لماذا لم أسأل إحدي النساء المتذمرات بالبساطة نفسها؟! هذه الواقعة التي تبدو بسيطة وفردية، بل مثيرة للسخرية، بدت لي علامة فارقة بين ثقافتين منذ سنوات بعيدة توجهت إلي حمام أحد المطارات الأوروبية، وبتلقائية شديدة حاولت جذب محبس »الحنفية» فلم أجده، كان يصطف ورائي طابور طويل من النساء، لما طالت الوقفة بدأن في التذمر، لم يفهم أحد لماذا تطيل امرأة –تبدوعصرية وعاقلة- الوقوف أمام حوض المياه دون أن تفتح »الحنفية»، بل تقف أمامها متأملة، أمام موجة التذمر تركت مكاني وخرجت وسط دهشة الجميع، عدت، بعدها، لأتأمل من وراء الباب كيفية فتح »الحنفية»، كنت أشعر بمزيج من الخجل والمهانة حين رأيت أنه يكفي فقط أن تمرر يدك تحتها لتنساب المياه، ثم تتوقف تلقائيا، حين عدت أخبرت صديقاتي بما حدث، ووسط الضحكات سردن لي تجارب عانين فيها من الحرج نفسه، مما مكنني من أن أراكم خبرة كافية بأنماط الحنفيات. في سفرة تالية كانت »الحنفية» من طراز آخر،تأملتها من بعيد، وأدركت –بخبرتي المكتسبة- أن بإمكاني التعامل معها، كان في الحمام امرأة صينية شابة، تحمل علي كتفها جهاز »لاب توب»، لكنني نحيت مخاوفي، وتوجهت بثقة صوب الحنفية وفتحتها، وماإن استدرت حتي بادرتني بالسؤال : »مدام، كيف فتحت هذه الحنفية؟هل يمكن أن تساعديني من فضلك»! تملكني للحظة شعور مزيج من الفخر والذهول، أوضحت لها الطريقة، فشكرتني ببساطة، لكن وقع الحادثة كان ثقيلا علي، وجعلني أستعيد التجربة الأولي وأسأل نفسي: لماذا لم أسأل إحدي النساء المتذمرات بالبساطة نفسها؟! هذه الواقعة التي تبدو بسيطة وفردية، بل مثيرة للسخرية، بدت لي علامة فارقة بين ثقافتين؛ ثقافة »متعالية» تخجل من السؤال، وثقافة تستحث الإنسان علي أن يسأل عما يجهله، بل إنني واجهت نفسي بتلك الازدواجية التي تجعلني ألح علي طلابي بأن المعرفة سؤال مستمر بينما أخجل أمام سؤال بسيط! لن أسرد الأسباب العديدة، التي يعرف كلنا معظمها، وراء ذلك الخجل، بدءا من نهر أطفالنا حين يمطروننا بالأسئلة، مرورا بتعليم يقوم علي التلقين وقمع السؤال، وأجهزة إعلامية لاتحتفي بالعلماء بقدر احتفائها بقراء الأبراج، وخبيرات تفسير الأحلام، والمعالجين بالآيات القرآنية والحجامة..إلخ. لكنني سأتوقف أمام علاقتنا بالتكنولوجيا المستوردة من بلاد الفرنجة، والتي لانلاحظها إلا حين نواجهها في عقر دارها، ففي بلادنا – حيث أقل بقليل من نصف السكان يعيش تحت خط الفقر قد يجهد الإنسان من أجل رغيف، لكنه يحمل »موبايل»، يحمّل عليه »رنات» تتراوح بين الآيات القرآنية، والأدعية، وصولا إلي خليط من الأغاني الشعبية، من يدعي أنه ذو تعليم عال- كأمثالي- قد تجد علي موبايله خليطا من أغاني أم كلثوم، وموسيقي كلاسيكية، لكن هذا الخليط »الطبقي» من الثقافة لايعني أننا نختلف كثيرا، ففي العمق يجمعنا كلنا أننا نلتقط »نتفا» من تلك الإنجازات، ونتفا من المعرفة، تجعل باحثة مثلي، ومثل آلاف الباحثين، يفنون أعمارهم في محاولة اللحاق بالنظريات الحديثة في مجالهم عبر الوسائط الإلكترونية، في حين يقفون عاجزين أمام»حنفية»! نتفا تجعلنا داخل العالم وخارجه في الوقت نفسه، نتفا تتجاور لصق بعضها بعضا »كالكليم» المصنوع من قصاصات الأقمشة، ليس هناك »نظام» يؤهل الشخص نفسه لأن يدرك »الفارق» بين وظيفة أدعية الشيوخ والوظيفة الفعلية للموبايل من حيث هو جهاز اتصال، مثله مثل طريقة فتح الحنفية التي تنتمي إلي سياق حضاري يختزل الوقت والجهد الإنساني ونقاط المياه، نحن نتحدث كثيرا عن »منظومة الخبز»، »منظومة التعليم»، »منظومة الصحة»، و»المنظومة تجري ورا المنظومة عايزه تطولها»، دون أن تتلاحم المنظومة ب »النظام»، النظام الذي تندرج تحته كل هذه المنظومات، النظام الذي يحسم توجهه صوب ثقافة الإنتاج لا الاستهلاك، ودون توجه حقيقي من »النظام» صوب هذا الحسم، سنظل نجمع قصاصات الكليم نفسه، ونحمل رنات الموبايل، ونحن نضع الجردل ليمتلئ تحت »الحنفية السايبة». لماذا