محمد صلاح: مدافعو الزمالك هم من جاملوا نهضة بركان وليس الحكم    برشلونة يعزز موقعه في وصافة الدوري الإسباني بثنائية أمام ألميريا    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    بعد ارتفاع عيار 21.. سعر الذهب اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة (تحديث الآن)    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو في محافظات مصر    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    جهاد جريشة: لا بد من محاسبة من تعاقد مع فيتور بيريرا.. ويجب تدخل وزرارة الرياضة والرابطة    لمدة خمس أيام احذر من هذه الموجة شديدة الحرارة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    حسين الشحات : نحترم تاريخ الترجي ولكننا نلعب على الفوز دائما    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    بعد ساعات من انتشار الفيديو، ضبط بلطجي الإسماعيلية والأمن يكشف ملابسات الواقعة    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    فتحي عبد الوهاب وهاني خليفة أبرز المكرمين.. صور    للرجال على طريقة «البيت بيتي».. أفضل طرق للتعامل مع الزوجة المادية    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    انقسام إسرائيلي حول غزة يعقد سيناريوهات إنهاء الحرب    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    مصر ترفض مقترح إسرائيلي بشأن معبر رفح    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    «السياحة» تلزم شركات النقل بالسداد الإلكتروني في المنافذ    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
وحشية العصر

تقدمت رئيسة وزراء الهند وفي يدها »سيخ حديد»‬ داخل المحرقة وسط العاصمة ودفعت بذلك السيخ الحديدي إلي رأس ابنها في جثته المسجاة أمامها حتي تحدث بها فتحة فلا تنفجر عند الحرق.
إن ما شهدناه من حرق للطيار الأردني الأسير حيًا داخل قفصٍ حديدي يعيد إلي الأذهان ذكري عصور الظلام في التاريخ السحيق فهكذا كان يفعل »‬جنكيز خان» وغيره من البرابرة، كما أن القتل حرقًًا تقليد »‬مجوسي» لم تعرفه الثقافة العربية ولا الإسلامية، نعم كان بعض الأفارقة في الزمانات الماضية يحرقون السحرة أحياء لجرمٍ ارتكبوه أو لبيتٍ خربوه أمّا المشهد الذي رأيناه الأسبوع الماضي فسوف يظل عالقًا في الأذهان إلي الأبد، لقد كنت أدلف إلي أحد الفنادق لموعدٍ مع صديق فرأيت مسئولي الأمن مجتمعين لمشاهدة شيءٍ مثير وقد تملكهم حزن شديد فإذا به منظر الطيار الأردني يدق بيديه القفص الحديدي في محاولات اللحظة الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه ويسقط متحولاً إلي كومة رماد، هل عرفنا في التاريخ الإسلامي شيئًا من هذا؟! هل هذه »‬بروفة جهنم» يتصور »‬الدواعش» أنهم يقيمون عذاب الله علي الأرض بديلاً عنه في الآخرة؟ ما هذا الذي يحدث بعد جرائم ذبح روَّعت الدنيا كلها في الفترة الأخيرة علي يد من فوجئنا بهم منذ شهور قليلة فإذا بهم يهتكون العرض ويستولون علي الأرض ويذبحون الأبرياء ويحرقون الأسري ولولا أنني أدرك جيدًا أننا نعيش في ظل حضارةٍ معاصرة أفرزت »‬حقوق الإنسان» ودعت إلي رعاية الحد الأدني من آدمية البشر، لولا ذلك لظننت أن ذلك الكابوس يعني العودة إلي العصور البربرية في تاريخ الإنسانية، ولأنني أرفض عقوبة الإعدام ومن معارضيها رغم أنني أعلم أن (لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) إلا أنني أري أن انتظار الموت في وقت محدد أشد هولاً من الموت ذاته، لذلك رأيت رد الفعل الأردني رغم أنه استهدف إرهابية وإرهابيًا ليس رد الفعل الأمثل لهذه الجرائم، فالرد الصحيح يكون بمقاومة القتلة والسفاحين في عقر دارهم وعلي الأرض التي احتلوها وهجروا أهلها بلا جريرة أو سبب، وأظن أن بسالة الطيران الأردني في هذا السياق قد حققت رد الفعل المطلوب، إنني أري أن العالم لم ينتبه جيدًَا إلي المخاطر التي بدأت تطفو علي السطح، فكما كانت الإنسانية في طفولتها بربرية ووحشية ودموية تحكمها شريعة الغاب فها هي تعود اليوم إلي سيرتها الأولي، إنني لا أكاد أصدق كيف يري والد الطيار الأردني أو زوجته ذلك الفتي يحترق في ثوانٍ قليلة ولا يبقي منه إلا الرماد، وقد رأيت »‬الهنود» يحرقون موتاهم معطرين بخشب الصندل والأبخرة ذات الروائح الطيبة، وقد كنت أعمل في العاصمة الهندية يوم أن تقدمت »‬أنديرا غاندي» من جثمان ابنها »‬سانجاي» الذي كانت تعده لخلافتها فهو ابنها الثاني القوي والواعد ولكنه قضي في حادث طائرة، فتقدمت رئيسة وزراء الهند وفي يدها »‬سيخ حديد» داخل المحرقة وسط العاصمة ودفعت بذلك السيخ الحديدي إلي رأس ابنها في جثته المسجاة أمامها حتي تحدث بها فتحة فلا تنفجر عند الحرق، ووقفت الأم تواجه تلك اللحظة القاسية ولكن عزاءها أن ابنها قد مات ولا يشعر بشيء، فهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟! ولكن المؤلم في حالة الطيار الأردني أنه بقي حيًا وهو يحترق واعيًا في لحظاته الأخيرة بمأساة النهاية المروّعة، إنني أطالب »‬الأزهر الشريف» أكبر مركزٍ ديني في العالم بإعلان تكفير تلك الشراذم الباغية وليس مجرد تطبيق »‬حد الحرابة» عليهم كما جاء في بيان »‬الأزهر» الأخير فهؤلاء لا يمثلون طائفة إسلامية ولا جماعة تؤمن بالله وتخشاه وتحترم رسوله وترعاه، إنها فئة باغية عصت الله وخرجت عن نواميس الحياة وقاموس الوجود وأصبحت مجموعة من الخوارج علي الإسلام والعروبة، بل هم لايملكون »‬كتالوج» يقدم لنا أبجديات التعامل معهم وفك شفرتهم، إنها في رأيي توليفة شريرة من بقايا الجيش العراقي الذي سرحه الأمريكي »‬بريمر» إلي فلولٍ من تنظيم »‬القاعدة» مع عناصر من أركان الجريمة المنظمة في الدول المختلفة فضلاً عن المأزومين من الشباب من أنحاء العالم، إنه تجمع دموي لمطاريد العصر وغلاظ القلوب وعديمي الإنسانية، ويبدو أن إرهابهم قد بدأ يعطي بعض ثماره إذ أن بعض الدول المشاركة في التحالف ضد »‬داعش» قد بدأت تعيد حساباتها وتحاول تجميد دورها خشية ضغوط الرأي العام الداخلي لديها أمام مشاهد العنف التي تجاوزت الحدود وخرجت عن السياق الإنساني مهما بلغت قسوته وزادت ضراوته، ولعلي أقول صراحة إنه لن يوقف زحف تلك الجحافل الباغية إلا مقاومة من جنس العمل بتنشيط جماعاتٍ تشن عليها حرب عصابات أرضية وهو أمر نجح فيه »‬الأكراد» رغم الخسائر البشرية التي تكبدوها، إننا أمام محنة تبدو كالعوم في المياه ضد التيار فإما أن نتقدم وإلا فالتراجع حتمي لأن حالة الاستقرار والثبات غير واردة.
