المقدمة .. القاهرة تختنق.. الزحام وصل منتهاه.. المساحات الخضراء تآكلت وسط لهث المقاولين لاقامة ابراج سكنية بدلا من البيوت الواسعة ذات الحدائق. الزيادة المستمرة فى عدد السكان حولت حياة القاهريين إلى جحيم. هنا جاءت فكرة العاصمة الادارية الجديدة كأحد الحلول للتخفيف عن زحام القاهرة.. ثم عادت فكرة نقل المقابر والجبانات خارج الكتل السكنية لتحيى امل القاهرة فى العثور على متنفس حقيقى فى زمن خانق..»الاخبار« تخرج فكرة نقل المقابر خارج القاهرة للنقاش.. خاصة ان الفكرة ترجع إلى عام 1989 اثناء تولى المهندس حسب الله الكفراوى منصب وزير الاسكان والتعمير والمجتمعات العمرانية ثم عادت الفكرة للطرح من جديد عام 1993 عندما طلب عمر عبد الاخر محافظ القاهرة انذاك اعداد دراسة شاملة حولها وتجدد الفكرة مع الحديث عن وضع تصور شامل للقاهرة 2050. الصورة فى مناطق المقابر مأساوية. فقد احتل عشرات الالاف المدافن وحولوها إلى سكنى لهم بينما وجد البلطجية والمدمنون فيها مرتعا آمنا وساهم كل ذلك فى ارتفاع منسوب المياه الجوفية بالكثير من المقابر حتى اصبح مشهد الجثث الغارقة مألوفا هناك. أراض بالملايين تبحث عن الاستثمار، وتنادى أساتذة التخطيط، ليعيدوا رسم مدينة القاهرة، وخلق رئة جديدة تعيد لها الحيوية والجمال، أفكار عديدة طرحها الخبراء،، وقصص وحكايات لسكان المقابر، تستوجب التوقف، بحثا عن امل لاعادة الروح للقاهرة وساكنيها. هنا ومع سكان المقابر «الاخبار» تطرح مبادرة لعلنا نساهم فى ايقاظ حمرة الخجل لدى الحكومة فيتحرك من بيده الامر لانقاذ بشر احياء يعيشون مع الاموات فى احوال بالغة السوء وانقاذ كرامة الموتى والحفاظ على حرمتهم بعد أن طفت جثثهم فوق سطح المياه فهل يتحرك المسئولون قبل ان يأتي يوم موعود ينتقلون بالنعوش إلى عالم الاموات ليحاسبهم الله حسابا عسيرا لما ارتكبوه من اهمال فى حق العباد. بدأت «الاخبار» يومها بعمل جولة تفقدية مع سكان المقابر فالطريق إليها متهالك وغير مرصوف، على جانبيه أكوام «الرتش» ومخلفات البناء، السير عليه اشبه بالمهمة الصعبة، تحملنا مشقة الطريق وصعوبته حتى وصلنا إلى سكان العالم الآخر، واجهة المقابر لا توحى بانها اماكن لدفن الموتى، اصحاب ورش الرخام يعلقون منتجاتهم ولافتاتهم عليها، عيون المقابر مليئة بالمخلفات والقمامة والحيوانات النافقة. اما الطرق الداخلية المؤدية إلى المدافن أصبحت بركة من الطين والوحل بعد ان تشبعت بالمياه.. وفى زيارة لبعض المدافن من الداخل هناك اكتشفنا ان منسوب المياه داخل المقبرة بلغ أكثر من 3 أمتار وهذه هى المقابر التى لازالت محتفظة بتماسكها ولم تسقط رغم ان المياه تغمرها.. وفى المقابل منها مباشرة وجدنا العديد من المقابر التى «هدمت» واصبحت ركاما من التراب بعد أن اذابت الرطوبة حوائطها والبعض الآخر طغى علية الحشائش ولم يعد له اى وجود. وبالمرور بين المقابر وجدنا احدى المقابر او «الحواش» التى تبدو عليها الفخامة ولكن الاهمال يطغى على فخامتها لنرى صدوعا بين جدرانها والتراب يخيم عليها ويقف امامها رجلان الاول موظف بوزارة الاثار والاخر حارس للمدافن فاكتشفنا ان هذه هى مقابر لاسرة الملك فاروق. فالاهمال لم يصب على مقابر الفقراء فقط ولكن طال مقابر الاسرة المالكة التى لا يفرق بينها وبين