تعلمنا الكثير من رواد الأدب العربي من شعراء وأدباء ومفكرين، وللكثير منهم علامات مؤثرة في الأدب العربي والعالمي، وفي ظل زيادة أعداد الروايات المصرية بعد ثورة يناير، قررنا البحث وراء أصل الرواية المصرية وتاريخها. وكعادة شباب جيلنا، كان أول مصادرنا، هو محرك البحث الإلكتروني "جوجل"، والذي من خلاله استوقفني اسم أول روائي. مصري "محمد حسين هيكل"، وللحظات انتابني شعور بالذهول والغباء هل أخطأ البحث أم إنني في أبهى عصور الجهل، فمن أول وهلة وجدت اسم "محمد حسين هيكل" توقعت أن محرك البحث أخطأ، فالمؤكد أنه يقصد "محمد حسنين هيكل"، فهو الأشهر بالنسبة لجيلنا، لكن لأن معلوماتنا دائماً ما نستقيها مما توقف عنده الآخرون على مواقع التواصل الاجتماعي والتسجيل والتدوين على الشبكة العنكبوتية فلم نجد سوى القليل عن رجل يستحق الكثير والكثير. اندثر الحديث عن "هيكل" ووجب علينا البحث فيما أخفاه تاريخ الأدب العربي، ولذلك قررنا البحث عما لا يعلمه الجيل الجديد من الكتاب والروائيين والشباب عن أول روائي مصري وعربي والذي كان لديه البادرة الأولى في كتابة الرواية بالعربية. التقينا بالدكتور أحمد هيكل، الابن الأصغر للروائي محمد حسين هيكل، والذي وافق على أن يأخذنا في رحلة بين الصور والذكريات لكشف الجزء الخفي من تاريخ الأدب العربي. الرحلة بدأت من قرية " كفر غنام "بمحافظة الدقهلية، حيث الطبيعة الساحرة والريف المصري العريق، الذي ولد وتتلمذ وعمل به الراحل "محمد حسين هيكل"، حيث تخرج من مدرسة الحقوق عام 1909، ثم سافر إلى باريس ليكمل دراسته وهناك لم يبتعد عن ذاكرته حبه لبلده والريف المصري الذي تأثر بأصالته كثيراً، وقرر أن يتغلب على غربته وينتقل بخياله إلى بلدته الصغيرة من خلال روايته الأولى "زينب" التي كتبت في باريس عام 1914 ميلادياً، والتي لم يكتب اسمه عليها ولكن كتبت باسم "مصري فلاح". لم تكن هناك رواية باللغه العربية في ذلك الوقت وكان العرب يعتبرون من يقرأ الروايات الأجنبية هو شخص غريب لا يلتزم بعادتهم ويبحث عن الخلاعة. كان لذلك أثر سلبي على ردود الأفعال حول الرواية فلم تقابل بالترحاب المرجو لها عند صدورها لأول مرة، ولكن مع صدور الطبعة الثانية بدء الجمهور في التجاوب والترحاب خصوصًا بعدما تم تصويرها كفيلم سينمائي مرتين الأولى كفيلم صامت والثانية فيلم ناطق. وعاد الروائي الشاب الحامل للدكتوراه في القانون إلى بلدته الصغيرة ليخدم أهلها ويعمل بالمحاماة إلى أن تأسس حزب الأحرار الدستوريين والذي أصدر جريدة السياسي عام 1922 فتولى رئاسة تحريرها "محمد حسنين هيكل"، وذلك حتى عام 1937، ثم بدئت حياته تتغير بشكل أكبر وأصبحت إقامته ما بين القاهرة والقرية إلى أن تولى الوزارة في حكومة "محمد محمود باشا" حوالي سنتين مما جعله يأتي بأسرته إلى القاهرة ثم تولى وزارة المعارف عام 1943 وأصبح رئيس حزب الأحرار الدستوريين. واستكمل دكتور أحمد هيكل جولته بين صور والده وصولاً للعام 1945 عندما أصبح رئيساً لمجلس الشيوخ حتى عام 1950، وعندما أتت ثورة 1952 ترك هيكل العمل السياسي ولكن استمر في الكتابة التي لم تتوقف طوال هذه الفترة. ورغم سهولة النشر والطباعة والتوزيع قبل ثورة 52، إلا أن هيكل كان يرفض إصدار أعماله وهو في منصب سياسي أو حكومي وذلك خوفا من نفاق المحيطين به للتودد له وبمجرد تفرغه من العمل السياسي أصدر العديد من الأعمال التي كان قد انتهى من كتابتها ولكن أجلت للنشر وعلى رأسها "هكذا خلقت"، و"حياة محمد"، الذي انتشر بالعالم أجمع وترجم لأكثر من لغة ويعتبر حتى الآن من أهم المراجع الأساسية للحديث عن السيرة النبوية الشريفة، كما كتب العديد