الصحافة
أسجل بدايةً أنني أتعاطف تمامًا مع »‬سجين الرأي» حتي لو اختلفت معه كما أنني ضد حبس الصحفيين بشكل مطلق، وأعترف أنني مارست الكتابة الصحفية علي مدي أربعين عامًا مضت أو أكثر ولكني أبدي انزعاجي الشديد لوضع أجهزة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في السنوات الأخيرة، ولعلي أضع أمام القارئ الحقائق الآتية فيما يتصل بالصحافة تحديدًا:
أولاً: إن جزءًا كبيرًا من مشكلة الصحفيين الشباب ليس سوء النية ولا الانحراف الوظيفي، ولكن المشكلة هي افتقاد المهنية وقلة الخبرة وانعدام التدريب، فإذا استمع الصحفي الشاب إلي محاضرة فإنه يلتقط منها بعض النصوص بلا وعي ويقف أمام بعض العبارات متصورًا أنها مصدر للإثارة بغض النظر عن الإطار العام للفكرة المطروحة وصياغتها وتداول عناصرها، إن الصحفيين الشباب مهما كانت درجاتهم العلمية محتاجون إلي تدريبٍ مهني يجعلهم يركزون علي الجوهر بحيث لا تضيع الأفكار الأساسية في زحام الانتقاء الجزئي للعبارات.
ثانيًا: إن ضيق الوقت بين الحصول علي الخبر واستكمال صياغته لتقديمه للصحيفة يجعله خبرًا »‬مسلوقًا» لم يتم إنضاجه علي نارٍ هادئة من التمحيص ووضوح الرؤية، كما أن الصحافة قد عرفت مؤخرًا عناصر تحترف توزيع الأخبار بين الصحف بل وتقوم بمقايضتها بين زملاء من رفاق المهنة!
ثالثًا: بدأت الصحافة الحديثة من مصر وشارك فيها أشقاؤنا من الشوام فصدرت أول صحيفة بالعربية من »‬مصر» وأول صحيفة كردية من »‬مصر»، بل إن الكنانة عرفت المطبوعات اليهودية والمسيحية والإسلامية جنبًا إلي جنب، فمصر بلد مفتوح بطبيعته معتدل بفطرته، لم يعرف جرائم النشر إلا بعد أن تعقدت الحياة ووفد علي »‬صاحبة الجلالة» دخلاء من كل حدب وصوب.
.. إنني إذ أعتز بالصحافة والصحفيين مؤمنًا بقدسية الكلمة فإنني أدعو شباب المهنة إلي مزيدٍ من اكتساب الخبرات والانفتاح علي التجارب الإعلامية الأخري والابتعاد عن توظيف الصحافة لخدمة الإثارة وإحداث الفرقعة والمضي وراء التهويل أو التهوين خصوصًا وأن »‬مصر» قد أنجبت كبار الكتاب والصحفيين أمثال »‬أمين الرافعي» و»محمد التابعي» والأخوين »‬علي أمين» و»مصطفي أمين» و»محمد حسنين هيكل» و»إحسان عبد القدوس» وغيرهم من أساتذة هذه المهنة المقدسة علي مر الأجيال، ويكفي أننا اعتبرناها »‬سلطة رابعة» إلي جانب السلطات التقليدية الثلاث.
معرض الكتاب..
مرة أخري
عدت إليه بعد سنوات من الابتعاد، فمنذ رحيل »‬د.سمير سرحان» تصورت أن بريق المعرض الساطع وأضواءه اللامعة لن تعود مرة أخري إلي أن دعاني »‬د.أحمد مجاهد» رئيس الهيئة العامة للكتاب لإلقاء محاضرة حول »‬تجديد الخطاب السياسي» علي اعتبار أن الإمام المجدد »‬محمد عبده» هو الشخصية التاريخية لمعرض الكتاب هذا العام وعلي اعتبار أن قضية »‬تجديد الخطاب الديني» قد أصبحت علي كل لسان والحقيقة أن الإصلاح قضية متكاملة تشمل الخطاب الديني والثقافي والاجتماعي بنفس الدرجة، ولقد اخترت أن يدير محاضرتي ابن محافظتي الروائي المتميز »‬يوسف القعيد» وهو الذي تولي مهمته باقتدار ووضع الأمور في نصابها بالسيطرة علي العدد الكبير من الحاضرين الذين فاق عددهم تصورنا فالشباب في حالة نهم إلي المعرفة ورغبة في إشباع فضوله تجاه القضايا المختلفة التي تحيط به، ولقد أجبت في أعقاب المحاضرة علي ثمانية عشر سؤالاً أو تعليقًا من الحاضرين وهم يمثلون اتجاهاتٍ عقائدية مختلفة فضلاً عن تعدد جنسياتهم أيضًا، ولقد توصلنا في نهاية ذلك اللقاء إلي بلورة تصور واضح للأفكار والإجراءات المطلوبين لتجديد الخطاب السياسي المعاصر، ولقد تركز جزء مهم من حوار تلك المحاضرة حول »‬نظرية المؤامرة» في تفسير التاريخ وخلصنا إلي أن المؤامرة موجودة عبر العصور ولكن لا يجب اتخاذها سببًا للتقاعس أو مبررًا للاستسلام مهما كانت الظروف والتحديات.
