طالب أقصري بجامعة طيبة التكنولوجية يفوز بالمركز الثالث بمسابقة إبداع 12    وزير الري يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مركز التدريب الإقليمي وجامعة بنها    السيسي يصدر قرارًا جمهوريًا بشأن تشكيل المجلس القومي للطفولة والأمومة    أتكفل بمصاريف علاجهم.. نجيب ساويرس يناشد المسؤولين السماح بدخول المصابين الفلسطينيين لمصر    «التضامن الاجتماعي» تقرر قيد جمعيتين بمحافظتي القاهرة والشرقية    بعد الانخفاض الاخير.. تعرف علي أسعار الذهب اليوم الاثنين 27 مايو 2024    وزير البترول يكشف عدة حقائق عن منظومة الطاقة وسبل مواجهة تحدياتها    الإسكان: تنفيذ حملات لإزالة مخالفات البناء وغلق الأنشطة المخالفة بالمدن الجديدة    بحوث البترول يناقش الأجيال الجديدة من الذكاء الاصطناعي اتجاهات وتطبيقات    أسعار الأسماك في سوق العبور اليوم | 27 مايو 2024    رئيس الوزراء يبدأ جولته بالبحيرة والإسكندرية بتفقد مزرعة نموذجية فى النوبارية    تداول 46 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    مجزرة رفح.. الأونروا: غزة جحيم على الأرض وصور الليلة الماضية شهادة أخرى على ذلك    مصر تدين بأشد العبارات قصف إسرائيل المتعمد لخيام النازحين فى رفح الفلسطينية    لليوم الثاني.. تجهيز 200 شاحنة تمهيدا لإدخالها إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم    مواجهة الزمالك والاتحاد.. مواعيد مباريات اليوم الإثنين    كولر يطير لسويسرا لقضاء إجازة خلال توقف الدوري    جوارديولا يحدد موعد رحيله عن مانشستر سيتي    اليوم.. تسليم أرقام جلوس طلاب الثانوية العامة للمديريات    استعجال تفريغ كاميرات المراقبة في حريق مخزن أخشاب بإمبابة    إصابة شخص صدمته سيارة خلال محاولة عبوره طريق إسكندرية الصحراوي بالجيزة    إصابة 3 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بالعياط    عطلة عيد الأضحى للقطاع الحكومي في مصر: مواعيد وتفاصيل    التفاصيل الكاملة لإيقاف تشغيل عدد من القطارات أيام الجمع والعطلات الرسمية    الأمن العام يضبط يضبط 44 كيلو مخدرات قيمتها 4 ملايين جنيه| صور    جامعة القاهرة تحتضن ختام فعاليات مهرجان إبداع 12    وزير الإسكان يتابع مشروعات تجديد أحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية (صور)    سيدة الشاشة العربية.. سر الغضب علي هذا اللقب    موعد وقفة عرفات 2024 وأهمية صيام يوم عرفة    وكيل وزارة صحة الاسماعيلية تفاجئ وحدة أبو جريش الصحية وتحيل المقصرين للتحقيق    «الرقابة الصحية» توقع بروتوكول تعاون مع جامعة طنطا لمنح شهادة «جهار- ايجي كاب»    وزارة الصحة توجه نصيحة لدول إقليم شرق المتوسط بشأن مفاوضات معاهدة الأوبئة    عاجل:- توقعات بزيادة أسعار الأدوية قريبًا ومخاوف من نقص الدواء    مقتل وإصابة العشرات في 4 ولايات أمريكية جراء عواصف شديدة    الجزائر: نعتزم إعادة طرح ملف عضوية فلسطين أمام مجلس الأمن    500 ألف جنيه مكافأة لكل لاعب بالأهلي بعد التتويج بدورى أبطال أفريقيا للمرة ال 12    مهرجان كان السينمائى 77 .. مصر تتصدر المشاركات العربية    طلاب الدبلومات الفنية يؤدون امتحان اللغة الفرنسية والحاسب الآلي بكفر الشيخ    ميناء دمياط توقع مذكرة تفاهم مع "علوم