كنت دائماً أحب التعبير كتابة حبى للابداع الفكرى والفنى وما كنت اشارك كتابة فى السياسة.. ولكن الامر اختلف حين مس الضر واقعنا بقسوة وهو امتداد لما أهتم به فيما قدمت من أعمال تهتم بالواقع والمصير. السيد الفاضل (محافظ البنك المركزى المصرى) ماذا فعلت بنا؟ - ماذا فعلت بالبلد واقتصاده (واللى فيه مكفيه)؟ ماذا فعلت بعموم الناس؟ وبضعاف الناس الذين صاروا بفضل مغامرتك ومغامرات غيرك - أكثر من ٩٠٪ من أهل المحروسة وإن صح ما قرأته من ان لدينا ثلاثة من أكثر البشر ثراء فى العالم - فنحن مع المزيد من الضعاف قد نعود إلى مجتمع النصف في المائة. كما قيل عن الحال فى قرن مضى.. وستذكر أنك ومن معك لكم فضل فى ذلك عظيم. - وقد يكون من حقك أن ترد أو هكذا اتصور (مش دى أول ولا آخر مرة.. إن مسئول يأخدكم فى سكة اللى يروح ما يرجعش.. فيه غيرى ورا السوق والاسعار والاقتصاد واللى جراله.. إيه يعنى بقى تخفيض الجنيه ١٥٪ من قيمته؟ أمال يوصل بقيمته الحقيقية فى سوق الصرافة إزاى؟ إزاى نفتح الباب للى محتاجه السوق من الدولار؟.. ح تقولوا مغامرة؟! ماشى.. كان لازم نغامر.. غيرى فى الحكومة بيضبش ومش عارف يعمل إيه!).. قد يكون هذا قوله.. وقد يكون ضميره وجعه شوية وساوره شىء من الإحساس بالذنب.. أو الندم.. وربما مازال على يقين بأنه العليم ومن عداه جهال.. وبعيداً عن تخميناتنا حول ما يحسه أو ما يعتقده هو أو غيره من المنظومة التعسة التى توردنا المهالك.. فإن ما أدركه وأحس عن يقين هو ما أراه من أوجاع وفزع.. فزع عامة الناس مما هو آت حيث يواصل الدولار صعوده المخيف وهو يضرب الجنيه على أم رأسه تباعاً.. تسابقه الأسعار فى الصعود رغم انخفاضهافى كل العالم! لكنّ إحساسا بهذه الأوجاع يخالطه إحساس بالعجز.. عجز الكتابة ولعبة الكلام العقيمة أمام ما ينزل بالناس دون راد.. حتى أننى بدأت أكره الكتابة حين تتساوى مع لغو الكلام: - صرت أخوض مضطراً فيما له علاقة بالسياسة والواقع وأدقق لافهم وأتعلم وزاد إحساسى بذلك حين صار أولادى وبعض ابناء عائلتى - رجالاً يحملون مسئولية اسرهم وعيالهم.. حيث وجدتهم برغم ما حصلوه من علم وتفوق مثقلون بأعباء تقترب بهم حثيثيا - خاصة فى الأيام الأخيرة بما يجعلهم أقرب إلى ضعاف الناس وما يعانون. - والان صرنا والناس فى هذه الأيام نعيش سباقاً جنونياً بين ارتفاع الدولار المتجبر وتصاعد الأسعار المهلك.. وكان تصريحان مباركان أعلنهما السيد عامر.. الأول فى بدايات الإنفلات يبشرنا فيه بأن الدولار سيصل الى أربعة جنيهات وتنحسر هجمته! كيف؟ وفق أى مؤشرات؟ ظل سيادته محتفظاً بالسر حتى كسر الدولار حد العشرة جنيهات، وعندها جاءتنا بشارته الثانية: لن أخفض الجنيه مرة أخرى!. إذن هو يمضى بنفسه وبنا إلى منطقة الكوميديا السوداء أو الهزل المرير أو هو فى الحقيقة يعانى حالة من العماء شأن غيره من المسئولين. عماء يحول دون رؤية القائم أو القادم وعلنا أن نتمكن من ان نساعدهم على رؤية بعض مؤشرات الرعب من الغد التى يعيشها أغلب الناس. - أما مشاكل المواطن مع التعليم وأتحدث طبعاً عن التعليم الحكومى أولاً بكل (بلاويه) فالعام الدراسى أوشك على الانتهاء بأعبائه.. أما العام الدراسى القادم فهو فى ظل تصاعد السباق بين ارتفاع الدولار وارتفاع الأسعار.. كابوس لا يعلم إلا الله ما سوف يكون عليه أيا كانت محاولات التدارك الرسمى (حلقّ يا جدع وحوش يارب).. شىء أشبه بذلك! - بقدر ما يتسارع ارتفاع الدولار وقسوة حوافزه تحتها الجنيه المترنح والناس إذ يشتد سعار الاسعار وأنين المدهوسين.. حتى من تعود منهم الا يسأل الناس متعففاً وألا يشكو لغير الله.. الكل يترنح. - وعلى مبعدة من أسابيع قليلة يقبل علينا (رمضان).. وما أدراك ما رمضان! - رمضان أيها السادة المسئولون حالة خاصة جداً.. حالة من الإبداع المصرى الصميم سواها عبر عشرات من القرون من نبع مخزونه الروحى الفريد حتى فى ظل أسوأ الظروف.. وهل هناك اسوأ من الشدة المستنصرية ! وهل رأى أى رحالة ما يشبه رمضان فى مصر خلال تاريخه كله؟ - لا أعلم ما سوف يكون عليه رمضان القادم ولا أظن أن السيد عامر فكر فى ذلك ولا أعتقد أن مثل هذا الأمر شغله أو يشغله أو يستوجب منا هذا النواع - فى رأيه طبعاً - أما إن تم استبعاده فقد يحاول ساعتها أن يفهم سر هذا النواح وأصداء الفزع.. وطبعاً بعد خراب مالطة.. وهو دائماً التوقيت المناسب لدى المسئولين للاستبعاد بعد تمام المصيبة!.. وحتى يأتى ذلك.. نذكره بسوء فعله وما جرى هو وغيره من شر مستطير على الاقتصاد البائس التعبان وعلى عموم الشعب الغلبان.. والأشد تعباً وإنهاكاً فى تلك الأيام. - يمضى رمضان الذى لا نعرف كيف سيجىء والذى قد لا يجىء أهلاً.. أعنى رمضان الذى أسس الشعب المصرى لملامحه المصرية عبر قرون يمضى كى يأتى العيد وأيضاً بمالا ندرى وكأنى (بالمتنبى) ينشد معنا وننشد معه: عيد بأية حال عدت يا عيد.. الخ ثم الصيف وما حوى.. وأسوق شهداً صغيراً يلخص الحال قبل أن يطرأ الجديد.. الذى نعوذ بالله من شر ما قد يكون. - كان من عادة بعض المصريين الحصول على أدنى نصيب من سعادة المصيفين وذلك خلال ما يسمى التصييف لليوم الواحد.. أتوبيس ينحشر فيه العديد من الاسرات الفقيرة.. يمضى ليصبهم عند أحد الشواطىء الشعبية.. ليلامسوا أمواج البحر ووجوه السعداء لساعات ثم يعود مهم ال الاتوبيس من حيث جاءوا فى آخر اليوم.. ويظل تكرار هذا اليوم فى العام التالى هو حلمهم طوال العام المثقل بالهم والعمل. السيد رئيس البنك المركزى المصرى.. السادة المسئولون هذا الحلم الصغير الحزين مهدد.. مثل رمضاننا الذىصنعناه ونكاد أن نفقده.. مثل كل شىء مهدد يصيح بنا ألا من رجل رشيد.. ألا من فعل رشيد؟!