا للقانون    أسعار الجمبري والكابوريا اليوم الاربعاء 5-6-2024 في محافظة قنا    أسعار الخضروات اليوم 5 يونيو في سوق العبور    مهندس يقاضي ميتا بتهمة إقالته بسبب محتوى متعلق بحرب غزة    انتشار أمني مكثف بمحيط السفارة الأمريكية في بيروت بعد إطلاق نار حولها    "لوموند": الهند تدخل حقبة من عدم الاستقرار السياسي بعد الانتخابات التشريعية    خبير يكشف رسائل اللقاء بين وزير الخارجية المصري والقبرصي    صحيفة تسلط الضوء على الانقسام بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول الأصول الروسية    مجلس النواب الأمريكى يوافق على تشريع جديد يعاقب المحكمة الجنائية الدولية    موعد مباراة مالي وغانا في تصفيات كأس العالم 2026 والقنوات الناقلة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 5-6-2024 بالدوري المصري والبطولات العالمية    حسين علي: الأهلي يسر وفقًا لنظام إداري قوي.. والزمالك يعاني ماليًا من سنوات    حرارة أعلى من المعدلات تضرب صيف 2024.. الأرصاد تكشف توقعاتها    محافظ الأقصر يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 80٪    معلومات الوزراء: التقارير المزيفة تنتشر أسرع 10 مرات من نظيرتها الحقيقية    شاومينج يزعم تداول أسئلة امتحانات الدبلومات الفنية 2024    البحوث الفلكية تكشف موعد هلال شهر ذي الحجة    اليوم.. الحكم على أحد المتهمين بقتل عميل بنك مصر لسرقته بالعمرانية    انطلاق القافلة الطبية بقرية سيدي شبيب فوكة بالضبعة شرق مطروح    العرضي المسرحي الأرتيست كامل العدد لليلة الثالثة على التوالي    انطلاق فعاليات الاجتماع الفني لتطوير البنية التحتية للطاقة النووية في مصر بفيينا    5 نصائح من «الصحة» ل«الحجاج».. اتبعوها للوقاية من العدوى    طريقة عمل شاورما اللحمة، أكلة سريعة ومغذية    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش طرق التعاون المشترك مع الأجهزة التنفيذية    جميلة عوض تتصدر الترند بعد عقد قرانها على أحمد حافظ (صور)    ما سبب صيام العشر الأوائل من ذي الحجة ؟.. الإفتاء: وصية الرسول    منها الحيض.. مركز الأزهر للفتوى يوضح جميع أحكام المرأة فى الحج    ما هو السن الشرعية للأضحية وهل يجوز التضحية بالتي لم تبلغ السن؟.. الإفتاء توضح    تعرف على عقوبة أفشة في الأهلي.. وموقفه من العودة للتدريبات    «معدومي الضمير وضموا لاعبين مبيعرفوش يباصوا».. ميدو يهاجم مسؤولين سابقين في الإسماعيلي    محافظ الدقهلية: توفير إيواء مؤقت ومساعدات للأسر المتضررة بانهيار عقار ميت غمر    النائبة مها عبد الناصر تطالب بمحاسبة وزراء الحكومة كل 3 أشهر    برلمانية: نحتاج من الحكومة برامج مٌعلنة ومٌحددة للنهوض بالصحة والتعليم    تعادل إيطاليا مع تركيا في مباراة ودية استعدادًا ليورو 2024    المصري البورسعيدي يكشف موعد الإعلان عن الملعب الجديد في بورسعيد    «الأهلي» يرد على عبدالله السعيد: لم نحزن على رحيلك    عربية بورش وظهور لافت ل طليقة شاكوش، مشاهد جديدة من احتفال حمو بيكا بعيد ميلاد زوجته    الإفتاء تحذر المصريين من ظاهرة خطيرة قبل عيد الأضحى: لا تفعلوا ذلك    وفد «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية يصل القاهرة لاستعراض الأوضاع الحالية في غزة    إبراهيم عيسى: المواطن يشعر بأن الحكومة الجديدة ستكون توأم للمستقيلة    برلمان سلوفينيا يوافق على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة    البابا تواضروس: بعض الأقباط طلبوا الهجرة خارج البلاد أيام حكم مرسي    «شديد السخونة».