نعم كنت أتمني أن يكون النظام السياسي في »مصر» نظامًا برلمانيًا فيه رئيس دولة يملك ولا يحكم ولكنه يعبَّر عن سيادة الدولة ويعتبر رمزها الأول »مراسميًا» ويقف حكمًا شامخًا بين السلطات كنت أتمني ومازلت أن يصبح النظام السياسي في »مصر» نظامًا برلمانيًا يقوم علي مجموعة أحزابٍ متنافسة تختلف في توجهاتها اختلافًا كبيرًا فيكون هناك علي سبيل المثال حزبٌ ينحاز لعروبة مصر وحزب آخر يتحدث عن شخصية مصر الفريدة ويري أنه لا أمل في المستقبل إلا إذا أخذنا بالأسلوب العلمي في التفكير الذي يركز علي »مصر أولاً» قبل غيرها، ولكن ذلك كله للأسف لم يحدث ولكن تبقي »مصر» في النهاية سيدة اختيارها مهما كانت الظروف المحيطة بها ولذلك فإنه يتعيّن علينا طرح أفكار تضيء الطريق نحو المستقبل كي لا نكون أسري الماضي مهما كان بريقه، نعم كنت أتمني أن يكون النظام السياسي في »مصر» نظامًا برلمانيًا فيه رئيس دولة يملك ولا يحكم ولكنه يعبَّر عن سيادة الدولة ويعتبر رمزها الأول »مراسميًا» ويقف حكمًا شامخًا بين السلطات وليكن صاحب تجربة عريضة وخبرة طويلة يصل إلي منصبه تكريمًا لتاريخه المتميز وقد يكون قاضيًا سابقًا أو ضابطًا متقاعدًا أو دبلوماسيًا وراءه تاريخ حافل أو مواطنًا خدم دولته في جهازها الإداري بنزاهةٍ وشرف واكتسب خبراتٍ مشهودة من بينها قدرته علي التعامل مع رؤساء الدول وملوكها مع إجادة لغة أجنبية، ولقد فكرت شخصيًا من قبل في بعض الرموز مثل الراحلين »عزيز صدقي» و»مصطفي خليل» و»عبد العزيز حجازي» و»أحمد عصمت عبد المجيد» والفريق »سعد الشاذلي» والمستشار »وجدي عبد الصمد» ومن الأحياء أطال الله أعمارهم »بطرس بطرس غالي» و»محمد حسنين هيكل» و»إبراهيم بدران» و»أحمد كمال أبو المجد» و»عمرو موسي» و»كمال الجنزوري» وغير هؤلاء وأولئك من رموز الوطن الذين تذخر بهم سجلات مصر الحديثة علي أن يتولي رئاسة الحكومة من يرشحه الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية أو القادر علي إحداث ائتلافٍ مع غيره يسمح بإبراز شخصيةٍ توافقية ذات كفاءة يكون أقرب إلي الشباب منه إلي الشيوخ ولديه حيوية دافقة وخبرات اقتصادية ومالية ودبلوماسية مشهودة ويكون قادرًا علي مواجهة الأحداث العاصفة والأزمات الطارئة والمواقف الصعبة علي أن يكون تغييره سهلاً بسحب الثقة من حكومته في البرلمان عندما يكون ذلك ضروريًا، وإذا كان رئيس الجمهورية هو الأول مراسميًا فإن رئيس الوزراء هو الأول سياسيًا وبذلك يتحقق التوازن المطلوب قرب قمة هرم الحكم ويصبح الباب مفتوحًا لتداول السلطة ودوران النخبة وذلك أمر رائع ولكنه يحتاج إلي أحزابٍ سياسية قوية وذات مسؤولية انتخابية واضحة وتتمتع بوجودٍ في الشارع المصري يسمح لها بأن تفرز قياداتٍ واعية وكوادر مدربة تصل إلي الشارع في سهولةٍ ويسر وذلك أمر مفقود تمامًا في »مصر» وهو الذي يجعل تطبيق النظام البرلماني لدينا صعبًا بل ومستحيلاً في الظروف