الملاحة" ببني سويف لتعزيز التعاون    تشكيل الأهلي المتوقع ضد الفيحاء في الدوري السعودي للمحترفين    بعد قليل، نظر استئناف باقي المتهمين بقضية التوكيلات الشعبية المزورة    ستولتنبرج: الناتو يستعد للعب دورا أكبر بكثير في دعم أمن أوكرانيا    راهول كوهلي يكشف عن خضوعه لتجارب أداء فيلم The Fantastic Four    هل حج الزوج من مال زوجته جائز؟.. دار الإفتاء تجيب (فيديو)    ميدو: إمام عاشور ممكن يلعب في أي مكان حتى لو مدافع.. ولا بد من دعم المنتخب بقوة    الأزهر للفتوى يوضح سِن الأضحية    كولر: لم أستطع الفوز على صنداونز.. لا أحب لقب "جدي".. والجماهير تطالبني بال13    هبوط فروزينوني.. وإنتر ينهي موسمه بالتعادل مع فيرونا في الدوري الإيطالي    أهمية ممارسة الرياضة اليومية.. لجسم وعقل أقوى وصحة أفضل    علي جمعة يوضح معنى العمرة وحكمها وشروط وجوبها: آثارها عظيمة    أستاذ اقتصاد ل قصواء الخلالي: عدم التصنيف القانوني للوافدين يمثل عبئا على الاقتصاد    جيش الاحتلال يعلن اغتيال قياديين فى حركة حماس خلال هجوم على رفح الفلسطينية    أوراق مزورة.. نقابة المحامين تكشف سر تأجيل القيد بالفترة الحالية    ماكرون: لم يكن لدى أوروبا هذا العدد من الأعداء كما هو الحال الآن    قطاع المتاحف: طريقة عرض الآثار بمعارض الخارج تتم من خلال لجان مشتركة    خبيرة: اللاجئون يكلفون الدولة اقتصاديا ونحتاج قواعد بيانات لهم دقيقة ومحدثة    بالتفاصيل.. تعرف على خطوات أداء مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشهر مولولود في تاريخ مصر !!
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 27 - 11 - 2013

المكان: قصر عابدين - القاهرة.
الزمان: الثانية فجر الأربعاء 16 يناير 1952
ليلة من ليالي شتاء عاصف لم تشهده مصر منذ سنوات.. الناس هربوا منذ غروب الشمس من الشوارع والملاهي والمقاهي إلى بيوتهم بحثا عن الدفء.. كان البرد يشتد وينخر في العظام.. لم تجد الأجساد المرتعشة غير الاحتماء بالبطاطين الصوفية والاستسلام لنوم عميق.. رغم هذا كله كان قصر الحكم في عابدين ساهراً.. كل جوانب القصر مضاءة.. الهمسات تسري هنا وهناك.. العيون مفتوحة.. والأنفاس محسوبة.. والأنظار تتجه نحو الجناح الملكي الخاص بالملك فاروق وزوجته الملكة ناريمان.. غرفة الملك كانت أكثر أماكن القصر همساً بعض الوقت.. وضجيجا معظم الوقت.. كان واضحا أن هناك حدثا هائلا يترقبه الجميع.. وأن الملك المعظم لن يغادر قصر عابدين مهما توغل الليل.. أو أشرق نور الصباح!.. وإلى جانب حجرة الملك والملكة كانت هناك حجرة أخري من غرف القصر قد تحولت إلى حجرة عمليات، أبوابها علي أهبة الاستعداد ليفتحها كبار أطباء الدولة في أي لحظة!
لماذا نام المصريون وسهر الملك والملكة؟!
ماذا كان يدور داخل أروقة القصر.. وفي مخدع ناريمان ملكة مصر؟!
إنها ليلة لا تنسي في تاريخ الملكية المصرية.. ليلة غامر من أجلها الملك فاروق بشعبيته الجارفة وطلق زوجته الأولي الملكة فريدة معشوقة الشعب.. ليلة جازف فاروق بسببها وتزوج من ناريمان الملكة التي كان رصيدها صفراً بين جموع المواطنين.. فريدة أنجبت البنات وعجزت عن تقديم ولي العهد لزوجها الملك ورعاياه من أبناء الشعب.. وناريمان هفت إليها القلوب.. وتعلقت بها الآمال..