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف موعد انخفاض درجات الحرارة    البابا تواضروس يكشف كواليس لقائه الأول مع الرئيس السيسي    البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    علماء الأزهر: صكوك الأضاحي لها قيمة كبيرة في تعظيم ثوابها والحفاظ على البيئة    البابا تواضروس يكشف تفاصيل الاعتداء على الكاتدرائية في عهد الإخوان    البابا تواضروس: التجليس له طقس كبير ومرسي أرسل رئيس وزراءه ذرًا للرماد    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج الميزان    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج الحمل    مع اقتراب عيد الأضحى.. 3 طرق فعالة لإزالة بقع الدم من الملابس    عيد الأضحى 2024 : 3 نصائح لتنظيف المنزل بسهولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنشاد بالخط العربي
«الأذنش ترى والعين تسمع»
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 20 - 04 - 2021


بقلم/ محمد ‬حسن
يلعب ‬الفنان ‬خضير ‬البورسعيدى ‬بمهارة ‬شديدة ‬من ‬أجل ‬توظيف ‬الحروف ‬وكتابتها ‬بصورة ‬فيها ‬عنصر ‬المفاجأة، ‬سواء ‬فى ‬اللون ‬أو ‬الحجم ‬أو ‬الشكل، ‬وهو ‬يأخذ ‬الحرف ‬نحو ‬شكل ‬غير ‬تقليدى ‬لعين ‬المتلقى
يمثل ‬الإنشاد ‬الدينى ‬واحدًا ‬من ‬صور ‬الفن ‬الإسلامى ‬المميزة، ‬وتمثل ‬حالة ‬من ‬تجلياته ‬الإنسانية ‬والفنية؛ ‬بعد ‬أن ‬أصبح ‬له ‬الملايين ‬من ‬المريدين ‬والذواقة ‬العارفين ‬ببواطن ‬هذا ‬الفن ‬الإلهى.‬ عالم ‬كامل ‬يتضافر ‬فيه ‬الفن ‬والروح ‬فى ‬أبهى ‬صوره ‬ودلالاته ‬التعبيرية . ‬والإنشاد ‬فى ‬أبسط ‬تعريفاته؛ ‬هو ‬الفن ‬الغنائى ‬الذى ‬يتناول ‬موضوعات ‬السيرة ‬النبوية، ‬والذكر ‬أو ‬نصوص ‬البردة ‬الشريفة ‬أو ‬المولد ‬النبوى ‬أو ‬نصوص ‬التضرع ‬والتهليل، ‬وتقام ‬بوجه ‬عام ‬حلقات ‬الإنشاد ‬فى ‬الموالد ‬الشعبية ‬باعتبارها ‬من ‬أهم ‬أوقات ‬الإنشاد ‬الديني ‬فى ‬الوقت ‬الحديث، ‬وتنتشر ‬الموالد ‬الشعبية ‬فى ‬محافظات ‬وقرى ‬مصر، ‬أشهرها ‬على ‬الإطلاق ‬موالد ‬آل ‬البيت ‬وأولياء ‬الله ‬الصالحين ‬ومنها ‬مولد ‬السيد ‬الحسين ‬والسيدة ‬زينب ‬بالقاهرة، ‬ومولد ‬أحمد ‬البدوى ‬بطنطا، ‬وإبراهيم ‬الدسوقى ‬بمدينة ‬دسوق ‬بمحافظة ‬كفر ‬الشيخ، ‬وعبد ‬الرحيم ‬القنائى ‬وأبو ‬الحجاج ‬الأقصرى.‬
ولعل ‬من ‬أهم ‬جوانب ‬الروعة ‬وبهاء ‬فكرة ‬الإنشاد ‬الدينى ‬بوجه ‬عام... ‬كونه ‬يستمد ‬مادته ‬المتفردة ‬والمميزة ‬من ‬مشهد ‬أكبر ‬وأوسع، ‬هو ‬مشهد ‬التلاوة ‬القرآنية ‬بسحرها ‬الخاص، ‬وهو ‬واحد ‬من ‬مستويات ‬متعددة ‬أصبحت ‬تُضفى ‬مساحة ‬نورانية ‬مميزة ‬فى ‬الحياة ‬الفنية ‬والإنسانية، ‬فهو ‬القاسم ‬المشترك ‬بين ‬ابتهالات ‬الفجر، ‬والسحور ‬فى ‬رمضان ‬والحضرات ‬الشريفة ‬والمولد ‬النبوى. ‬
