كان علي موعد مع يناير. ولد أول يناير 1919, وتوفي بالثاني عشر منه 1990. إنه إحسان عبد القدوس نجل الفنان محمد عبد القدوس والسيدة روزاليوسف التي تُعد من المؤسسين للصحافة المصرية والعربية في القرن العشرين. الذي حلت ذكري ميلاده ورحيله هذه الأيام. الكتابة عن إحسان عبد القدوس فرض عين علي كل كاتب عربي. فمن منا لم تبهره هذه الجماهيرية المكتسحة التي حققتها رواياته. وإن كان إحساس الناس الطاغي بما كان يكتبه إحسان سواء في الرواية أو الصحافة. قد أوجدت تحفظات تجاهه من بعض النقاد الذين لا يضعون في اعتبارهم أذواق الناس وإعجابهم. بل ربما شعروا بالعداء تجاه الروائي أو المثقف الذي تقبل الناس علي قراءته. مع أن الناس يشكلون البرلمان لأي كاتب. من سوء حظي أنني لم أعمل معه. فأعرفه عن قرب. ولكن عوضني عن هذا أمران. الأول أنني تعرفت علي الذين عملوا معه. سمعت من الأستاذ هيكل وكامل زهيري. وأحمد بهاء الدين وعبد الغني أبو العينين وعبد الله إمام الكثير عن إحسان الذي لا نعرفه. عن الإنسان والصحفي والروائي الذي ربما لخصت حياته كلها كلمة واحدة ووحيدة هي: الحرية. كان يذهب إليه الناقد الأدبي في مجلة روزاليوسف التي كان يتولي إحسان عبد القدوس رئاسة تحريرها. ليقدم له مقالاً ضده. أي ضد إحسان عبد القدوس. فيقرر نشره دون قراءة. ويقسم – صادقا – أنه لن يقرأ المقال إلا كقارئ مع القراء العاديين. وكان ينفذ هذا. تولي رئاسة التحرير وهو في العقد الثالث من عمره. ولا يقول لي أحد أن هذا راجع إلي أن والدته كانت صاحبة المؤسسة. فقد كانت سيدة صارمة. تجيد فصل الخاص عن العام بشكل واع. أتيح لي إجراء حوار طويل معه. استقبلني إحسان في مكتبه الزجاجي. الذي يطل علي نيل الزمالك. وجزء كبير من قاهرة الأثرياء. وفي عمق المنظر قاهرة الفقراء. لأكثر من أربع ساعات. وكان صريحاً ومباشراً في كلامه معي. لم يطلب مني قراءة الحديث قبل نشره. وكان حريصاً علي الاتصال بي بعد النشر ليشكرني علي الحديث. كان شديد التواضع والبساطة. بدا لي وقد غسل نفسه من خيلاء الكاتب وغروره وعنجهيته. وأصبح إحسان الكاتب هو نفسه إحسان الصحفي والمسئول والروائي. وربما كان إحسان من البشر القلائل الذين قابلتهم ولم يتركوا لديّ الإحساس بأنه يعاني من مشاكل أو عقد نفسية. كان إنساناً سوياً. أذكر أنني طلبت منه رواية جديدة لنشرها. وكانت دهشتي بلا حدود عندما مد يده اليمني في درج المكتب وأخرج لي نصاً. قدمه لي دون اشتراطات. كان كريماً لدرجة ربما تفوقت علي حاتم الطائي ذات نفسه. عندما لاحظ أن نظرتي تتلصص علي بعض النشرات الممنوعة من التداول. والمتناثرة علي مكتبه. قدمها لي بصمت. رغم أنني لم أفكر في طلبها منه. ولم يطلب مني إعادتها له مرة أخري بعد قراءتها. وهذا الموقف فعله معي عبد الرحمن الخميسي. ولكن تلك حكاية أخري. كنت حريصاً علي قراءة نتاجه