المقابر العادية سوى 4 أمتار والتى تعد واحدة من العلامات البارزة والدالة على واحدة من أهم الحقب الزمنية فى تاريخ مصر، ورغم أهمية تلك المقابر ولكن طالها الاهمال لنجد ارضها مشبعة بالماء ووجود العديد من الشروخ بين الجدران ليؤكد ان المياه الجوفية قد تسللت إليها واصبحت مهددة بالانهيار فى اى لحظة كما رفض المسئولون بها تصويرها لعدم تسليط الاضواء عليها وإخفاء الامر. سألنا حارسها هل وزارة الآثار تهتم بها وتعتنى بها..فاجاب بنبرة حزن وأسى ان المقابر هنا مهملة لا يهتم بها احد على الرغم من انه مكان اثرى ويزوره عدد من المصريين والاجانب ليتعلموا الثقافة الاسلامية مؤكدا ان عدد السائحين الاجانب قبل الثورة كان عددهم كثيرا للغاية وكانت الوزارة تهتم بالمقابر الملكية وكانت مصدر دخل هام جدا لوزارة الاثار لان تذكرة الزائر الاجنبى وصلت إلى 25 جنيها اما الان وبعد الثورة انعدمت الزيارة نهائيا حتى المصريين امتنعوا تماما عن الزيارة. واضاف ان السبب الرئيسى فى قلة الزائرين هو ارتفاع المياة والتى زادت بشكل مخيف وان ارتفاع منسوب مياه بحيرة عين الصيرة هو السبب الأساسى وراء غزو المياه لمقابر الموتي، موضحا ان قيام أهالى حى مصر القديمة وحى الخليفة بإلقاء مياه الصرف الصحى فى البحيرة مع إلقائهم أيضا لمخلفات هدم أكثر من 20عمارة مخالفة بحى الخليفة تسبب فى زيادة منسوب مياه بحيرة عين الصيرة لتقتحم مياهها شارع شرطة الخيالة وتعطل الطريق وتصل إلى المدافن، مضيفة ان الحى لا يهتم بحالة المقابر وانهم يهتمون فقط بالشارع الرئيسى الذى تمر به السيارات موضحا ان الخوف والقلق ينتاب الزائرين خاصة الخطر الذى يبدأ مع حلول الليل حيث ينتشر البلطجية متعاطو المخدرات الذين يتخذون من المقابر ملجأ لهم. كارثة بيئية قالت سوزان الرامى احد سكان المقابر ان ما يحدث كارثة بيئية لان اختلاط المياه الجوفية بالجثث يؤدى إلى تحلل المواد العضوية وتعفنها، فتنتج عنها انبعاثات ضارة تسبب أمراضا خطيرة لسكان المناطق المجاورة، حيث تصيبهم الحساسية المزمنة والاختناقات وأمراض الصدر والجلدية وحساسية العيون، بالاضافة إلى تلوث الهواء فى هذه المناطق، وطالبت كل الجهات المعنية بهذا الموضوع التحرك سريعا لإنقاذ المقابر وانقاذ المياه الجوفية من التلوث ايضا. جثث غارقة اما ممدوح الروينى احد اصحاب المقابر اثناء قيامه بدفن احد اقاربه قال ان استمرار غرق جثث الموتى فى المياه هو حرام شرعا لأن الله كرم الانسان حيا وميتا، وحرمة الميت مثل حرمة الحى تماما، مضيفا انه لابد من اختيار اماكن ملائمة لدفن الموتى يكون لها « لحد وشق» كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وضرورة تعلية اماكن الدفن، ومن الواجب اذا تعرض المقابر للمياه أو أى اذى وجب نقلها فورا حفاظا على حرمة الموتى وحرمة الموت «وعظم التربة». فى النهاية إلى متى يظل الانسان مهانا فى حياته ومماته؟!..الى متى تصم الحكومة أذانها عن ضياع تاريخ مصر وتراثها من مقابر الاسرة الملكية واليهود والمشاهير.. لماذا لا تهتم بها وتحولها إلى مزارات سياحية تدر دخلا على مصر بدلا من تركها غارقة فى المياه تلوث البيئة وتهدر حرمة الاموات. داخل حوش كبير تقطن أم جمال «ملامح وجهها تدل على سنوات عمرها التى تصر إلى 65 عاما والتى استقبلتنا وفى وجهها ابتسامة صغير تخفى وراءها بحور من سنوات العذاب والمعاناة والياس والاحباط.. قالت بعد ان جلسنا بعد قامت بفرش «حصيرة» على الارض بجوار المقابر انها راضية بقضاء الله وقدرة فالستر وتربية أبنائها هما املها فى تلك الحياة البائسة..