ليلة السبت 23/1/2015.. جلست لأكتب قبل الأحد 25/1، أي في ذكري ذلك اليوم المهيب منذ أربع سنوات، ولأنني لست من هواة »النوستالجيا» (أي الحنين إلي الماضي)، فلن أحكي لكم عنه ذكريات شخصية، لديكم، بالقطع، ماهو أكثرثراءً منها، ففي مثل هذه التواريخ الجليلة يحلو للناس تبادل الذكريات، وفي مثل هذه التواريخ أيضًا يحلو لبعض الناس أن يختلط لديهم الماضي بالحاضر بالمستقبل، فيجعلون الذكري لامجرد حنين بل حالة أبدية يعيشونها ليل نهار، خارج السياقات، تعاود ظهورها بحذافيرها، كأن لاشئ تغير حتي هم أنفسهم! مايعنيني الآن أن أفكر، لافيما حدث، بل فيما يمكن أن يحدث حتي تستقر هذه الكلمات بين أيديكم، أعني: كم عدد القنابل البدائية الصنع التي ستنفجر في وجوه الأبرياء، كم قتيلًا سيكون قد يواريه التراب غدًا أوبعد غدٍ؟! كم انتقامًا مرجئًا في الصدور؟! لكنك لن تقفز في المستقبل دون أن يراودك شئ من ذلك الحنين، لتلك الصيحة الهادرة »ارحل»، و»الشعب يريد إسقاط النظام»، ودون أن تملأ عينيك الجموع وهي تهرع إلي الشوارع، يصطف البشر إلي جوار البشر، والسيارات إلي جوار السيارات، ولاشئ يتحرك في الفضاء سوي أعلام مصر، ووميض »الليزر» يعانق السماء الرحبة في الليل. تحكي الأسطورة اليونانية القديمة أن الآلهة »جونو» قد عاقبت الحورية »إكو»( والاسم معناه الصدي بالعربية) بأن تردد العبارات الأخيرة فقط من الأحاديث التي تسمعها، كان هذا العقاب نتاجًا لثرثرة » إكو» التي كانت لاتطيق الصمت، وكانت تشغل الآلهة جونو بهذه الثرثرة فتعوقها عن ضبط زوجها جوبيتر وهو متلبس بمضاجعة الحوريات في الجبال، إذ تنخرط معها في حديث لاينتهي يتيح للحوريات الإفلات من مطاردة جونو لهن! هل يبدو حديثي عن الأسطورة غريبًا في هذا السياق؟ لاأظن، فشئ من هذا العقاب ينتاب المثرثرين، أعني: أن يرددوا فقط العبارات الأخيرة مما حدث ويحدث، أن يصبحوا مجرد صدي للصراعات، وتضارب المصالح (وتصالحها!)، ولما يشاهدونه علي الشاشات والمواقع، ثرثرة ثورية وثرثرة دينية،وثرثرة مسئولين، وشائعات تلو الشائعات، ودعوات للنزول لاستكمال الثورة، وحكومة تغمض عينيها عن قطع الشك باليقين! هل هذا ما أفسد البهجة بهذه الذكري الجليلة؟ هل هذا هو ما يجلسنا في بيوتنا لنراقب علي الشاشات تلك المعركة التي كنا ذات يوم طرفًا فيها؟! يبدو المثل العامي »ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه» ركيكًا في هذا السياق، لكنه كاشف علي أي حال، في معركة صارت بين طرفين: الدولة والإرهاب، بينما من تقطعت هدومه عبر أربع سنوات، من ظل بين المطرقة والسندان، من قدم نفسه (للمرة المليون؟!) قربانًا لذلك الصراع الذي لاينتهي بين الإسلام السياسي والدولة يعاود الانتظار! منذ بداية يناير 2011، بدت مصر وكأنها علي فوهة بركان، لمن يسير في الطرقات ( لا لمن كان يجلس علي العروش وفي المكاتب المكيفة) ويري حمم الغضب تتصاعد من العيون، كرة النار التي تدحرجت في الميادين، وكرات الدماء التي تلقفتها الأيدي شهداء مرفوعون علي السواعد، بقيت منها جمرات بعد أربع سنوات، قد تخبو حين تشتد المعركة، ويموت من أبنائنا جنود، خسة وغدرًا، وقد ينفخ فيها،بعد الأسي والدموع الفقر والجهل والظلم والفساد بأنفاسهم، وإن لم يكن لنا أن نعلق علي أحكام القضاء، فالعدل رمزه الميزان، ولتعتدل الكفة، بعد كل البراءات القاصمة لظهورنا، بخروج أبنائنا »المتظاهرين السلميين»بعفو رئاسي من السجون، ولتعتدل الكفة بأن نحيا، وأن نبتهج بين الحين والآخر، بقرارات ناجزة: حرية وعيشًا وعدالة اجتماعية،طال انتظارنا لها، نحن الذين آثرنا ألا نزج بأنفسنا في دائرة الاقتتال، صونًا لهذه الأرض، نحن الذين نحلم بأن نرفع أعلامنا مبتهجين خاشعين في ميادين كانت دماء أبنائنا، في مثل هذا اليوم، نوافيرها. ليلة