وترقب المصريون كلهم أن تهديهم ولي عهدهم.. ولكن إلى أن يخرج هذا المولود "الذكر" إلى الحياة سوف يظل رصيدها من الحب مؤجلا في قلوب الناس.. ومنذ شهور أعلن الأطباء أن صاحبة الجلالة ناريمان حامل.. وراح القصر والشعب يضرب أخماساً في أسداس.. هل يكون المولود "ذكراً" فيفتح أبواب التاريخ لأمه الملكة ناريمان؟ أم يكون "أنثي" فتلحق ناريمان بفريدة في أول محطة يتوقف فيها قطار التاريخ؟.. عموما.. أ:د الأطباء أن ناريمان سوف تضع مولودها في العشر الأواخر من شهر يناير 1952.. لكن القدر شاء أن يكتب للميلاد تاريخا آخر في السادس عشر من يناير.. منذ ساعات فاجأت آلام المخاض ناريمان.. لفت بطنها بيدها ثم صرخت من أعماقها.. دارت الدنيا بزوجها الملك.. لقد عاش فاروق عمره ينتظر "ولداً".. وعاش التجربة ثلاث مرات من قبل.. وفي كل صرخة كانت تطلقها فريدة تهتز قدماه فلا تقويان علي حمله.. لكن سرعان ما يكتشف أن المولود أنثي فيهرب من قصره.. وزوجته.. والناس، إلى الملاهي الليلية يندب حظه.. ويبكي وحده علي ولي العهد الذي يأبى الحضور!
هذه المرة يملأ التفاؤل قلبه وقلوب كل من حوله.. أصيلة هانم أم الملكة تقسم أن قلبها يحدثها بأن المولود ذكراً.. أنها تصبح جدة ولي العهد القادم.. نبوءة أخرى من جنوب أفريقيا حملها السفير المصري إلى جلالة الملك قبل أيام.. النبوءة تقول إن إحدي سيدات جنوب أفريقيا رأت في المنام أن ملك مصر أنجب ولداً.. وأن هذه السيدة أبلغت قنصل مصر بالرؤية فأبلغها للسفير!.. لكن لم يكن هناك شيء مؤكد تستند إليه النبوءات أو التكهنات.. فالملك الذي تحاصره الآمال في ولي عهد طال انتظاره لا يستبعد أن تنجب ناريمان هي الأخري بنتا!.. من أجل هذا اختار الملك اسم ابنه، فلو كان ولداً سوف يطلق عليه أحمد فؤاد الثاني.. وإن كانت بنتا فسوف يطلق عليها واحدة من عدة أسماء.. فضيلة أو فاطمة أو فوز أو ملك!.. وكان الوقت يمضي في تلك الليلة.. وكان لابد أن يمضي!
أمسك الملك بسماعة التليفون..اتصل بالدكتور إبراهيم مجدي كبير أطباء النساء والتوليد بالقصر الملكي.. كلفه بالاتصال بطاقم الأطباء المطلوبين لحضور توليد الملكة.. وأمره بالحضور فوراً.. كما اتصل الملك بالدكتور أحمد النقيب صاحب مستشفي المواساة بالإسكندرية للحضور عقب الاتصال مباشرة.. وعلي الفور انطلقت عشر سيارات ملكية من داخل القصر إلى منازل الأطباء وفيلاتهم.. كما أقلعت طائرة ملكية خاصة لنقل الدكتور النقيب من الإسكندرية إلى داخل القصر خلال دقائق!
اتصال عاجل يتم من داخل أروقة القصر بكريم ثابت باشا ليكلف المسئولين بالإذاعة ليستمر الإرسال دون انقطاع في انتظار أن تزف الإذاعة المصرية النبأ السعيد.. وفي تمام الرابعة والنصف وخمس دقائق فجراً يتصل الملك بحافظ باشا عفيفي رئيس الديوان الملكي.. أيقظه من نومه واستدعاه إلى القصر الملكي في عابدين.. ثم توالت الاتصالات من داخل القصر.. مكالمة لحسن يوسف باشا وكيل الديوان.. لكن تليفونه لا يرد.. ويذهب إليه أحد جنود الحرس الملكي بموتوسيكل.. ودق بابه وأيقظه من نومه ثم أبلغه بتكليف الملك بالحضور.. مكالمة أخري لفؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية.. ثم إلياس أندراوس باشا.. ثم عبدالفتاح عمرو باشا وباقي كبار رجالات الدولة!
أكثر الناس خوفا وهلعا داخل القصر كان رجال البلاط والحرس والخدم وصغار الموظفين.. فلو كان المولود ذكراً تدفقت عليهم المكافآت.. ولو، كانت بنتا فسوف يكون يومهم علي يد الملك أسود من قرن الخروب!
الثامنة صباحا.. تحول القصر إلى خلية نحل.. دخلت الملكة ناريمان إلى حجرة العمليات الملكية.. كانت الحجرة مجهزة لمواجهة كل الاحتمالات سواء كانت الولادة طبيعية أو قيصرية.. أمام باب الحجرة فجر الملك مفاجأة جديدة!
