رفض مجلس النواب اقرار قانون الخدمة المدنية.. قنبلة انفجرت في وجه الحكومة. فأصابها الذعر والهلع.. وأخذت تضرب اخماسا في اسداس. الحكومة كان لديها تأكيد من عدد من النواب بتمرير القانون.. ولم لا؟ البرلمان وافق علي كل القوانين التي صدرت قبل انعقاده.. ومنها ما لا يقل أهمية عن هذا القانون. مجلس النواب يعد مذكرة بأسباب الرفض.. والمواد التي اعترض عليها.. الحكومة تنتظر المذكرة لتعدل القانون في ضوء ما جاء بها. المستشار مجدي العجاتي وزير الشئون القانونية ومجلس النواب قال إنه لا يوجد أي صدام بين الحكومة والبرلمان بسبب القانون. العجاتي أرجع رفض البرلمان بأغلبية كاسحة للقانون إلي ضغوط شعبية وليس لأسباب فنية أو عيوب شابت مواده. الحكومة تجري مشاورات للوصول إلي حل توافقي يرضي الطرفين.. وتعد مشروع قانون ستقدمه للبرلمان خلال أسبوع لمناقشته. رفض اقرار القانون أو الغاؤه.. يعني العودة مباشرة إلي قانون العاملين المدنيين بالدولة.. الحياة الوظيفية لا تشهد فراغا تشريعيا.. التأني مطلوب من الحكومة والبرلمان قبل اصدار تشريع جديد. القانون الملغي ولد مبتسرا.. منذ اللحظة الأولي لتطبيقه.. وسادت حالة من الغموض اروقة الجهات الحكومية.. وطفت علي السطح العيوب.. التي أدت إلي اصدار رئيس الوزراء السابق قرارا سريا بما يعرف بالمرتب التكميلي لحل مشكلة نقص المرتبات التي ظهرت بعد اخضاع العلاوة الاجتماعية للضرائب. القانون يهدف إلي تقليص عدد الموظفين.. وتحجيم المرتبات.. ويرسخ للطاعة العمياء للرؤساء.. دون أي اعتبارات اخري. قانون الخدمة المدنية له تاريخ طويل.. يرجع إلي عهد مبارك.. عندما طلب البنك الدولي تقليص عدد الموظفين بالجهاز الإداري للدولة من ٥٫٦ مليون موظف إلي نصف مليون موظف.. وللوصول إلي هذا الرقم كان الاقتراح بغلق باب التعيينات.. وإلغاء الدرجات التي تخلو بخروج شاغليها علي المعاش، وخرجت أفكار من قبيل العمل نصف الوقت.. والعمل من المنزل وغيرها.. لم يستطع هذا العصر اصدار قانون يحدث بلبلة مجتمعية. جاءت ثورة يناير لتقف حائلا في وجه هذا المخطط الشرير.. وانقلب الحال.. فبدلا من تقليص عدد الموظفين أو ابقاء العدد علي ما هو عليه، زاد عدد الموظفين.. وفتحت الدولة التعيينات عمال علي بطال لإرضاء الناس.. وصدرت قرارات بتعيين العقود.. حتي وصل عدد الموظفين إلي ٧ ملايين موظف. الدولة هي المسئولة عن الجراج الحكومي.. وتضخم عدد الموظفين وتأتي الآن لتصحح هذا الخطأ علي حساب الموظفين الغلابة.. دون مراعاة للظروف الاجتماعية والمعيشية والبطالة. لدينا مثل قديم يقول «إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه».. منذ عهد محمد علي والدولة ترسخ لهذه المقولة لسبب أو لآخر.. حتي أصبح الميري هو الحياة.. ولا بديل عنه.. البديل هو القطاع الخاص والعمل الحر.. وكلاهما محفوف بالمخاطر.. فلا أمان ولا ضمان للعمل في القطاع الخاص.. ولا أسواق أو قوة شرائية تساعد علي العمل الحر.. في ظل أزمة وركود اقتصادي.. الحلول غير فعالة في هذا الوقت. علي الدولة أن تجد البدائل وأن تصدر قانون العمل الذي يحمي حقوق العمال في القطاع الخاص.. وتساند العمل الحر.. بدلا من ان تبحث عن حل توافقي يرضي نواب الشعب.. دون النظر إلي ارضاء الشعب نفسه. التوافق في مثل هذه الأمور ليس مطلوبا.. والنتائج محفوفة بالمخاطر المستقبلية.. احسنوا النيات.. وانظروا للموظف المطحون بعين الرحمة.. ولا ترسخوا لعصور من الذل والمهانة.. ولا تساعدوا في زيادة رقعة البطالة.. وتقتلوا الأمل عند الشباب.. انتم من رسختم لعبودية الميري بتعليمكم ونظامكم.. تحملوا المسئولية.. ولا تذبحوا مكسور الجناح.. قبل أن يأتي يوم ويقوي جناحه ويتخلص منكم كما تريدون التخلص منه.