السبت 23/1/2015.. جلست لأكتب قبل الأحد 25/1، أي في ذكري ذلك اليوم المهيب منذ أربع سنوات، ولأنني لست من هواة »النوستالجيا» (أي الحنين إلي الماضي)، فلن أحكي لكم عنه ذكريات شخصية، لديكم، بالقطع، ماهو أكثرثراءً منها، ففي مثل هذه التواريخ الجليلة يحلو للناس تبادل الذكريات، وفي مثل هذه التواريخ أيضًا يحلو لبعض الناس أن يختلط لديهم الماضي بالحاضر بالمستقبل، فيجعلون الذكري لامجرد حنين بل حالة أبدية يعيشونها ليل نهار، خارج السياقات، تعاود ظهورها بحذافيرها، كأن لاشئ تغير حتي هم أنفسهم! مايعنيني الآن أن أفكر، لافيما حدث، بل فيما يمكن أن يحدث حتي تستقر هذه الكلمات بين أيديكم، أعني: كم عدد القنابل البدائية الصنع التي ستنفجر في وجوه الأبرياء، كم قتيلًا سيكون قد يواريه التراب غدًا أوبعد غدٍ؟! كم انتقامًا مرجئًا في الصدور؟! لكنك لن تقفز في المستقبل دون أن يراودك شئ من ذلك الحنين، لتلك الصيحة الهادرة »ارحل»، و»الشعب يريد إسقاط النظام»، ودون أن تملأ عينيك الجموع وهي تهرع إلي الشوارع، يصطف البشر إلي جوار البشر، والسيارات إلي جوار السيارات، ولاشئ يتحرك في الفضاء سوي أعلام مصر، ووميض »الليزر» يعانق السماء الرحبة في الليل. تحكي الأسطورة اليونانية القديمة أن الآلهة »جونو» قد عاقبت الحورية »إكو»( والاسم معناه الصدي بالعربية) بأن تردد العبارات الأخيرة فقط من الأحاديث التي تسمعها، كان هذا العقاب نتاجًا لثرثرة » إكو» التي كانت لاتطيق الصمت، وكانت تشغل الآلهة جونو بهذه الثرثرة فتعوقها عن ضبط زوجها جوبيتر وهو متلبس بمضاجعة الحوريات في الجبال، إذ تنخرط معها في حديث لاينتهي يتيح للحوريات الإفلات من مطاردة جونو لهن! هل يبدو حديثي عن الأسطورة غريبًا في هذا السياق؟ لاأظن، فشئ من هذا العقاب ينتاب المثرثرين، أعني: أن يرددوا فقط العبارات الأخيرة مما حدث ويحدث، أن يصبحوا مجرد صدي للصراعات، وتضارب المصالح (وتصالحها!)، ولما يشاهدونه علي الشاشات والمواقع، ثرثرة ثورية وثرثرة دينية،وثرثرة مسئولين، وشائعات تلو الشائعات، ودعوات للنزول لاستكمال الثورة، وحكومة تغمض عينيها عن قطع الشك باليقين! هل هذا ما أفسد البهجة بهذه الذكري الجليلة؟ هل هذا هو ما يجلسنا في بيوتنا لنراقب علي الشاشات تلك المعركة التي كنا ذات يوم طرفًا فيها؟! يبدو المثل العامي »ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه» ركيكًا في هذا السياق، لكنه كاشف علي أي حال، في معركة صارت بين طرفين: الدولة والإرهاب، بينما من تقطعت هدومه عبر أربع سنوات، من ظل بين المطرقة والسندان، من قدم نفسه (للمرة المليون؟!) قربانًا لذلك الصراع الذي لاينتهي بين الإسلام السياسي والدولة يعاود الانتظار! منذ بداية يناير 2011، بدت مصر وكأنها علي فوهة بركان، لمن يسير في الطرقات ( لا لمن كان يجلس علي العروش وفي المكاتب المكيفة) ويري حمم الغضب تتصاعد من العيون، كرة النار التي تدحرجت في الميادين، وكرات الدماء التي تلقفتها الأيدي شهداء مرفوعون علي السواعد، بقيت منها جمرات بعد أربع سنوات، قد تخبو حين تشتد المعركة، ويموت من أبنائنا جنود، خسة وغدرًا، وقد ينفخ فيها،بعد الأسي والدموع الفقر والجهل والظلم والفساد بأنفاسهم، وإن لم يكن لنا أن نعلق علي أحكام القضاء، فالعدل رمزه الميزان، ولتعتدل الكفة، بعد كل البراءات القاصمة لظهورنا، بخروج أبنائنا »المتظاهرين السلميين»بعفو رئاسي من السجون، ولتعتدل الكفة بأن نحيا، وأن نبتهج بين الحين والآخر، بقرارات ناجزة: حرية وعيشًا وعدالة اجتماعية،طال انتظارنا لها، نحن الذين آثرنا ألا نزج بأنفسنا في دائرة الاقتتال، صونًا لهذه الأرض، نحن الذين نحلم بأن نرفع أعلامنا مبتهجين خاشعين في ميادين كانت دماء أبنائنا، في مثل هذا اليوم، نوافيرها.