بمجرد أن طالعت الرسالة المنسوبة للشيخ راشد الغنوشي مؤسس وزعيم حركة النهضة الإسلامية «إخوان تونس « التي نشرتها صحيفة «الحياة الجديدة» الفلسطينية وأكدت أنها الرسالة التي بعث بها الغنوشي إلي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين خلال اجتماع عقده في اسطنبول في أبريل الماضي، لم يخالجني شك في أن يكون كاتبها هو راشد الغنوشي ذاته.. وبعد عدة ساعات كان هناك حرص من مكتب الغنوشي ليس علي نفي الرسالة من الأساس ولكن علي تأكيد أنه لايزال مرتبطا بالإخوان وأن الرسالة تعرضت للفبركة. لكن ما جري في المؤتمر العاشر لحركة النهضة التونسية وإعلان الغنوشي بنفسه في خطابه أمام المؤتمر أن الحركة قررت الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي، وهذا هو جوهر الفكرة الإخوانية التي تخلط بين الدين والسياسة أكد بشكل عملي ما ورد في الرسالة التي تم تسريبها علي رغم كونها رسالة يفخر بها كاتبها وهي ترفض ما يجب رفضه من فكر الإخوان وخصوصا في فكرة رفض الوطن واعتباره حفنة من تراب عفن. وكانت هذه هي الفكرة الأساسية التي وردت في تلك الرسالة التي جاء فيها: «أنا مسلم تونسي، تونس هي وطني، وأنا مؤمن بأن الوطنية مهمة وأساسية ومفصلية فلن أسمح لأي كان إن يجردني من تونسيتي، لن أقبل أي عدوان علي تونس حتي لو كان من أصحاب الرسالة الواحدة، أنا الآن أعلن أمامكم أن تونسيتي هي الأعلي والأهم، أريد لتونس أن تحمي أبناءها بكل أطيافهم وألوانهم السياسية». إن الغنوشي وببساطة وفي ظل هجمات العنف والإرهاب التي تأثر بها كل التونسيين وخصوصا البسطاء ومحدودي الدخل ووصلت بهم إلي الكفر بما تم تعريفه ب «الربيع العربي» يعلن أن تونسيته تعلو علي كل شيء !. ثم يعترف الغنوشي بأخطاء الإخوان وعنادهم وتعنتهم من أجل السلطة والكراسي حتي لو كانت علي أنقاض الوطن ودماره. فهو يقول: « أنا وبالفم الملآن أعلن لكم أن طريقكم خاطئ وجلب الويلات علي كل المنطقة، لقد تعاميتم عن الواقع وبنيتم الأحلام والأوهام واسقطتم من حساباتكم الشعوب وقدراتها، لقد حذرتكم في مصر وسوريا واليمن ولكن لا حياة لمن تنادي، أنا الآن جندي للدفاع عن أراضي تونس ولن أسمح للإرهاب مهما كان عنوانه أن يستهدف وطني، لأن سقوط الوطن يعني سقوطي» ويضيف : « لقد صورتم لنا أن مصر ستنهار وأنكم ستستعيدون الحكم في مصر خلال أسابيع أو أشهر ولكن للأسف فقد اثبتم بأنكم قليلو الحيلة وتحالفتم مع منظمات إرهابية تدمر أوطانكم، ماذا سيتبقي لكم في حال دمار وطنكم؟ يجب ألا تكون الكراسي هي الهدف فالوطن هو الأهم « هل هناك أية مغالطة في هذه المعاني الرائعة المتوافقة تماما مع الواقع الذي عاشته تونس ومصر وليبيا وسويا واليمن خلال سنوات «الربيع العربي الموهوم «. وتعالوا إلي الرسالة مرة أخري لتروا حجم الألم الذي يملأ صدر كاتبها بما جري في بلاده وهو يقول : « ماذا يفعل الإرهاب المسلم القادم من باكستان أو موريتانيا أو السعودية في أراضي تونس؟ ماذا يريد؟ ألا يريدون تدمير وقتل أبناء شعبي. استحلفكم بالله وللمرة الأخيرة أن تقرأوا الواقع جيدا وألا تركبوا رءوسكم « ولا أدري حتي اللحظة معني لوصف الرسالة ب»المفبركة» وكل ما فيها حقائق عاشها «النهضويون» في تونس، وتابعها العالم كله. جاء في الرسالة نصا : « نحن في تونس شكلنا رسالة واضحة لكم فقد تسلمنا الحكم وخسرنا الانتخابات فمن افقدنا هذه الانتخابات هو الشعب التونسي لا غيره، هناك خلل بين ما قدمناه وصغناه ومارسناه مع الشعب التونسي».. وجاء أيضا : «اتركوا كل بلد ووطن لأبنائه مهما كانت النتيجة وحتي إن خسرتم فأنتم صورة مماثلة للأنظمة الحالية، إن رفضكم الشعب تلجأون إلي العنف «. لن أعلق مطلقا علي ختام الرسالة «المسربة « لأنني لا أعلم ما إذا كانت حركة النهضة بالفعل قد علقت مشاركتها في اجتماعات التنظيم الدولي أم لا.. ولأنني أيضا لا أعرف ما إذا كان الوفد التونسي إلي مؤتمر اسطنبول للتنظيم الدولي للإخوان قد غادر الاجتماع بعد قراءة الرسالة.. ولكنني أحب التأكيد علي الدعوة التي وردت في الختام وفيها طالب الغنوشي « العقلاء منكم والواقعيين البحث عن آليات وبرامج جديدة توحد لا تفرق، تجذب ولا تنفر» باعتبارها دعوة صادقة يبتغيها كل المخلصين. اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.