الراهنة ويحتاج في هذه الحالة إلي إعدادٍ طويل عبر عشرات السنين يتم خلالها دعم الأحزاب السياسية وفتح مجالات العمل أمامها وإعطاؤها دورًا أكبر بالمشاركة الفعالة والمشاورات الدائمة في القرارات المختلفة، ولا بأس من أن تصبح »مصر» كلها دائرة انتخابية واحدة بحيث تتنافس في الانتخابات البرلمانية والرئاسية قائمة كل حزب ويتم ترتيب البيت من الداخل وفقًا لنتائج تلك الانتخابات حتي يصبح »البرلمان» تعبيرًا سليمًا عن إرادة المصريين بلا تفرقة أو تمييز، وليس فيما أقوله اختراع جديد فالبلاد الثلاثة التي خدمت فيها دبلوماسيًا وهي »بريطانيا» و»الهند»و»النمسا» تأخذ بذلك النظام البرلماني الذي يؤدي إلي استقرار سياسي وتوازن كامل بين السلطات والصلاحيات والمسؤوليات ويفتح الباب أمام التفرغ لمواجهة الأزمات والمشكلات والتحديات بحيث تصبح خريطة الحكم واضحة لكل ذي عينين كما أن الاستقرار السياسي مرتبط إلي حدٍ كبير بالأنظمة البرلمانية التي يتحقق لها نوعٌ من الاستمرار ولا تعرف الانقلابات العسكرية لأنه لا توجد فيها »سلطة منفردة» يمكن الانقلاب عليها، كما أن الجيش فيها يظل مؤسسة السيادة الأولي ورمزًا للكبرياء الوطني ويصبح بحق درع الأمة وسيفها، وليس ذلك غريبًا علي »مصر» التي عرفت نظامًا »شبه برلماني» في الفترة »الليبرالية» بين الثورتين 1919 و1952 في ظل ملكية دستورية حققت بعض أهداف الجمهورية البرلمانية ولست أزعم أن الأوضاع في تلك الفترة كانت مثالية لأن »مصر» كانت تحت »الاحتلال الأجنبي» كما أن »القصر» كان يتدخل فيما لايعنيه ويتجاوز سلطاته تحت مبرر أن »الذات الملكية» لا تُمس وأن العيب فيها جريمة تطاول من يتفوه بها حتي ولو كان أديبًا كبيرًا في تاريخنا المعاصر بحجم »عباس محمود العقاد» عندما أشار إلي إمكانية التصدي لأكبر رأسٍ في البلاد قاصدًا الملك »فؤاد» فلم يفلت »العقاد» من العقاب! ولنا أن نتصور »مصر» بعد سنواتٍ قادمة وليس فيها احتلالٌ أجنبي يحكم ولا قصرٌ ملكي يتدخل وتكون قد تكونت لديها أحزابٌ سياسية قادرة علي اضطلاع بمسؤولياتها في ظل مناخٍ سياسي صحي يمضي فيه إصلاح فعلي للتعليم وتقدم حقيقي في قطاعات الدولة المختلفة ويستقر الأمر في المؤسسات الدينية والثقافية والنقابية ونصبح بحق أمام مجتمع عصري حديث تستحقه مصر فضلاً عن نقطة أخيرة وهي أن »النظام البرلماني» يفتت »الصنم الفرعوني» للفرد الذي عانينا منه عبر السنين.. إن ما أقوله ليس بدعة جديدة ولا أضغاث أحلام عابرة ولكنه أمر قابل للتحقيق لو صدقت النوايا وعرفنا لأول مرة في تاريخنا الحديث معني الجدية والاستمرار حتي نصبح مثل شعوبٍ سبقتنا رغم أنها أدني منّا في مواردها الطبيعية وأقل منَّا في مواردها البشرية، ولننظر حولنا لنري كيف تتمتع الدول التي أخذت بالنظام البرلماني في ظل دولة جمهورية مستقرة مثل »الهند» أو ملكية تقليدية راسخة مثل »بريطانيا»، ولماذا نذهب بعيدًا »فالدولة العبرية» في