لم أسأل إحدي النساء المتذمرات بالبساطة نفسها؟! هذه الواقعة التي تبدو بسيطة وفردية، بل مثيرة للسخرية، بدت لي علامة فارقة بين ثقافتين منذ سنوات بعيدة توجهت إلي حمام أحد المطارات الأوروبية، وبتلقائية شديدة حاولت جذب محبس »الحنفية» فلم أجده، كان يصطف ورائي طابور طويل من النساء، لما طالت الوقفة بدأن في التذمر، لم يفهم أحد لماذا تطيل امرأة –تبدوعصرية وعاقلة- الوقوف أمام حوض المياه دون أن تفتح »الحنفية»، بل تقف أمامها متأملة، أمام موجة التذمر تركت مكاني وخرجت وسط دهشة الجميع، عدت، بعدها، لأتأمل من وراء الباب كيفية فتح »الحنفية»، كنت أشعر بمزيج من الخجل والمهانة حين رأيت أنه يكفي فقط أن تمرر يدك تحتها لتنساب المياه، ثم تتوقف تلقائيا، حين عدت أخبرت صديقاتي بما حدث، ووسط الضحكات سردن لي تجارب عانين فيها من الحرج نفسه، مما مكنني من أن أراكم خبرة كافية بأنماط الحنفيات. في سفرة تالية كانت »الحنفية» من طراز آخر،تأملتها من بعيد، وأدركت –بخبرتي المكتسبة- أن بإمكاني التعامل معها، كان في الحمام امرأة صينية شابة، تحمل علي كتفها جهاز »لاب توب»، لكنني نحيت مخاوفي، وتوجهت بثقة صوب الحنفية وفتحتها، وماإن استدرت حتي بادرتني بالسؤال : »مدام، كيف فتحت هذه الحنفية؟هل يمكن أن تساعديني من فضلك»! تملكني للحظة شعور مزيج من الفخر والذهول، أوضحت لها الطريقة، فشكرتني ببساطة، لكن وقع الحادثة كان ثقيلا علي، وجعلني أستعيد التجربة الأولي وأسأل نفسي: لماذا لم أسأل إحدي النساء المتذمرات بالبساطة نفسها؟! هذه الواقعة التي تبدو بسيطة وفردية، بل مثيرة للسخرية، بدت لي علامة فارقة بين ثقافتين؛ ثقافة »متعالية» تخجل من السؤال، وثقافة تستحث الإنسان علي أن يسأل عما يجهله، بل إنني واجهت نفسي بتلك الازدواجية التي تجعلني ألح علي طلابي بأن المعرفة سؤال مستمر بينما أخجل أمام سؤال بسيط! لن أسرد الأسباب العديدة، التي يعرف كلنا معظمها، وراء ذلك الخجل، بدءا من نهر أطفالنا حين يمطروننا بالأسئلة، مرورا بتعليم يقوم علي التلقين وقمع السؤال، وأجهزة إعلامية لاتحتفي بالعلماء بقدر احتفائها بقراء الأبراج، وخبيرات تفسير الأحلام، والمعالجين بالآيات القرآنية والحجامة..إلخ. لكنني سأتوقف أمام علاقتنا بالتكنولوجيا المستوردة من بلاد الفرنجة، والتي لانلاحظها إلا حين نواجهها في عقر دارها، ففي بلادنا – حيث أقل بقليل من نصف السكان يعيش تحت خط الفقر قد يجهد الإنسان من أجل رغيف، لكنه يحمل »موبايل»، يحمّل عليه »رنات» تتراوح بين الآيات القرآنية، والأدعية، وصولا إلي خليط من الأغاني الشعبية، من يدعي أنه ذو تعليم عال- كأمثالي- قد تجد علي موبايله خليطا من أغاني أم كلثوم، وموسيقي كلاسيكية، لكن هذا الخليط »الطبقي» من الثقافة لايعني أننا نختلف كثيرا، ففي العمق يجمعنا كلنا أننا نلتقط »نتفا» من تلك الإنجازات، ونتفا من المعرفة، تجعل باحثة مثلي، ومثل آلاف الباحثين، يفنون أعمارهم في محاولة اللحاق بالنظريات الحديثة في مجالهم عبر الوسائط الإلكترونية، في حين يقفون عاجزين أمام»حنفية»! نتفا تجعلنا داخل العالم وخارجه في الوقت نفسه، نتفا تتجاور لصق بعضها بعضا »كالكليم» المصنوع من قصاصات الأقمشة، ليس هناك »نظام» يؤهل الشخص نفسه لأن يدرك »الفارق» بين وظيفة أدعية الشيوخ والوظيفة الفعلية للموبايل من حيث هو جهاز اتصال، مثله مثل طريقة فتح الحنفية التي تنتمي إلي سياق حضاري يختزل الوقت والجهد الإنساني ونقاط المياه، نحن نتحدث كثيرا عن »منظومة الخبز»، »منظومة التعليم»، »منظومة الصحة»، و»المنظومة تجري ورا المنظومة عايزه تطولها»، دون أن تتلاحم المنظومة ب »النظام»، النظام الذي تندرج تحته كل هذه المنظومات، النظام الذي يحسم توجهه صوب ثقافة الإنتاج لا الاستهلاك، ودون توجه حقيقي من »النظام» صوب هذا الحسم، سنظل نجمع قصاصات الكليم نفسه، ونحمل رنات الموبايل، ونحن نضع الجردل ليمتلئ تحت »الحنفية السايبة».