تستضيف فرنسا بعد غد (الجمعة) الاجتماع التحضيري للمؤتمر الدولي للسلام الهادف لإعادة إحياء عملية السلام، المتعثرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، بمشاركة 26 دولة ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري وممثلين عن الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى مصر والأردن والسعودية والمغرب والأمين العام لجامعة الدول العربية. وفي الوقت الذي رحب الفلسطينيون بالاجتماع التشاوري في باريس، رفضت الحكومة الإسرائيلية المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي لإعادة إطلاق جهود السلام مع الفلسطينيين، معتبرة أن الطريق الوحيد لتحقيق السلام وحل القضايا العالقة هو التفاوض المباشر دون شروط مسبقة. وحدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" في كلمة له أمام الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية الذي عقد السبت الماضي الشروط الفلسطينية لإنجاح المبادرة الفرنسية، ومن بينها أن يكون هدفها "تحقيق رؤية الدولتين على أساس حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمة دولة فلسطينالقدسالشرقية". وقال أبو مازن إن مرجعية مؤتمر باريس الدولي للسلام ستكون القرارات الدولية والمبادرة العربية للسلام وخطة خارطة الطريق والاتفاقات الموقعة سابقا بين الجانبين، مؤكدا ضرورة أن يخرج المؤتمر بمفهوم أن المفاوضات لها سقف زمني والتطبيق أيضا له سقف زمني وآلية لمتابعة المفاوضات. وأضاف إن الوقت قد حان لحشد الإرادة العربية والدولية لينال الشعب الفلسطيني حريته، وأن يكون هناك حل عادل ومتفق عليه للاجئين، مؤكدا أنه لن يسمح بوجود أي إسرائيلي داخل أرض دولة فلسطين المستقبلية. ويعلق الناطق باسم حركة فتح فايز أبو عيطة على جدوى المؤتمر الدولي للسلام قائلا لوكالة أنباء الشرق الأوسط :"أهمية المؤتمر تكمن في رؤية فرنسا للحفاظ على حل الدولتين ، وبالتالي تتعامل القيادة الفلسطينية معه بأنه يأتي في مواجهة ما ترمي إليه حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة من إجراءات استيطانية في الأراضي الفلسطينية لتغيير الواقع على الأرض للقضاء على حل الدولتين الذي يرى فيه المجتمع الدولي الحل الأنسب للصراع". وأضاف أبو عيطة :"نتنياهو وحكومته ضربوا عرض الحائط بكل الجهود الدولية الرامية لتحقيق السلام وأمر طبيعي أن يرفضوا المبادرة الفرنسية لأن الجهود الدولية ومنها الفرنسية تحرج حكومة نتنياهو الاستيطانية التوسعية التي لا ترغب في تحقيق السلام". وتابع: "نتنياهو فضل التطرف على الاعتدال واختار مجموعة من المتطرفين دينيا وسياسيا في حكومته وآخرهم تعيين أفيجدور ليبرمان وزيرا للدفاع مما قيد هذه الحكومة وجعلها أسيرة للتطرف ، فضلا عن أن نتنياهو يسعى إلى مفاوضات مباشرة على الطريقة القديمة لكسب الوقت لصالح خططه التوسعية والاستيطانية قبل أن يتخذ الرئيس عباس قراره بوقف التفاوض المباشر". ووقع نتنياهو وزعيم حزب "اسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف وزير الخارجية السابق أفيجدور ليبرمان خلال مؤتمر صحفي في مقر "الكنيست" في الخامس والعشرين من مايو الماضي اتفاق انضمام الحزب الى الائتلاف الحكومي تم بمقتضاه تم تعيين ليبرمان وزيرا للدفاع في حكومة نتنياهو بدلا من موشيه يعالون. ويؤمن الاتفاق الذي أدى إلى قيام الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل لنتنياهو غالبية