والحديث ‬اليوم ‬عن ‬صورة ‬ووجه ‬آخر ‬من ‬صور ‬الإنشاد ‬الدينى، ‬وهو ‬الإنشاد ‬بالخط ‬العربى، ‬وإن ‬كان ‬الإنشاد ‬يُسمع ‬فإن ‬له ‬وجه ‬آخر ‬مرئى ‬وبصري؛ألا ‬وهو ‬الإنشاد ‬الخطى، ‬ولعل ‬الراحل ‬العظيم ‬الدكتورثروت ‬عكاشة ‬كان ‬سباقًا ‬فى ‬سك ‬عبارته ‬الخالدة: ‬"الأذن ‬ترى ‬والعين ‬تسمع"، ‬وهذه ‬العبارة ‬كانت ‬عنوانًا ‬كبيرًا ‬لموسوعته ‬البصرية ‬الحضارية، ‬والذى ‬كان ‬يريد ‬بها ‬فى ‬الأساس ‬فتح ‬أذهان ‬وعقول ‬المتلقى ‬العربى ‬بإتجاه ‬صنوف ‬الفنون ‬بتنوعها ‬الإنسانى ‬الواسع، ‬غربًا ‬وشرقًا.‬
جاءت ‬الدولة ‬الإسلامية ‬وخلال ‬مراحل ‬تطورها ‬المختلفة، ‬جاءت ‬لتقدم ‬فنًا ‬إنسانيًا ‬متطورًا، ‬ظهر ‬فى ‬الفن ‬القولى ‬والسماعى ‬والبصرى ‬ونقصد ‬بذلك ‬الشعر ‬والإلقاءوالخطوالزخرفة (‬الأرابيسك). ‬حيث ‬تبلور ‬دلالاتذلك ‬الفن ‬وحمل ‬مضمون ‬تجريدى ‬فلسفي؛ ‬يعبر ‬عن ‬أبعاد ‬جمالية، ‬تحملعمق ‬ثابت ‬وفلسفة ‬فنية ‬رائعة ‬تعبرعن ‬روح ‬الإسلام ‬وترتبط ‬بالقيم ‬أشد ‬ارتباط ‬وتبتعد ‬عن ‬المحاكاة ‬أو ‬التقليد ‬متخذًا ‬وجهة ‬هامًا ‬لها ‬هوالتجريد، ‬ولهذا ‬اتخذت ‬تلك ‬الفكرة ‬مجالاً ‬بأبعاده ‬الفنية ‬والتاريخية ‬لأسلط ‬الضوء ‬على‮ ‬ ‬إشكالية ‬التجريد ‬فى ‬هذه ‬المرحلة ‬فلم ‬يكن ‬التجريد ‬الذى ‬ساد ‬فى ‬الفنون ‬الإسلامية ‬قد ‬ظهر ‬من ‬فراغ‮ ‬ ‬بل ‬له ‬مرجعية ‬فكرية، ‬أو ‬قل ‬إن ‬شئت ‬أنه ‬تأسس ‬على ‬رؤية ‬فلسفية،ولعل ‬المقاربة ‬بين ‬فنون ‬الأداء ‬المختلفة، ‬سواء ‬الصوت (‬بشقيه ‬الترتيل ‬والإنشاد) ‬أو ‬فنون ‬الخط ‬العربي؛ ‬واجبة ‬وتحمل ‬الكثير ‬من ‬المنطقية ‬وجدية ‬البحث. ‬فهما (‬الإنشاد ‬والخط) ‬يحملان ‬نفس ‬الفلسفة ‬ويقدمان ‬فى ‬نفس ‬المسار ‬الفكرى ‬والإنسانى.‬إنهم ‬ببساطة ‬شديدةالإشراقة ‬الفنيةالنورانية ‬التى ‬تملأ ‬القلب ‬وتضىء ‬الباطن، ‬وتُفعّل ‬العقل ‬البشرى ‬فى ‬أوقات ‬جموده، ‬فترشح ‬عطاء ‬وهاجًا ‬يملأ ‬آفاق ‬الروح ‬وصلاً ‬بالعالم ‬وإيمانًا ‬بالخالق ‬عز ‬وجل.‬
وزاد ‬الاهتمام ‬بتلك ‬النوعية ‬من ‬فنون ‬الإنشاد ‬الخطى ‬والسمعى ‬مع ‬نهايات ‬القرن ‬التاسع ‬عشر ‬وبدايات ‬القرن ‬العشرين ‬حيث ‬أصبح ‬للإنشاد ‬الدينى ‬أهمية ‬كبرى، ‬حيث ‬تصدى ‬لهذا ‬اللون ‬من ‬الغناء ‬كبار ‬المشايخ ‬والمنشدين ‬الذين ‬كانوا ‬يحيون ‬الليالى ‬الرمضانية، ‬والمناسبات ‬الدينية، ‬محبى ‬هذا ‬الفن ‬حوله. ‬وتطورت ‬قوالب ‬هذا ‬الفن ‬فأصبحت ‬له ‬أشكال ‬متعددة ‬وأسماء ‬كثيرة ‬تمجِّد ‬الدين ‬الحنيف، ‬وتدعو ‬لوحدة ‬المسلمين، ‬وتشجب ‬الرذيلة، ‬وتدعو ‬إلى ‬الفضيلة، ‬وتمدح ‬رسول ‬الله. ‬وفى ‬القرن ‬التاسع ‬عشر ‬أيضًا، ‬أصبحت ‬مصر ‬بوجه ‬عام ‬والقاهرة ‬بصورة ‬كبيرة ‬قبلةً ‬للراغبين ‬فى ‬الإنفاق ‬على ‬طبع ‬الكتب ‬والمهتمين ‬بنشرها، ‬من ‬الهندى ‬إلى ‬الحجازى ‬والتونسى ‬والمغربى ‬والشامى ‬والمصرى، ‬فتكون ‬تجمع ‬إسلامى ‬وعربى ‬كبير ‬له ‬اهتمامه ‬الخاص ‬بالآداب ‬والفنون، ‬حيث ‬شهدت ‬القاهرة ‬مَقْدَمَ ‬الناشرين ‬وأهل ‬الطباعة ‬عليها ‬من ‬كل ‬فج ‬وصوب، ‬وأصبحت ‬بؤرة ‬الاهتمام، ‬ومحط ‬الأنظار، ‬وعاصمة ‬النشر ‬فى ‬الشرق.‬