قلب المنطقة العربية تأخذ بالنظام البرلماني وتستثمره في قراراتها المصيرية وتكافئ من قدموا لها خدماتٍ جليلة بمنصب »رئاسة الدولة» مثلما فعلوا منذ سنوات قليلة مع »شيمون بيريز».. دعوني أحلم »بمصر» حلمًا قد لا يراه جيلي ولكن تعيش فيه الأجيال القادمة.. إنه حلم للمستقبل! كروت غائبة تتحدد حيوية النظام السياسي في القدرة علي الخروج من النفق الضيق وكسر عنق الزجاجة للانطلاق نحو »آفاق المستقبل» ولا أخفي إعجابي بالتحركات المصرية الخارجية في الشهور الأخيرة والجهد الهائل الذي يبذله وزير الخارجية متنقلاً بين عواصم العالم في وطنية ورصانة لذلك فإنني أسهم ببعض الأفكار التي تشدنا إلي الأمام ولا أظنها خافية علي صانع القرار السياسي الخارجي وأعني بها القدرة علي إحداث اختراقاتٍ مع قوي إقليمية قد نراها خصمًا لنا أو أن التواصل معها يدعمنا في مواجهة خصومٍ مجاورة، إنني أطلب حوارًا سياسيًا هادئًا مع »الدولة الفارسية» لأن »إيران» كيانٌ فاعل في منطقتي »غرب آسيا» و»الشرق الأوسط» ويمتد تأثيرها بقوة إلي منطقتي الخليج والمشرق العربي، وأنا أقول ذلك وأنا أعلم تمامًا أن لإيران أجندة سياسية في المنطقة وأنها توزع نفوذها ببراعة حتي امتد إلي شواطئ البحر الأحمر وأصبح علي مقربة من مضيق »باب المندب» بعد حيازة »الحوثيين» لمعظم الأراضي اليمنية، والمعروف أنه لا توجد مشكلة بين »الحوثيين» و»مصر» وهو أمر يدعونا إلي توظيف دور الدبلوماسية المصرية لخدمة الأمن القومي لأشقائنا في دول الجزيرة والخليج وفي مقدمتهم »المملكة العربية السعودية» التي دعمت بقوة التغيرات الإيجابية في »مصر» خلال العامين الماضيين وليس خافيًا علي أحد أن قيمة أي دولة تتحدد بالأدوار التي تقوم بها في فتح ثغراتٍ وعمل اختراقاتٍ في السياسة الخارجية مع الخصوم قبل الأصدقاء لأنه لا يوجد علي المسرح الدولي صداقات دائمة ولكن توجد مصالح مستمرة يجب أن نراعيها وأن نحرص عليها، إنني لا أتصور »مصر» دون قنوات اتصال طبيعية علي كافة المستويات معلنة أو غير معلنة مع »إيران» و»تركيا» و»إسرائيل» ذلك المثلث »اللاعربي» في الشرق الأوسط فضلاً عن »إثيوبيا» الرابضة علي منابع النيل فهذه مجموعة دول هامة للأمن القومي المصري يتعيَّن علينا أن نفكّر في الخروج بها نحو المستقبل، إنني لا أطلب المستحيل ولكنني أعلم أن لدينا »جهازًا للمخابرات العامة» معروفا بتميزه في الأداء وتفوقه في التواصل مع الأجهزة المثيلة بوضوح في الرؤية أمام العاملين فيه لذلك أعوّل عليه دائمًا في أن يكون رأس الحربة لهذه الاختراقات المطلوبة. هشام بركات لن أنسي ما دمت حيًا تلك العبارة الخالدة التي نقلها رئيس الجمهورية المشير »عبد الفتاح السيسي» عن النائب العام المستشار »هشام بركات» الذي قال للرئيس وهو يوصيه بالمصريين قولته التي سوف يسجلها تاريخ القضاء المصري بأحرف من نور حيث قال النائب العام في شجاعة وزهد وتصوف (لن تكون معي