مصر هي رمانة الميزان في هذا المصير، والنيل منها من خلال اخضاع العقل لتقبل ما هو مطلوب، والمسرح من أهم الوسائل الجماهيرية، حين يتم تحويله إلي حصان طروادة الذي يتسلل ليخلع عن مصر هويتها الحقيقية وقفنا عندما فعل النظام كل ما فعل.. دونما حساب.. ثم سقط هذا النظام ووليّ.. وايضا دونما حساب!! فهل بقي من شيء؟.. نعم بقي الكثير.. وفي الصدارة شر في أعتي الصور- البعض مازال يشكك في فكر المؤامرة، وانا لا أسلم به في المطلق، ولا أعتبره خلف كل شاردة وواردة ولكني اثق في انه موجود عند الطلب وحسب الحاجة، ولدي حكاية أقدمها كدليل علي قولي، حكاية لا ابتعد فيها عن حديثي الذي طال عن المسرح وتجربتي فيه.. والحكاية تؤكد أمرين اولهما وجود فكر المؤامرة وثانيهما ان هناك من يدرك أهمية وخطورة فن المسرح في الوقت الذي تغيب عنا هذه الخطورة بما في ذلك بعض وزراء الثقافة! في اوائل ابريل عام 1993 قررت هيئة اليونسكو العالمية إقامة مؤتمر في قبرص حول »المسرح والهوية الثقافية» وكان يمثل تلك الهيئة في مصر المخرج الكبير الراحل »أحمد زكي» الذي اختارني معه لنمثل مصر في هذا المؤتمر. اعطيت لي الكلمة في اليوم الاول وتركزت علي حركة المسرح في مصر وانها قامت وفق انتماء للثقافة العربية المعاصرة وبالتالي هي طرف مهم في حركة المسرح العربي يجمعها به نقاط التقاء كثيرة وكذلك نقاط اختلاف لكنها جميعا تصدر عن جذور اساسية فوجئت بعدها بحالة من الوجوم أقرب إلي غضب مكتوم تفحصت عندها الوجوه فاذا بها جميعا اوروبية فيما عدد وجها واحدا تونسيا بخلافي أنا والأستاذ أحمد زكي، ولم أجد في ذلك تفسيرا أو ردا علي دهشتي حتي بدأ تنظيم المناقشة في اليوم التالي وبعد أطروحات عامة حول الاساس الغربي للمسرح ولم يكن لدينا اعتراض علي ذلك- حتي انطلق بعدها النقاش في شكل هجوم وحشي علي كل ما ذكرته بالأمس.. احدهم رأيته يرمق احمد زكي بغضب كأنما يريد أن يفتك به »كيف جئتنا بهذا البلية.. يوشك هذا الشوفنيي المغلق ان يفسد الحفل» كان الهجوم قد تضمن ألفاظا عن الشوفينية والانغلاق، وكانت تقود للهجوم بشكل يبدو منسقا امرأة يونانية قوية البنية كالمصارعين حادة الملامح والطبع، حتي وصل الزحف إلي النقطة المهمة وهي ان هدف هذه الدورة هو انشاء شبكة مسرحية شرق اوسطية تضم دولا اوروبية مع مصر واسرائيل وتركيا وتونس فيما اذكر.. علي ان يكون مقرها »القاهرة» وبالتالي فان ما ذكره احمد زكي او ذكرته ما هو الا إفك يهدف إلي افساد هذا الهدف النبيل. واضيف إلي اتهام الشوفينية والانغلاق تهمة العداء للسامية وتلك لم تكن جديدة إذ أطلقته احدي الصحف الاسرائيلية عند نشر اليهودي التائه والمسيح المنتظر.. المهم.. نظرت إلي أحمد زكي متسائلا: ما هذا؟ وأجاب بهدوئه المعهود: ما تتخضش.. علينا الرد بقوة، »دول موجّهين» وبعضهم صهيانة وساهم بعدها بتعقيبات قوية.. عندها اشتعل رأسي في تحفز وغضب اذ أدركت ان المستهدف ليس كلينا او المسرح بل الهدف الأبعد هو مصر بكل ما تحمله من اهمية. الهدف ضرب هذا الارتباط المحتوم بالمصير العربي، إذ ان مصر هي رمانة الميزان في هذا المصير، والنيل منها من خلال اخضاع العقل لتقبل ما هو مطلوب، والمسرح من أهم الوسائل الجماهيرية، حين يتم تحويله إلي حصان طروادة الذي يتسلل ليخلع عن مصر هويتها الحقيقية. وكان اختراق هذه الكتيبة لهيئة اليونسكو يستغل المناخ السياسي في مصر وقتها والذي لا يمانع رسميا من التماهي تماما مع اهداف اسرائيل والغرب، ويكاد يكون اول المرحبين