حياة عاشتها باكملها داخل تلك المقابر تتنقل من حوش لاخر بعد ان تقضى فيه زمن كبير وتقوم بالاعتناء به واصلاحة. واضافت وهى تبكى انها كلما انتقلت من حوش لاخر تحس بالحسرة والندم والحزن وذلك لعدم وجود استقرار الذى تطالبه من الحكومة فهى لم تطالب بتوفير مسكن فى منطقة راقية ولكنها ترد الاستقرار فى احد الاحواش فقط «»تعددت الاسباب والموت واحد» ضربت هذا المثل ولكن هذه المرة وهى تذكر اسباب انتقالها من حوش لاخر فتقول تارة نطرد من الحوش بسبب ان اصحابه لا يريدون اغراب وتارة نتركة بسبب انهيار الحوش عن طريق المياة الجوفية. بنت الصدقات فتحت عينيها على دفن الموتى وكان عمرها لا يتجاوز العام.. تربت وترعرعت وهى طفلة على الصدقات والرحمات واب يعمل ارزقيا وام تحاول حماية اطفالها من البلطجية الذين يهجمون على المقابر ليلا لتعاطى المخدرات او اغتصاب فتاه والكلاب الضالة المنتشرة بالمقابر.. فتزوجت برجل ارزقى ايضا كان يقطن احد الاحواش المجاورة تزوجت وانجبت فتاتين وواد قامت بتربيتهم بنفس الطريقة التى انشأت فيها. ولكن اختلف الزمان..الوقت الحالى لا يوجد لا رحمة ولا شفقة من اصحاب الاحواش عليهم على الرغم من التودد والتقرب منهم وخدمتهم فى الحوش والمنازل الخاصة بهم كى يشفقوا عليهم ويقبلوا ان يسكنوا هذا الحوش مؤكده ان اصعب اللحظات التى تمر بها ام جمال تلك اللحظات التى ياتى اليها اصحاب الحوش ليطرقوا بابها حتى يدفنوا احد ذويهم فتبدأ الهواجس فى مخيلتها من خروج هذا المتوفى من قبرة ليأخذها معه قائله والدموع تنهمر من عينيها انه وفى حالة دفن قتيل لابد من سماع صوت القتيل ليلا ولمدة 4 ايام.، حديث ام جمال معانا متقطع وهو ما لاحظناه فى بدأية لقائنا معها تتحدث برهة وتسكت الاخرى..سالناها عن صحتها فاكدت انها اصيبت بالربو وذلك بسبب الروائح الكريهة..علاجها الشهرى يتخطى 150 جنيها ولكنها لا تستطيع ان تصرف العلاج شهريا فياكل الربو فى جسدها النحيف..اطالب من السلطات ان يبذلوا قصارى جهدهم فى توفير الاستقرار فى حوش واحد باقى الحياة وان ادفن فيه ولا استطيع ان اطلب منهم ان ينقلونى لمكان اخر فلا استطيع ان اجد ما يساعدنى فينفق على. حديثنا مع «أحمد سعيد» 64 سنة يثبت لنا بالدليل المادى أن حلمه فى الخروج من المكان قد مات، لظروفه الصعبة مات الأمل بداخله منذ عقود، وترك روحه وحيدة بلا حلم تتحمل عبء جسده الثقيل إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولاً. الموت نعمة ويتساءل «سعيد»: بأسى «هو فين الموت»، معتبراً أن الموت امتياز لم يحصل عليه حتى الآن، فأموات المقابر أكثر راحة من أحيائها، بعد أن وجدت أرواحهم الخلاص، وتحررت من أجسادهم وشقائها. ويحكى لنا سعيد عن مأساته، وكيف انتهى به الحال إلى اليأس فى الخروج من المقابر قبل أن يدفن بها، قائلاً: «كان حلماً وانتهى» جاء سعيد من بنى سويف إلى مقابر القاهرة، ولم يتعد عمره السبع سنوات، جاء مع أبناء عمومته هرباً من الفقر، وراجياً فى الحياة الكثير، عمل سعيد