حينما يسألني الله عمَّا فعلت) متحررًا من كل مظاهر سلطة القضاء وهيبة المنصب ومتجردًا إلا من علاقة المخلوق بالخالق، وهذا الرد استهوي »الرئيس السيسي» لأنه متدين عميق الإيمان لأنه يؤكد استقلال القضاء المصري وخضوع رموزه الكبيرة لله وحده دون غيره ويعبر عن طهارة في النفس ونبل في المقصد وسمو في الروح، تحية إلي هذا المستشار الجليل الذي يجلس علي أخطر مقعد قضائي في البلاد وإن كانت الظروف لم تتح لي أن أعرفه جيدًا من قبل عبر تاريخه الناصع إلا أنني أحييه اليوم وأحيي في عبارته الخالدة شموخ القضاء المصري ورجاله العظام في هذه الظروف شديدة الصعوبة بالغة التعقيد التي تمر بها »مصر». شموع اللوتس لن يفوتني وقد تحدثت عن الصالونات الثقافية في الأسبوع الماضي أن أشيد بأقدمها وأكثرها استمرارية وأعني به صالون السيدة الفاضلة »لوتس عبد الكريم» صاحبة مجلة »شموع» والإصدارات الراقية عن رموزنا الكبيرة في مجالات الحكم والسياسة والأدب والفن، وقد كنت أرتاد صالونها في ضاحية »المعادي» مع كوكبة من المثقفين والأدباء والمفكرين في ثمانينات القرن الماضي، ولازال تواصل هذه السيدة المتميزة مستمرًا في عطاء دائم ولقاءات عديدة في مسكنها علي شاطئ النيل حيث تستضيف الوزراء والشعراء والأدباء والفنانين في جلساتٍ تميزت بكرم الضيافة وحسن الاستقبال وسعة الصدر وحرية الرأي، تحية لسيدة فاضلة من مصر أعطت دائمًا بغير حدود وظلت شمعة تضيء لغيرها الطريق! نعم كنت أتمني أن يكون النظام السياسي في »مصر» نظامًا برلمانيًا فيه رئيس دولة يملك ولا يحكم ولكنه يعبَّر عن سيادة الدولة ويعتبر رمزها الأول »مراسميًا» ويقف حكمًا شامخًا بين السلطات كنت أتمني ومازلت أن يصبح النظام السياسي في »مصر» نظامًا برلمانيًا يقوم علي مجموعة أحزابٍ متنافسة تختلف في توجهاتها اختلافًا كبيرًا فيكون هناك علي سبيل المثال حزبٌ ينحاز لعروبة مصر وحزب آخر يتحدث عن شخصية مصر الفريدة ويري أنه لا أمل في المستقبل إلا إذا أخذنا بالأسلوب العلمي في التفكير الذي يركز علي »مصر أولاً» قبل غيرها، ولكن ذلك كله للأسف لم يحدث ولكن تبقي »مصر» في النهاية سيدة اختيارها مهما كانت الظروف المحيطة بها ولذلك فإنه يتعيّن علينا طرح أفكار تضيء الطريق نحو المستقبل كي لا نكون أسري الماضي مهما كان بريقه، نعم كنت أتمني أن يكون النظام السياسي في »مصر» نظامًا برلمانيًا فيه رئيس دولة يملك ولا يحكم ولكنه يعبَّر عن سيادة الدولة ويعتبر رمزها الأول »مراسميًا» ويقف حكمًا شامخًا بين السلطات وليكن صاحب تجربة عريضة وخبرة طويلة يصل إلي منصبه تكريمًا لتاريخه المتميز وقد يكون قاضيًا سابقًا أو ضابطًا متقاعدًا أو دبلوماسيًا وراءه تاريخ حافل أو مواطنًا خدم دولته في جهازها الإداري بنزاهةٍ وشرف واكتسب خبراتٍ مشهودة من بينها قدرته علي التعامل مع رؤساء الدول وملوكها مع إجادة لغة أجنبية، ولقد فكرت شخصيًا من قبل في بعض الرموز