تحدثنا في مقالات سابقة عن الغش والخداع في الحياة حيث تتعدد أنواعهما من خداع في الفكر، أوالمشاعر، أوأعمال الإنسان وسلوكياته. ثم تكلمنا عن النجاح الذي يحققه الإنسان من خلال وسائل الغش أوالخداع نجاحًا مؤقتًا لا بد له أن ينكشف في وقت ما ويخسَِر ذٰلك الإنسان ثقة الآخرين. ثم تطرقنا إلي أصعب أنواع الغش في الحياة وهوخداع الإنسان لذاته. واليوم نستكمل حديثنا. يُعد الخداع في سُلوكيات بعض البشر، مثل الخداع والغش في عمليات البيع والشراء، أوالخداع في العمل أوالاستذكار، من الأمور المرفوضة علي مستوي الأديان والمستوي الإنسانيّ. أولًا: خداع البيع والشراء إن الخداع والغش في التجارة عُمومًا ترفضهما الأديان؛ ففي «الكتاب»، نجد تحذير الله للبشر من استخدام الغش في عمليات البيع والشراء، وأن فعل الغش هومَكرَهة له تبارك اسمه: ««لا يكُن لك في كِيسك أوزان مختلفة كبيرة وصغيرة. لا يكُن لك في بيتك مكاييل مختلفة كبيرة وصغيرة. وزن صحيح وحق يكون لك، ومِكيال صحيح وحق يكون لك، لكي تطول أيامك علي الأرض التي يُعطيك الرب إلٰهك. لأن كل من عمِل ذٰلك، كل من عمِل غشًّا، مكروه لدي الرب إلٰهك.»، ويقول الحكيم: «موازين غش مَكرَهة الرب، والوزن الصحيح رضاه.». وفي «القرآن»، نجد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾؛ وهٰكذا، فإن بيع بضاعة سيئة، أوبأيٍّ من أنواع الغش والاحتيال في التجارة بين البشر، يُعد أكلًا للمال بالباطل، وأيضًا في الحديث: «إذا بايعتَ، فقُل: لا خِلابة.»، و»لا خِلابة» أيْ «لا خديعة». ويتفق في عدم الغش والخداع السلوك الإنسانيّ الصائب والقوانين العامة، إذ نجد رفضًا لجميع أنواع الغش في المتاجرات، بل يتعرض فاعلها للوُقوع تحت طائلة القانون والإدانة. أمّا الأمر الغريب حقًّا: أن من يقوم بمثل هٰذا الغش يعتقد أنه أشد ذكاءً من الآخرين، وأنه يحصل علي المكاسب جراء غشه؛ لٰكنه لا يدرك أنه يومًا بعد يوم يفقد ثقة من حوله، وسيجد نفسه وحيدًا في وقت ما، وأن ما جمعه بالغش هوكريح تأتي عليه وتمضي حاملة معها كل ما لديه. ثانيًا: خداع العمل الأمانة فضيلة أكدت أهميتها الأديان، حتي إن من يخلومنها فقد حوي في نفسه كثيرًا من الرذائل. ومن الأمانة ألا يخدع الإنسان الآخرين أويغشهم في عمله؛ والمقصود كل من لديه عمل وإن اختلفت أنواعه: فالطالب لا يغش في دراسته، والعامل لا يخدع في عمله، وصاحب العمل لا يخدع عملاءه؛ إنها دائرة واحدة يجب أن تسودها الأمانة بعيدًا عن كل خديعة إذ إن النتيجة النهائية أقصد النجاح الذي يتحقق في حياة الإنسان تكون بحسب الأمانة التي قُدمت في العمل. وهنا أتذكر عبارة قالها أحد الأصدقاء في حديثه إلي آخر عندما قرر الاتصال بشركة تقوم بأعمال الصيانة المنزلية لإصلاح بعض الأعطال بالمنزل، وسأله: ولمَ لا تتصل بشخص يقوم بهٰذه الإصلاحات بدلًا من أن تَغرَم مبلغًا كبيرًا من المال؟ فأجابه: إنها الأمانة يا صديقي! لقد قمتُ بتجرِبة عدد من الأشخاص ولم يكونوا أمناء في عملهم، في حين كانت هٰذه الشركة مع أنها تحصل علي مبلغ ماليّ أكبر أكثر اهتمامًا وأمانة في الخِدْمات التي تقدمها، ولم أحتَج معها إلي أيّ إصلاحات لسنوات كثيرة. وهٰكذا الغش والخداع في المعاملات الإنسانية لن يصلا بصاحبهما إلا إلي حافة الخَسارة والفشل. وللحديث بقية.