أصر فاروق علي حضور عملية الولادة لم يجرؤ الأطباء علي مناقشته.. قالوا له سمعا وطاعة يا مولاي.. أحضروا له ملابس طبيب.. ارتدي جلالته البالطو الأبيض ووضع "الكمامة" الطبية فوق أنفه ثم دلف إلى داخل حجرة العمليات ليحضر بنفسه عملية الولادة لأول مرة في تاريخ حكام مصر من الملوك والرؤساء!
تسرع وصيفات الملكة لتجهيز ملابس الطفل الصغير!
كانت "لفافات" المولود من الحرير الخالص.. كل لفافة تم تطريز التاج الملكي عليها.. خبراء مصريون سافروا إلى باريس للإشراف علي تنفيذ هذه الملابس علي أرقي مستوي في التصميم سواء اللفافات الداخلية أو الخارجية منها.. وكان الملك قد سدد ستة آلاف جنيه من ثمن هذه الملابس إلى المحل الذي اشتراها منه وهو محل "فيرون بلان".. وتبقي من ثمنها ثلاثة آلاف جنيه.. "الطريف أن المحل طالب مجلس قيادة ثورة يوليو بالمبلغ المتبقي بعد خلع الملك فاروق بشهور قليلة".
الثامنة و20 دقيقة داخل قصر عابدين!
يكاد قلب ملك مصر يتوقف وهو يشاهد الجنين الذي جذبه الأطباء من أحشاء الملكة.. يصيح كبير الأطباء!
- ولد يا مولاي.. ولد يا جلالة الملكة!
تدمع عينا الملك والطبيب يحمل الطفل الوليد بين يديه ويقترب من أمه الملكة.. تطبع الملكة قبلة فوق وجه ولي العهد جاء فيما يشبه المعجزة. ثم تهمس:
- ياما أنت كريم يارب
يحمل الطبيب الطفل من جديد ليقدمه هذه المرة إلى جلالة الملك الذي يطبع قبلة دافئة فوق جبهة طفله ولي العهد ثم يهمس!
- أحمدك يارب!
ويخرج فاروق الأول من حجرة العمليات رافع الرأس.. يهتز جسده من فرط الفرحة.. يبلغ كبار مستقبليه بما قالته الملكة داخل حجرة العمليات.. ثم يقول لمهنئيه بالحرف الوالد:
- ".. لست سعيدا لنفسي فقط.. وإنما قبل ذلك سعيد من أجل الملكة.. وسعيد من أجل شعبي.. لأني أعتقد أو ولادة ولي العهد ستكون بداية عهد جديد لبلادي وشعبي إن شاء الله".
وتتوالي البرقيات من ملوك ورؤساء العالم لتهنئة الملك المصري فاروق الأول بمولد ولي العهد.. بينما تكون الأميرات فريال وفوزية وفادية في طلائع المهنئين مع باقي أميرات ونبيلات الأسرة الملكية اللائي توافدن علي قصر عابدين..
وعلي الفور يصدر جلالة ملك مصر أمرين ملكيين مع الساعات الأولي من صباح 17 يناير 1952.. الأول صادر من الملك إلى رئيس الوزراء.. والثاني صادر من الملك بإطلاق لقب أمير الصعيد علي ولي العهد.. ونصهما كالآتي:
الأمر الملكي الأول
حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء
أحمد الله تعالي، حمد معترف بنعمائه، وأشكره شكراً كفيلا برضائه سبحانه من إله كريم.. استوهبنا طمعاً في فضله.. فأجزل العطاء واستمحنا أملا في كرمه فمنح بسخاء.. فقد وهب لنا وهو ذو الفضل العظيم في الساعة الثالثة والدقيقة الثانية العربية من صباح يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1371 هجرية.. والساعة الثامنة والدقيقة العشرين الأفرنجية من صباح اليوم السادس عشر من يناير سنة 1952 ميلادية، مولودا ذكر أسميناه أحمد فؤاد تيمناً باسم المغفور له والدنا العظيم.. وكان ذلك بقصر عابدين العامر.. وقد صارت لولاية العهد علي عرشنا وفقا لأحكام الأمر الملكي الصادر في 13 أبريل سنة 1922 والمادة 32 من الدستور.. لذلك أصدرنا أمرنا هذا إلى مقامكم الرفيع لإثبات هذا الميلاد في السجل الخاص بأولادنا المحفوظ برياسة مجلس الوزراء.. ونشر هذا النبأ السعيد علي جميع الوزارات والمصالح الحكومية وفي جميع أنحاء الوادي شماله وجنوبه.. واتخاذ اللازم نحو إبلاغه رسميا جميع الهيئات السياسية والأجنبية بالمملكة وجميع سفرائنا ووزرائنا المفوضين في الخارج.. وكل من ترون إبلاغه ذلك.