وكما ‬كان ‬هناك ‬إنشاد ‬صوتى ‬يقوم ‬به ‬المنشد، ‬كان ‬هناك ‬إنشاد ‬مرئى ‬يقوم ‬به ‬الخطاط، ‬لعله ‬لم ‬يُسلط ‬عليه ‬الضوء ‬بالشكل ‬الواسع، ‬لكنه ‬لا ‬يقل ‬أهمية ‬عن ‬الإنشاد ‬الصوتى ‬أو ‬الإنشاد ‬باللحن. ‬وكما ‬كان ‬المنشد ‬يؤكد ‬على ‬مقدرته ‬وبراعته ‬فى ‬التنقل ‬بين ‬المقام ‬الأصلى ‬ومشتقاته، ‬كان ‬الخطاط ‬أيضًا ‬يؤكد ‬على ‬خبراته ‬فى ‬الاستعانة ‬بأنواع ‬الخط ‬العربى ‬المختلفة ‬من ‬ثلث ‬ونسخ ‬وديوانى ‬وفارسى؛ ‬نفس ‬الحالة ‬الإيمانية ‬والصوفية ‬مع ‬اختلاف ‬طريقة ‬الاستعراض ‬وآلية ‬العرض. ‬وكما ‬كان ‬هناك ‬‮«‬مريدين‮»‬ ‬أو ‬اللفظة ‬الواجبة ‬الاستخدام ‬وهى ‬كلمة: ‬‮«‬سميعة‮»‬ ‬لأشهر ‬هؤلاء ‬المنشدين ‬وفى ‬صدارتهم ‬المنشد ‬وقارئ ‬القرآن ‬نصر ‬الدين ‬طوبار، ‬وأستاذ ‬المادحين ‬الشيخ ‬سيد ‬النقشبندى، ‬ومداح ‬النبى ‬محمد ‬الكحلاوى، ‬والشيخ ‬طه ‬الفشنى، ‬ومنشد ‬البردة ‬عبد ‬العظيم ‬العطوانى،والشيخ ‬أحمد ‬التوني؛ ‬الذى ‬استطاع ‬نقل ‬الغناء ‬الصوفى ‬من ‬المحلية ‬إلى ‬العالمية. ‬كان ‬هناك ‬مريدين ‬للخطاطين ‬بحثًا ‬عن ‬جواهرهم ‬التى ‬كتبوها ‬فى ‬المحبة ‬النبوية ‬أو ‬كتابة ‬البردة ‬الشريفة ‬أو ‬الموالد ‬أو ‬فى ‬كتاب ‬دلائل ‬الخيرات، ‬فكان ‬الخطاط ‬والعميد ‬سيد ‬إبراهيم ‬الذى ‬كتب ‬دلائل ‬الخيرات ‬وقصيدة ‬البردة، ‬والشيخ ‬على ‬بدوى ‬كاتب ‬دلائل ‬الخيرات ‬وقطع ‬القرآن، ‬والأستاذ ‬عبد ‬الرازق ‬سالم، ‬الذى ‬تفنن ‬فى ‬كتابه ‬الخالد ‬‮«‬دعاء ‬القرآن‮»‬ ‬بالخط ‬الفارسى ‬فى ‬أجمل ‬وأروع ‬شكل، ‬والشيخ ‬عبد ‬الرحمن ‬محمد ‬المطبعجى، ‬الذى ‬كتب ‬العشرات ‬والعشرات ‬من ‬كتب ‬المديح ‬الصوفى ‬والموالد ‬النبوية، ‬ويعتبر ‬علامة ‬فارقة ‬فى ‬صناعة ‬الكتاب ‬فى ‬مصر ‬وانتقاله ‬من ‬مرحلة ‬المخطوط ‬إلى ‬مرحلة ‬المطبوع، ‬إلى ‬جانب ‬الأستاذ ‬محمد ‬سعد ‬الحداد ‬كاتب ‬القرآن ‬الكريم؛هذا ‬غير ‬الأستاذ ‬محمد ‬أحمد ‬عبد ‬العال ‬والأستاذ ‬محمد ‬سيد ‬عبد ‬القوى، ‬وأخيرًا ‬وليس ‬آخر ‬عميد ‬الخطاطين ‬المصريين ‬المعاصرين ‬الأستاذ ‬مسعد ‬خضير ‬البورسعيدى، ‬الذى ‬أدخل ‬تقنيات ‬اللون ‬والظل ‬والصدى ‬للوحة ‬الخط ‬العربى.‬
كل ‬هؤلاء ‬العمالقة ‬كانت ‬لهم ‬ميادين ‬الإبداع ‬الفنى ‬والتفرد ‬الذى ‬لم ‬يلقى ‬مساحته ‬الواجبة ‬من ‬الاهتمام ‬والنشر، ‬ولعل ‬واحدًا ‬من ‬أهم ‬أهداف ‬تلك ‬المقالة ‬التعريف ‬بأهم ‬أعمال ‬هؤلاء ‬الفنانين ‬العظام، ‬ولفت ‬الانتباه ‬إلى ‬إنتاجهم ‬العلمى ‬والإبداعى ‬الرصين، ‬الذى ‬انتشر ‬فى ‬العالم ‬أجمع ‬من ‬مصر، ‬طوال ‬النصف ‬الأول ‬من ‬القرن ‬العشرين، ‬بحكم ‬كونها ‬مركز ‬الطباعة ‬والنشر ‬للعالم ‬العربى ‬والإسلامى ‬كما ‬أسلفنا ‬القول. ‬
يمكن ‬تقسيم ‬نتاج ‬الخطاطين ‬وفق ‬مصطلح ‬أو ‬مفهوم ‬الإنشاد، ‬إلى ‬مجموعتين ‬أساسيتين، ‬الأولى: ‬وهو ‬المتعلق ‬ب«النساخة‮»‬ ‬وذلك ‬بالكتاب ‬الحجرى ‬وهو ‬أخر ‬صور ‬الكتاب ‬المخطوط، ‬وثانيًا: ‬‮«‬اللوحة ‬الخطية‮»‬. ‬ووفق ‬هذا ‬التقسيم ‬أيضًا ‬نجد ‬أن ‬هناك ‬ثلاث ‬مستويات ‬تعاملات ‬مع ‬الإنشاد ‬بالخط ‬العربى.