مثل الراحلين »عزيز صدقي» و»مصطفي خليل» و»عبد العزيز حجازي» و»أحمد عصمت عبد المجيد» والفريق »سعد الشاذلي» والمستشار »وجدي عبد الصمد» ومن الأحياء أطال الله أعمارهم »بطرس بطرس غالي» و»محمد حسنين هيكل» و»إبراهيم بدران» و»أحمد كمال أبو المجد» و»عمرو موسي» و»كمال الجنزوري» وغير هؤلاء وأولئك من رموز الوطن الذين تذخر بهم سجلات مصر الحديثة علي أن يتولي رئاسة الحكومة من يرشحه الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية أو القادر علي إحداث ائتلافٍ مع غيره يسمح بإبراز شخصيةٍ توافقية ذات كفاءة يكون أقرب إلي الشباب منه إلي الشيوخ ولديه حيوية دافقة وخبرات اقتصادية ومالية ودبلوماسية مشهودة ويكون قادرًا علي مواجهة الأحداث العاصفة والأزمات الطارئة والمواقف الصعبة علي أن يكون تغييره سهلاً بسحب الثقة من حكومته في البرلمان عندما يكون ذلك ضروريًا، وإذا كان رئيس الجمهورية هو الأول مراسميًا فإن رئيس الوزراء هو الأول سياسيًا وبذلك يتحقق التوازن المطلوب قرب قمة هرم الحكم ويصبح الباب مفتوحًا لتداول السلطة ودوران النخبة وذلك أمر رائع ولكنه يحتاج إلي أحزابٍ سياسية قوية وذات مسؤولية انتخابية واضحة وتتمتع بوجودٍ في الشارع المصري يسمح لها بأن تفرز قياداتٍ واعية وكوادر مدربة تصل إلي الشارع في سهولةٍ ويسر وذلك أمر مفقود تمامًا في »مصر» وهو الذي يجعل تطبيق النظام البرلماني لدينا صعبًا بل ومستحيلاً في الظروف الراهنة ويحتاج في هذه الحالة إلي إعدادٍ طويل عبر عشرات السنين يتم خلالها دعم الأحزاب السياسية وفتح مجالات العمل أمامها وإعطاؤها دورًا أكبر بالمشاركة الفعالة والمشاورات الدائمة في القرارات المختلفة، ولا بأس من أن تصبح »مصر» كلها دائرة انتخابية واحدة بحيث تتنافس في الانتخابات البرلمانية والرئاسية قائمة كل حزب ويتم ترتيب البيت من الداخل وفقًا لنتائج تلك الانتخابات حتي يصبح »البرلمان» تعبيرًا سليمًا عن إرادة المصريين بلا تفرقة أو تمييز، وليس فيما أقوله اختراع جديد فالبلاد الثلاثة التي خدمت فيها دبلوماسيًا وهي »بريطانيا» و»الهند»و»النمسا» تأخذ بذلك النظام البرلماني الذي يؤدي إلي استقرار سياسي وتوازن كامل بين السلطات والصلاحيات والمسؤوليات ويفتح الباب أمام التفرغ لمواجهة الأزمات والمشكلات والتحديات بحيث تصبح خريطة الحكم واضحة لكل ذي عينين كما أن الاستقرار السياسي مرتبط إلي حدٍ كبير بالأنظمة البرلمانية التي يتحقق لها نوعٌ من الاستمرار ولا تعرف الانقلابات العسكرية لأنه لا توجد فيها »سلطة منفردة» يمكن الانقلاب عليها، كما أن الجيش فيها يظل مؤسسة السيادة الأولي ورمزًا للكبرياء الوطني ويصبح بحق درع الأمة وسيفها، وليس ذلك غريبًا علي »مصر» التي عرفت نظامًا »شبه برلماني» في الفترة »الليبرالية» بين الثورتين 1919 و1952 في ظل ملكية دستورية حققت بعض أهداف الجمهورية البرلمانية ولست أزعم أن الأوضاع في تلك الفترة