فى الكثير من الأعمال البسيطة، التى اخترقت طفولته طولاً وعرضاً، ولم تحترم صغر أنامله، ودقة أطرافه، حتى تحول إلى رجل صغير «مسخة» على حد تعبيره، مرت سنوات طويلة دفنت خلالها طفولته، وبقى الأمل فى سنوات الشباب، عمل سعيد سائقاً وتزوج وأصبح أباً لأربعة أبناء، ومازال فى المقابر وكيف يخرج منها وهو بالكاد ينفق على أطفاله الأربعة. مأساة الحفيد «زياد» هو الحفيد الذى كتب له أن يكون بطل مأساة جده، والتى يزيد عمرها على 60 عاماً، هذا ما تخيلناه لكن الحقيقة أن مأساة الحفيد تتفوق على مأساة الجد، ف«زياد» يعيش طفولة يسير فيها المرض جنباً إلى جنب مع الفقر، وقلة حيلة الوالدين، وفى ظل حكومات متتالية لا تنظر إليه وأمثاله بعين الاعتبار يعانى ميدو مرض السكر ويبحث مع والدته يوميا عن العلاج المجانى، وإلا فالتسول وانتظار الإحسان ليضمن يوماً جديداً فى الحياة، وإن كانت بين الأموات. اخت زياد روان التى بلغت من العمر 13 عام انا اخدم فى المنازل لاساعد بالمصاريف على اسرتى وقد تركت التعليم فى الصف الثالث الابتدائى لكى اساعد امى واتمنى اكمال تعليمى حتى اعود إلى اصحابى واصدقائى مؤكده انها تشعر بالحزن الشديد عندما تشاهد البنات من جيلها يرفعن الحقائب المدرسية على ظهورهم ويذهبن إلى مدارسهم وعلى وجهه علامات الفرحة والسعادة مؤكدة ان احد اصدقائها عندما علمت انها تعيش داخل المقابر ابتعدت عنها لذلك اخفى عليهم مكان اقامتى «بيعايرونا». وسط الاموات فى أحضان احد المدافن ينعم بالراحة مع الأموات، وتعيش الحشرات والكلاب وكذلك «ماهر وعائلته»، ماهر قناوى يعيش فى المقابر منذ 50 عاماً، ويعتبر هذه الحياة نعمة من الله بعيداً عن الناس الذين تحركهم الأطماع، ويقضون حياتهم فى تدبير المكائد لبعضهم البعض، استسلم قناوى للعيش فى المقابر متخذاً هذه الحجج سنداً له، أمام عائلته وتبريراً لعجزه عن الخروج من المقابر.. فقد حاول قناوى كثيرا أن يحصل على شقة أو حتى غرفة صغيرة فى أى بقعة لا يسكنها الأموات، لكن «ما باليد حيلة»، وهو عامل بسيط يعمل على سد جوع 4 بنات وأمهن، وغير قادر على شراء شقة أو حتى تأجيرها. مما جعله لقمة سائغة فى أيدى باعة الوهم. لقد قدم «قناوى» لنا كومة من الأوراق التى دفع مقابلها مئات الجنيهات لكل من يأتى إليه بكذبة عن شقق الإسكان الشعبى. ويقول قناوى بأسى: «لو جالى رئيس الجمهورية وعرض علىّ شقة مش هصدقه»..وقال لن افقد الثقة فى ربنا فكل ما احلم به هى شقة تحمى اولادي الاربعة من البلطجية وتجار المخدرات. واخيرا شوقية احمد والتى بكت عندما سألناها ماذا حدث لك ولابنك والتى قالت انها تساعد زوجها فى تنظيف المقابر ولكن الاقدار كانت حليفتها حينما ذهبت لاحد الاحواش لتنظفه من البوص والخشب الموجود بها وبعد ان انتهت من تنظيفه بمساعدة ابنها قامت باشعال النار فى هذه المخلفات التى احرقتهما معا ولم تستطع انقاذ نفسها او ولدها. وفى ختام الجولة توجهت «الاخبار»الى الاهالى المجاورين للمقابر فقالت دنيا محمد والذى ظهر عليها علامات الحزن والاسئ من مجاورتها للمقابر انها طالبت هى وواخوتها من والدهم نقل مسكنهم بعيدا عن المقابر خاصة وان المقابر اصبحت مأوى للبلطجية وتجار المخدرات اضافة إلى ذلك عدم الامان لقيام العديد من البلطجية باغتصاب الفتيات بالمقابر. المقدمة .. القاهرة تختنق.. الزحام وصل منتهاه.. المساحات الخضراء تآكلت وسط لهث المقاولين لاقامة ابراج سكنية بدلا من البيوت الواسعة ذات الحدائق. الزيادة المستمرة فى عدد السكان حولت حياة القاهريين إلى جحيم. هنا جاءت فكرة العاصمة الادارية الجديدة كأحد الحلول للتخفيف عن زحام القاهرة.. ثم عادت فكرة نقل المقابر والجبانات خارج الكتل السكنية لتحيى امل القاهرة فى العثور على متنفس حقيقى فى زمن خانق..»