عمليا بمعزوفة الشرق أوسطية! وبالمناسبة حين إنبرت اصوات وطنية وقومية لهذه المعزوفة الشريرة خفت صوتها وتراجع لترتفع معزوفة اشد قبحا واكثر فتكا هي معزوفة الفوضي الخلاقة التي اعلنتها علينا السيدة كونداليزا.. ونعم فإن مصر استعصت عليها لكنها اشعلت المنطقة حولنا بقوي ارهابية قذرة تزعم امريكا والغرب انهم يقاومونها معنا وهم يدعمونها حتي صارت الان بقرب من بغداد، واستولت علي اكثر من نصف سوريا واقتربت من دمشق بخلاف تدمير الإرث الحضاري في المنطقة.. أي شرح مستطير خبيث!؟ هل المتشككون في فكر المؤامرة مازالوا علي قناعاتهم الطيبة الرصينة؟! المهم.. كان علي أن ارد علي وحوش هذا المؤتمر المريب بكل ما املك من طاقة وبأدق ما استطيع من موضوعية مستحضرا بالتفصيل الذي اسعفتني به الذاكرة حينها- لم يكن في حسابي ان أعد كتابة لهذا قبل سفري لقبرص- عرضت لميلاد المسرح العربي برواده الثلاثة العرب.. أبو خليل القباني السوري ومارون النقاش اللبناني.. ويعقوب صنوع المصري.. بداية ذات دلالة واضحة- المسرح ولد عربيا- ثم تأصل هذا الملمح العربي في مصر.. تعمق واتسع ممتدا إلي معظم الدول العربية شأن معظم اشكال الابداع والفكر.. حركة التأليف والنشر.. حركة الترجمة النهضة التعليمية والصحفية، ثم السينما ثم الدراما التليفزيونية.. وكل ما شكل ثقافة عربية معاصرة.. وكان المسرح المصري ضمن هذه المنظومة كرافد أساسي من روافد المسرح العربي داخل إطار أوسع هو الثقافة العربية المعاصرة التي ظلت ومازالت قائمة.. مهما كانت حولها الانواء ومهما كانت الخلافات المقيتة والصدوع في جدارها العتيق مهما بلغ اتساعها ومهما ألحقت بالشعوب من أذي وأثمان فادحة.. هي خط الدفاع الذي لا ينكسر. وللحديث بقية مصر هي رمانة الميزان في هذا المصير، والنيل منها من خلال اخضاع العقل لتقبل ما هو مطلوب، والمسرح من أهم الوسائل الجماهيرية، حين يتم تحويله إلي حصان طروادة الذي يتسلل ليخلع عن مصر هويتها الحقيقية وقفنا عندما فعل النظام كل ما فعل.. دونما حساب.. ثم سقط هذا النظام ووليّ.. وايضا دونما حساب!! فهل بقي من شيء؟.. نعم بقي الكثير.. وفي الصدارة شر في أعتي الصور- البعض مازال يشكك في فكر المؤامرة، وانا لا أسلم به في المطلق، ولا أعتبره خلف كل شاردة وواردة ولكني اثق في انه موجود عند الطلب وحسب الحاجة، ولدي حكاية أقدمها كدليل علي قولي، حكاية لا ابتعد فيها عن حديثي الذي طال عن المسرح وتجربتي فيه.. والحكاية تؤكد أمرين اولهما وجود فكر المؤامرة وثانيهما ان هناك من يدرك أهمية وخطورة فن المسرح في الوقت الذي تغيب عنا هذه الخطورة بما في ذلك بعض وزراء الثقافة! في اوائل ابريل عام 1993 قررت هيئة اليونسكو العالمية إقامة مؤتمر في قبرص حول »المسرح والهوية الثقافية» وكان يمثل تلك الهيئة في مصر المخرج الكبير الراحل »أحمد زكي» الذي اختارني معه لنمثل مصر في هذا المؤتمر. اعطيت لي الكلمة في اليوم الاول وتركزت علي حركة المسرح في مصر وانها قامت وفق انتماء للثقافة العربية المعاصرة وبالتالي هي طرف مهم في حركة المسرح العربي يجمعها به نقاط التقاء كثيرة وكذلك نقاط اختلاف لكنها جميعا تصدر عن جذور اساسية فوجئت بعدها بحالة من الوجوم أقرب إلي غضب مكتوم تفحصت عندها الوجوه فاذا بها جميعا اوروبية فيما عدد وجها واحدا تونسيا بخلافي أنا والأستاذ أحمد زكي، ولم أجد في ذلك تفسيرا أو ردا علي دهشتي حتي بدأ تنظيم المناقشة في اليوم التالي وبعد أطروحات عامة حول الاساس الغربي