اسأل الله العلي القدير أن يجعل هذا الميلاد فاتحة خير وإسعاد، وبشير يُمن للبلاد.. فيكشف عنها الضيق.. ويهيئ لها أسباب التوفيق.. وأن يبارك لنا فيه.. ويحقق للوادي أكرم أمانيه.. إنه أعظم مسئول، وأكر مأمول.. وسلام الله وتحياته عليكم.
صدر بقصر عابدين 18 ربيع الآخر 1371 في 16 يناير سنة 1952
فاروق
الأمر الملكي الثاني
نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان بعد الإطلاع علي القانون رقم 25 لسنة 1922 الخاص بوضع نظام الأسرة المالكة.. ونظرا لاستحسان نسبة إمارة ولي عهدنا إلى إقليم تضاف إليه، تنويها بمكانه بين أمراء الأسرة الملكة.
"أمرنا بما هو آت"
1- يطلق علي ولي عهدنا الأمير أحمد فؤاد لقب أمير الصعيد.
2- علي رئيس ديواننا تنفيذ أمرنا هذا صدر في قصر عابدين في 18 ربيع الآخر سنة 1371
في 16 يناير سنة 1952
فاروق
وتصدر الأوامر الملكية إلى الفريق محمد حيدر باشا وزير الحربية لإطلاق مائة طلقة من المدفعية في وقت واحد من القاهرة والسودان وغزة.. ووقع الاختيار علي القلعة في القاهرة لتنطلق منها طلقات المدفعية المصرية ابتهاجا بهذه المناسبة!.. وتم إعداد دفاتر خاصة في الحرم الملكي أعدها كبير الأمناء للسيدات اللاتي يحضرن وهن يرتدين "اليشمك" لتسجيل أسمائهن في دفتر التشريفات.. كما صدر الأمر برفع علم ولي العهد فوق الحرملك ثلاثة أيام.. وإصدار عدد خاص من مجلة الوقائع المصرية ينشر فيه الأمران الملكيان.. بينما صدرت صحف العالم وهي تحمل في صدر صفحاتها الأولي خبر مولد ولي العهد المصري.. ومن الصحف التي أبرزت صورتي فاروق وناريمان صحيفتا "ايفننج ستاندارد" و"ستار" الإنجليزيتان.. بالإضافة إلى صحف إيطالية اخرى !..
وتتوالي القرارات لإدخال السعادة في قلوب كل المصريين الذين وجدوا أنفسهم يعيشون عيدا من أعياد الأسرة المالكة في مصر.. كانت البداية حينما اجتمع مجلس الوزراء في الصباح وفي عدة ساعات ثم اتخذ القرارات الآتية:
1- اعتبار يوم 16 يناير إجازة عامة في جميع أنحاء البلاد.
2- توزيع 30 ألف جنيه علي أسر الشهداء والمصابين في منطقة القناة.
3- إنشاء مؤسستين اجتماعيتين أحداهما بالقاهرة والثانية بالخرطوم يطلق علي كل منهما اسم حضرة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير أحمد فؤاد.
4- إعفاء جميع طلبة الجامعة المصرية من المصروفات هذا العام ما لم يكونوا قد سددوها فعلا.
5- إطعام 100 ألف فقير بالمجان في جميع أنحاء البلاد.
6- منح عشر جنيهات لكل مولود ذكر من مواليد 16 يناير 1952.. كما تتوالي الجوائز:
تقترح جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) تخصيص جائزة مالية باسم ولي العهد تمنح لأنبغ طالب في كل كلية.. كما يوافق أحمد المراغي باشا وزير الداخلية علي اقتراح من كلية البوليس بتخصيص جائزتين الأولي قيمتها 25 جنيها تمنح سنويا لأصغر خريج والثانية شرفية عبارة عن علم الكلية تمنح للسرية الحاصلة علي أكبر مجموع في درجات الأخلاق طوال العام.
كما يقرر وحيد يسري باشا إطلاق اسم أحمد فؤاد ولي العهد الجديد علي كأس مباريات البولو.