الاخبار« تخرج فكرة نقل المقابر خارج القاهرة للنقاش.. خاصة ان الفكرة ترجع إلى عام 1989 اثناء تولى المهندس حسب الله الكفراوى منصب وزير الاسكان والتعمير والمجتمعات العمرانية ثم عادت الفكرة للطرح من جديد عام 1993 عندما طلب عمر عبد الاخر محافظ القاهرة انذاك اعداد دراسة شاملة حولها وتجدد الفكرة مع الحديث عن وضع تصور شامل للقاهرة 2050. الصورة فى مناطق المقابر مأساوية. فقد احتل عشرات الالاف المدافن وحولوها إلى سكنى لهم بينما وجد البلطجية والمدمنون فيها مرتعا آمنا وساهم كل ذلك فى ارتفاع منسوب المياه الجوفية بالكثير من المقابر حتى اصبح مشهد الجثث الغارقة مألوفا هناك. أراض بالملايين تبحث عن الاستثمار، وتنادى أساتذة التخطيط، ليعيدوا رسم مدينة القاهرة، وخلق رئة جديدة تعيد لها الحيوية والجمال، أفكار عديدة طرحها الخبراء،، وقصص وحكايات لسكان المقابر، تستوجب التوقف، بحثا عن امل لاعادة الروح للقاهرة وساكنيها. هنا ومع سكان المقابر «الاخبار» تطرح مبادرة لعلنا نساهم فى ايقاظ حمرة الخجل لدى الحكومة فيتحرك من بيده الامر لانقاذ بشر احياء يعيشون مع الاموات فى احوال بالغة السوء وانقاذ كرامة الموتى والحفاظ على حرمتهم بعد أن طفت جثثهم فوق سطح المياه فهل يتحرك المسئولون قبل ان يأتي يوم موعود ينتقلون بالنعوش إلى عالم الاموات ليحاسبهم الله حسابا عسيرا لما ارتكبوه من اهمال فى حق العباد. بدأت «الاخبار» يومها بعمل جولة تفقدية مع سكان المقابر فالطريق إليها متهالك وغير مرصوف، على جانبيه أكوام «الرتش» ومخلفات البناء، السير عليه اشبه بالمهمة الصعبة، تحملنا مشقة الطريق وصعوبته حتى وصلنا إلى سكان العالم الآخر، واجهة المقابر لا توحى بانها اماكن لدفن الموتى، اصحاب ورش الرخام يعلقون منتجاتهم ولافتاتهم عليها، عيون المقابر مليئة بالمخلفات والقمامة والحيوانات النافقة. اما الطرق الداخلية المؤدية إلى المدافن أصبحت بركة من الطين والوحل بعد ان تشبعت بالمياه.. وفى زيارة لبعض المدافن من الداخل هناك اكتشفنا ان منسوب المياه داخل المقبرة بلغ أكثر من 3 أمتار وهذه هى المقابر التى لازالت محتفظة بتماسكها ولم تسقط رغم ان المياه تغمرها.. وفى المقابل منها مباشرة وجدنا العديد من المقابر التى «هدمت» واصبحت ركاما من التراب بعد أن اذابت الرطوبة حوائطها والبعض الآخر طغى علية الحشائش ولم يعد له اى وجود. وبالمرور بين المقابر وجدنا احدى المقابر او «الحواش» التى تبدو عليها الفخامة ولكن الاهمال يطغى على فخامتها لنرى صدوعا بين جدرانها والتراب يخيم عليها ويقف امامها رجلان الاول موظف بوزارة الاثار والاخر حارس للمدافن فاكتشفنا ان هذه هى مقابر لاسرة الملك فاروق. فالاهمال لم يصب على مقابر الفقراء فقط ولكن طال مقابر الاسرة المالكة التى لا يفرق بينها وبين