الإمكانات المادية والهيمنة السياسية
يزعجني كثيرًا أن أشعر أن رأس المال هو المسيطر علي الانتخابات القادمة سواء في المقاعد الفردية أو القوائم الجغرافية وذلك يعني ببساطة أن من يحوزون مصادر الثروة سوف يسيطرون علي »‬برلمان الثورة»، ولابد أن أعترف صراحة أنه يمكن أن نتجاوز عن ذلك مؤقتًا في هذا البرلمان تحديدًا إذا كان فيما يحدث في دهاليز السياسة وكواليس الأحزاب ما يصنع جبهة قوية في مواجهة قوي الإرهاب والتطرف لأننا لو خيرنا بين سطوة التيارات الدينية أو سيطرة الجماعات الاقتصادية فإننا قد نقبل الأخيرة لأن الخلاص منها سهل بينما جربنا الأولي فكان الخلاص منها غالي الثمن باهظ التكاليف، ولكن الأفضل من الحالتين هو أن تتمثل الإرادة الشعبية للمصريين في صناديق الاقتراع علي نحو يتمشي مع روح الثورة وشفافية الحكم والرغبة في الخروج من »‬جلباب» الماضي، وأنا أتذكر الآن التجربة البرلمانية الهندية التي عايشتها أربع سنوات كاملة وأدركت معها أن الفقر والأمية والتعددية العرقية واللغوية والدينية لم تمنع الهند من أن تكون هي أكبر ديمقراطيات العالم المعاصر علي الإطلاق، فالديمقراطية في النهاية هي مناخ سياسي صحي وهي بيئة متحضرة وسلوك وطني مستقيم، ويجب أن ننتهز فرصة الانتخابات النيابية الجديدة للترويج لروح التفاؤل والخروج من شرنقة الإحباط واضعين في الاعتبار أن وجود »‬مجلس نواب» منتخب لا يمثل إنجازًا سياسيًا فحسب ولكنه ينعكس علي النشاط الاقتصادي أيضًا فهناك دول كثيرة في العصر الحديث لا تضخ استثماراتها كما لا تثق في تعاملاتها إلا مع دولة فيها برلمان يملك من الحيوية ما يصحح الأخطاء ويرفع المظالم ويرد الحقوق، فمرحبًا بالانتخابات البرلمانية قبيل القمة الاقتصادية!
تقدمت رئيسة وزراء الهند وفي يدها »سيخ حديد»‬ داخل المحرقة وسط العاصمة ودفعت بذلك السيخ الحديدي إلي رأس ابنها في جثته المسجاة أمامها حتي تحدث بها فتحة فلا تنفجر عند الحرق.