وتبلغ المشاهدة قمة الإثارة حينما يخرج الملك فاروق إلى شرفة قصر عابدين وإلى جواره تجلس الملكة ناريمان علي مقعد ملكي ليواجها شعب مصر وجيشها بعد أن حلت السماء مشكلة من أخطر المشكلات التي واجهت الأسرة الملكية في مصر.. لكن أحداً في تلك اللحظة لم يكن يعرف ماذا تخبئه الأقدار لهذا الطفل الذي دان له حكم مصر وهو مازال في "اللفة".. ولا ماذا أخفت الأقدار للأسرة المالكة التي لم يخطر ببالها أن مشاكل أخري أهم قد بدأت!.. لقد فتح ديوان قصر الحكم في عابدين ملفا ملكيا جديدا باسم ولي العهد الأمير أحمد فؤاد.. وتقرر له راتب شهري خمسمائة جنيه أي ستة آلاف جنيه في العام.. لا يقبضها إلا حين يبلغ سن السابعة من عمره.. وتم تخصيص علم خاص بالبلاد باسم علم ولى العهد !!
فما هي حكاية علم ولي العهد؟ولماذا كانت له ثلاثة أعلام؟!
تقول السجلات الملكية في قصر عابدين أن ولي العهد له ثلاثة أعلام:
الأول علم ولي العهد..
وهو علي شكل العلم الوطني ومحلي بالتاج الملكي في الزاوية العليا المجاورة لعود العلم.. وهو يشابه علم الملك غير أن شكله مستطيل ناقص، ذو سنين من الجهة البعيدة عن عود العلم.
الثاني: اللواء البحري لولي العهد..
وهو أزرق اللون مستطيل الشكل وفي وسطه شعار الدولة الأكبر تحيط به قلادة نيشان محمد علي.. وفي كل زاوية من زواياه اللواء تاج ملكي ذو سنين من غير تيجان في زواياه.
الثالث: العلم الجوي لولي العهد..
وهو علي شكل مستطيل ناقص ذي سنين من الجهة البعيدة من عود العلم ومكون من أربع قطع مستطيلة بيضاء.. وخمس قطع مستطيلة خضراء.. ومحلي بالتاج الملكي في الزاوية المجاورة لعود العلم..!
إلا أن مربية ولي العهد بدأت في تدوين يوميات الأمير أحمد فؤاد الخاصة في ملف خاص خلال الأيام والشهور القليلة التي أعقبت مولده.. فما هي الأسرار التي تضمنتها هذه الأوراق؟!
أجندة المربية:
استحم ولي العهد لأول مرة في اليوم التاسع من ولادته.. ومزجوا له الماء بمعلقتي أكل من بيكربونات الصودا!.. ومرهم البنسلين وضعوه في عينيه.. وتم تدليك بشرته بمرهم مليتامين.. وضعوا فوق شفتيه جوركس جليسرين.. وكانت درجة حرارته ما بين 37 و37.5 درجة.)))
وتحكي مذكرات مربية ولي العهد المصري عن أشياء لم يحظ بها طفل آخر في مصر كلها.. طولها وعرضها.. فالمذكرات ترصد وزن وحجم ولي العهد يوما بعد يوم.. طوله وعرضه.. متي أكل.. ومتي شرب.. ومتي نام؟!.. كيف استحم لأول مرة؟! وما هي أنواع المراهم والبودرة وقطرة العين ونقط الفيتامينات التي كانت مخصصة له وحده في مخدعه الملكي وسط الخدم والحشم والوصيفات والحراس.. والمراسم والطقوس!..
كما تحي المذكرات عن يوم "السبوع" ويوم "الطهور".. ويوم خلع الملك الأب ونفيه خارج البلاد المصرية إلى دولة إيطاليا.. المذكرات كانت مدونة في أجندة مربية ولي العهد.. بعضها نقل إلى ملف ولي العهد الذي أمر بتخصيصه رئيس مجلس الوزراء طبقا للعادات الملكية.. وبعضها ظل في الأجندة الخاصة بمربية ولي العهد.. تلك الأجندة التي عثرت عليها لجان ثورة يوليو التي قامت بحصر القصور الملكية ومحتوياتها عقب قيام الثورة..
وهذا جانب من سطور الأجندة المكتوبة باللغة الإنجليزية!
ولد في الساعة 8.30 من صباح الأربعاء 16 يناير سنة 1952.. وكان طوله 53 سنتيمترا.. ووزنه 3 كيلوجرامات و400 جرام.
كان وزنه في اليوم الثاني 3 كيلوجرامات و360 جراما.. وفي اليوم الرابع 3 كيلوجرامات و280 جراما.. وفي اليوم السادس 3 كيلوجرامات و200 وفي اليوم الثامن 3 كيلوجرامات و410 جرامات.. وفي اليوم الثاني عشر 3 كيلوجرامات و570 جراما.. وفي اليوم التاسع عشر 3 كيلوجرامات و670 جراما. ثم يصل الوزن في أول ابريل 4 كيلوجرامات و800 جرام.