المقابر العادية سوى 4 أمتار والتى تعد واحدة من العلامات البارزة والدالة على واحدة من أهم الحقب الزمنية فى تاريخ مصر، ورغم أهمية تلك المقابر ولكن طالها الاهمال لنجد ارضها مشبعة بالماء ووجود العديد من الشروخ بين الجدران ليؤكد ان المياه الجوفية قد تسللت إليها واصبحت مهددة بالانهيار فى اى لحظة كما رفض المسئولون بها تصويرها لعدم تسليط الاضواء عليها وإخفاء الامر. سألنا حارسها هل وزارة الآثار تهتم بها وتعتنى بها..فاجاب بنبرة حزن وأسى ان المقابر هنا مهملة لا يهتم بها احد على الرغم من انه مكان اثرى ويزوره عدد من المصريين والاجانب ليتعلموا الثقافة الاسلامية مؤكدا ان عدد السائحين الاجانب قبل الثورة كان عددهم كثيرا للغاية وكانت الوزارة تهتم بالمقابر الملكية وكانت مصدر دخل هام جدا لوزارة الاثار لان تذكرة الزائر الاجنبى وصلت إلى 25 جنيها اما الان وبعد الثورة انعدمت الزيارة نهائيا حتى المصريين امتنعوا تماما عن الزيارة. واضاف ان السبب الرئيسى فى قلة الزائرين هو ارتفاع المياة والتى زادت بشكل مخيف وان ارتفاع منسوب مياه بحيرة عين الصيرة هو السبب الأساسى وراء غزو المياه لمقابر الموتي، موضحا ان قيام أهالى حى مصر القديمة وحى الخليفة بإلقاء مياه الصرف الصحى فى البحيرة مع إلقائهم أيضا لمخلفات هدم أكثر من 20عمارة مخالفة بحى الخليفة تسبب فى زيادة منسوب مياه بحيرة عين الصيرة لتقتحم مياهها شارع شرطة الخيالة وتعطل الطريق وتصل إلى المدافن، مضيفة ان الحى لا يهتم بحالة المقابر وانهم يهتمون فقط بالشارع الرئيسى الذى تمر به السيارات موضحا ان الخوف والقلق ينتاب الزائرين خاصة الخطر الذى يبدأ مع حلول الليل حيث ينتشر البلطجية متعاطو المخدرات الذين يتخذون من المقابر ملجأ لهم. كارثة بيئية قالت سوزان الرامى احد سكان المقابر ان ما يحدث كارثة بيئية لان اختلاط المياه الجوفية بالجثث يؤدى إلى تحلل المواد العضوية وتعفنها، فتنتج عنها انبعاثات ضارة تسبب أمراضا خطيرة لسكان المناطق المجاورة، حيث تصيبهم الحساسية المزمنة والاختناقات وأمراض الصدر والجلدية وحساسية العيون، بالاضافة إلى تلوث الهواء فى هذه المناطق، وطالبت كل الجهات المعنية بهذا الموضوع التحرك سريعا لإنقاذ المقابر وانقاذ المياه الجوفية من التلوث ايضا. جثث غارقة اما ممدوح الروينى احد اصحاب المقابر اثناء قيامه بدفن احد اقاربه قال ان استمرار غرق جثث الموتى فى المياه هو حرام شرعا لأن الله كرم الانسان حيا وميتا، وحرمة الميت مثل حرمة الحى تماما، مضيفا انه لابد من اختيار اماكن ملائمة لدفن الموتى يكون لها « لحد وشق» كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وضرورة تعلية اماكن الدفن، ومن الواجب اذا تعرض المقابر للمياه أو أى اذى وجب نقلها فورا حفاظا على حرمة الموتى وحرمة الموت «وعظم التربة». فى النهاية إلى متى يظل الانسان مهانا فى حياته ومماته؟!..الى متى تصم الحكومة أذانها عن ضياع تاريخ مصر وتراثها من مقابر الاسرة الملكية واليهود والمشاهير.. لماذا لا تهتم بها وتحولها إلى مزارات سياحية تدر دخلا على مصر بدلا من تركها غارقة فى المياه تلوث البيئة وتهدر حرمة الاموات. داخل حوش كبير تقطن أم جمال «ملامح وجهها تدل على سنوات عمرها التى تصر إلى 65 عاما والتى استقبلتنا وفى وجهها ابتسامة صغير تخفى وراءها بحور من سنوات العذاب والمعاناة والياس والاحباط.. قالت بعد ان جلسنا بعد قامت بفرش «حصيرة» على الارض بجوار المقابر انها راضية بقضاء الله وقدرة فالستر وتربية أبنائها هما املها فى تلك الحياة البائسة..