إن ما شهدناه من حرق للطيار الأردني الأسير حيًا داخل قفصٍ حديدي يعيد إلي الأذهان ذكري عصور الظلام في التاريخ السحيق فهكذا كان يفعل »‬جنكيز خان» وغيره من البرابرة، كما أن القتل حرقًًا تقليد »‬مجوسي» لم تعرفه الثقافة العربية ولا الإسلامية، نعم كان بعض الأفارقة في الزمانات الماضية يحرقون السحرة أحياء لجرمٍ ارتكبوه أو لبيتٍ خربوه أمّا المشهد الذي رأيناه الأسبوع الماضي فسوف يظل عالقًا في الأذهان إلي الأبد، لقد كنت أدلف إلي أحد الفنادق لموعدٍ مع صديق فرأيت مسئولي الأمن مجتمعين لمشاهدة شيءٍ مثير وقد تملكهم حزن شديد فإذا به منظر الطيار الأردني يدق بيديه القفص الحديدي في محاولات اللحظة الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه ويسقط متحولاً إلي كومة رماد، هل عرفنا في التاريخ الإسلامي شيئًا من هذا؟! هل هذه »‬بروفة جهنم» يتصور »‬الدواعش» أنهم يقيمون عذاب الله علي الأرض بديلاً عنه في الآخرة؟ ما هذا الذي يحدث بعد جرائم ذبح روَّعت الدنيا كلها في الفترة الأخيرة علي يد من فوجئنا بهم منذ شهور قليلة فإذا بهم يهتكون العرض ويستولون علي الأرض ويذبحون الأبرياء ويحرقون الأسري ولولا أنني أدرك جيدًا أننا نعيش في ظل حضارةٍ معاصرة أفرزت »‬حقوق الإنسان» ودعت إلي رعاية الحد الأدني من آدمية البشر، لولا ذلك لظننت أن ذلك الكابوس يعني العودة إلي العصور البربرية في تاريخ الإنسانية، ولأنني أرفض عقوبة الإعدام ومن معارضيها رغم أنني أعلم أن (لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) إلا أنني أري أن انتظار الموت في وقت محدد أشد هولاً من الموت ذاته، لذلك رأيت رد الفعل الأردني رغم أنه استهدف إرهابية وإرهابيًا ليس رد الفعل الأمثل لهذه الجرائم، فالرد الصحيح يكون بمقاومة القتلة والسفاحين في عقر دارهم وعلي الأرض التي احتلوها وهجروا أهلها بلا جريرة أو سبب، وأظن أن بسالة الطيران الأردني في هذا السياق قد حققت رد الفعل المطلوب، إنني أري أن العالم لم ينتبه جيدًَا إلي المخاطر التي بدأت تطفو علي السطح، فكما كانت الإنسانية في طفولتها بربرية ووحشية ودموية تحكمها شريعة الغاب فها هي تعود اليوم إلي سيرتها الأولي، إنني لا أكاد أصدق كيف يري والد الطيار الأردني أو زوجته ذلك الفتي يحترق في ثوانٍ قليلة ولا يبقي منه إلا الرماد، وقد رأيت »‬الهنود» يحرقون موتاهم معطرين بخشب الصندل والأبخرة ذات الروائح الطيبة، وقد كنت أعمل في العاصمة الهندية يوم أن تقدمت »‬أنديرا غاندي» من جثمان ابنها »‬سانجاي» الذي كانت تعده لخلافتها فهو ابنها الثاني القوي والواعد ولكنه قضي في حادث طائرة، فتقدمت رئيسة وزراء الهند وفي يدها »‬سيخ حديد» داخل المحرقة وسط العاصمة ودفعت بذلك السيخ الحديدي إلي رأس ابنها في جثته المسجاة أمامها حتي تحدث بها فتحة فلا تنفجر عند الحرق، ووقفت الأم تواجه تلك اللحظة القاسية ولكن عزاءها أن ابنها قد مات ولا يشعر بشيء، فهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟! ولكن المؤلم في حالة الطيار الأردني أنه بقي حيًا وهو يحترق واعيًا في لحظاته الأخيرة بمأساة النهاية المروّعة، إنني أطالب »‬الأزهر الشريف» أكبر مركزٍ ديني في العالم بإعلان تكفير تلك الشراذم الباغية وليس مجرد تطبيق »‬حد الحرابة» عليهم كما جاء في بيان »‬الأزهر» الأخير فهؤلاء لا يمثلون طائفة إسلامية ولا جماعة تؤمن بالله وتخشاه وتحترم رسوله وترعاه، إنها فئة باغية عصت الله وخرجت عن نواميس الحياة وقاموس الوجود وأصبحت مجموعة من الخوارج علي الإسلام والعروبة، بل هم لايملكون »‬كتالوج» يقدم لنا أبجديات التعامل معهم وفك شفرتهم، إنها في رأيي توليفة شريرة من بقايا الجيش العراقي الذي سرحه الأمريكي »‬بريمر» إلي فلولٍ من تنظيم »‬القاعدة» مع عناصر من أركان الجريمة المنظمة في الدول المختلفة فضلاً عن المأزومين من الشباب من أنحاء العالم، إنه تجمع دموي لمطاريد العصر وغلاظ القلوب وعديمي الإنسانية، ويبدو أن إرهابهم قد بدأ يعطي بعض ثماره إذ أن بعض الدول المشاركة في التحالف ضد »‬داعش» قد بدأت تعيد حساباتها وتحاول تجميد دورها خشية ضغوط الرأي العام الداخلي لديها أمام مشاهد العنف التي تجاوزت الحدود وخرجت عن السياق الإنساني مهما بلغت قسوته وزادت ضراوته، ولعلي أقول صراحة إنه لن يوقف زحف تلك الجحافل الباغية إلا مقاومة من جنس العمل بتنشيط جماعاتٍ تشن عليها حرب عصابات أرضية وهو أمر نجح فيه »‬الأكراد» رغم الخسائر البشرية التي تكبدوها، إننا أمام محنة تبدو كالعوم في المياه ضد التيار فإما أن نتقدم وإلا فالتراجع حتمي لأن حالة الاستقرار والثبات غير واردة.