استحم ولي العهد لأول مرة في اليوم التاسع من ولادته.. ومزجوا له الماء بمعلقتي أكل من بيكربونات الصودا!.. ومرهم البنسلين وضعوه في عينيه.. وتم تدليك بشرته بمرهم مليتامين.. وضعوا فوق شفتيه جوركس جليسرين.. وكانت درجة حرارته ما بين 37 و37.5 درجة.
أجروا عملية الطهارة لولي العهد صباح يوم 13 فبراير "أي بعد 27 يوما من ولادته".
أضيفت نقط الفيتامين إلى طعامه ابتداء من يوم 15 فبراير.
إنه هادئ الطبع.. يتمتع بصحة جيدة معظم الأيام.. ينام ويأكل ويتأثر بما حوله بشكل جيد..!
أما الليلة التي لم تمكن فيها الأقدار مربية ولي العهد من تسجيلها فكانت أخطر ليلة في حياة الملك الصغير.. الملك الطفل الذي أصبح بقيام ثورة يوليو آخر ملوك مصر.. إنها ليلة طرد والده الملك الكبير فاروق الأول من البلاد.. ليلة 26 يوليو 1952 حينما وصل إنذار مجلس قيادة الثورة إلي فاروق الأول بضرورة التنازل عن العرش إلى ولي عهده.. ومغادرة الإسكندرية قبل الساعة السادسة مساء يوم 26 يوليو.. لم تكتب مربية ولي العهد شيئا عن أحواله في هذا اليوم.. رغم أنه اليوم الذي أصبح فيه ولي العهد ملكا رسميا علي البلاد بقرار من ثورة يوليو.. وبأمر ملكي طالبوا أباه بتوقيعه بعد الإقرار له بالنزول عن عرش مصر!
لم تكتب المربية سطرا واحدا فقد طويت الصحف.. وأسدل الستار علي الحياة الملكية.. ولم يعد في مقدور ملك البلاد الكبير أو الصغير.. الأب أو الابن.. البقاء فوق أرض البلاد لحظة واحدة بعد السادسة مساء لكن مربية ولي العهد قالت للصحفيين:
"اليوم يعز علي قلبي فراق هذا الطفل اللطيف"!
وقال لي قائد اليخت "المحروسة" الذي نقل الملك وأسرته من الإسكندرية إلى إيطاليا.. وهو اللواء بحري جلال علوبة إن فاروق لم يهتز إلا حينما بدأ اليخت في الابتعاد رويدا رويدا عن الإسكندرية.. كان فاروق يقف علي سطح اليخت يلوح بيده ويودع البلاد بنظرات طويلة من عينيه اللتين بللتهما الدموع.. ويقول لي جلال علوبة: كان الملك يشعر أنه لن يعود إلى هذا المكان ثانية. هكذا كانت عيناه تنطقان..
ويضيف :لم أره حزينا منذ قيام الثورة إلا في تلك اللحظة التي كانت فيها صورة الإسكندرية تتضاءل أمامنا كلما توغل اليخت بعيدا وسط أمواج البحر!.. أما الملك الصغير فكانت أمه تحمله وتجلس وسط الأميرات والصغيرات بنات الملك من زوجته الملكة فريدة.. كان أحمد فاروق الذي لم يكمل بعد شهره السادس يميل إلى النعاس.. لكنه ظل يقاوم النوم حتي اختفت صورة الإسكندرية عن الأنظار.. وكأنه كان يودعها دون أن يدرك بعد أنه الملك الصغير الذي خاض رحلة النفي بعد ساعات قليلة من تنازل أبيه عن العرش له!
.. وهكذا فرض الليل الطويل نفسه علي أسرة الملك الحزينة وسط أمواج البحر التي صنعت خلفية موسيقية مناسبة للوحة النفي التاريخية.. كان الملك بين الحين والآخر يختلس نظرة سريعة وحزينة إلي طفله الملك الصغير بين أحضان أمه الملكة.. ها هو الطفل الصغير الذي طال انتظار الأسرة المالكة له ليجلس فوق عرش مصر قد أتي.. ولكن في الوقت الضائع.. ولن يحتسبه الزمن أبداً رغم أن الجميع شاهدوه وهو يدخل في شبكة التاريخ كآخر هدف تحرزه الأسرة المالكة!