للمسرح ولم يكن لدينا اعتراض علي ذلك- حتي انطلق بعدها النقاش في شكل هجوم وحشي علي كل ما ذكرته بالأمس.. احدهم رأيته يرمق احمد زكي بغضب كأنما يريد أن يفتك به »كيف جئتنا بهذا البلية.. يوشك هذا الشوفنيي المغلق ان يفسد الحفل» كان الهجوم قد تضمن ألفاظا عن الشوفينية والانغلاق، وكانت تقود للهجوم بشكل يبدو منسقا امرأة يونانية قوية البنية كالمصارعين حادة الملامح والطبع، حتي وصل الزحف إلي النقطة المهمة وهي ان هدف هذه الدورة هو انشاء شبكة مسرحية شرق اوسطية تضم دولا اوروبية مع مصر واسرائيل وتركيا وتونس فيما اذكر.. علي ان يكون مقرها »القاهرة» وبالتالي فان ما ذكره احمد زكي او ذكرته ما هو الا إفك يهدف إلي افساد هذا الهدف النبيل. واضيف إلي اتهام الشوفينية والانغلاق تهمة العداء للسامية وتلك لم تكن جديدة إذ أطلقته احدي الصحف الاسرائيلية عند نشر اليهودي التائه والمسيح المنتظر.. المهم.. نظرت إلي أحمد زكي متسائلا: ما هذا؟ وأجاب بهدوئه المعهود: ما تتخضش.. علينا الرد بقوة، »دول موجّهين» وبعضهم صهيانة وساهم بعدها بتعقيبات قوية.. عندها اشتعل رأسي في تحفز وغضب اذ أدركت ان المستهدف ليس كلينا او المسرح بل الهدف الأبعد هو مصر بكل ما تحمله من اهمية. الهدف ضرب هذا الارتباط المحتوم بالمصير العربي، إذ ان مصر هي رمانة الميزان في هذا المصير، والنيل منها من خلال اخضاع العقل لتقبل ما هو مطلوب، والمسرح من أهم الوسائل الجماهيرية، حين يتم تحويله إلي حصان طروادة الذي يتسلل ليخلع عن مصر هويتها الحقيقية. وكان اختراق هذه الكتيبة لهيئة اليونسكو يستغل المناخ السياسي في مصر وقتها والذي لا يمانع رسميا من التماهي تماما مع اهداف اسرائيل والغرب، ويكاد يكون اول المرحبين عمليا بمعزوفة الشرق أوسطية! وبالمناسبة حين إنبرت اصوات وطنية وقومية لهذه المعزوفة الشريرة خفت صوتها وتراجع لترتفع معزوفة اشد قبحا واكثر فتكا هي معزوفة الفوضي الخلاقة التي اعلنتها علينا السيدة كونداليزا.. ونعم فإن مصر استعصت عليها لكنها اشعلت المنطقة حولنا بقوي ارهابية قذرة تزعم امريكا والغرب انهم يقاومونها معنا وهم يدعمونها حتي صارت الان بقرب من بغداد، واستولت علي اكثر من نصف سوريا واقتربت من دمشق بخلاف تدمير الإرث الحضاري في المنطقة.. أي شرح مستطير خبيث!؟ هل المتشككون في فكر المؤامرة مازالوا علي قناعاتهم الطيبة الرصينة؟! المهم.. كان علي أن ارد علي وحوش هذا المؤتمر المريب بكل ما املك من طاقة وبأدق ما استطيع من موضوعية مستحضرا بالتفصيل الذي اسعفتني به الذاكرة حينها- لم يكن في حسابي ان أعد كتابة لهذا قبل سفري لقبرص- عرضت لميلاد المسرح العربي برواده الثلاثة العرب.. أبو خليل القباني السوري ومارون النقاش اللبناني.. ويعقوب صنوع المصري.. بداية ذات دلالة واضحة- المسرح ولد عربيا- ثم تأصل هذا الملمح العربي في مصر.. تعمق واتسع ممتدا إلي معظم الدول العربية شأن معظم اشكال الابداع والفكر.. حركة التأليف والنشر.. حركة الترجمة النهضة التعليمية والصحفية، ثم السينما ثم الدراما التليفزيونية.. وكل ما شكل ثقافة عربية معاصرة.. وكان المسرح المصري ضمن هذه المنظومة كرافد أساسي من روافد المسرح العربي داخل إطار أوسع هو الثقافة العربية المعاصرة التي ظلت ومازالت قائمة.. مهما كانت حولها الانواء ومهما كانت الخلافات المقيتة والصدوع في جدارها العتيق مهما بلغ اتساعها ومهما ألحقت بالشعوب من أذي وأثمان فادحة.. هي خط الدفاع الذي لا ينكسر. وللحديث بقية