موجه من التفاؤل عمت الشارع المصري في أغلبه.. والشارع العربي، حين أُعلن عن الموافقة علي الاقتراح المصري المتكرر بإنشاء قوة عربية مشتركة.. حلم قديم وصوت غائب.. فهل يصل هذا الحلم المحلّق إلي الواقع أخيراً؟ وإن تحقق فهل نحن أمام بداية صحوة عربية غابت طويلاً؟.. أظن أننا بصدد تحول في واقع تلك الأمة فعلاً ولا أظن أن البداية بتجمّع تلك القوة علي نحو مدروس يمكن أن يتكرر معه إجهاض المحاولة كما حدث عام 1964 عندما طرح بقوة في مؤتمر قمة عربي وتحددت له بالفعل آلية وقيادة الفريق علي علي عامر لا أظن أن الفشل سيتكرر لأسباب عدة في صدارتها أننا بإزاء إفاقة علي تهديد للوجود العربي.. نعم إنها أقرب إلي غلبة غريزة البقاء.. تستيقظ في القلب العربي أمام تهديد مروّع بالتشظي الكامل والفناء.. ولكن.. أن تصبح صحوة مكتملة تتجاوز مجرد غريزة البقاء، فهي تحتاج إلي ميلاد وعي وفكر جديد بمراجعة شجاعة.. مراجعة تواجه كل ما تراكم بيدنا أو بتدبير من الآخرين دون مقاومة، قانعين بما نطمئن إليه من سُبات وثوابت خادعة جعلت منّا الأكثر تخلفاً والأكثر انتهاباً من كل طامع ومتآمر.. والأكثر فرقة وتشرذماً.. علماً بأن أعداء تلك الأمة يعتمدون علي ضعفها ذلك، وليس علي قوتها.. وراجع مقولات زعماء الصهيونية. الحق أن منبت ضعف الأمة العربية.. يكمن في الفكر.. وحين كتب الدكتور طه حسين مؤلفه المهم »عن الشعر الجاهلي» لم يكن في الحقيقة مبحثاً في الشعر العربي الجاهلي.. بل كان مبحثاً طموحاً في نقد العقل العربي، ودعوة لثورة تنسحب علي كل ما هو جامد ومتكلّس في الفكر العربي منطلقاً من منهج الشك الديكارتي والذي يشرحه ببساطة حين يقول: »أن نضع علم المتقدمين كله موضع شك.. وصولاً إلي اليقين أو الرجحان». وفي استقصاء للصورة منذ الفتنة الكبري وتملك بني أمية الحكم وفقاً لتحليل د. طه حسين أيضاً نجد أن ارتباطاً شرطياً بين الاستبداد الذي وُلد بعد حكم إسلامي رشيد.. وبين التخلف والتعصب والانغلاق.. وأيضاًالعنف وبحور الدم في مراحل كثيرة من تاريخ بعيد وقريب وقائم! لقد بدأت الدولة الإسلامية بداية تمثل فجراً جديداً في عالم تغوّل فيه الكبار الفروس والروم وارتفع فيه زئير الغابة ومبدأ القوة الغاشمة، ولكن هذه البداية المضيئة سرعان ما تحولت حين أطل الاستبداد، ويحكي لنا د. طه حسين في »الفتنة الكبري» كيف أن بني أمية ظل صراعهم القديم علي السيادة مع بني هاشم إلي أن تمكنوا من الحكم فتحول الحكم الإسلامي الرشيد إلي ملك عضوض.. من وقتها صار التطرف والعنف مصاحباً لحكم بني أمية.. وهنا يأتي الحديث عن فرق الخوارج المتعددة والتي مهما تعددت واختلفت في بعض التفاصيل إلا أن جوهرها الدموي واحد، ولم يكن هناك استثناء في صدامهم مع دولة بني أمية إلا مع حكم »عمر بن عبدالعزيز» الذي وفر مجتمعاً إسلامياً مستقراً وفقاً لحكم رشيد كفّ عنه عنف الخوارج نسبياً ومؤقتاً. ومع انقضاض العباسيين علي الأمويين بشكل دموي وقيام الدولة العباسية علي نفس النهج، واستمرار تيار الصدام والعنف.. حتي أخذت الخلافة الإسلامية منذ منتصف القرن الثالث الهجري كما يستحضر علي عبدالرازق »تنقص من أطرافها حتي لم تعد تتجاوز دائرة ضيقة حول بغداد وصارت خراسان وما وراء النهر لابن سامان وذريته من بعده، واليمن لابن طباطبا، وأصفهان وفارس لبني بويه، والبحرين وعمان لفرع من عائلة القرامطة كدولة مستقلة كان القرامطة حركة متطرفة والأهواز وواسط لمعز الدولة، وحلب لسيف الدولة، ومصر لأحمد بن طولون ومن بعده للملوك الذين تغلبوا عليها وامتلكوهاه واستقلوا بحكمها.. حصل ذلك يقول علي عبدالرازق فما كان الدين يومئذ في بغداد مقر الخلافة خيراً منه في غيرها من البلاد التي انسلخت عن الخلافة، ولا كانت شعائره أظهر ولا كان شأنه أكبر.. ولا كانت الدنيا في بغداد أحسن.. ولا كان شأن الرعية أصلح!!» وتهوي الخلافة عن بغداد في منتصف القرن السابع الهجري حين هاجمها التتار وقتلوا المستعصم ومن معه.. أما الخلافة العثمانية وما فعلته بنا فلها قصة.. ولكن مأساة المسلمين تكتمل فيما تلا.. حين يأتي الغرب ليستخدم لعبة الخلافة والإمامة في إحكام سيطرته وتلك قصة أخري. موجه من التفاؤل عمت الشارع المصري في أغلبه.. والشارع العربي، حين أُعلن عن الموافقة علي الاقتراح المصري المتكرر بإنشاء قوة عربية مشتركة.. حلم قديم وصوت غائب.. فهل يصل هذا الحلم المحلّق إلي الواقع أخيراً؟ وإن تحقق فهل نحن أمام بداية صحوة عربية غابت طويلاً؟.. أظن أننا بصدد تحول في واقع تلك الأمة فعلاً ولا أظن أن البداية بتجمّع تلك القوة علي نحو مدروس يمكن أن يتكرر معه إجهاض المحاولة كما حدث عام 1964 عندما طرح بقوة في مؤتمر قمة عربي وتحددت له بالفعل آلية وقيادة الفريق علي علي عامر لا أظن أن الفشل سيتكرر لأسباب عدة في صدارتها أننا بإزاء إفاقة علي تهديد للوجود العربي.. نعم إنها أقرب إلي غلبة غريزة البقاء.. تستيقظ في القلب العربي أمام تهديد مروّع بالتشظي الكامل والفناء.. ولكن.. أن تصبح صحوة مكتملة تتجاوز مجرد غريزة البقاء، فهي تحتاج إلي ميلاد وعي وفكر جديد بمراجعة شجاعة.. مراجعة تواجه كل ما تراكم بيدنا أو بتدبير من الآخرين دون مقاومة، قانعين بما نطمئن إليه من سُبات وثوابت خادعة جعلت منّا الأكثر تخلفاً والأكثر انتهاباً من كل طامع ومتآمر.. والأكثر فرقة وتشرذماً.. علماً بأن أعداء تلك الأمة يعتمدون علي ضعفها ذلك، وليس علي قوتها.. وراجع مقولات زعماء الصهيونية. الحق أن منبت ضعف الأمة العربية.. يكمن في الفكر.. وحين كتب الدكتور طه حسين مؤلفه المهم »عن الشعر الجاهلي» لم يكن في الحقيقة مبحثاً في الشعر العربي الجاهلي.. بل كان مبحثاً طموحاً في نقد العقل العربي، ودعوة لثورة تنسحب علي كل ما هو جامد ومتكلّس في الفكر العربي منطلقاً من منهج الشك الديكارتي والذي يشرحه ببساطة حين يقول: »أن نضع علم المتقدمين كله موضع شك.. وصولاً إلي اليقين أو الرجحان». وفي استقصاء للصورة منذ الفتنة الكبري وتملك بني أمية الحكم وفقاً لتحليل د. طه حسين أيضاً نجد أن ارتباطاً شرطياً بين الاستبداد الذي وُلد بعد حكم إسلامي رشيد.. وبين التخلف والتعصب والانغلاق.. وأيضاًالعنف وبحور الدم في مراحل كثيرة من تاريخ بعيد وقريب وقائم! لقد بدأت الدولة الإسلامية بداية تمثل فجراً جديداً في عالم تغوّل فيه الكبار الفروس والروم وارتفع فيه زئير الغابة ومبدأ القوة الغاشمة، ولكن هذه البداية المضيئة سرعان ما تحولت حين أطل الاستبداد، ويحكي لنا د. طه حسين في »الفتنة الكبري» كيف أن بني أمية ظل صراعهم القديم علي السيادة مع بني هاشم إلي أن تمكنوا من الحكم فتحول الحكم الإسلامي الرشيد إلي ملك عضوض.. من وقتها صار التطرف والعنف مصاحباً لحكم بني أمية.. وهنا يأتي الحديث عن فرق الخوارج المتعددة والتي مهما تعددت واختلفت في بعض التفاصيل إلا أن جوهرها الدموي واحد، ولم يكن هناك استثناء في صدامهم مع دولة بني أمية إلا مع حكم »عمر بن عبدالعزيز» الذي وفر مجتمعاً إسلامياً مستقراً وفقاً لحكم رشيد كفّ عنه عنف الخوارج نسبياً ومؤقتاً. ومع انقضاض العباسيين علي الأمويين بشكل دموي وقيام الدولة العباسية علي نفس النهج، واستمرار تيار الصدام والعنف.. حتي أخذت الخلافة الإسلامية منذ منتصف القرن الثالث الهجري كما يستحضر علي عبدالرازق »تنقص من أطرافها حتي لم تعد تتجاوز دائرة ضيقة حول بغداد وصارت خراسان وما وراء النهر لابن سامان وذريته من بعده، واليمن لابن طباطبا، وأصفهان وفارس لبني بويه، والبحرين وعمان لفرع من عائلة القرامطة كدولة مستقلة كان القرامطة حركة متطرفة والأهواز وواسط لمعز الدولة، وحلب لسيف الدولة، ومصر لأحمد بن طولون ومن بعده للملوك الذين تغلبوا عليها وامتلكوهاه واستقلوا بحكمها.. حصل ذلك يقول علي عبدالرازق فما كان الدين يومئذ في بغداد مقر الخلافة خيراً منه في غيرها من البلاد التي انسلخت عن الخلافة، ولا كانت شعائره أظهر ولا كان شأنه أكبر.. ولا كانت الدنيا في بغداد أحسن.. ولا كان شأن الرعية أصلح!!» وتهوي الخلافة عن بغداد في منتصف القرن السابع الهجري حين هاجمها التتار وقتلوا المستعصم ومن معه.. أما الخلافة العثمانية وما فعلته بنا فلها قصة.. ولكن مأساة المسلمين تكتمل فيما تلا.. حين يأتي الغرب ليستخدم لعبة الخلافة والإمامة في إحكام سيطرته وتلك قصة أخري.