تلميذ ‬في ‬مدرسة ‬الأستاذ

كنت ‬أول ‬صحفي ‬لايسبقني ‬إلا ‬الأستاذ ‬محمد ‬بركات ‬في ‬كتيبة ‬صحفيي ‬الأخبار ‬الذين ‬دخلوا ‬الدار ‬بعد ‬جيل ‬العمالقة ‬المؤسسين، ‬هؤلاء ‬الذين ‬علمونا ‬كل ‬شيء ‬ولم ‬يبخلوا ‬علينا ‬وتعلمنا ‬منهم ‬أصول ‬وقواعد ‬المهنة ‬التي ‬حببونا ‬فيها ‬لدرجة ‬العشق.‬
علمني ‬الاساتذة ‬الكبار ‬وكانت ‬مكاتبهم ‬ ‬رغم ‬اننا ‬كنا ‬صغارا ‬نحبو ‬في ‬شارع ‬الصحافة ‬ ‬مفتوحة ‬لنا ‬دائما ‬بلا ‬مواربة ‬فنون ‬الدنيا ‬بعد ‬فنون ‬الكتابة ‬علمني ‬استاذنا ‬علي ‬أمين ‬حب ‬الناس ‬واستاذي ‬مصطفي ‬أمين ‬كيف ‬أكون ‬دائما ‬كبيرا ‬بافعالا ‬واقوالا ‬ومعلمي ‬موسي ‬صبري ‬كيف ‬أكون ‬دقيقا ‬في ‬التحري ‬عن ‬الخبر ‬وادقق ‬في ‬كتابته ‬وقدوتنا ‬جلال ‬الحمامصي ‬كيف ‬تكون ‬الصحافة ‬رسالة ‬وعلمني ‬استاذي ‬الراحل ‬أحمد ‬رجب ‬ألا ‬اهاب ‬احد ‬وان ‬اعيش ‬دائما ‬رافع ‬الرأس ‬لاني ‬ببساطة ‬شديدة ‬انتمي ‬الي ‬دار ‬أخبار ‬اليوم ‬وعشت ‬اربعين ‬عاما ‬داخلها ‬وانا ‬أتربي ‬علي ‬كل ‬تلك ‬القيم ‬والمباديء ‬التي ‬علمها ‬لنا ‬اساطير ‬في ‬عالم ‬الصحافة
.‬
يتركنا ‬الاستاذ ‬اليوم ‬بعد ‬أن ‬رحل ‬عن ‬عالمنا ‬الفاني ‬ولا ‬أخفي ‬كم ‬هو ‬حزننا ‬علي ‬فراقه ‬لقد ‬كانت ‬صومعته ‬التي ‬عرفناها ‬بالمبني ‬الاثري ‬القديم ‬لأخبار ‬اليوم ‬بالدور ‬الثاني ‬محرابا، ‬كان ‬اي ‬منا ‬يتمني ‬زيارته ‬ليكتشف ‬كيف ‬يعمل ‬الاستاذ ‬وكيف ‬تخرج ‬كل ‬تلك ‬الافكار ‬التي ‬تزين ‬ ‬رغم ‬قصر ‬كلماتها ‬ ‬كل ‬يوم ‬صفحات ‬الاخبار. ‬كنا ‬ننظر ‬اليه ‬بانبهار ‬كيف ‬استطاع ‬ان ‬يحول ‬‮2‬/‬‮1‬ ‬كلمة ‬عاموده ‬اليومي ‬الي ‬رصاص ‬في ‬صدر ‬كل ‬ماهو ‬سيئ ‬او ‬غير ‬صحيح ‬مهما ‬علا ‬شأن ‬المسئول ‬او ‬طالت ‬قامته ‬أو ‬نفوذه.‬
وعندما ‬كون ‬مع ‬رفيق ‬الرحلة ‬الراحل ‬مصطفي ‬حسين ‬ثنائيا ‬اخرج ‬لنا ‬شخصيات ‬الكاريكاتير ‬بداية ‬من ‬كمبورة ‬وعبورا ‬بعزيز ‬الاليت ‬وفلاح ‬كفر ‬الهنادوة ‬وغيرها ‬من ‬الابتكارات ‬كنا ‬نسارع ‬الي ‬سكرتارية ‬التحرير ‬لنراها ‬قبل ‬ان ‬يراها ‬الناس ‬مطبوعة ‬علي ‬صفحات ‬الجريدة.‬
احلي ‬مافي ‬استاذي ‬الراحل ‬هي ‬روحه ‬المرحة ‬السمحة ‬وخجله ‬واذكر ‬انه ‬كلما ‬طلب ‬مني ‬الذهاب ‬للمطار ‬الذي ‬اشرف ‬علي ‬مكتب ‬الاخبار ‬به ‬لستقبل ‬شقيقته ‬كان ‬يتحرج ‬في ‬طلب ‬التصريح ‬حتي ‬لايحرجني ‬وكنت ‬دائما ‬ما ‬أقول ‬له ‬انت ‬الاستاذ ‬وطلباتك ‬اوامر ‬تنفيذها ‬واجب ‬لايمكني ‬الا ‬ان ‬أقوم ‬به ‬راضيا.‬
سأظل ‬اتذكر ‬ماحييت ‬كيف ‬كنت ‬يا ‬من ‬فقدته ‬اليوم ‬كأب ‬قلقا ‬علي ‬عندما ‬علمت ‬بمروري ‬بحالة ‬مرضية ‬وسؤالك ‬عني ‬وتحذيرك ‬لي ‬عندما ‬وجدت ‬ان ‬وزني ‬زائد ‬لتقول ‬لي ‬احذر ‬الكرش ‬انه ‬بداية ‬النهاية، ‬وسأظل ‬اذكر ‬اول ‬اهداء ‬لكتاب ‬لك ‬كتبت ‬عليه ‬الي ‬تلميذي ‬النابه ‬زميلي ‬في ‬بلاط ‬صاحبة ‬الجلالة.‬
كنت ‬كبيرا ‬وستظل ‬رغم ‬الرحيل ‬كبيرا ‬وسأظل ‬تلميذا ‬في ‬مدرسة ‬الأستاذ .. ‬مدرسة ‬الاساتذة.‬