حياة عاشتها باكملها داخل تلك المقابر تتنقل من حوش لاخر بعد ان تقضى فيه زمن كبير وتقوم بالاعتناء به واصلاحة. واضافت وهى تبكى انها كلما انتقلت من حوش لاخر تحس بالحسرة والندم والحزن وذلك لعدم وجود استقرار الذى تطالبه من الحكومة فهى لم تطالب بتوفير مسكن فى منطقة راقية ولكنها ترد الاستقرار فى احد الاحواش فقط «»تعددت الاسباب والموت واحد» ضربت هذا المثل ولكن هذه المرة وهى تذكر اسباب انتقالها من حوش لاخر فتقول تارة نطرد من الحوش بسبب ان اصحابه لا يريدون اغراب وتارة نتركة بسبب انهيار الحوش عن طريق المياة الجوفية. بنت الصدقات فتحت عينيها على دفن الموتى وكان عمرها لا يتجاوز العام.. تربت وترعرعت وهى طفلة على الصدقات والرحمات واب يعمل ارزقيا وام تحاول حماية اطفالها من البلطجية الذين يهجمون على المقابر ليلا لتعاطى المخدرات او اغتصاب فتاه والكلاب الضالة المنتشرة بالمقابر.. فتزوجت برجل ارزقى ايضا كان يقطن احد الاحواش المجاورة تزوجت وانجبت فتاتين وواد قامت بتربيتهم بنفس الطريقة التى انشأت فيها. ولكن اختلف الزمان..الوقت الحالى لا يوجد لا رحمة ولا شفقة من اصحاب الاحواش عليهم على الرغم من التودد والتقرب منهم وخدمتهم فى الحوش والمنازل الخاصة بهم كى يشفقوا عليهم ويقبلوا ان يسكنوا هذا الحوش مؤكده ان اصعب اللحظات التى تمر بها ام جمال تلك اللحظات التى ياتى اليها اصحاب الحوش ليطرقوا بابها حتى يدفنوا احد ذويهم فتبدأ الهواجس فى مخيلتها من خروج هذا المتوفى من قبرة ليأخذها معه قائله والدموع تنهمر من عينيها انه وفى حالة دفن قتيل لابد من سماع صوت القتيل ليلا ولمدة 4 ايام.، حديث ام جمال معانا متقطع وهو ما لاحظناه فى بدأية لقائنا معها تتحدث برهة وتسكت الاخرى..سالناها عن صحتها فاكدت انها اصيبت بالربو وذلك بسبب الروائح الكريهة..علاجها الشهرى يتخطى 150 جنيها ولكنها لا تستطيع ان تصرف العلاج شهريا فياكل الربو فى جسدها النحيف..اطالب من السلطات ان يبذلوا قصارى جهدهم فى توفير الاستقرار فى حوش واحد باقى الحياة وان ادفن فيه ولا استطيع ان اطلب منهم ان ينقلونى لمكان اخر فلا استطيع ان اجد ما يساعدنى فينفق على. حديثنا مع «أحمد سعيد» 64 سنة يثبت لنا بالدليل المادى أن حلمه فى الخروج من المكان قد مات، لظروفه الصعبة مات الأمل بداخله منذ عقود، وترك روحه وحيدة بلا حلم تتحمل عبء جسده الثقيل إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولاً. الموت نعمة ويتساءل «سعيد»: بأسى «هو فين الموت»، معتبراً أن الموت امتياز لم يحصل عليه حتى الآن، فأموات المقابر أكثر راحة من أحيائها، بعد أن وجدت أرواحهم الخلاص، وتحررت من أجسادهم وشقائها. ويحكى لنا سعيد عن مأساته، وكيف انتهى به الحال إلى اليأس فى الخروج من المقابر قبل أن يدفن بها، قائلاً: «كان حلماً وانتهى» جاء سعيد من بنى سويف إلى مقابر القاهرة، ولم يتعد عمره السبع سنوات، جاء مع أبناء عمومته هرباً من الفقر، وراجياً فى الحياة الكثير، عمل سعيد