من القضايا التي أثيرت مع صعود تيار الإسلام السياسي للحكم ولم تهدأ بعد ذلك أبداً قضية الزواج المبكر للفتيات، وضرورة إلغاء الحد الأدني لسن الزواج، وأصحاب هذا الرأي يستشهدون بزواج النبي صلي الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها. ولهم في ذلك سند من حديث نبوي جاء في البخاري ومسلم، نصه : »تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ - أي : أصبتُ بوعكة - فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّي أَوْقَفَتْنِي عَلَي بَابِ الدَّارِ وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّي سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ : عَلَي الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَي خَيْرِ طَائِرٍ. فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًي فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ) رواه البخاري (3894) ومسلم (1422) » هذا الحديث هو سند من يقولون بضرورة العودة للزواج المبكر للفتيات، لكن بعض الباحثين قاموا بحساب السنين ورأوا خطأً في الحساب وقالوا إن السيدة عائشة تزوجت وهي ابنة سبعة عشر عاماً. وراح أصحاب الرأيين يتناحران. كل منهما يريد أن يثبت صحة رأيه. إلا أننا نريد مناقشة الموضوع بعيداً عن هذين الرأيين، مناقشة تعتمد علي الظرف التاريخي والعادات الاجتماعية المرتبطة بوقت معين. الزواج المبكر للبنين والبنات كان أمراً معروفاً قديماً، ويقال إن الفرق بين عمرو بن العاص وابنه عبد الله كان إثني عشر عاماً، ومعني هذا أن عمرواً تزوج وهو في الحادية عشرة. ولم يكن الزواج المبكر معروفاً في الحجاز فقط، بل كان منتشراً في كل بلاد الدنيا، ومن المؤكد أن مصر أيضاً عرفت الزواج المبكر في الفترات السابقة، بل إنه مستمر حتي الآن في بعض القري رغم القوانين التي تحرمه. وفي رأيي أن الزواج المبكر في العصور السابقة كانت له أسبابه، وأول هذه الأسباب : انخفاض متوسط عمر الإنسان، فالناس كانوا يموتون صغاراً، لذلك حرصت الأسر علي زواج أبنائها في سن مبكرة. السبب الثاني للزواج المبكر كان : الأوبئة التي تمسح الناس من علي وجه الأرض مسحاً، وقد كتب ابن إياس في بدائع الزهور عن وباء أصاب مصر فقال إن الرجل كان يمشي من الجامع الأزهر حتي الفسطاط فلا يري إنساناً، وأن الأرض لم تكن تجد من يزرعها. باختصار كان الزواج المبكر وسيلة للحفاظ علي النوع البشري من الفناء. السبب الثالث للزواج المبكر كان : رغبة الآباء في التخفف من بعض الأعباء الاقتصادية، فزواج البنت يرفع عن الأب نفقاتها. لكل هذه الأسباب كان الزواج المبكر ضرورة في الماضي، لكن الدنيا تغيرت، فطال عمر الإنسان بسبب الرعاية الصحية وتقدم العلوم الطبية. وتراجعت الأوبئة بسبب الإجراءات الوقائية واختراع المضادات الحيوية. ثم إن تأخر سن الزواج بالنسبة للبنت التي تتعلم صار ضرورةً ؛ وبعد أن خرجت الفتيات للعمل لم يعد الزواج المبكر هدفاً للأسر الفقيرة التي قد تعتمد علي ما تكسبه البنت من المال. باختصار انتهت مبررات الزواج المبكر إلي حد كبير، وإذا زال السبب فلابد أن تتغير النتائج. وبناء علي هذا فإن التمسح بقصة عائشة ليس سوي ستار يخفي رغبة بعض الآباء في التسلط علي بناتهم باسم الدين لا أكثر. من القضايا التي أثيرت مع صعود تيار الإسلام السياسي للحكم ولم تهدأ بعد ذلك أبداً قضية الزواج المبكر للفتيات، وضرورة إلغاء الحد الأدني لسن الزواج، وأصحاب هذا الرأي يستشهدون بزواج النبي صلي الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها. ولهم في ذلك سند من حديث نبوي جاء في البخاري ومسلم، نصه : »تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ - أي : أصبتُ بوعكة - فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّي أَوْقَفَتْنِي عَلَي بَابِ الدَّارِ وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّي سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ : عَلَي الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَي خَيْرِ طَائِرٍ. فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًي فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ) رواه البخاري (3894) ومسلم (1422) » هذا الحديث هو سند من يقولون بضرورة العودة للزواج المبكر للفتيات، لكن بعض الباحثين قاموا بحساب السنين ورأوا خطأً في الحساب وقالوا إن السيدة عائشة تزوجت وهي ابنة سبعة عشر عاماً. وراح أصحاب الرأيين يتناحران. كل منهما يريد أن يثبت صحة رأيه. إلا أننا نريد مناقشة الموضوع بعيداً عن هذين الرأيين، مناقشة تعتمد علي الظرف التاريخي والعادات الاجتماعية المرتبطة بوقت معين. الزواج المبكر للبنين والبنات كان أمراً معروفاً قديماً، ويقال إن الفرق بين عمرو بن العاص وابنه عبد الله كان إثني عشر عاماً، ومعني هذا أن عمرواً تزوج وهو في الحادية عشرة. ولم يكن الزواج المبكر معروفاً في الحجاز فقط، بل كان منتشراً في كل بلاد الدنيا، ومن المؤكد أن مصر أيضاً عرفت الزواج المبكر في الفترات السابقة، بل إنه مستمر حتي الآن في بعض القري رغم القوانين التي تحرمه. وفي رأيي أن الزواج المبكر في العصور السابقة كانت له أسبابه، وأول هذه الأسباب : انخفاض متوسط عمر الإنسان، فالناس كانوا يموتون صغاراً، لذلك حرصت الأسر علي زواج أبنائها في سن مبكرة. السبب الثاني للزواج المبكر كان : الأوبئة التي تمسح الناس من علي وجه الأرض مسحاً، وقد كتب ابن إياس في بدائع الزهور عن وباء أصاب مصر فقال إن الرجل كان يمشي من الجامع الأزهر حتي الفسطاط فلا يري إنساناً، وأن الأرض لم تكن تجد من يزرعها. باختصار كان الزواج المبكر وسيلة للحفاظ علي النوع البشري من الفناء. السبب الثالث للزواج المبكر كان : رغبة الآباء في التخفف من بعض الأعباء الاقتصادية، فزواج البنت يرفع عن الأب نفقاتها. لكل هذه الأسباب كان الزواج المبكر ضرورة في الماضي، لكن الدنيا تغيرت، فطال عمر الإنسان بسبب الرعاية الصحية وتقدم العلوم الطبية. وتراجعت الأوبئة بسبب الإجراءات الوقائية واختراع المضادات الحيوية. ثم إن تأخر سن الزواج بالنسبة للبنت التي تتعلم صار ضرورةً ؛ وبعد أن خرجت الفتيات للعمل لم يعد الزواج المبكر هدفاً للأسر الفقيرة التي قد تعتمد علي ما تكسبه البنت من المال. باختصار انتهت مبررات الزواج المبكر إلي حد كبير، وإذا زال السبب فلابد أن تتغير النتائج. وبناء علي هذا فإن التمسح بقصة عائشة ليس سوي ستار يخفي رغبة بعض الآباء في التسلط علي بناتهم باسم الدين لا أكثر.