الصحافة
أسجل بدايةً أنني أتعاطف تمامًا مع »‬سجين الرأي» حتي لو اختلفت معه كما أنني ضد حبس الصحفيين بشكل مطلق، وأعترف أنني مارست الكتابة الصحفية علي مدي أربعين عامًا مضت أو أكثر ولكني أبدي انزعاجي الشديد لوضع أجهزة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في السنوات الأخيرة، ولعلي أضع أمام القارئ الحقائق الآتية فيما يتصل بالصحافة تحديدًا:
أولاً: إن جزءًا كبيرًا من مشكلة الصحفيين الشباب ليس سوء النية ولا الانحراف الوظيفي، ولكن المشكلة هي افتقاد المهنية وقلة الخبرة وانعدام التدريب، فإذا استمع الصحفي الشاب إلي محاضرة فإنه يلتقط منها بعض النصوص بلا وعي ويقف أمام بعض العبارات متصورًا أنها مصدر للإثارة بغض النظر عن الإطار العام للفكرة المطروحة وصياغتها وتداول عناصرها، إن الصحفيين الشباب مهما كانت درجاتهم العلمية محتاجون إلي تدريبٍ مهني يجعلهم يركزون علي الجوهر بحيث لا تضيع الأفكار الأساسية في زحام الانتقاء الجزئي للعبارات.
ثانيًا: إن ضيق الوقت بين الحصول علي الخبر واستكمال صياغته لتقديمه للصحيفة يجعله خبرًا »‬مسلوقًا» لم يتم إنضاجه علي نارٍ هادئة من التمحيص ووضوح الرؤية، كما أن الصحافة قد عرفت مؤخرًا عناصر تحترف توزيع الأخبار بين الصحف بل وتقوم بمقايضتها بين زملاء من رفاق المهنة!
ثالثًا: بدأت الصحافة الحديثة من مصر وشارك فيها أشقاؤنا من الشوام فصدرت أول صحيفة بالعربية من »‬مصر» وأول صحيفة كردية من »‬مصر»، بل إن الكنانة عرفت المطبوعات اليهودية والمسيحية والإسلامية جنبًا إلي جنب، فمصر بلد مفتوح بطبيعته معتدل بفطرته، لم يعرف جرائم النشر إلا بعد أن تعقدت الحياة ووفد علي »‬صاحبة الجلالة» دخلاء من كل حدب وصوب.
.. إنني إذ أعتز بالصحافة والصحفيين مؤمنًا بقدسية الكلمة فإنني أدعو شباب المهنة إلي مزيدٍ من اكتساب الخبرات والانفتاح علي التجارب الإعلامية الأخري والابتعاد عن توظيف الصحافة لخدمة الإثارة وإحداث الفرقعة والمضي وراء التهويل أو التهوين خصوصًا وأن »‬مصر» قد أنجبت كبار الكتاب والصحفيين أمثال »‬أمين الرافعي» و»محمد التابعي» والأخوين »‬علي أمين» و»مصطفي أمين» و»محمد حسنين هيكل» و»إحسان عبد القدوس» وغيرهم من أساتذة هذه المهنة المقدسة علي مر الأجيال، ويكفي أننا اعتبرناها »‬سلطة رابعة» إلي جانب السلطات التقليدية الثلاث.
معرض الكتاب..