‬أولها: ‬الأعمال ‬التى ‬كتبت ‬بالخط ‬النسخ ‬والفارسى، ‬وغالبًا ‬كتب ‬به ‬كتاب ‬دلائل ‬الخيرات ‬والموالد ‬والمديح ‬النبوى، ‬وقد ‬حاول ‬كل ‬خطاط ‬أو ‬نساخ ‬من ‬هؤلاء ‬الفنانين ‬الكبار ‬وضع ‬بصمة ‬فنية ‬مميزة ‬له، ‬حتى ‬تكون ‬علامة ‬مميزة ‬للعمل ‬الذى ‬قام ‬به. ‬ثم ‬المرحلة ‬الثانية ‬من ‬تلك ‬الكتب ‬التى ‬كتبت ‬بأكثر ‬من ‬نوعين ‬خط ‬ويحاول ‬فيها ‬الخطاط ‬المزاوجة ‬بين ‬الأنواع ‬المختلفة ‬من ‬الخط ‬أو ‬الأحجام ‬المختلفة ‬والمتباينة ‬منه، ‬وكان ‬الخطاط ‬مثلالمنشد ‬يختار ‬مقطعًا ‬من ‬القصيدة ‬أو ‬جملة ‬يجعلها ‬محورًا ‬تدور ‬حولها ‬كل ‬الردود ‬من ‬"السنيدة"، ‬فيرددونها ‬وراءه ‬ثم ‬يعودون ‬إليها ‬بعد ‬المنشد. ‬وكانت ‬الوصلة ‬الأولى ‬يختار ‬لها ‬الشيخ ‬المنشد ‬مقامًا ‬موسيقيًّا ‬معينًا ‬مثل ‬"الراست" ‬مثلاً ‬أو ‬البياتى، ‬أو ‬الحجاز، ‬وغيرها، ‬ثم ‬يبدأ ‬المنشد ‬الوصلة ‬بإبراز ‬مواهبه ‬فى ‬الأداء، ‬أيضًا ‬كان ‬الخطاط ‬يختار ‬لفظ ‬معين ‬أو ‬تصميم ‬معين ‬ويكون ‬هو ‬محور ‬العمل ‬بشكل ‬كبير، ‬ويحاول ‬إظهاره ‬بصورة ‬مميزة ‬ولافته ‬للنظر.‬
وكما ‬كان ‬‮«‬المنُشد‮»‬ ‬يبرز ‬قدرته ‬على ‬إبراز ‬الحليات ‬والزخارف ‬اللحنية، ‬ثم ‬يقوم ‬المنشدون ‬بعد ‬ذلك ‬بترديد ‬المقطع ‬أو ‬الجملة ‬المحورية ‬التى ‬بدأ ‬بها ‬القصيدة. ‬كان ‬الخطاط ‬كذلك ‬يتنقل ‬بين ‬أنواع ‬الخطوط ‬المختلفة ‬لإظهار ‬جمال ‬الخط ‬العربى ‬وإبراز ‬تنويعاته ‬المختلفة. ‬

وقد ‬أخترت ‬خمسة ‬نماذج، ‬تمثل ‬مجموعة ‬من ‬تلك ‬القصائد ‬المرئية ‬لتعكس ‬مدى ‬التذوق ‬الفنى ‬والجمالى ‬الذى ‬شهدته ‬صناعة ‬الكتاب ‬فى ‬مصر، ‬وأيضًا ‬تعكس ‬التطور ‬الفنى ‬للتصميم ‬سواء ‬بصورته ‬الأساسية ‬فى ‬كتاب ‬أو ‬فى ‬لوحة ‬يتم ‬استخدام ‬اللون ‬والظل ‬فيها.‬
أول ‬تلك ‬النماذج، ‬قصيدة ‬الدرة ‬اليتيمة ‬المعروفة ‬بقصيدة ‬البردة ‬للأمام ‬البوصيرى، ‬والذى ‬كتبها ‬الأستاذ ‬سيد ‬إبراهيم ‬وهوواحد ‬من ‬رواد ‬وأعلام ‬فن ‬الخط ‬العربى ‬فى ‬العصر ‬الحديث، ‬وأبرز ‬المعلمين ‬لأصول ‬الخط ‬العربى ‬فى ‬كافة ‬أنحاء ‬العالم ‬العربى ‬والإسلامى، ‬ويرجع ‬له ‬الفضل ‬فى ‬تحويل ‬أغلفة ‬الكتب ‬المطبوعة ‬إلى ‬لوحات ‬خطية ‬رائعة ‬تنطق ‬بالجمال ‬والتناسق ‬البديع ‬حتى ‬يومنا ‬هذا. ‬وتميزت ‬خطوطه ‬بالروعة ‬والجمال ‬وثراء ‬علمه ‬فى ‬فنون ‬الخط ‬حتى ‬أصبح ‬بحلول ‬الثلاثين ‬من ‬عمره ‬أبرز ‬كتاب ‬الخط ‬العربى ‬فى ‬مصر ‬والعالم ‬العربى.‬
وكتابته ‬بالخط ‬النسخ ‬لقصيدة ‬البردة، ‬تعكس ‬شخصيته ‬كشاعرًا ‬رقيقًا ‬وراوية ‬يندر ‬مثاله ‬وأديبًا ‬مرموقًا ‬فى ‬العصر ‬الذهبى ‬للنهضة ‬المصرية، ‬وقد ‬كتبها ‬سنة (‬1346ه/ ‬1927م)‬، ‬وقد ‬أحاط ‬القصيدة ‬بحزب ‬الأستاذ ‬البيومى ‬بالخط ‬النسخ ‬ولكن ‬بحجم ‬قلم ‬أقل ‬من ‬سابقه. ‬وكما ‬كتب ‬الأستاذ ‬سيد ‬إبراهيم ‬تلك ‬القصيدة ‬الخالدة ‬بالخط ‬النسخ ‬كتبها ‬الأستاذ ‬محمد ‬سعد ‬الحداد ‬أيضًا، ‬والأستاذ ‬حداد ‬عشق ‬الخط ‬العربى ‬منذ ‬نعومة ‬أظفاره، ‬وكان ‬الفن ‬بوجه ‬عام ‬يجرى ‬فى ‬دمه؛ ‬فاتجه ‬إلى ‬الفنون ‬الجميلة ‬بعد ‬حصوله ‬على ‬الثانوية ‬العامة ‬وكان ‬ترتيبه ‬المركز ‬الأول ‬خلال ‬جميع ‬سنوات ‬الدراسة ‬بالكلية ‬وحتى ‬تخرجه، ‬ثم ‬التحق ‬بمدرسة ‬تحسين ‬الخطوط ‬الملكية ‬وكان ‬مركزه ‬عند ‬التخرج ‬الأول ‬أيضًا. ‬وتختلف ‬نسخة ‬البردة ‬بين ‬الأستاذين ‬سيد ‬إبراهيم ‬والحداد، ‬أن ‬الحداد ‬أعطى ‬مساحة ‬واسعة ‬ومدات ‬"كشايد" ‬فى ‬شكل ‬الحرف ‬بصورة ‬مميزة ‬وكبيرة. ‬وقصيدة ‬البردة ‬بوجه ‬عام ‬من ‬القصائد ‬الشهيرة ‬فى ‬المديح ‬النبوى، ‬ولها ‬زيوع ‬كبير ‬فى ‬أوساط ‬ثقافية ‬واجتماعية ‬كثيرة،وقد ‬هامَ ‬فيها ‬أهل ‬التصوف ‬فشرحوها ‬عشرات ‬المرات ‬وبلغات ‬مختلفة، ‬وشطَّروها، ‬وخمَّسوها، ‬وسبَّعوها، ‬وعارَضوها، ‬ونظموا ‬على ‬نهجها، ‬وغَلَوْا ‬فيها ‬حتى ‬جعل ‬بعضهم ‬لأبياتها ‬بركة ‬خاصة ‬وشفاء ‬من ‬الأمراض، ‬بل ‬إن ‬من ‬كَتَبَةِ ‬الأحجبةِ ‬والتمائم ‬من ‬يستخدم ‬لكل ‬مرض ‬أو ‬حاجة ‬بيتاً ‬خاصاً: ‬فبيتٌ ‬لمرض ‬الصرع، ‬وبيتٌ ‬للحفظ ‬من ‬الحريق، ‬وآخر ‬للتوفيق ‬بين ‬الزوجين، ‬وهكذا،وكانت ‬البردة ‬وما ‬تزال ‬عند ‬بعض ‬الناس ‬من ‬الأوراد ‬التى ‬تُقرأ ‬فى ‬الصباح ‬والمساء ‬فى ‬هيبة ‬وخشوع، ‬وأبياتها ‬تُستعمل ‬إلى ‬اليوم ‬فى ‬الرُّقَى ‬وتتلى ‬عند ‬الدفن، ‬وقد ‬وضعوا ‬لها ‬شروطًا ‬عند ‬قراءتها ‬كالوضوء ‬واستقبال ‬القبلة، ‬وغير ‬ذلك. ‬
وكان ‬الشيخ ‬محمد ‬عبد ‬الرفاعى ‬قد ‬كتب ‬‮«‬بردة ‬المديح‮»‬، ‬وتمت ‬طباعتها ‬فى ‬القاهرة ‬فى ‬حجم ‬الوسط، ‬بهيئة ‬كراسة ‬جميلة ‬وبديعة، ‬تحوى ‬أبيات ‬شعرية ‬للقصيدة ‬المنفرجة، ‬تُمثل ‬خط ‬النستعليق ‬وكتاباته ‬على ‬الطريقة ‬والأسلوب ‬العثمانى،زادت ‬عدد ‬صفحاتها ‬على ‬الثمانين ‬صفحة، ‬وقد ‬جاء ‬الشيخ ‬الرفاعى ‬إلى ‬مصر ‬عندما ‬رغب ‬الملك ‬فؤاد ‬الأول، ‬فى ‬كتابة ‬نسخة ‬خاصة ‬به ‬من ‬القرآن ‬الكريم، ‬وعليه ‬فقد ‬تمت ‬دعوته ‬لزيارة ‬مصر ‬العام ‬1920م، ‬وسمحت ‬له ‬دائرة ‬مشيخة ‬الإسلام ‬بقضاء ‬ستة ‬أشهر ‬بمصر،حيث ‬سافر ‬بعدها ‬وأتم ‬إنجاز ‬وكتابة ‬المصحف ‬الكريم ‬فى ‬ستة ‬أشهر ‬وليقضى ‬ستة ‬أشهر ‬أخرى ‬بزخرفته ‬وتذهيبه ‬وليكون ‬بعدها ‬من ‬أجمل ‬المصاحف ‬المخطوطة. ‬وقد جسد ‬الشيخ ‬الرفاعى ‬شخصية ‬الفنانوالعالم ‬المتصوف ‬والخطاط ‬الورع، ‬وتمثلت ‬بصورة ‬واضحة ‬فى ‬حياته ‬الخاصة ‬وتصرفاته ‬اليومية، ‬ويقول ‬عنه ‬الذين ‬عرفوه ‬عن ‬قرب ‬أنه: ‬‮«‬كان ‬رحمه ‬الله ‬مثالا ‬للأدب ‬والحياء‮»‬.‬
والنموذج ‬الثانى ‬كان ‬لقصيدة ‬‮«‬نهج ‬البردة‮»‬ ‬التى ‬نظمها ‬أمير ‬الشعراء ‬أحمد ‬شوقى ‬بك، ‬وكتبها ‬بالخط ‬الفارسى ‬الأستاذ ‬محمد ‬سيد ‬عبد ‬القوى ‬مدير ‬إدارة ‬المراقبة ‬المساعد ‬بمجلس ‬النواب، ‬والذى ‬كان ‬يعمل ‬مدرسًا ‬للخط ‬العربى ‬بمدرسة ‬تحسين ‬الخطوط، ‬وقد ‬أهدى ‬خطوطه ‬وتصميماته ‬الفريدة ‬إلى ‬روح ‬أمير ‬الشعراء ‬أحمد ‬شوقى، ‬وإلى ‬السيدة ‬أم ‬كلثوم، ‬وكتب ‬أنه ‬‮«‬أوحى ‬إلى ‬صوتها ‬الساحر ‬أن ‬أسجل ‬هذه ‬القصيدة، ‬فكان ‬إخراجها ‬على ‬هذه ‬الصورة ‬من ‬وحى ‬فنها ‬الرفيع‮»‬. ‬وكتب ‬أيضًا... ‬"يسألنى ‬بعضهم: ‬هل ‬كان ‬اختيارى ‬لهذه ‬القصيدة ‬بالذات، ‬لروعة ‬الشعر ‬أو ‬لسحر ‬أم ‬كلثوم ‬وموسيقى ‬رياض ‬السنباطى؟ ‬
وجوابى ‬أن ‬هذا ‬صحيح ‬لأن ‬روحانية ‬التعبير ‬فيها ‬جميعًا ‬كانت ‬الباعث ‬الحقيقى ‬على ‬الاختيار، ‬لأنها ‬صادفت ‬من ‬نفسى ‬هوى ‬وتجاوبت ‬مع ‬مشاعرى، ‬ومن ‬حقى ‬أن ‬أعترف ‬أن ‬حبى ‬للرسول ‬عليه ‬الصلاة ‬والسلام ‬كان ‬من ‬أقوى ‬الدوافع ‬إلى ‬كتابة ‬نهج ‬البردة، ‬وكان ‬ذلك ‬لمجرد ‬التسجيل، ‬ولم ‬يكن ‬فى ‬حسابى ‬أن ‬أنشرها ‬فقد ‬ظلت ‬سنين ‬طويلة ‬وأنا ‬أحتفظ ‬بها ‬لنفسى ‬لولا ‬إعجاب ‬وتقدير ‬ثم ‬تشجيع ‬كريم ‬من ‬زملاء ‬أعِزّاء‮»‬. ‬