برلمانية من 66 صوتا من أصل 120 (عدد مقاعد الكنيست)، بدل 61 صوتا، وهو ما كان يسعى إليه منذ فوزه في الانتخابات التشريعية في مارس 2015 لتوسيع غالبيته التي كانت تقتصر على صوت واحد، الأمر الذي يبقيه تحت رحمة أي من شركائه في الائتلاف. ويؤكد الناطق باسم فتح فايز أبو عيطة رفضه للمفاوضات المباشرة قائلا أنها "تخدم أهداف حكومة إسرائيل في إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه لسنوات أطول كي تستمر في تنفيذ برامجها الرامية لإنهاء حل الدولتين وزيادة الاستيطان والتهويد و"الأسرلة" لكل الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل وقتل واعتقال الأطفال على الحواجز". وأضاف:" الرئيس عباس يرى أنه لا مجال للعودة للمفاوضات المباشرة وان حل القضية الفلسطينية يتطلب عملا إقليميا ودوليا يفرض على إسرائيل الاستجابة والقبول بحل الدولتين"، وتابع :" المساعي الفرن سية هي الوحيدة الموجودة الآن على الأرض ونأمل أن تتكلل بلجم استمرار إسرائيل وإجراءاتها الهادفة لإغلاق فرص السلام مستقبلا خصوصا بعد فشل المساعى الأمريكية لاستئناف المفاوضات قبل نحو عامين". وتوقفت جولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي استمرت تسعة أشهر برعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 29 إبريل 2014 بعد رفض إسرائيل الالتزام باستحقاقات العملية السلمية وعلى رأسها وقف الاستيطان والقبول بحل الدولتين على أساس حدود 1967، والإفراج عن دفعة من المعتقلين الفلسطينيين القدامى في سجونها. وبحسب المحلل السياسي الفلسطيني توفيق أبو شومر، فإن المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام حتى اللحظة غير واضحة الأهداف بشكل دقيق ، مشيرا إلى أن ما تم الإعلان عنه فقط هو الجزء الإجرائي المتعلق بعقد اجتماع تحضيري بمشاركة الأطراف الدولية دون حضور الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي, ثم عقد المؤتمر الدولي بمشاركة الجانبين فى وقت لاحق لم يحدد بعد. وقال "أبو شومر" لوكالة أنباء الشرق الأوسط: "المطروح حاليا مجرد أفكار تتحدث عن اجتماع لمجموعة اتصالات دولية في 3 يونيو الجاري ، ثم عقد مؤتمر دولي لاحقا، لكن مضمون المبادرة والأسس والأهداف التي تسعى لتحقيقها لم تتبلور حتى الآن". وأضاف :"المفروض في كل مؤتمر أن يكون الطرفان المعنيان موافقين عليه .. الطرف الفلسطيني وافق ، في حين يعرقل الطرف الإسرائيلي المؤتمر لأن يخشى أن يتطور إلى نموذج "5+1" الذي تم بمقتضاه حل أزمة الملف النووي الإيراني". وأشار إلى أن إسرائيل تحارب اجتماع باريس كذلك بسبب موقفها من فرنسا التي ما تزال من وجهة نظرها متهمة بأنها شبه منحازة للفلسطينيين وأغضب تصويتها الأخير على قرار اليونسكو حول القدس بشدة حكومة نتنياهو. وكانت إسرائيل قد أعربت عن استيائها الشديد من قرار منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) في أبريل الماضي استخدام مصطلح المسجد الأقصى ورفض المصطلح الإسرائيلي "جبل الهيكل" بأغلبية 33 دولة بينها فرنسا، ومعارضة 6 دول، وامتناع 17 دولة. منتقدة خلو نص القرار من تسمية "جبل الهيكل" التي يطلقها اليهود على المسجد الأقصى المبارك وعدم الإشارة إلى ما يسمى ب (حائط المبكى) إلا بين مزدوجين. ورأي "أبو شومر" أن عقد اجتماع باريس بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ربما يشكل بداية للضغط الدبلوماسي على إسرائيل ولكنه لن يفرض أو