كمن الروايات عن الخلفاء الراشدين. واستوقف هنا الابن، قائلاً: "كان من الواجب على المسئولين في هذه الفترة إعادة نشر مثل تلك الأعمال ليعلم الغرب من هم المسلمون الحقيقيون خصوصا وأن هناك نسخ بالفعل مترجمة". ثم تأخذنا آلة الزمن على مجمع اللغة العربية والصورة العريقة التي تحمل رموز الأدب والفكر في العالم العربي من بينهم طه حسين، لطفي السيد، عباس محمود العقاد، مصطفى عبد الرازق، محمد حسين هيكل، والكثيرون من رواد الأدب الذين تعلم منهم ومعهم هيكل. وأشار هيكل الابن، في حزن شديد إلى كل هؤلاء الرواد الذين يصعب وجودهم في زمن واحد إلا بمعجزة والتي اندثرت أفكار وأعمال الكثير منهم عقب ثورة 1952 فخلافها السياسي مع العهد السابق لها جعل من يقومون عليها يحاولون إنهاء كل ما هو سابق ل 52 وبالتالي لا المناهج الدراسية كان بها ما يكفي لتعليم الأولاد تاريخهم وتاريخ البلد فكل ذلك أدى إلى نوع من التعتيم على تاريخ البلد قبل 1952، مشيراً إلى نشأة التاريخ الثقافي في هذه الفترة ابتداء من الشيخ محمد عبده أواخر القرن ال 19 وطه حسين وعباس العقاد ولطفي السيد وقاسم أمين فكل هؤلاء تتلمذ على أيديهم جيل ولكن التعتيم جعل هناك فجوة كبيرة جدًا بين هذه الأجيال وهذه المرحلة. وعرض، فكرة حول ضرورة عمل دراسات موضوعية حول تلك الفترة وهؤلاء الكبار وأعمالهم، مشيرا إلى شروع المجلس الأعلى للثقافة إلى ذلك ضمن أنشطته حيث قام بعمل ندوة وحيدة عام 1996 عن "محمد حسين هيكل" وجهود الاستنارة الفكرية" ، ومع الأسف لم تتكرر !!!. وبعد استمرار تلك الحالة من الحزن حول حال الثقافة والأدب والإهمال الجسيم في حق هؤلاء تأتي بين أيدينا صورة لهيكل في شبابه تم التقاتها في باريس عام 1910 واستخدمت كغلاف لكتاب صدر عام 1996 باسم "مذكرات الشباب". ثم صورة أخرى لهيكل جالسا على كرسي ببيت عائلته في كفر غنام " دقهلية "والتي يظهر بها بمظهر الترف. والصورة التالية لهيكل مع رئيس جمهورية لبنان وذلك في مؤتمر الأدباء العرب حين ذاك. والأخرى يتوسطها خادم الحرمين الشريفين الملك فيصل آل سعود وعلى جانبية محمد حسين هيكل ورئيس وزراء لبنان وكانت تلك الصورة في الأممالمتحدة حيثكان هيكل ممثلاً لمصر بها. كما تم منحه الدكتوراه الفخرية في الهند ويسلمه إياها رئيس جمهورية الهند آن ذاك. .. وهيكل يلقي كلمته في توقيع ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945. وصورة نادرة أخرى تجمع بين أول روائي عربي وأول قاضي مصري في محكمة العدل الدولية " عبدالحميد باشا بدوي"، وكانت في مناقشة دكتوراه بجامعة القاهرة. وانتقلت رحلتنا إلى صور العائلة والتي يظهر في إحداها هيكل مع زوجته وابنتيه أمام ديكور منزل زينب في الفيلم الذي تم تصويره عن روايته زينب. والثانية له مع ابنه "احمد هيكل" وابنته في دار الأوبرا المصرية القديمة، والأخرى لابنته الكبرى، وهي تنظر لتمثاله بإعجاب شديد. وصورته مع زوجته ويتوسطهم ابنه الأصغر "أحمد هيكل" في أول عرض لفيلم زينب وبجواره الفنان القدير "محمد عبد الوهاب". وصورة أخرى لنفس اليوم وبجواره بطلة فيلم زينب. ويتحدث لنا الابن هيكل، عن "محمد حسين هيكل" الأب قائلاً: بإنه وإخوته كانوا مبهورين بشخصية والدهم وأدبه وإبداعه ومعجبين جدا به كشخصية عامه فاستطاع أن يحدد لنفسه وضع معين والأهم وضعه داخل الأسرة فعلاقته بأولاده كانت بسيطة كان يلعب معنا ويمرح ولكن وقت الدراسة فالمقصر يعاقب، لم يحرم الأب أبنائه من شئ ولم تضغط حياته الثقافية والسياسية على حياته العائلية فقد كان حكيما بشكل كبير. وظل كذلك حتى أخر لحظه في عمره عن عمر يناهز 68 عاماً وذلك في ديسمبر 1956.