كانت مثالية لأن »مصر» كانت تحت »الاحتلال الأجنبي» كما أن »القصر» كان يتدخل فيما لايعنيه ويتجاوز سلطاته تحت مبرر أن »الذات الملكية» لا تُمس وأن العيب فيها جريمة تطاول من يتفوه بها حتي ولو كان أديبًا كبيرًا في تاريخنا المعاصر بحجم »عباس محمود العقاد» عندما أشار إلي إمكانية التصدي لأكبر رأسٍ في البلاد قاصدًا الملك »فؤاد» فلم يفلت »العقاد» من العقاب! ولنا أن نتصور »مصر» بعد سنواتٍ قادمة وليس فيها احتلالٌ أجنبي يحكم ولا قصرٌ ملكي يتدخل وتكون قد تكونت لديها أحزابٌ سياسية قادرة علي اضطلاع بمسؤولياتها في ظل مناخٍ سياسي صحي يمضي فيه إصلاح فعلي للتعليم وتقدم حقيقي في قطاعات الدولة المختلفة ويستقر الأمر في المؤسسات الدينية والثقافية والنقابية ونصبح بحق أمام مجتمع عصري حديث تستحقه مصر فضلاً عن نقطة أخيرة وهي أن »النظام البرلماني» يفتت »الصنم الفرعوني» للفرد الذي عانينا منه عبر السنين.. إن ما أقوله ليس بدعة جديدة ولا أضغاث أحلام عابرة ولكنه أمر قابل للتحقيق لو صدقت النوايا وعرفنا لأول مرة في تاريخنا الحديث معني الجدية والاستمرار حتي نصبح مثل شعوبٍ سبقتنا رغم أنها أدني منّا في مواردها الطبيعية وأقل منَّا في مواردها البشرية، ولننظر حولنا لنري كيف تتمتع الدول التي أخذت بالنظام البرلماني في ظل دولة جمهورية مستقرة مثل »الهند» أو ملكية تقليدية راسخة مثل »بريطانيا»، ولماذا نذهب بعيدًا »فالدولة العبرية» في قلب المنطقة العربية تأخذ بالنظام البرلماني وتستثمره في قراراتها المصيرية وتكافئ من قدموا لها خدماتٍ جليلة بمنصب »رئاسة الدولة» مثلما فعلوا منذ سنوات قليلة مع »شيمون بيريز».. دعوني أحلم »بمصر» حلمًا قد لا يراه جيلي ولكن تعيش فيه الأجيال القادمة.. إنه حلم للمستقبل! كروت غائبة تتحدد حيوية النظام السياسي في القدرة علي الخروج من النفق الضيق وكسر عنق الزجاجة للانطلاق نحو »آفاق المستقبل» ولا أخفي إعجابي بالتحركات المصرية الخارجية في الشهور الأخيرة والجهد الهائل الذي يبذله وزير الخارجية متنقلاً بين عواصم العالم في وطنية ورصانة لذلك فإنني أسهم ببعض الأفكار التي تشدنا إلي الأمام ولا أظنها خافية علي صانع القرار السياسي الخارجي وأعني بها القدرة علي إحداث اختراقاتٍ مع قوي إقليمية قد نراها خصمًا لنا أو أن التواصل معها يدعمنا في مواجهة خصومٍ مجاورة، إنني أطلب حوارًا سياسيًا هادئًا مع »الدولة الفارسية» لأن »إيران» كيانٌ فاعل في منطقتي »غرب آسيا» و»الشرق الأوسط» ويمتد تأثيرها بقوة إلي منطقتي الخليج والمشرق العربي، وأنا أقول ذلك وأنا أعلم تمامًا أن لإيران أجندة سياسية في المنطقة وأنها توزع نفوذها ببراعة حتي امتد إلي شواطئ البحر الأحمر وأصبح علي مقربة من مضيق »باب المندب» بعد حيازة »الحوثيين» لمعظم الأراضي اليمنية، والمعروف أنه لا توجد مشكلة بين »الحوثيين» و»مصر» وهو أمر يدعونا إلي توظيف دور الدبلوماسية