وقد ‬اعتمد ‬الأستاذ ‬محمد ‬سيد ‬عبد ‬القوى ‬فى ‬تسجيل ‬نهج ‬البردة ‬على ‬أسس ‬فنية ‬ثلاثة: ‬هى ‬الإخراج ‬والخط ‬والزخرفة، ‬وهى ‬فى ‬مجملها ‬تأكيد ‬وتمثيل ‬مفهوم ‬الإنشاد ‬الخطى، ‬ولعل ‬أبرز ‬ما ‬فى ‬هذه ‬المجموعة ‬هو ‬العناية ‬بالإخراج ‬والتنسيق، ‬ويشير ‬بتواضع ‬فنى ‬كبير ‬إلى ‬أن ‬مستواه ‬الخطى ‬لم ‬يصل ‬للصورة ‬التى ‬يريدها، ‬وتلمس ‬الأستاذ ‬سيد ‬عبد ‬القوى ‬ملاحظات ‬الأستاذ ‬محمد ‬حسنى ‬وسيد ‬إبراهيم ‬والأستاذ ‬مكاوى. ‬وزاد ‬من ‬جمال ‬التصميم ‬الأساسى، ‬كم ‬الزخارف ‬التى ‬زادت ‬من ‬رونق ‬الخط ‬العربى ‬لتصميم ‬نهج ‬البردة، ‬والتى ‬كانت ‬على ‬يد ‬الأساتذة ‬صلاح ‬الدين ‬العقاد، ‬والأستاذ ‬عبد ‬الحميد ‬جاد ‬والأستاذ ‬محمد ‬بدر.‬وتعتبر ‬نهج ‬البردة ‬للأستاذ ‬سيد ‬عبد ‬القوى ‬هى ‬حالة ‬فنية ‬غير ‬مكررة، ‬وتعكس ‬درجة ‬تفرد ‬‮«‬مصرية ‬وعربية‮»‬ ‬لفن ‬الخط ‬الفارسى ‬‮«‬النستعليق‮»‬، ‬ولا ‬نبالغ ‬أن ‬نقول ‬إنها ‬حالة ‬غير ‬مسبوقة ‬من ‬حيث ‬التنوع ‬فى ‬إخراج ‬الصفحات ‬أو ‬التشكيل ‬الزخرفى ‬الكثيف. ‬وظلت ‬هذه ‬اللوحات ‬مثار ‬إبداع ‬لا ‬يمكن ‬تجاهله ‬أو ‬المرور ‬عليه، ‬وقد ‬كتبت ‬القصيدة ‬بعد ‬ذلك ‬بالخط ‬المحقق ‬والريحان ‬على ‬يد ‬الخطاط ‬الكبير ‬محفوظ ‬ذنون. ‬
النموذج ‬الثالث: ‬‮«‬المولد ‬النبوى ‬المختار‮»‬، ‬وهو ‬القصة ‬الفائزة ‬فى ‬المباراة ‬الإسلامية ‬العامة، ‬ومؤلفه ‬هو ‬الأمام ‬عبدالله ‬بك ‬عفيفى، ‬إمام ‬الملك ‬فاروق ‬الأول، ‬وهو ‬من ‬مواليد ‬محافظة ‬المنوفية ‬وقد ‬توفى ‬فى ‬القاهرة ‬فى ‬عام ‬1944م، ‬وقد ‬تولى ‬مناصب ‬عديدة ‬قبل ‬أن ‬يتولى ‬منصبا ‬إمام ‬الملك ‬فاروق، ‬حيث ‬كان ‬من ‬أهم ‬الشخصيات ‬التى ‬قامت ‬بإلقاء ‬خطب ‬بليغة ‬وقت ‬الاحتفال ‬بمحمد ‬على ‬باشا ‬مؤسس ‬الأسرة ‬العلوية ‬بمصر ‬فى ‬عهد ‬الملك ‬فاروق ‬الأول. ‬وكتاب ‬‮«‬المولد ‬النبوي‮»‬ ‬طبع ‬فى ‬عام ‬1937م، ‬يحوى ‬فى ‬دفتيه ‬90 ‬صفحة ‬تتحدث ‬عن ‬موطن ‬الرسول ‬وعشيرته ‬والاحتفال ‬بمولده ‬مكتوب ‬بلغة ‬تجمع ‬ما ‬بين ‬النثر ‬والشعر، ‬وقد ‬تمت ‬كتابة ‬الكتاب ‬كاملاً ‬بخط ‬الأستاذ ‬محمود ‬الشحات، ‬بخط ‬النسخ ‬الذى ‬يعتبر ‬مثالاً ‬فى ‬جودة ‬الخط ‬والجمال ‬الفنى.‬
النموذج ‬الرابع، ‬هى ‬إحدىاللوحات ‬المهداة ‬للملك ‬فاروق ‬الأول ‬ملك ‬مصر، ‬من ‬الشيخ ‬محمد ‬عبد ‬الرحمن ‬وهى ‬مزخرفة ‬فى ‬الوسط ‬بالخط ‬الديوانى ‬بصيغة ‬‮«‬فاروق ‬الأول ‬ملك ‬مصر‮»‬، ‬ويحيط ‬بها ‬طبق ‬مزخرف ‬بزخارف ‬إسلامية ‬نباتية، - ‬قمة ‬اللوحة ‬البسملة ‬ثم ‬سورة ‬الملك ‬بخط ‬الثلث ‬وفى ‬الأركان ‬بقية ‬الآيات ‬بالأسفل ‬حتى ‬قوله ‬تعالى ‬‮«‬وينصرك ‬الله ‬نصرا ‬عزيزا‮»‬، ‬وتوقيع ‬الشيخ ‬محمد ‬عبد ‬الرحمن، ‬ويأطر ‬اللوحة ‬بعض ‬الآيات ‬القرآنية ‬بالخط ‬الفارسى ‬فى ‬هيئة ‬دوائر ‬وبحور ‬بخط ‬النسخ ‬تتكون ‬من ‬آيات ‬قرآنية ‬اللوحة ‬مؤرخة ‬بعام ‬1944م. ‬والنموذج ‬هو ‬مثال ‬على ‬الإنشاد ‬فى ‬أبهى ‬صوره ‬وحالته ‬الفنية، ‬ويعكس ‬جوهر ‬هام ‬من ‬جواهر ‬الفن ‬الإسلامى، ‬والتناغم ‬بين ‬الزخرفة ‬والخط ‬العربى ‬بأنواعه ‬المختلفة.‬