ضاعت الهالة.. وانطفأت الأضواء من حول الملك الصغير!
حجرته الجميلة في قصر المنتزه الذي ليس لجماله وروعة أشجاره ونباتاته نظير في الشرق كله.. لم تعد حجرته من الليلة.. لن ينام فيها أو يدخلها أو حتي تبقي فيها أشياؤه.. كانت صورة الحجرة مازالت ماثلة في خاطر الملك الأب وهو ينظر إلى ابنه الملك الطفل بين ذراعي أمه.. حجرة مميزة تقع في الدور الثاني بقصر المنتزه.. علي يمين المصعد تماما.. وفي نهاية ممر طويل يطل علي بهو القصر.. وفي مدخل الحجرة كرسيان "فوتيل".. ومائدة.. وشيفونيرة.. وفوق الأرض سجاد عجمي! وداخل ممر الحجرة دولاب رائع يحتوي نصفه علي ملابس وأشياء المربية الخاصة لأحمد فؤاد.. ونصفه الآخر علي كتب علمية عن تربية الأطفال.. وأجندة مذكرات المربية الخاصة! ثم تبدو الحجرة كبيرة للغاية سقفها مرتفع بشكل ملحوظ.. لها بابان.. وأربع نوافذ تطل علي البحر.. طلاؤها من اللون السماوي.. أما محتوياتها فكانت كالآتي:
سرير صغير مستطيل ذو حواجز خشبية.. فوقه "ناموسية" من "التولي".. ومرتبة سرير ومخدة من الحرير!
دولاب صغير عليه لعب أطفال من الصيني ومربعات من الباغة بداخلها لعب أخري.
دولاب آخر علي شكل مستطيل.. فوقه بالونات علي شكل كرة ملونة.. وبطة من الباغة، كلما تحركت انبعثت منها أصوات ونغمات موسيقية.. وداخل الدولاب فساتين من الأورجاندي الأبيض المشغول بالدانتيل.. و14 شماعة ملابس.. وفي أرضية الدولاب طقم ملابس طفل "بيبي" من الستان.. وكيس بخور!
بارفان.
شفونيرة ذات ضلفتين.. بها بشاكير غسيل.. وفي الدرج الأول ثلاثة قمصان للنوم من الحرير المشغول في فرنسا.. وفوق الشيفونيرة مربعات من الباغة داخلها لعب أطفال مختلفة.
مقعدان عاديان وثلاثة كراسي "فوتيل".
دولاب كبير ذو أربع ضلف.. وفي داخل هذا الدولاب وأدراجه مفارش وملاءات سرير عليها التاج الملكي وكوفرتات صيفية وشتوية من صوف التريكو.. كما توجد مرآة وعلبة بودرة وطاقم سفرة من الفضة الخالصة وأدوات حمام وأربعة فساتين وقبعتان للشمس.
منضدة صغيرة وحولها كرسيان للأطفال من نوع "الفوتيل".
ملحق بالحجرة حمام خاص يفصله عن الحجرة ممر صغير.. يوجد قبله مكان آخر للجلوس، لكن فوق المخدات الملكية!
لقد دخلت حجرة آخر ملوك مصر ذمة التاريخ في 26 يوليو 1952 لم تعد حجرته.. ولم يعد مليكها.. بل ضاعت مع كل الأمور التي صاحبت مولد أحمد فؤاد إلى خارج مصر.. دون أن يقترف ذنبا واحدا.. في يوم مولده تهامست الألسن حول علاقة أبيه الملك بأمه الملكة ناريمان قالوا إن الأمير ولي عهد البلاد تمت ولادته قبل أن يكتمل الشهر السابع علي زواج والديه.. أي أن أمه الملكة حملت فيه في فترة الخطوبة.. لكن كان هناك من يرد الغيبة الملكية من أبناء الشعب البسطاء الطيبين.. ويتساءلون لماذا لا يكون ولي العهد ابن سبعة!
.. وفي اليوم العاشر من مولده احترقت القاهرة كلها في عشر ساعات بفعل فاعل.. ونشرت الحكومة إعلانات في الصحف عن مكافأة مالية ضخمة لمن يرشد عن حالة انحراف تكشف الفساد الذي يسود البلاد.. وعندما بلغ ولي العهد الصغير نهاية شهره الخامس قامت ثورة يوليو لتخلع والده عن عرش البلاد وتسدل الستار علي الحياة الملكية في مصر.. وفي الأسابيع الأولي من شهره السادس كان مع أسرته الملكية قد غادروا مصر التي بدأت عهدا جديدا مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.