بعيدا وزخم الفضائيات والمكاتب المكيفة، تجده يخرج كل صباح يعرف طريقه، يدرك مهامه، لديه عمل يريد إنجازه، على رأس الماكينات ليخرج الإنتاج، داخل مواقع البناء يحمل على كتفيه الحجارة، والزلط ليعمر فى الأرض، فى الصحراء ينحت فى الصخر ليشق قناة، إنه العامل المصرى مفتاح التنمية، الضائع حقه حتى فى يوم عيده، القاعات والندوات تهتف باسمه عاليا وسط وجوه وملامح لاتشبهه. يحيا حياة العزة لكونه صاحب يد تعمل وتنجز، لايفارقها الخوف من مستقبل ومصير مجهول بعد غلق الالف من المصانع التى عمل بها الملايين وكانوا يوما ما مثله فوق رأس عملهم ليبنوا وطنهم، سطر التاريخ روايتهم عندما شقوا قناة فى قلب صحراء جرداء من قبل أكثر من 150 عاما، دفعوا أرواحهم ثمنا لها وراح ضحيتها أكثر من 120 الف عامل مصرى، فكانت قناة السويس، سطر التاريخ روايتهم عندما شيدوا مصانع تصدر إنتاجها لمختلف دول العالم من غزل وسيارات وغيرهم. يأتى من شتى البقاع ومختلف المحافظات ليبدأ رحلة العذاب والشقاء، أينما ووقتما طلب منه يلبى، رغم محاصرة ضنك العيش وضيق ذات اليد لحياته، لكنه لم يبخل يوما على بلده طالما فى طاقته العطاء، ووحده يشق الطريق تجاه مستقبل عظيم، منصوب الجسد، مشدود العصب، يلازم موقع العمل غير مفارق كجندى على جبهة القتال، وبعد انتهاء المشروعاتتتجه كافة الأضواء صوب المسئولينوتنسى دائمًا أهم عامل في نجاح المشروعات " العامل". يعى ويتحصر على مامضى من سنوات كان للعامل شأنه ومكانه، فكانت الستينات هى العصر الذهبى لمثيله فى ذاك التاريخ، منحه الوطن لأول مرة حق التمثيل فى البرلمان بنسبة "50% عمال وفلاحين" ، ليصبح كيانا محترما فى وطن يعى قيمته ويعلى من شأنه، ولم يكن الأمر قاصرا على ذلك بل أنه كان فى مجالس إدارة المصانع ممثلين من العمال عنهم، يقاسموا اعضاء مجالس الادارة القرارات. كان عامل محترم ذو مرتب ثابت وتأمين صحى واجتماعى عادل، وكادر مناسب، تلك الصورة التى غابت عن المشهد فى زحام الاحداث وتهات فى تفاصيل الحياة، وبات العامل اليوم لاصلة له بمن سبقه، مستقبله مبهم، كل أحلامه تتلخص فى أن لا يأتى اليوم ويجد نفسه بعيدا عن عمله، وأن قدر له أن يدرك عيد العمال المقبل فيكون مازال "عاملا".