الأدبي. رغم أن روائياً مصرياً شاهد معي إحدي رواياته. فعاتبني علي وقتي الذي أضيعه في قراءة إحسان. قلت له يومها أنه يذكر لإحسان الروائي مزايا عديدة. أولها: أنه دخل تحت جلد المرأة وعبر عنها بما يتفوق به علي كثير من الروائيات. اللاتي لم يتمكن من رؤية العالم من منظور أنثوي رغم كل ما يقال عن الأدب النسائي. ثانيها: أنه نجح في كتابة النص الروائي الذي يتكلم عن الهم الوطني والارتباط بالوطن وبالدفاع عنه. دون أن يتخلي عن شروط النص الفنية وعن إنسانية أبطاله. الذين كان صادقاً في وصفهم. لسبب بسيط. أن إحسان من الكُتاب الذين لم يكتبوا سوي عما يعرفونه جيداً. ثالثها: أن إخلاصه لقيمة الحرية. لم يتغير. آمن بها وهو كاتب. والتزم بها وهو في السلطة. ومارسها مع نفسه ومع من عملوا معه بكل جدية وإخلاص. ورأي أن الحفاظ عليها صمام أمان حقيقي للوطن. أذكر أنني في يوم وفاته. اتصلت بنجيب محفوظ أبلغه الخبر الحزين. رغم عدم حماسي لإبلاغ مثل هذه الأخبار الحزينة. ورغم أن نجيب محفوظ كان قد بدأ يعود نفسه علي الاكتفاء بإرسال برقية عزاء. إلا أنه صمم علي الذهاب بنفسه. قال لي إذن مر عليّ لنذهب إلي عمر مكرم. قلت له. أن هناك صيوان سيقام أمام منزله علي كورنيش الزمالك. فكر في الذهاب علي قدميه. ثم عاد وطلب مني أن أمر عليه لنعبر معاً نهر النيل. ليودع بنفسه إحسان الذي كان يحبه بلا حدود. وكان يقدر له مزاياه الكثيرة. كان علي موعد مع يناير. ولد أول يناير 1919, وتوفي بالثاني عشر منه 1990. إنه إحسان عبد القدوس نجل الفنان محمد عبد القدوس والسيدة روزاليوسف التي تُعد من المؤسسين للصحافة المصرية والعربية في القرن العشرين. الذي حلت ذكري ميلاده ورحيله هذه الأيام. الكتابة عن إحسان عبد القدوس فرض عين علي كل كاتب عربي. فمن منا لم تبهره هذه الجماهيرية المكتسحة التي حققتها رواياته. وإن كان إحساس الناس الطاغي بما كان يكتبه إحسان سواء في الرواية أو الصحافة. قد أوجدت تحفظات تجاهه من بعض النقاد الذين لا يضعون في اعتبارهم أذواق الناس وإعجابهم. بل ربما شعروا بالعداء تجاه الروائي أو المثقف الذي تقبل الناس علي قراءته. مع أن الناس يشكلون البرلمان لأي كاتب. من سوء حظي أنني لم أعمل معه. فأعرفه عن قرب. ولكن عوضني عن هذا أمران. الأول أنني تعرفت علي الذين عملوا معه. سمعت من الأستاذ هيكل وكامل زهيري. وأحمد بهاء الدين وعبد الغني أبو العينين وعبد الله إمام الكثير عن إحسان الذي لا نعرفه. عن الإنسان والصحفي والروائي الذي ربما لخصت حياته كلها كلمة واحدة ووحيدة هي: الحرية. كان يذهب إليه الناقد الأدبي في مجلة روزاليوسف التي كان يتولي إحسان عبد القدوس رئاسة تحريرها. ليقدم له مقالاً ضده. أي ضد إحسان عبد القدوس. فيقرر نشره دون قراءة. ويقسم – صادقا – أنه لن يقرأ المقال إلا كقارئ مع القراء العاديين. وكان ينفذ هذا. تولي رئاسة التحرير وهو في العقد الثالث من عمره. ولا يقول لي أحد أن هذا راجع إلي أن والدته كانت صاحبة المؤسسة. فقد كانت سيدة صارمة. تجيد فصل الخاص عن العام بشكل واع. أتيح لي إجراء حوار طويل معه. استقبلني إحسان في مكتبه الزجاجي. الذي يطل علي نيل الزمالك. وجزء كبير من قاهرة الأثرياء. وفي عمق المنظر قاهرة الفقراء. لأكثر من أربع ساعات. وكان صريحاً ومباشراً في كلامه معي. لم يطلب مني قراءة الحديث قبل نشره. وكان حريصاً علي الاتصال بي بعد النشر ليشكرني علي الحديث. كان شديد التواضع والبساطة. بدا لي وقد غسل نفسه من خيلاء الكاتب وغروره وعنجهيته. وأصبح إحسان الكاتب هو نفسه إحسان الصحفي والمسئول والروائي. وربما كان إحسان من البشر القلائل الذين قابلتهم ولم يتركوا لديّ الإحساس بأنه يعاني من مشاكل أو عقد نفسية. كان إنساناً سوياً. أذكر أنني طلبت منه رواية جديدة لنشرها. وكانت دهشتي بلا حدود عندما مد يده اليمني في درج المكتب وأخرج لي نصاً. قدمه لي دون اشتراطات. كان كريماً لدرجة ربما تفوقت علي حاتم الطائي ذات نفسه. عندما لاحظ أن نظرتي تتلصص علي بعض النشرات الممنوعة من التداول. والمتناثرة علي مكتبه. قدمها لي بصمت. رغم أنني لم أفكر في طلبها منه. ولم يطلب مني إعادتها له مرة أخري بعد قراءتها. وهذا الموقف فعله معي عبد الرحمن الخميسي. ولكن تلك حكاية أخري. كنت حريصاً علي قراءة نتاجه الأدبي. رغم أن روائياً مصرياً شاهد معي إحدي رواياته. فعاتبني علي وقتي الذي أضيعه في قراءة إحسان. قلت له يومها أنه يذكر لإحسان الروائي مزايا عديدة. أولها: أنه دخل تحت جلد المرأة وعبر عنها بما يتفوق به علي كثير من الروائيات. اللاتي لم يتمكن من رؤية العالم من منظور أنثوي رغم كل ما يقال عن الأدب النسائي. ثانيها: أنه نجح في كتابة النص الروائي الذي يتكلم عن الهم الوطني والارتباط بالوطن وبالدفاع عنه. دون أن يتخلي عن شروط النص الفنية وعن إنسانية أبطاله. الذين كان صادقاً في وصفهم. لسبب بسيط. أن إحسان من الكُتاب الذين لم يكتبوا سوي عما يعرفونه جيداً. ثالثها: أن إخلاصه لقيمة الحرية. لم يتغير. آمن بها وهو كاتب. والتزم بها وهو في السلطة. ومارسها مع نفسه ومع من عملوا معه بكل جدية وإخلاص. ورأي أن الحفاظ عليها صمام أمان حقيقي للوطن. أذكر أنني في يوم وفاته. اتصلت بنجيب محفوظ أبلغه الخبر الحزين. رغم عدم حماسي لإبلاغ مثل هذه الأخبار الحزينة. ورغم أن نجيب محفوظ كان قد بدأ يعود نفسه علي الاكتفاء بإرسال برقية عزاء. إلا أنه صمم علي الذهاب بنفسه. قال لي إذن مر عليّ لنذهب إلي عمر مكرم. قلت له. أن هناك صيوان سيقام أمام منزله علي كورنيش الزمالك. فكر في الذهاب علي قدميه. ثم عاد وطلب مني أن أمر عليه لنعبر معاً نهر النيل. ليودع بنفسه إحسان الذي كان يحبه بلا حدود. وكان يقدر له مزاياه الكثيرة.