المصرية لخدمة الأمن القومي لأشقائنا في دول الجزيرة والخليج وفي مقدمتهم »المملكة العربية السعودية» التي دعمت بقوة التغيرات الإيجابية في »مصر» خلال العامين الماضيين وليس خافيًا علي أحد أن قيمة أي دولة تتحدد بالأدوار التي تقوم بها في فتح ثغراتٍ وعمل اختراقاتٍ في السياسة الخارجية مع الخصوم قبل الأصدقاء لأنه لا يوجد علي المسرح الدولي صداقات دائمة ولكن توجد مصالح مستمرة يجب أن نراعيها وأن نحرص عليها، إنني لا أتصور »مصر» دون قنوات اتصال طبيعية علي كافة المستويات معلنة أو غير معلنة مع »إيران» و»تركيا» و»إسرائيل» ذلك المثلث »اللاعربي» في الشرق الأوسط فضلاً عن »إثيوبيا» الرابضة علي منابع النيل فهذه مجموعة دول هامة للأمن القومي المصري يتعيَّن علينا أن نفكّر في الخروج بها نحو المستقبل، إنني لا أطلب المستحيل ولكنني أعلم أن لدينا »جهازًا للمخابرات العامة» معروفا بتميزه في الأداء وتفوقه في التواصل مع الأجهزة المثيلة بوضوح في الرؤية أمام العاملين فيه لذلك أعوّل عليه دائمًا في أن يكون رأس الحربة لهذه الاختراقات المطلوبة. هشام بركات لن أنسي ما دمت حيًا تلك العبارة الخالدة التي نقلها رئيس الجمهورية المشير »عبد الفتاح السيسي» عن النائب العام المستشار »هشام بركات» الذي قال للرئيس وهو يوصيه بالمصريين قولته التي سوف يسجلها تاريخ القضاء المصري بأحرف من نور حيث قال النائب العام في شجاعة وزهد وتصوف (لن تكون معي حينما يسألني الله عمَّا فعلت) متحررًا من كل مظاهر سلطة القضاء وهيبة المنصب ومتجردًا إلا من علاقة المخلوق بالخالق، وهذا الرد استهوي »الرئيس السيسي» لأنه متدين عميق الإيمان لأنه يؤكد استقلال القضاء المصري وخضوع رموزه الكبيرة لله وحده دون غيره ويعبر عن طهارة في النفس ونبل في المقصد وسمو في الروح، تحية إلي هذا المستشار الجليل الذي يجلس علي أخطر مقعد قضائي في البلاد وإن كانت الظروف لم تتح لي أن أعرفه جيدًا من قبل عبر تاريخه الناصع إلا أنني أحييه اليوم وأحيي في عبارته الخالدة شموخ القضاء المصري ورجاله العظام في هذه الظروف شديدة الصعوبة بالغة التعقيد التي تمر بها »مصر». شموع اللوتس لن يفوتني وقد تحدثت عن الصالونات الثقافية في الأسبوع الماضي أن أشيد بأقدمها وأكثرها استمرارية وأعني به صالون السيدة الفاضلة »لوتس عبد الكريم» صاحبة مجلة »شموع» والإصدارات الراقية عن رموزنا الكبيرة في مجالات الحكم والسياسة والأدب والفن، وقد كنت أرتاد صالونها في ضاحية »المعادي» مع كوكبة من المثقفين والأدباء والمفكرين في ثمانينات القرن الماضي، ولازال تواصل هذه السيدة المتميزة مستمرًا في عطاء دائم ولقاءات عديدة في مسكنها علي شاطئ النيل حيث تستضيف الوزراء والشعراء والأدباء والفنانين في جلساتٍ تميزت بكرم الضيافة وحسن الاستقبال وسعة الصدر وحرية الرأي، تحية لسيدة فاضلة من مصر أعطت دائمًا بغير حدود وظلت شمعة تضيء لغيرها الطريق!