فى الكثير من الأعمال البسيطة، التى اخترقت طفولته طولاً وعرضاً، ولم تحترم صغر أنامله، ودقة أطرافه، حتى تحول إلى رجل صغير «مسخة» على حد تعبيره، مرت سنوات طويلة دفنت خلالها طفولته، وبقى الأمل فى سنوات الشباب، عمل سعيد سائقاً وتزوج وأصبح أباً لأربعة أبناء، ومازال فى المقابر وكيف يخرج منها وهو بالكاد ينفق على أطفاله الأربعة. مأساة الحفيد «زياد» هو الحفيد الذى كتب له أن يكون بطل مأساة جده، والتى يزيد عمرها على 60 عاماً، هذا ما تخيلناه لكن الحقيقة أن مأساة الحفيد تتفوق على مأساة الجد، ف«زياد» يعيش طفولة يسير فيها المرض جنباً إلى جنب مع الفقر، وقلة حيلة الوالدين، وفى ظل حكومات متتالية لا تنظر إليه وأمثاله بعين الاعتبار يعانى ميدو مرض السكر ويبحث مع والدته يوميا عن العلاج المجانى، وإلا فالتسول وانتظار الإحسان ليضمن يوماً جديداً فى الحياة، وإن كانت بين الأموات. اخت زياد روان التى بلغت من العمر 13 عام انا اخدم فى المنازل لاساعد بالمصاريف على اسرتى وقد تركت التعليم فى الصف الثالث الابتدائى لكى اساعد امى واتمنى اكمال تعليمى حتى اعود إلى اصحابى واصدقائى مؤكده انها تشعر بالحزن الشديد عندما تشاهد البنات من جيلها يرفعن الحقائب المدرسية على ظهورهم ويذهبن إلى مدارسهم وعلى وجهه علامات الفرحة والسعادة مؤكدة ان احد اصدقائها عندما علمت انها تعيش داخل المقابر ابتعدت عنها لذلك اخفى عليهم مكان اقامتى «بيعايرونا». وسط الاموات فى أحضان احد المدافن ينعم بالراحة مع الأموات، وتعيش الحشرات والكلاب وكذلك «ماهر وعائلته»، ماهر قناوى يعيش فى المقابر منذ 50 عاماً، ويعتبر هذه الحياة نعمة من الله بعيداً عن الناس الذين تحركهم الأطماع، ويقضون حياتهم فى تدبير المكائد لبعضهم البعض، استسلم قناوى للعيش فى المقابر متخذاً هذه الحجج سنداً له، أمام عائلته وتبريراً لعجزه عن الخروج من المقابر.. فقد حاول قناوى كثيرا أن يحصل على شقة أو حتى غرفة صغيرة فى أى بقعة لا يسكنها الأموات، لكن «ما باليد حيلة»، وهو عامل بسيط يعمل على سد جوع 4 بنات وأمهن، وغير قادر على شراء شقة أو حتى تأجيرها. مما جعله لقمة سائغة فى أيدى باعة الوهم. لقد قدم «قناوى» لنا كومة من الأوراق التى دفع مقابلها مئات الجنيهات لكل من يأتى إليه بكذبة عن شقق الإسكان الشعبى. ويقول قناوى بأسى: «لو جالى رئيس الجمهورية وعرض علىّ شقة مش هصدقه»..وقال لن افقد الثقة فى ربنا فكل ما احلم به هى شقة تحمى اولادي الاربعة من البلطجية وتجار المخدرات. واخيرا شوقية احمد والتى بكت عندما سألناها ماذا حدث لك ولابنك والتى قالت انها تساعد زوجها فى تنظيف المقابر ولكن الاقدار كانت حليفتها حينما ذهبت لاحد الاحواش لتنظفه من البوص والخشب الموجود بها وبعد ان انتهت من تنظيفه بمساعدة ابنها قامت باشعال النار فى هذه المخلفات التى احرقتهما معا ولم تستطع انقاذ نفسها او ولدها. وفى ختام الجولة توجهت «الاخبار»الى الاهالى المجاورين للمقابر فقالت دنيا محمد والذى ظهر عليها علامات الحزن والاسئ من مجاورتها للمقابر انها طالبت هى وواخوتها من والدهم نقل مسكنهم بعيدا عن المقابر خاصة وان المقابر اصبحت مأوى للبلطجية وتجار المخدرات اضافة إلى ذلك عدم الامان لقيام العديد من البلطجية باغتصاب الفتيات بالمقابر.