وأخيرًا ‬يأتى ‬الحديث ‬عن ‬الإنشاد ‬باللوحة ‬الخطية ‬الحديثة، ‬ويدخل ‬فيه ‬اللون ‬والعمق ‬مع ‬الخط ‬العربى، ‬ليكونوا ‬المشهد ‬الجمالى ‬كاملاً ‬تجاه ‬الإبداع ‬فى ‬فن ‬الخط ‬العربى، ‬ولنا ‬أن ‬نقولإنه ‬اتجاه ‬محمود ‬نحو ‬الحداثة ‬الفنية، ‬وإعادة ‬تقديم ‬لفن ‬مرتبط ‬بنا ‬ونحن ‬نرتبط ‬به. ‬ويتميز ‬الأستاذ ‬خضير ‬البورسعيدى ‬بهذا ‬النوع ‬من ‬الإنشاد ‬الخطى ‬أو ‬الحداثة ‬الفنية، ‬فهو ‬فنان ‬متمرس ‬على ‬واقع ‬الخط ‬العربى، ‬ومتفهم ‬لفنون ‬كل ‬حرف ‬ونوع ‬زخرفة،وهو ‬كثيرًا ‬ما ‬يصنع ‬لنفسه ‬دوائر ‬خطية ‬لونية ‬وتشكيلية، ‬حول ‬مراكز ‬الثوابت ‬والتقليدى ‬من ‬الخطوط، ‬ليؤسس ‬بصريًا ‬للإنشاد ‬البصرى.‬
ويلعب ‬الفنان ‬خضير ‬البورسعيدى ‬بمهارة ‬شديدة ‬من ‬أجل ‬توظيف ‬الحروف ‬وكتابتها ‬بصورة ‬فيها ‬عنصر ‬المفاجأة، ‬سواء ‬فى ‬اللون ‬أو ‬الحجم ‬أو ‬الشكل، ‬وهو ‬يأخذ ‬الحرف ‬نحو ‬شكل ‬غير ‬تقليدى ‬لعين ‬المتلقى، ‬ويأتى ‬عبر ‬تلك ‬التركيبة ‬المتفردة ‬بصور ‬مبتكرة ‬وجديدة ‬على ‬غير ‬التوقع ‬الكتابى، ‬ولقد ‬استطاع ‬الفنان ‬خضيرالبورسعيدى ‬إن ‬يفرض ‬خصوصيته ‬وشخصيته ‬على ‬واقع ‬الخط ‬العربي ‬التقليدي ‬الاكاديمى، ‬واستطاع ‬أن ‬يجعل ‬من ‬الثابت ‬والتقليدى ‬رؤية ‬فيها ‬إبداع ‬وابتكار ‬فى ‬شكل ‬الحرف ‬وتوظيفه؛ ‬بشكل ‬يخدم ‬دلالات ‬الإنشاد ‬الخطى، ‬والتى ‬تخضع ‬للشكل ‬الجمالى ‬والإخراج ‬المبهر؛ ‬وفق ‬أنماط ‬جمالية ‬مبتكرة، ‬من ‬الصعب ‬تكرارها ‬أو ‬تقليدها. ‬

ختامًا ‬يعكس ‬الإنشاد ‬والتصوف ‬والخط ‬العربى، ‬أسس ‬التوحيد ‬فى ‬الفن ‬الإسلامى، ‬وهو ‬جوهر ‬وأعلى ‬قيم ‬الفكر ‬الإسلامى، ‬وربما ‬إذا ‬ربطنا ‬مبدأ ‬التوحيد ‬بالفن ‬الإسلامى ‬يمكن ‬أن ‬يعطى ‬تفسيرًا ‬أو ‬إجابة ‬مقنعة ‬لماذا ‬تنتشر ‬تلك ‬الفنون ‬سواء ‬البصرية ‬أو ‬السمعية، ‬ويكون ‬لها ‬تلك ‬الدرجة ‬من ‬درجات ‬الذيوع ‬حتى ‬بين ‬غير ‬المسلمين. ‬يقول ‬ابن ‬عربي: ‬‮«‬إن ‬الصور ‬التى ‬تقع ‬عليها ‬الأبصار ‬والصور ‬التى ‬تدركها ‬العقول ‬والصور ‬التى ‬تمثلها ‬القوة ‬المتخيلة ‬كلها ‬صور ‬يُرى ‬الحق ‬من ‬ورائها‮»‬. ‬ويقول ‬أيضًا: ‬‮«‬أما ‬الذين ‬يحبون ‬الجمال ‬المعنوى ‬فحبهم ‬لا ‬ينتهى ‬لأنه ‬متعلق ‬بالأبدى ‬السرمدى ‬هؤلاء ‬انطلقوا ‬من ‬الحب ‬الموجود ‬إلى ‬حب ‬الموجد ‬ومن ‬الحب ‬المخلوق ‬إلى ‬حب ‬الخالق ‬فلا ‬أجمل ‬من ‬التشوق ‬والنظر ‬إلى ‬خالق ‬الجمال‮»‬.‬
وأخيرًا ‬فجمال ‬الإنشاد ‬الخطى ‬بصورته ‬فى ‬الكتب ‬أو ‬الموالد ‬أو ‬عبارات ‬المديح ‬أو ‬فى ‬اللوحات ‬المختلفة، ‬التى ‬تحدثنا ‬عنها ‬هى ‬ومضات ‬بسيطة، ‬ونقطة ‬فى ‬بحر ‬كبير، ‬هو ‬بحرالتراث ‬العربى ‬والمصرى ‬والإسلامى، ‬يجب ‬أن ‬يتم ‬إعادة ‬نشره ‬وتقديمه ‬للعالم، ‬ولا ‬نبالغ ‬لو ‬تحدثنا ‬عن ‬كون ‬هذا ‬النوع ‬من ‬الفنون ‬هو ‬الضمير ‬البصريلمفهوم ‬القوة ‬الناعمة ‬لمصر، ‬وأى ‬تقصير ‬تجاه ‬إتاحة ‬هذا ‬الفن ‬ودعمه، ‬هو ‬هدم ‬لجوهر ‬الفن ‬فى ‬هذا ‬الوطن ‬الجميل.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.