مرة أخري
عدت إليه بعد سنوات من الابتعاد، فمنذ رحيل »‬د.سمير سرحان» تصورت أن بريق المعرض الساطع وأضواءه اللامعة لن تعود مرة أخري إلي أن دعاني »‬د.أحمد مجاهد» رئيس الهيئة العامة للكتاب لإلقاء محاضرة حول »‬تجديد الخطاب السياسي» علي اعتبار أن الإمام المجدد »‬محمد عبده» هو الشخصية التاريخية لمعرض الكتاب هذا العام وعلي اعتبار أن قضية »‬تجديد الخطاب الديني» قد أصبحت علي كل لسان والحقيقة أن الإصلاح قضية متكاملة تشمل الخطاب الديني والثقافي والاجتماعي بنفس الدرجة، ولقد اخترت أن يدير محاضرتي ابن محافظتي الروائي المتميز »‬يوسف القعيد» وهو الذي تولي مهمته باقتدار ووضع الأمور في نصابها بالسيطرة علي العدد الكبير من الحاضرين الذين فاق عددهم تصورنا فالشباب في حالة نهم إلي المعرفة ورغبة في إشباع فضوله تجاه القضايا المختلفة التي تحيط به، ولقد أجبت في أعقاب المحاضرة علي ثمانية عشر سؤالاً أو تعليقًا من الحاضرين وهم يمثلون اتجاهاتٍ عقائدية مختلفة فضلاً عن تعدد جنسياتهم أيضًا، ولقد توصلنا في نهاية ذلك اللقاء إلي بلورة تصور واضح للأفكار والإجراءات المطلوبين لتجديد الخطاب السياسي المعاصر، ولقد تركز جزء مهم من حوار تلك المحاضرة حول »‬نظرية المؤامرة» في تفسير التاريخ وخلصنا إلي أن المؤامرة موجودة عبر العصور ولكن لا يجب اتخاذها سببًا للتقاعس أو مبررًا للاستسلام مهما كانت الظروف والتحديات.
الإمكانات المادية والهيمنة السياسية
يزعجني كثيرًا أن أشعر أن رأس المال هو المسيطر علي الانتخابات القادمة سواء في المقاعد الفردية أو القوائم الجغرافية وذلك يعني ببساطة أن من يحوزون مصادر الثروة سوف يسيطرون علي »‬برلمان الثورة»، ولابد أن أعترف صراحة أنه يمكن أن نتجاوز عن ذلك مؤقتًا في هذا البرلمان تحديدًا إذا كان فيما يحدث في دهاليز السياسة وكواليس الأحزاب ما يصنع جبهة قوية في مواجهة قوي الإرهاب والتطرف لأننا لو خيرنا بين سطوة التيارات الدينية أو سيطرة الجماعات الاقتصادية فإننا قد نقبل الأخيرة لأن الخلاص منها سهل بينما جربنا الأولي فكان الخلاص منها غالي الثمن باهظ التكاليف، ولكن الأفضل من الحالتين هو أن تتمثل الإرادة الشعبية للمصريين في صناديق الاقتراع علي نحو يتمشي مع روح الثورة وشفافية الحكم والرغبة في الخروج من »‬جلباب» الماضي، وأنا أتذكر الآن التجربة البرلمانية الهندية التي عايشتها أربع سنوات كاملة وأدركت معها أن الفقر والأمية والتعددية العرقية واللغوية والدينية لم تمنع الهند من أن تكون هي أكبر ديمقراطيات العالم المعاصر علي الإطلاق، فالديمقراطية في النهاية هي مناخ سياسي صحي وهي بيئة متحضرة وسلوك وطني مستقيم، ويجب أن ننتهز فرصة الانتخابات النيابية الجديدة للترويج لروح التفاؤل والخروج من شرنقة الإحباط واضعين في الاعتبار أن وجود »‬مجلس نواب» منتخب لا يمثل إنجازًا سياسيًا فحسب ولكنه ينعكس علي النشاط الاقتصادي أيضًا فهناك دول كثيرة في العصر الحديث لا تضخ استثماراتها كما لا تثق في تعاملاتها إلا مع دولة فيها برلمان يملك من الحيوية ما يصحح الأخطاء ويرفع المظالم ويرد الحقوق، فمرحبًا بالانتخابات البرلمانية قبيل القمة الاقتصادية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.