ينتج عنه حلول ترضي الطرفين. وأرجع إصرار نتنياهو على المفاوضات المباشرة إلى انه يريد الجلوس فقط مع الفلسطينيين للحصول على ثمن مجاني دون إنجاز أي حل حقيقي، وتوجيه رسالة مضللة للعالم بأنه يسعى للسلام بهدف فك العزلة والمقاطعة الدولية لإسرائيل والتي تتزايد بفضل جهود حركة "بي دي إس" ####(B.D.S) #### ، بالإضافة إلى استمرار حكومته في التهويد والاستيطان وقضم ومصادرة الأراضي الفلسطينية وحصار قطاع غزة. وشدد أبو شومر على أن المطلوب من الفلسطينيين هو التوحد وإنهاء الانقسام حتى يقنعوا العالم بعدالة قضيتهم وان يعودوا مرة أخرى إلى الحاضنة العربية التي تقودها مصر ، بالإضافة إلى إعادة ترويج المبادرة العربية للسلام بشكل جيد لدى المجتمع الدولي وان يشترط العرب للمشاركة في المؤتمر الدولي للسلام أن يتبنى شروط المبادرة. واستطرد قائلا:" الإطار الدولي مناصر جيد للفلسطينيين لو أحسنوا استخدامه لأن السلوك الفلسطيني يحدد المسارين العربي والدولي ، والمطلوب من القيادة الفلسطينية جدولة مطالبها دبلوماسيا وألا تتراجع عنها تحت أية ضغوط أمريكية أو أوروبية على غرار تجميدها تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي لإدانة مواصلة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية". وقرر الاجتماع الطارىء لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية السبت الماضي "مواصلة دعم الجهود الفرنسية والعربية والدولية الهادفة لتوسيع المشاركة الدولية لحل القضية الفلسطينية ودعم المبادرة الفرنسية، بدءا بعقد اجتماع مجموعة الدعم في الثالث من يونيو، والإسراع بعقد المؤتمر الدولي للسلام". ودعا الوزراء العرب في بيان صدر عقب الاجتماع إلى "خلق آلية متعددة الأطراف بهدف العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدسالشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967 ، ووضع جدول زمني للمفاوضات لتنفيذ ما يتفق عليه ضمن إطار متابعة دولية جديدة". على الجانب الإسرائيلي ، رفضت حكومة نتنياهو بشكل رسمي المبادرة الفرنسية ، متذرعة بأن المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة هي الأنسب لتحقيق السلام، واقترح نتنياهو عقد لقاء مباشر مع الرئيس الفلسطيني في باريس. وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي مانويل فالس الذي زار إسرائيل والأراضي الفلسطينية الأسبوع الماضي:" السلام لن يتحقق من خلال المؤتمرات الدولية على غرار الأممالمتحدة وليس من خلال الإملاءات الدولية ومؤتمرات تعقدها دول من كل أنحاء العالم تجلس وتريد اتخاذ قرارات حول مصيرنا وأمننا". وادعى أن "السلام يتحقق من خلال التفاوض المباشر بين الطرفين" . مضيفا: "نريد دولتين للشعبين, دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية". وأبدى نتنياهو استعداده لعقد لقاء مباشر مع الرئيس محمود عباس في قصر الإليزيه في باريس أو في أي مكان آخر . وذكر أنه سيتم طرح جميع القضايا المعقدة على مائدة المفاوضات بما فيها الاعتراف المتبادل والتحريض والحدود واللاجئين والمستوطنات. وقام رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في الحادي والعشرين من مايو بزيارة استمرت ثلاثة أيام لإسرائيل والأراضي الفلسطينيةالمحتلة من أجل الدفاع عن المبادرة التي تطرحها بلاده لإحياء عملية السلام . ووصل فالس إلى الشرق الأوسط بعد أسبوع من زيارة وزير خارجيته جان مارك ايرولت للمنطقة.