حين يصدح صوت الموهوب النبيل علي الحجار بتلك المقدمة البديعة من كلمات سيد حجاب التي صاغها الموسيقار العبقري بليغ حمدي «اللي بني مصركان في الأصل حلواني،وعشان كده ياولاد مصر حلوة الحلوات « كان احساس الفخر يتسلل الينا ونحن نجلس في حالة ترقب خلال ليالي رمضان لنشاهد المسلسل الرائع «بوابة الحلواني «فيكشف لنا عما أغفلته كتب التاريخ المقررة، الثقيلة ،ونشاهد حدوتة مسلية عن تاريخ حفر قناة السويس وفترة حكم الخديوي اسماعيل وما أسداه هذا الرجل لمصر، كان ذلك بفضل كاتب قديرعشق التاريخ وأخذ علي عاتقه مهمة صعبة - وإن بدت يسيرة عليه - أن يسطر التاريخ في حكايات درامية ،يقبل عليها العامة ،ويستمتع بمشاهدتها المثقف والأمي، فيصل التاريخ إليهم بموضوعية دون متاجرة ولا تلفيق ،ودون مناظرة ولا تنظير،إنه السهل الممتنع الذي لايستطيعه الا عاشق متمكن في رؤيته ،وفي قدرته علي مزج التاريخ بالدراما، دون اخلال بحقائقه هذا هو محفوظ عبد الرحمن ،عاشق مصر، التاريخ بالنسبة له دراسة وعشق ،لذلك تجده حاضرا في أغلب أعماله ،من سقوط غرناطة،وسليمان الحلبي ،وعبد الله النديم ،و»ناصر 56 «الذي عاد فيه إلي قناة السويس وتلك الفترة من تاريخنا الحديث حين قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصرتأميم القناة ،هذا الفيلم الذي أبدع فيه محفوظ عبد الرحمن وبطله الراحل أحمد زكي ومخرجه الكبيرمحمد فاضل،وحقق نجاحا منقطع النظير في مصر والبلاد العربية ،والأهم أنه قدمه في وقت كان هناك من لايريد الفيلم اطلاقا. وقد برع محفوظ في كتابة دراما السيرة الذاتية من خلال المسلسل الرائع «أم كلثوم» وقد شهدت بنفسي خلال فترة تحضيره كيف كانت تتوالي عليه وعلي مخرجته المبدعة أنعام محمد علي الانذارات القضائية لوقف التصوير من أسرة أم كلثوم ،وكيف تغير الموقف بعد عرض المسلسل فأقامت أسرتها احتفالا لتكريمه وفريق العمل بالمسلسل، ،وقد تنوعت إبداعا ت محفوظ بين المسرح والتليفزيون، وبعض الأفلام السينمائية والكتابة الأدبية من قصص وروايات،و ظل فيها مخلصا لقلمه، متمسكا بمبادئه ،رافضا أن يحيد عنها مهما كانت تبعات ذلك ،ورغم متاعبه الصحية الا أنه يصر أن يكون نموذجا للالتزام ،فتراه متكئا إلي عصاه ،مستندا إلي رفيقة مشواره القديرة سميرة عبد العزيز ،يحضر المهرجانات ويشاهد الأفلام ويشارك في الندوات ويشجع المواهب الشابة . يستحق محفوظ عبد الرحمن أن تحتفي به عشر جهات فنية وثقافية بمبادرة من جمعية كتاب ونقاد السينما ،وبحضور وزير الثقافة حلمي النمنم وجمع كبير من الفنانين والمثقفين والذي أقيم الثلاثاء الماضي بالمجلس الأعلي للثقافة وتباري الحضور في الحديث عن عطاء محفوظ عبد الرحمن الكاتب والانسان ،وقد لمعت عيناه بالفرحة الممزوجة بالدموع وهم يتحدثون عن مواقفه التي ظلت ثابتة ،واضحة ،لم تتبدل أو تتغير في زمن صارت كل الأشياء إلي النقيض.